آراء

ابوبكر خليفة: محاولة لجرد حساب سنة (2016) الليبية الكبيسة

abobakir khalifaكان سنة 2016 سنة ليبية صعبة وشاقة، حمل ربعها الأخير بعضاً من الأمل وإن كان ممزوجا بالألم. ..فعلى المستوى العسكري: سجل "الجيش الوطني الليبي" شهادة ولادة مؤسسة عسكرية وإن كانت هذه الولادة قيصرية وعسيرة، بعد مرحلة مخاض قاسية ومجهدة، حيث لملم هذا "الجيش"الذي كاد أن يوأد، لولا أن لفيفا من الضباط قاموا ببعث هذا الجيش من الرماد والأنقاض، وبعد عبث المتطرفين بأرواح بعض من رموزه وقادته إنطلاقاً من إيديولوجية متطرفة تكفر حتى الحجر، وكانت الخطوتان العملاقتان لهذا الجيش: أولا كسره لشأفة الإرهاب الذي حاول أن يقتطع "برقة" وثانياً:الخطوة الكبرى المتمثلة بإسترداد الموانئ والحقول (عملية البرق الخاطف) من عبث وصلف "ابراهيم الجضران"ومليشياته،ثم إستمر الجيش في دحر الإرهاب الأمر الذي أدى بالدول الكبرى الى الإعتراف والإقرار عبر ممثليها في ليبيا بإنجازات "الجيش الوطني الليبي" كبريطانيا في شخص السفير "بيتر ميلت" وأمريكا في شخص ممثلها "جونثان واينر "، وكذلك الأمم المتحدة في شخص مبعوثها"الهر مارتن كوبلر" ..وترتب على ذلك بعد كل هذا الإعتراف بالمشير "خليفة حفتر" قائد "الجيش الوطني الليبي" كرقم مهم في معادلة التسوية السياسية في ليبيا. فكانت زيارته المهمة الى "روسيا "بدعوة من روسيا والتي بدأت تستعيد بعضاً من ثقلها ودورها في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك زيارته مؤخراً الى الجزائر بدعوة من حكومتها....ورغم المحاولات الأخيرة لبعض من المليشيات لإسترداد مواني الهلال النفطي في جولة بائت بالفشل مع التربص الدائم للجيش..إلا أن الجيش يواصل إحراز التقدم على الأرض، فقد إستعاد الجيش "قاعدة براك الجوية" من مليشيا "القوة الثالثة"، كذلك الحال أيضاً معسكر"الثانوية الجوية بسبها"، وأيضاً على وشك السيطرة على قاعدة او مطار "تمنهنت "الجوي من ذات المليشيا...ولاننسى أيضاً الإنجاز الكبير الذي حققته قوات"البنيان المرصوص"والمتمثل في القضاء على تنظيم داعش في سرت، هذه القوات التي أثير حولها اللغط من حيث النظر الى انتصارها، بأنه يظل منقوصا لإنه تم بغطاء جوي من القوات الأمريكية، في إطار ماسمي بعملية"برق الاوديسا"، لكن كيان وقوام هذه القوات يتكون من أبناء مختلف المدن والمناطق الليبية رغم أن النصيب الأكبر من مدينة "مصراتة"، الأمر الذي جعل البعض يصف ويختزل هذا الإنجاز في مصراتة، وأن مصراتة فقط تدافع عن نفسها، لكننا لا نميل الى هذا التفسير، والذي يقلل من التضحيات الجسيمة التي دفعت من أجل تدوين هذا "الإنجاز الوطني" والذي ترتب عليه إقتلاع تنظيم داعش من أهم قواعده خارج سوريا والعراق..... على المستوى السياسي: كان يفترض أن تكون سنة 2016 فاتحة لعهد من الوفاق بين الفرقاء الليبيين، وبعد جولات مكثفة من الحوار بين ممثلي "المؤتمر الوطني" وممثلي "مجلس النواب الليبي" برعاية الامم المتحدة ومبعوثها"بيرناندينو ليون" في مدينة "الصخيرات" المغربية، ومن مسودة إتفاق الى اخرى، حتى دفعت الأمم المتحدة ممثلة في مبعوثها الى القبول بالمسودة الخامسة، والتي تم توقيع الإتفاق على أساسها في 17/12/2015، فكان "إتفاق الصخيرات"، لكن صخرات النزاع الليبي المتصلدة ظلت عالقة ولم تتفتت، بين تعنت المليشيات المسيطرة على طرابلس والرافضة للإتفاق، والتي لم تسمح لحكومة الوفاق المنبثقة عن إتفاق الصخيرات، لم تسمح لها بالهبوط جوا عبر مطار معيتيقة، فقرر المجتمع الدولي الداعم لهذه الحكومة الدفع بها عبر البحر تحت حماية"فرقاطة إيطالية"، حين وصلت هذه الحكومة بأعضائها الى قاعدة "أبوستة البحرية"، وظلت بين اليابسة والماء الى يومنا هذا، وهي تطلق وعود الرخاء المبللة والمضللة حتى وصلنا الى نهاية العام، وهي لم تنل ثقة محلس النواب، ولم تحظى بالشرعية، حتى كانت حادثة مدينة"غات" الجنوبية عندما قام فائز السراج"رئيس حكومة الوفاق، واستقبله بعضاً من أهلها بشعارات النظام السابق إحتجاجاً وإمتعاضا. ..وأيضاً فإن مجلس النواب، والذي رفض معظم أعضائه وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب"عقيلة صالح" وأيضاً قيادة "الجيش الوطني الليبي" التابع لهذا المجلس،رفضوا الاعتراف بحكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي، ومجلس الدولة المنبثق عنها، والذين يرون في حكومة الوفاق مجرد حكومة وصاية، وأنه قد تم تمريرها عنوة، بهدف سحب البساط من البرلمان، والجيش، لصالح تهيئة الأجواء لهيمنة الإسلام السياسي...لذلك ظلت هذه الحكومة والتي يعترف بها المجتمع الدولي كسلطة تنفيذية وحيدة في ليبيا، ظلت بين البينيبن، رغم تحالفها مع بعض ميليشيات العاصمة، وتجييرها لانتصارات قوات "البنيان المرصوص " على داعش في سرت، ومحاولات الدول الكبرى لدعمها مالياً عبر"إجتماع روما" الاقتصادي مثالا، عن طريق مشروع محاولة تسييل الأموال المجمدة لهذه الحكومة، ورغم الدفع لتكوين قوات "الحرس الرئاسي" لتمكينها عسكرياً، والذي يرى البعض أنه خطة لتنحية الجيش تدريجياً. .رغم ذلك بقيت هذه الحكومة غير شرعية وغير ودستورية وحتى تاريخ 17/12/2016، وهو تاريخ نهاية ولايتها، رغم بعض التفسيرات القانونية التي ترى أن شرعيتها تبدأ من تاريخ إعتمادها من طرف السلطة التشريعية"مجلس النواب".. ولاننسى عودة حكومة "الإنقاذ" في طرابلس المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) بقيادة"خليفة الغويل"في ظل عجز حكومة الوفاق، وتحالف حكومة الانقاذ مع الحكومة المؤقتة برئاسة"الثني" التابعة لمجلس النواب في "طبرق" في شرق البلاد.. على المستوى الأمني: شهدت ليبيا في عام 2016 فوضى عارمة، حيث شهدت مدينة الزاوية مناوشات بالأسلحة الثقيلة بين المليشيات روعت الأهالي، ورغم توقفها لاحقاً بعد جهود العقلاء والأعيان، إلا أن مدينة "الزاوية"تظل على صفيح ساخن..كما برزت المناوشات المسلحة أيضا بين المليشيات التي تسيطر على العاصمة "طرابلس " بمختلف توجهاتها الجهوية والا يديولوجية والمافيوزية، وإستمرت حوادث القتل والخطف والحرابة والاغتصاب، وخاصة حادثة الإغتصاب التي حدثث في إحدى مقرات المليشيات بطرابلس لسيدة "ليبية "وألبت الرأي العام الليبي على المليشيات خاصة المتمركزة في طرابلس، لدرجة أن "الجيش الوطني الليبي" توعد بالتقدم نحو العاصمة،لتخليصها من عبث المليشيات ... وأيضاً شهددت مدينة "سبها"حاضرة الجنوب الليبي، صراعاً قبليا دمويا عنيفاً بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة بين قبيلتي:أولاد سليمان و القذاذقة، على خلفية أن أحد شباب القبلتين قام بإطلاق"قرد"على بعض فتيات طالبات من القبيلة الاخرى، الامر الذي أثار حفيظة أبناء القبيلة الاخرى، والذي ترتب عليه حرباً ضروس زلزلت مدينة"سبها"، وأزهقت فيها الأرواح من الطرفين، إضافة إلى سقوط بعض الأبرياء، والذين قضوا نحبهم جراء القذائف العشوائية التي سقطت على البيوت، وقتلت بعض العابرين...حتى تنادى العقلاء والحكماء والوطنيين من جميع مناطق ليبيا من أجل الصلح بين القبيلتين...وبلغت الفوضى الأمنية ذروتها عندما أقدم شابان من مدينة سبها على إختطاف طائرة الخطوط الأفريقية المتجهة من مطار تمنهننت/ سبها الى طرابلس في رحلة عادية، ليقوم الخاطفات بتحويل إتجاهها إلى مالطا لتهبط في مطار عاصمتها"فاليتا"، تعددت التفسيرات لهذه الحادثة، ولكن التفسير الأبرز في التداول هو أن هذا الاختطاف مفبرك من طرف قوى الإسلام السياسي، من أجل وصم "أنصار القذافي" بالإرهاب. .لكننا نميل الى تفسير الحادثة بأنها تعبر عن مدى الحنق والفضب، الذي تحس به فئة الشباب خصوصاً من ما آلت اليه الأوضاع السياسية والاقتصادية خاصةً (الإنهيار الاقتصادي)، والتي جعلتهم يصلون الى مرحلة اليأس والقنوط، حتى وإن عبر الخاطفان (واللذان ينتميان الى ثوار 17 فبراير) بأنهما من من أنصار القذافي، وأن مطالبهما سياسية تتمثل في رغبتهما بالسماح لهما بإطلاق "حزب الفاتح الجديد"،ولكن مطالبها في الأساس حياتية خاصة وأنهما طلبا من كابتن الطائرة التوجه الى روما من أجل الحصول على لجوء.... ختاما يمكن ان نوجز نقاط الضوء في سنة (2016) الليبية الكبيسة في الآتي: 1-عودة الموانئ والحقول للعمل والتصدير، بعد أن قام الجيش بتسليمها مباشرةً إلى المؤسسة الوطنية الليبية للنفط إلى جانب الإستقرار النسبي لهذه المؤسسة، و بالإدارة الرشيدة لرئيسها"مصطفى صنع الله".. 2-إنهاء سيطرة تنظيم داعش على مدينة "سرت" الاستراتيجية. 3- إنتصارات"الجيش الوطني الليبي" المتلاحقة والتي فرضت الإعتراف بإنجازاته، ومنحت له ولقيادته ورقة تفاوضية وازنة في أي تسويات سياسية مقبلة. 4-إنعقاد ملتقيات رافدة للحوار الليبي -الليبي جمعت شخصيات ونخب ليبية، والمتمثلة في إجتماعين تما مؤخراً في القاهرة، الأول ضم أربعون(40) شخصية ليبية من مختلف التوجهات، وأيضاً الإجتماع الذي ضم إثنا عشر (12) شخصية ليبية من السبتمبريين والفيبرايريبن، في محاولة لجسر الهوة وتقريب وجهات النظر من أجل إنقاذ الوطن.

 

 د.ابوبكر خليفة أبوبكر.

 

 

في المثقف اليوم