آراء

كريم المظفر: بعد فوز ترامب – كذب الاعلاميون والمحللون وأن صدقوا

karim almudafarلم نفاجأ من فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية، ليكون الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة الامريكية وإفشال حلم العجوز كلنتون التي كانت تنوي أنهاء مسيرة حياتها السياسية بحلم الوصول الى سدة الرئاسة، لتكون أول إمرأة امريكية تحقق ذلك، وعلى ما يبدو فإن الرياح أتت بما لاتشتهي، فبدلا من توجهها الى البيت الابيض كما كانت تحلم قبل إعلان النتائج، ذهبت للمستشفى للعلاج من نزلة البرد التي تعرضت لها خلال حملتها الانتخابية، مكتفية بارسال سكرتيرها لتقديم التهنئة لغريمها ترامب بفوزه في الانتخابات، لأنها على ما يبدو لا تتجرأ على الاعتراف بالهزيمة (كأي أمرأة) .

المراقب لمراحل إستعداد المرشحين لهذه الانتخابات، يرى أن هلاري كلينتون سارت بقوة منذ البداية، مدعومة بأموال عربية وحملة إعلامية دفع لها الكثير من اجل الترويج لبرنامجها الانتخابي، باعتبارها المخلص لما أسموه بالغطرسة الروسية، وستوقف طموحاتها والمشاركة في صناعة القرار في منطقة الشرق الاوسط، بعد أن كان حكرا على الولايات المتحدة الامريكية واذنابها في المنطقة العربية . بالاضافة الى التحليلات الصحفية التي كانت تمتلأ بها الشاشات العربية، ومحلليهم الكرام، الذين أجمعوا في تحليلاتهم وتصريحاتهم وكتاباتهم، بان النجاح سيكون حتما للمرشحة الديمقراطية مستندين على أرقام إستطلاعات الرأي حتى اللحظة الاخيرة من إعلان النتائج، كانت الشاشات العربية تتسابق بمحلليها عللى إعلان تفوق الديمقراطية العجوز، إلا إن الرياح أتت مرة أخرى بما لايشتهي محللينا وقنواتنا التلفازية، وبذلكلم تفقد فقط الاموال الطائلة التي تم تخصصيها لدعم حملة كلنتون الانتخابية، بل أيضا فقدت جانبا مهما من مهنيتها الصحفية، إلا وهي مصداقيتها ومحلليها، الذين باتوا يلقبون  (بالمخربين) للعقول.

أما المرشح الجمهوري فإنه يذكرنا برفيقه في الحزب جورج بوش الابن (2001 – 2009) الذي بدأ حملته الانتخابية بأضعف مايمكن وصفه، وليس هذا فقط، فقد فشل في جميع مناظراته التلفزيونية أمام خصومه، وأتهم بالهبل تارة، وبأنه ذلك السكير والمدمن والمتسكع في شوارع مدينته تارة أخرى، بالاضافة الى جهله بالسياسية الدولية، حتى إنه سئل في إحدى المناظرات التلفزيونية عن خطته للتعامل مع حركة طالبان، فقال (أن مثل هذه الفرقة الموسيقية لم أشاهدها، ولكنها تعزف جيدا)، لكنه في النهاية تربع على كرسي البيت الابيض لفترتين متتاليتين .

فالمرشح الجمهوري ترامب بدأ ضعيفا كغيره من المرشحين الجمهوريين، لكنه مسلح بالمال والجاه، دون حاجته الى الاموال العربية، ولأنه يعرف لغة المال والاقتصاد بأعتبارها اللغة الاقوى وهي من تقود العالم الان أكثر من خريمته، لذلك رفع شعار التغيير في كل شيء وابتعد عن الدبلوماسية السياسية المعتادة، فمنذ اللحظة الاولى مد يده الى روسيا للتعامل معها في معالجة العديد من الملفات الدولية وبالاخص منها ملف العلاقات الثنائية بين موسكو وواشنطن، ودعمه الكامل لمدللتهم (اسرائيل) وهي المباركة التي يجب على كل رئيس تقديمها وبعكسها لن يتحقق له حلمه، بالاضافة الى ملف المهاجرين حيث رفض استقبالهم في الولايات المتحدة، لكنه وعد بتوفير لهم الامان والسكن داخل بلادهم، وغيرها من الوعود الصريحة والغير مغلفة بنوايا مغايرة .

فوز المرشح الجمهوري كشف لنا وبشكل حقيقي من جانب، هو زيف استطلاعات الرأي التي تقوم بها كبرى المؤسسات الغربية والامريكية، وطريقة تعاملها مع الاحداث وفق سياسات ومفردات تتناسب وحجم المبالغ التي تلقتها من أجل تنفيذ هذه الحملة لتحسين صورة هذه الشخصية أو تلك، أو لتلك الدولة ضد أخرى، أما الجانب الاخر، فقد كشف لنا مدى سطحية وسائل اعلامنا الموقرة التي تخصص لها ملايين الدولارات للقيام بحملة توعية للتعريف بهذا الحدث الدولي أو ذاك، وأثبتت بانها مجرد الالات بايادي غربية وامريكية، وترديد ما مطلوب منها دون زيادة أو نقصان، غير آبهة بما يترتب عن ذلك من آثار على المشاهد العربي المتعطش الى اي شخصية دولية تنتشله من واقعه الاليم، بالاضافة الى إن هذه الانتخابات كشفت لنا دقة محللينا السياسيون والاقتصاديون و. و . الخ .. في ترديد (التهم) الى الرئيس الامريكي الجديد .. فقالوا عنه بأنه العنصري، واليميني، والمحتقر للمرأة، والمتحرش بالنساء، والمعادي للاسلام والمسلمين، والمتهور، وغير المؤهل لقيادة دولة عظمى، توقعاتهم وتحليلاتهم التي اتحفونا بها منذ أكثر من شهرين والتي لم يتوقع فيها اي منهم فوز المرشح الجمهوري . بل على العكس كانوا يشاركون في زرع الالغام للمرشح ترامب والخوض في موضوعات تخص حياته العائلية والخصوصية، لكنهم لم يتطرقوا الى السلبيات التي تغطي جسد العجوز (كلنتون)، وأهمها وباعترافها الشخصي في كتابها بأنها هي من أسست (داعش) والتي تسببت في تدمير البلدان العربية وسقوطها الواحدة تلو الأخرى، وحلصت على موافقة اكثر من مائة دولة لغرض إعلان الدولة الاسلامية، وغيرها من القضايا التي لا يسعفنا المقام في ذكرها اللان .

لسنا من المؤيدين لأي من المرشحين في الانتخابات الامريكية، لكننا حزينون من الانحطاط الاعلامي والاخلاقي العربي الذي وصلنا اليه، الذي أكد أنه لازال طوعا لرغبات غربية وأهداف غربية مشبوهة رغم علمه المسبق بهذه النوايا وعدم صحتها، ولكن يبدو أن اعلامنا ومحللينا تعودوا على أن من يضع في جيبيهم درهما اضافيا فقد ملكهم عبيدا (مع الاعتذار للقصيدة) .

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم