آراء

أبوبكر خليفة: الأمم المتحدة وليبيا من سانلو الى كوبلر

abobakir khalifaالأمم المتحدة منظمة عالمية تضم في عضويتها جميع دول العالم المستقلة تقريباً. وتأسست منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 24 أكتوبر عام 1945 في مدينة سان فرانسيسكو، كاليفورنيا الأمريكية، تبعاً لمؤتمر "دومبارتون أوكس" الذي عقد في العاصمة واشنطن. ومنذ عام 1919الى 1945 كان يوجد منظمة شبيهة بمنظمة الأمم المتحدة وتدعى "عصبة الأمم "،إلا أنها فشلت في مهامها خصوصاً بعد قيام الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى نشوء الأمم المتحدة بعد انتصار دول الحلفاء (بقيادة أمريكا) وتم إلغاء عصبة الأمم.  وبالنسبة لحكاية ليبيا مع الأمم المتحدة، فقد بدأت بالحادثة المعروفة التي ترتب عليها إعلان استقلال ليبيا من داخل أروقة الأمم المتحدة وذلك في 24ديسمبر عام 1951، تلك الحادثة التي كان بطلها يدعى "سانلو" وهو مندوب دولة "هايتي "الصغيرة في الأمم المتحدة وهي من أفقر الدول في الأمريكتين، ففي سنة 1949 إجتمعت المجموعة الدولية للتصويت على مقترح لتقسيم ليبيا فيما عرف بـ (مشروع بيفن سفورزا) حيث طلب من مندوبي الدول المجتمعين؛ التصويت على مشروع الوصاية والذي يمهد للتقسيم الفعلي (يتضمن تقسيم ثلاثي للوصاية على ليبيا بين بريطانيا وإيطاليا وفرنسا لمدة 10 سنوات)، لكن صوت " سانلو " الذي خالف تعليمات حكومة بلاده منع نجاح وتمرير هذا المشروع بفارق صوت واحد، وكانت لحظة تاريخية ومفصلية في تاريخ ليبيا حيث ترتب على فشل هذا المشروع التصويت على إستقلال ليبيا في 24/ديسمبر/1951 وأصبحت ليبيا دولة موحدة ومستقلة، والفضل في ذلك من بعد إرادة الله يرجع الى "سانلو " الذي فصلته حكومته من وظيفته كمندوب لها بعد هذا الحادث، وأشيع أنه كان مخمورا عندما صوت ولم يكن يعي مافعل، لكن الملك إدريس السنوسي (رحمه الله) قام بتكريمه لدوره، وأصدر مرسوماً يقضي بتعيين "سانلو " مستشاراً للسفارة الليبية في الولايات المتحدة الأمريكية مدى الحياة،وأيضاً تم لاحقاً إطلاق إسم "هايتي" على أحد شوارع طرابلس.

وشهدت مرحلة العهد السابق شدا وجذبا بين الأمم المتحدة وليبيا، نظراً لعدم رضا الزعيم الراحل معمر القذافي عن أداء الأمم المتحدة، وعن كونها ليست إلا مطية طيعة في قياد الأقطاب المهيمنة على الساحة الدولية، وكان يرى بأنها يجب أن تكون عادلة في تمثيلها لإرادات جميع الدولة المستقلة الأعضاء فيها. .وقد بعث في عام 2005 برسالة الى الأمم المتحدة بضرورة منح صلاحيات أوسع للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإنه يجب إصلاح الأمم المتحدة وليس توسيع مجلس الأمن،وطالب أن تكون الجمعية العامة "هي الآمر والناهي وهي المشرع _الدولي والبرلمان صاحب السيادة الدولية ".وفي سنة 2009 كانت الحادثة الشهيرة والتي عبر فيها القذافي عن غضبه من مجلس الأمن، عندما قام برمي ميثاق الأمم المتحدة أثناء إلقائه لكلمته، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي يرى الكثيرون بأنها أوغرت القوى العظمى عليه. وفي سنة 2011 أثناء إنتفاضة 17فبراير برزت منظمة الأمم المتحدة بقوة في مشهد التغيير الليبي، حيث ألقى "عبدالرحمن شلقم"مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة آنذاك كلمته، والتي استنكر فيها وعيد وتهديد القذافي بتحويل ليبيا الى "كتلة من الجمر "،وحث الأطراف الدولية على التحرك على التحرك لإنقاذ ليبيا ووقف حمام الدم وإتخاذ قرار شجاع لحماية المدنيين الليبيين، وقد شاع حينها أن السيد عبدالرحمن شلقم كان تحت تأثير حالة من السكر وبأنه لم يكن بكامل وعيه،وهو يذرف الدموع ويطالب المجتمع الدولي بالتدخل، وإذا صح ما أشيع فشتان مابين سكرة "سانلو "والتي ساهمت في بناء ليبيا وإنقاذها من التقسيم، وسكرة "شلقم" التي مهدت الى دمارها، وتكاد أن تؤدي بها إلى التقسيم.... فمنذ ذلك الحين وضعت ليبيا تحت "الفصل السابع" منذ فبراير 2011، ويسمح الفصل السابع بممارسة الضغط على أي بلد لكي يمتثل لقرارات مجلس الأمن الدولي، ويهدد السلم،وتتراوح العقوبات بين العقوبات الاقتصادية وحتى إستخدام القوة العسكرية؛ ثم كانت قرارات مجلس الأمن المستندة إلى الفصل السابع :قرار رقم 1970 والذي فرض عقوبات دولية على نظام معمر القذافي، وفوض المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم التي إقترفتها قوات القذافي ضد المدنيين الليبيين، ولكن هذا القرار لم يشر إلى إستخدام القوة العسكرية، لذلك صدر القرار التالي رقم1973الذي يخول إستخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين، وإستبعاد أي قوة إحتلال أجنبية أي كان شكله على أي جزء من الأرض الليبية. .لكي يبدأ حلف "الناتو " الذراع العسكري لمجلس الأمن بدك البنية التحتية العسكرية للنظام السابق. . وطوال تاريخ منظمة الأمم المتحدة ومن خلال إدارتها للكثير من الأزمات الدولية،لم يثبت بأنها تمكنت من فض نزاع كبير، أو أنها قامت بتسوية مشهودة، لإن الأمم المتحدة (كما يرى الكثير من الباحثين والملاحظين )ليست في المحصلة سوى أداة لدى القوى الدولية المهيمنة وتظل رهن مشيئتها وتحت ضغط إملاءاتها، وأرى بأنه لولا "حق الفيتو " والذي هو إمتياز للمنع من حق خمس من الدول الكبرى، وهو المجال أو الحيز المتبقي للمناورة المتبقي من زمن "توازن القوى الدولي" وحقبة الحرب الباردة،حيث مازالت مثلا روسيا والصين تنازعان أمريكا النفوذ عن طريق هذا الحق،وتلعبان دورا في كبح جماحها وطموحاتها الإمبراطورية، وإلا لكنا ربما وصلنا الى الحرب العالمية الرابعة ربما. .فكأن الأمم المتحدة ماهي إلا راعية للأزمات حتى تظل على حالها. وبالنسبة لليبيا فمن"عبدالاله الخطيب"الى "طارق متري" الى "بيرنادينيو ليون" وأخيراً "مارتن كوبلر"،لم تزد الأزمة الليبية إلا تعقيداً وتشابكا ككرة الثلج المتدحرجة؛ فهل إستطاعت الأمم أن تحول دون إصدار القرار رقم (7) الظالم ضد مدينة بني وليد، والذي أحدث شرخا إجتماعيا ليس من السهل جبره وجسره؟ وهل حالت الأمم المتحدة دون تدمير مقدرات الشعب الليبي كمطار طرابلس الدولي، أو حرق خزانات البترول، أو التحكم في إنتاجه من طرف أمراء الحرب؟. وهل عملت على أوساعدت على عودة مهجري تاورغاء أو العوينية إلى مناطقهم؟. وهل ساهمت في بناء المؤسسات العسكرية والأمنية لمواجهة الإرهاب؟ وفي المقابل الشروع في خطة لتفكيك المليشيات ؟ بل حتى رعايتها لجولات الحوار الليبي، هي أشبه برعاية الذئب للحملان. . فحدث ولا حرج عن الشخصيات الجدلية التي فرضت من طرف الأمم المتحدة على طاولة الحوار،إضافة الى ترشيح أسماء مجهولة معلومة لم يلحظها أحد حتى أظهرتها الأمم المتحدة، ووراء الأكمة ماوراءها...وهانحن اليوم في عهد "مارتن كوبلر " الذي يتنقل بين أطراف الأزمة ولايفرق كمن سبقه بين ميليشيات أو جيش، ومابين شرعي وغير شرعي، ويتحرك بخفة غريبة كطائر الشعير، وينفخ على نار الأزمة بجنون فما عرفناه هل يقصد إطفاءها أم إذكاء نارها وأوارها.

 

 د. أبوبكر خليفة أبوبكر – الرباط / المغرب 

 

في المثقف اليوم