آراء

ابوبكر خليفة: ليبيا بين حلم دولة المؤسسات وواقع دولة المليشيات

abobakir khalifaفي ظل هذا المشهد الفسيفسائي من المليشيات في ليبيا، نحن حقيقة وواقعا لسنا أمام مجرد ثلاثة حكومات أو أربعة وحسب، بل نحن وبحكم واقع السلطة على الأرض أمام حكومات مليشياوية متعددة منتشرة على طول البلاد وعرضها،تمثلها مليشيات جهوية وأخرى مؤدلجة وثالثة مافيوزية (يتزعمها تجار السلاح والبشر"المرتزقة")، وقادة المليشيات بحكم نفوذهم القوي داخلياً وخارجياً هم الحكام الفعليون في البلاد، وكذلك المجالس العسكرية التي تأسست أثناء ثورة فبراير في كل المناطق تحولت الى مليشيات نافذة، ولعل ذروة تحكم وسطوة المليشيات تتمثل في العاصمة طرابلس، حيث يتواجد بها جميع أصناف المليشيات، والتي بالإضافة الى مليشياتها القائمة تدافعت إليها مليشيات أخرى في مراحل مختلفة من كل أنحاء البلاد، وآخرهم من بقايا الذين فروا بعد تقدم الجيش في بنغازي، وربما الآخرون من الدواعش الذين فروا من سرت بعد أنهيار وهزيمة تنظيم داعش هناك، هذه المليشيات التي تتبدل تحالفاتها واصطفافاتها حسب المصالح ومع تطور الأحداث، فإن إجتمعت اليوم على أمر تعود الى التناقض والتصادم لاحقا، لكن في المحصلة فإن لكل مليشيا نفوذها ومواطن هيمنتها وجهاز مخابراتها وأجهزة قمعها، وماإستعراض "غنيوة الككلي" حاكم دويلة"ابوسليم" الطرابلسية الافتراضية إلا إعلان عن هذه السلطة الفعلية، وكذلك صولات وجولات "التاجوري "، والنفوذ المتجذر ل "عبدللحكيم بلحاج"، والقبضة القوية الصارمة للشبخ "عبدالرؤوف كارة"، والذراع الطويلة ل"خالد الشريف "وغيرهم....وحتى مشروع "الحرس الرئاسي" لو إفترضنا صدق المقاصد لإنشائه لن يكون إلا صدى للميليشيات المتحكمة، فهاهو "فائز السراج"رئيس المجلس الرئاسي يريد أن يعتمد حرسا رئاسيا، وكذلك"خليفة الغويل" رئيس حكومة الإنقاذ يريد تكوين حرس رئاسي هو الآخر، وستذهب كل الميزانيات كالعادة من أموال هذا الشعب القابع في قرارة البؤس وصميم المعاناة من أجل دعم هذه الكائنات المدججة بالحديد والنار.....ولكن أيضا وفي ظل هيمنة وسطوة المليشيات وفي العاصمة طرابلس خاصةً نظراً لغياب الدولة الحقيقية بمؤسساتها المتعارف عليها عالمياً كالجيش والشرطة، نجد أن بعض المليشيات الغير المؤدلجة خصوصاً أو الجهوية او ذات التوجه السلفي المعتدل، نجد أنها لعبت دوراً مهماً في ضبط الأمن ومحاربة الجريمة، لذلك نجد أن الشيخ "عبدالرؤوف كاره"كأحد قادة المليشيات في طرابلس يحظى بشعبية وقبول عند عدد كبير من الناس نظراً لجهوده في محاربة الجريمة، وأيضاً نجد أن آخرين أيضاً من أشهر قادة المليشيات في طرابلس ك "هيثم التاجوري" أو "غنيوة الككلي" في "حي أبوسليم"يحظون أيضاً بقدر لايقل من القبول عند بعض من الناس أيضاً،نظراً لمساهمتهم في ضبط الأوضاع في العاصمة وتسيير أحوال الناس...حيث وبعد المناوشات المسلحة بين المليشيات التي حدثت في المدة الاخيرة في طرابلس، صرح "هيثم التاجوري" بانهم يريدون الحفاظ على العاصمة من عبث المليشيات الدخيلة وخاصة ذات الأجندة المتطرفة، وأنهم يريدون طرابلس آمنة. ..تلك المناوشات المسلحة والتي تندرج عند الكثير من المتابعين في إطار  إعادة رسم دوائر النفوذ بين المليشيات المتنافسة، وتستمر الأزمة الليبية برعاية المجتمع الدولي فرغم إعترافهم بإنتصارات "الجيش الليبي " الذي دحر الإرهاب في بنغازي أو يكاد، وهذا يعني إعترافهم الضمني أيضاً بأن هناك نواة مؤسسة جيش حقيقي في طور التأسيس،بكل مالهذا الجيش من حرفية وإنضباط، وأيضاً فإن هذا الجيش تنتشر كتائبه في معظم مناطق ليبيا، إلا أن هذا المجتمع الدولي مصر على الإلتفاف حول الحلول الناجعة ووضع العربة أمام الحصان، الأمر الذى يدفع إلى مزيد من الإرباك والتشظي في المشهد الليبي.. لذلك يجب على الليبيين أن لا ينسوا أن ليبيا كيان يرزح تحت وصاية الأمم المتحدة، ومجرد ملف في أدراجها، ولن تصبح ليبيا دولة مؤسسات حقيقية من جديد إلا بتكاثف جميع أبنائها، وتأتي المصالحة الحقيقية والشاملة كأول الخطوات الجبارة نحو هذا الهدف، هذه المصالحة التي يجب العض فيها على القلوب، وتجاوز كل الجراحات والقفز على النبذ والإقصاء والخلافات،المصالحة التي يجب أن تبدأ من القاعدة الاجتماعية، والتي أثبتت الأحداث المتوالية أنها قادرة على جبر الضرر وجسر الهوة بين الليبيين مهما إشتدت الخلافات وتعمقت النزاعات، وما أحداث سبها الدامية مؤخراً ببعيدة عنا، حين تنادى الأعيان والوجهاء من كل قبائل ومناطق وجهات ليبيا في ظل غياب الدولة من أجل تحقيق الصلح بين القبيليتين المتنازعين (أولاد سليمان والقذاذفة)، وهاهما المجلسان البلديان لمدينتي "مصراتة" و "ترهونة"يعقدان إتفاق مصالحة مؤخراً لرأب الصدع بينهما نهائياً، خاصةً وأنه في لب هذه الصراعات أيضاً نزاعات قديمة متجددة عمقت التشتت والإنقسام، وأيضاً مثل الإجتماع الذي تم في القاهرة مؤخراً والذي ضم أربعون(40) شخصية ليبية من مختلف التوجهات خطوة نحو توحيد الرؤى والتصورات حول تحقيق إتفاق ينهي الأزمة الليبية. ...ولن تنجو ليبيا والليبيين إلا بتضامنهم ككتلة واحدة من أجل مصلحة الوطن،حتى تنهض ليبيا كدولة مؤسسات قوية وفاعلة لا دولة مليشيات هشة وفاشلة.

 

 د. أبوبكر خليفة أبوبكر

 

في المثقف اليوم