آراء

ابوبكر خليفة: من معوقات بناء ليبيا الجديدة

abobakir khalifaتعبر الوطنية عن تلك المشاعر المتقاطعة من الفخر والانتماء والإعتزاز بهوية الدولة، بكل ماتمثله هذه الهوية لغة ودينا وثقافة، ويفترض أن تتكون الوطنية في ذات الفرد وتولد معه، وتتعزز مع التربية الأسرية، ومع مايلتقطه الفرد من توعية خلال التفاعل مع مجتمعه، وأيضاً مع ماترسخه الدولة من قيم وعقائد بمؤسساتها المتعددة وفي المراحل المختلفة التي يمر بها الفرد، وإذا كان الفرد يفطر على الوطنية وينمو إحساسه بها كلما تقدمت مسيرته في الحياة، فإن المواطنة تشكل التتويج لهذه الوطنية، ويكتسبها الفرد من الحقوق السياسية والمدنية والإقتصادية والإجتماعية التي تمنح له من طرف دولته، وأيضاً مقابل تأديته للإلتزامات المنوطة به تجاه دولته؛لذلك فإن الوطنية هي بمثابة حجر أساس المواطنة، أو هي القاعدة الصلبة التي تغرس فيها أركان المواطنة، فالعلاقة بين الوطنية والمواطنة هي كالعلاقة بين الأصل والفروع، فإذا كانت الوطنية كالنبتة، فلن تنمو فروع المواطنة، ولن ترسخ جذور الوطنية إلا عندما تتعهد الدولة برعايتها، عن طريق تعزيز حقوق المواطنة... أما الجهوية؛فهي تتعارض مع الوطنية وتناقض المواطنة، لأنها تعكر صفو الوطنية، وتضخم من أنا الإنتماء الى الجهة أو المنطقة على حساب وبمواجهة الجهات أو المناطق الأخرى في الدولة، وتهدف الى حصر واحتكار الإمتيازات والحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والإجتماعية... وتمر ليبيا بعد إنتفاضة وتغيير 2011 بطغيان المفاهيم الضيقة المقصية كالجهوية والقبلية على حساب المفاهيم الواسعة الجامعة كالوطنية والمواطنة، وأرى أنه يمكن إرجاع ذلك للعوامل التالية:

أولا/ العوامل الداخلية: والتي تتمثل في فشل وإخفاق التجربة السياسية في ليبيا، فالمؤتمر الوطني العام وهو أول برلمان منتخب بعد تغيير 2011 لم يفلح في تأسيس الإستقرار وتحقيق الديمقراطية، والتي تهيئ لإرساء دولة المواطنة والحقوق، نظراً لما شابه من إنقسامات وإستقطابات، حيث الصراع الذي ظل يدور داخل أروقته بين الإسلاميين والعلمانيين والذي تجسد في تكتلات وتحالفات، وأيضاً الصراعات الجهوية والقبلية التي صبغت الأحزاب الناشئة، وإزدادت حدة الإنقسامات السياسية بإنتخاب مجلس النواب، والذي يفترض أن يحل محل المؤتمر الوطني العام، لكن فشل الإسلاميين في الإنتخابات جعلهم يتمسكون بالمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته وتطويع القضاء لتسويغ بقائه. .ليستمر الركود السياسي مع تحول الصراع السياسي الى صراع عسكري ؛يمثل طرفي النزاع فيه؛  قوات "الكرامة" الممثلة لمجلس النواب، وقوات "فجر ليبيا" الممثلة للمؤتمر الوطني العام، وما ترتب على صراعهما من إصطفافات سياسية وإجتماعية، ومن إنهيار إقتصادي وأمني، ولم يفلح  إتفاق "الصخيرات" ( والذي تم في ديسمبر2015) والذي تمخض عن جولات  مكثفة من الحوار بين الطرفين المتنازعين في تجسيد حكومة وفاق قوية، خاصةً وأنها أي حكومة الوفاق رغم الدعم الدولي لها لم تنل ثقة مجلس النواب، إضافة الى تغلغل التطرف.

ثانياً / العوامل الخارجية: وتتمثل في التدخلات الدولية والإقليمية السافرة في الشأن الليبي، والتي كان لها الدور الأكبر في تأجيج النزاعات والإنقسامات الجهوية والقبلية، والتي تزعزع الوطنية وتعطل تعزيز المواطنة، حيث نجد دولا كأمريكا وبريطانيا وايطاليا وفرنسا وتركيا تناصر وتدعم كل منها طرفاً أو أطرافا في مواجهة طرف أو أطراف أخرى، وأيضاً ينطبق الأمر على الدول العربية والإقليمية فنجد أن مصر والسعودية وقطر والإمارات كل منها توالي طرفاً أو أطرافا في مواجهة طرف أو أطراف أخرى.بالإضافة الى شبهة دعم وتمكين الإرهاب في ليبيا من طرف بعض الدول.

ثالثاً / العوامل الذاتية والإجتماعية: وأعني بها الجهوية والقبلية والتي ترسخت في وعي الأفراد  منذ حقب بعيدة، حيث أن ليبيا بعد تحررها من أغلال الإستعمار في خمسينيات القرن الماضي، لم تتأسس كدولة مدنية حديثة تنصهر فيها الروابط الإجتماعية في كنف دولة المؤسسات والحقوق ، التي ترفع من شأن الوطنية و تكرس فكر المواطنة في إطار دستوري، ولم تتخلص بعد من العوائق الإجتماعية التي كانت ولازالت تتحكم في المشهد السياسي الليبي.

 

د. ابوبكر خليفة أبوبكر

 

في المثقف اليوم