آراء

ابوبكر خليفة: إختطاف الطائرة الليبية وحادثة مدينة "غات" الصحراوية وإختطاف الحلم

abobakir khalifa6 سنوات تقريباً على سقوط النظام الليبي السابق، ومنذ قيام ثورة 17فبراير 2011، لكن الربيع الموصوف أعقبه صيف حارق ملتهب ثم شتاء طويل بارد وقاسي من الصراع الوحشي على السلطة، حيث تلاشت اللغة الديمقراطية التي ظهرت قليلاً بعد الثورة، لتحل محلها لغة القوة وقعقعة السلاح، وأجهزت المليشيات الجاهلية المدججة بالحديد والنار على ماتبقى من أنقاض الحلم، وتقسمت البلاد عمليًا بين كيانات ميليشاوية وظلال حكومات هشة، فسقط الإقتصاد، وتدحرج الدينار، وأصبح الأمن والأمان من الذكريات في ظل القتل والخطف والحرابة،وغزوات دواعش المال العام الذين نهبوا المليارات ومازالوا، بعد أن ساد قانون الغاب .. ذهب"فائز السراج "رئيس مايسمى بحكومة الوفاق الكرتونية،التي ظلت حتى 17/12/2016 وهو تاريخ انتهاء صلاحيتها مجرد حبر على ورق، لأنها لم تحظى بالتوافق ومنح الثقة لها لتمارس عملها من طرف مجلس النواب"السلطة التشريعية"، والغريب أن المجتمع الدولي المنافق مازال يعتبرها "السلطة التنفيذية" الوحيدة المعترف بها في ليبيا ويصر على دعمها وتمكينها بالمال والتسليح، وبذلك فإن هذا المجتمع الدولي مازال يصر على خراب ليبيا (حسب وجهة نظر أغلب الليبيين) ..ذهب "السراج" الى مدينة "غات" الصحراوية الجنوبية المنسية الغضبى المنزوية عتابا وألما، المدينة العريقة التي يكاد أن يطمرها رمل الإهمال، حيث ظلت لفترة طويلة بعد ثورة فبراير خارج نطاق تغطية الدولة، وإنعدمت فيها الخدمات حتى أبسطها، بعد أن كانت في ظل النظام السابق حاضرة بفعالياتها ومهرجاناتها وتوهج خصوصيتها... ولكن لا عجب فليبيا بالكامل مازالت خارج نطاق التغطية محلياً ودولياً، ذهب "السراج" الى تلك المدينة، فلعله يحفظ ماء وجهه ووجه حكومته الشحيح، لكنه أستقبل من طرف بعض أهل المنطقة بالأعلام الخضراء وصور الزعيم الراحل "معمر القذافي"، وبهتاف أنصاره الشهير"الله ومعمر وليبيا وبس"..هم بالتأكيد يعلمون بأن النظام السابق بماله وبما عليه قد إنتهى، لكنهم وفي ظل ماعانوه ومازالوا من ويلات معيشية، ومن تهميش بعد سقوط ذلك النظام، لم يروا ويشهدوا في هذا التغيير شيئاً جديداً، بل إن ماشهدوه كان أسوأ إذا كان الماضي سيئاً، واليوم "الجمعة" 23/12/2016 وبعد حادثة "غات"بأيام حدثت عملية إختطاف طائرة الركاب الليبية التابعة للخطوط الأفريقية المتجهة من مطار "تمنهنت"/سبها من جنوب ليبيا،إلى طرابلس وتم إجبارها على التوجه الى مالطا والهبوط في مطار "فاليتا"، وظهر الخاطفان وهما يحملان الأعلام الخضراء، ويهتفان أيضاً بشعار أنصار القذافي" الله ومعمر وليبيا وبس" ويطالب "موسى شها" وهو أحد الخاطفين بالسماح لهما بتأسيس حزب"الفاتح الجديد"، وإطلاق سراح "سيف الإسلام القذافي"..وبالنظر إلى مطالبهما ورغم أنها مشروعة في العرف الديمقراطي، إلا أنها تعبر أيضاً عن نفاذ الصبر من فئة الشباب خاصةً في ظل هذا الإنقسام والتشتت بين أربعة حكومات وعشرات المليشيات التي تحكم على الأرض، وفي ظل كيان ليبيا المقسم الممزق الذي تتقاذفه التجاذبات الدولية والإقليمية، وتتناهشه الأجندات الظاهرة والخفية وتحول الى خلاء متاح للمنظمات المتطرفة تتخذ منه قاعدة إنطلاق، ومن ثرواته غنائم ...إن ماحدث في مدينة "غات" الجنوبية المنسية، وماحدث من إختطاف الطائرة الليبية المنطقة من مدينة "سبها" الجنوبية أيضاً ومن طرف شابين من الجنوب، ماهي إلا أحداث بحمولة رمزية، تعبر عن مآلات الأوضاع في ليبيا بشكل عام والجنوب بشكل خاص، ففي ظل إنسداد الأفق السياسي وهذا التدهور الرهيب في الأوضاع الأمنية، والذي ترتب عليهما إنهيار الأوضاع الإقتصادية، والتي طالت أبسط الظروف المعيشية للمواطنين الليبيين.. في ظل كل هذه المعضلات، فإن القادم ربما يكوت أسوأ، ونتوقع أن تزداد الاحتجاجات وسوف تتعدد مظاهرها كلما ساءت الأوضاع أكثر، وليس هناك حل إلا بحدوث توافق عميق وشامل وحقيقي ينهي هذه البلقنة الحكومية، وتشتت السلطة بين الحكومات المتعددة، والهدف الوصول الى حكومة واحدة برئيس ونائبين، ومؤسسة عسكرية واحدة، وإنهاء الإنقسامات المؤسسية، والتي أدت إلى أسوأ مايمكن أن يحدث لدولة، حيث يوجد مصرفان مركزين ومؤسستين للنفط، وسفراء مختلفين يمثلون حكومات متعددة، بل وأكثر من سفير لليبيا في الدولة الواحدة، مما أدى الى إنهيار صورة ليبيا في العالم،بل وحتى في عيون مواطنيها وإحباطهم،ناهيك عن تمزق سيادتها وإنتهاك حدودها. 

 

 د.ابوبكر خليفة أبوبكر

 

في المثقف اليوم