آراء

لعبة السياسة والحكم.. العراق نموذجا

mahdi alsafiتعد النظرية الميكافيلية التقليدية للسياسة والحكم في الانظمة الشمولية (الامبراطورية الملكية او الجمهورية) احدى اهم الركائز الاساسية لادارة القيادة العليا في الدولة والسيطرة عليها، استخدمت بشكل مكثف في البلدان العربية، منذ بداية التأسيس الحديث للدولة القطرية، فهم اكثر شعوب الارض حبا للسلطة والحكم،

لكنها تطورت كثيرا في العهد الجمهوري العربي، عهد جمال عبد الناصر (الزعيم الاوحد او الخالد)، وماحصل بعد ذلك من تحول جذري في التعامل مع الشعب المصري، بتوسيع دائرة الاتهام والاخطار والاعتقالات، حيث تحولت الهواجس والمخاوف والشكوك من المنافسة على كرسي الحكم من الخطر الاكبر (القيادات العليا في الجيش والدولة) الى ماهو دون المتوقع (الاخطار الصغيرة التي يقال عنها انها تهدد امن الدولة، وتثير الشارع وتشيع الفوضى)، ثم عمدت انظمة عربية الى جعلها ثقافة عامة ضد كل مايمكن تسميته اعتراض او احتجاج بمجرد التلميح وليس حتى بمستوى التصريح الفعلي....

عمد نظام صدام الى زيادة دائرة المخاطر لتشمل حتى المواطن الامي (الذي لايقرا ولايكتب)، واصبحت احيانا دوائر الامن تتهم الناس العاديين بأنهم متهمين بالتخطيط لقلب نظام الحكم، وكذلك يذكر الشعب المصري التشدد الامني والاجراءات التعسفية التي كانت تحصل ايام عبد الناصر ضد اي مواطن يمكن ان يقترب ولو بحجم خيط رفيع مما يسمى نقد للدولة او اعتراض حتى على نقص المواد التموينية، وغياب بعضها عن السوق، او حصول زيادة في اسعارها، هكذا استنسخ نظام البعث تلك الاساليب وهبط بها الى الحدود الدنيا، مما قد يطلق عليها مخاطر تهدد الاستقرار والامن القومي (وهي عكس ذلك تماما لانها حالات طبيعية ولاتمت للسياسة بشيء، ولاتمثل اي تهديد لامن قريب ولا من بعيد لامن الدولة والنظام)، هذه الحالة لم يفهمها بعض الذين انخرطوا مع صدام في جرائمه ايام كان نائبا للبكر، بأنه سيلعب تلك اللعبة بشكل شيطاني محترف حتى ينفرد بالحكم، ليس بالطريقة الميكافيلية الكلاسيكية كما ذكرنا، انما بأسلوب مختلف ومتطور في مجال الانفراد بالحكم والقرار والقيادة للحزب والدولة، ولهذا تخلص من اقرب الاصدقاء الذين يرتفع سقف شخصيتهم القيادية في الحزب (صديقه البكر وعدنان الحمداني)، عنده وعند الرفاق الاخرين، وابقى على من هم دون مستوى التوقع والاحتمال بأن يمكن ان يشكلون خطرا صغيرا في المستقبل (قيادات بلا شخصية)، فتحولت تلك الاساليب القمعية الوحشية لدى صدام الى مبدا عمل، ابقاءه في الحكم اكثر من اربعة عقود، علما انه عندما كان نائبا ومسؤولا عن التنظيمات الامنية للحزب (جهاز حنين وغيره) مارس اساليب الابتزاز والاغتيال لمختلف المستويات السياسية في البلاد، التي احتمل انها ستكون عقبة امامه في المستقبل المنظور له، الغريب انه كان يطبق نظرية توحيد الاخطار، اي لافرق عنده بين خطر كبير او صغير، فقد اعتبرها جميعا يمكن ان تشكل تهديدا لنظامه، الغباء الذي اسقط من كانوا قرب دائرته الامنية والسياسية (ممن لم يسقط شخصيته امامه بالكامل)، جعلهم يدخلون لعبة الحكم المتطورة هذه دون الانتباه للمخاطر المتوقعه (التي فهمها البعض منذ بداية استلام صدام للحكم، ومنهم من استوعبها متأخرا، واستطاع ان ينفذ بجلده من العراق هاني الفكيكي وحازم جواد وصلاح عمر العلي وحسن العلوي ووفيق السامرائي واخرين)،

كان يراقب قادة الجيش الكبار، ولايتركهم في موقع ثابت، ثم اصدر عدة قرارات تحيل عددا منهم على التقاعد، الا انهم كانوا تحت مراقبة اجهزته الامنية بأستمرار (واذا حدث ان سأل عن احدهم هو او اجهزته الامنية فهي اشارة يعرفها هؤلاء عن احتمالية قرب التصفية فكاناما يهرب بعضهم بعدها او يقعوا في الفخ)، بينما كانت عينه على ابن خاله عدنان خير الله (الذي كان ينافسه في قيادة الجيش والدولة)، ومن ثم انقلب على صهره حسين كامل بعد ان ساهم هذا المجرم المتخلف بتثبيت اركان النظام عام١٩٩١بقمعه المتوحش للانتفاضة في كربلاء والنجب والجنوب عموما (كما فعلها سابقا بتصفية ناظم كزار ومن ثم فاضل البراك، وضباط كثر من الجيش والامن والحزب)، من تلك الانظمة التي جربت هذه الطرق القمعية (كما ذكرنا سابقا نظام جمال عبد الناصر، والقذافي، وابورقيبة، وعلي عبد الله صالح، وعمر البشير، وحتى حافظ الاسد وان كان بشكل سلمي، اي اعتقال وتهميش وسجن دون تصفيات دموية، بينما تتجسد حاليا بشكل واسع في تركيا اردوغان مابعد الانقلاب العسكري الفاشل المزعوم)، هذه الافعال الاستبدادية الاستفزازية التي تضع الشعب بأكمله في خانة الاتهام المستمر، انتقلت بعد ثورات الربيع العربي الى اغلب دول الخليج، المتورطة بعضها بالتدخل في شؤون الانظمة العربية الاخرى، والمتهمة بدعم الجماعات المتطرفة المنتشرة في الوطن العربي والاسلامي (في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر ولبنان وبقية الدول)، انجرفت هي ايضا بنظرية المؤامرة الداخلية عبر توسيع دائرة الاتهامات الشاملة للاخطار المحتملة ( الكبيرة والصغيرة)، واصبحت اجراءات الاعتقال والقمع والاعدام تطال الجميع بشكل غير مسبوق (خصوصا في السعودية والبحرين وحتى الامارات والاردن)، ارتفعت كذلك وتيرة الشعارات والتصريحات والعبارات المتطرفة تجاه مايطلق عليهم بالمعارضة (وكثر استخدام عبارة الخيانة والتجسس وزاد اعداد المعتقلين بسببها، وكذلك معتقلي الرأي العام) .... جدير بالملاحظة فيما يتعلق بتطور نظرية الاخطار الميكافيلية على كراسي الحكم، ان اول من طور ووسع تلك الاخطار عالميا هو الاستعمار والامبريالية العالمية اي القوى العظمى الصاعدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالاخص امريكا وبريطانيا وفرنسا في امريكا اللاتينية وافريقيا وشرق اسيا وفي (الحديقة الامريكية الخلفية والمستعمرات الفرنسية في افريقيا وكذلك بريطانيا في اسيا وغيرها، اندنوسيا سوهارتو، ايران الشاه) ...

اللعبة السياسية المؤثرة في انظمة الحكم هي المتجسدة فعليا بما فعله حزب البعث في سوريا والعراق، الذي بدأت فترة الحكم فيهما بضخ ثقافة الزعيم المناضل، والقائد الفرد، وهي بحد ذاتها عملية اقصاء واضحة لفكرة القيادة الجماعية للدولة في اتخاذ القرارات المصيرية والمهمة، جاءت بعدها عدة احزاب اعتمدت على نفس الفكرة والنهج والثقافة في صناعة شخصية القائد الفرد (قائد الضرورة، وزعيم مدى الحياة هو وابناءه)، وهي فكرة او حاجة صنعتها الضروف الاستعمارية، التي عادة ماتظهر في المجتمعات المقهورة او المنهزمة (القابعة تحت بنادق وقيود الاستعمار) المتطلعة الى لحظات الخلاص على يد قادة محليين لمواجهة الاستبداد والاذلال للقوات المحتلة، او لمواجهة الانظمة العميلة، (فقد كانت عبارة عن توجهات متبناة من قبل الولايات المتحدة الامريكية اثناء فترة الحرب الباردة، التي كانت تفضل الاسلوب الشمولي الدموي احيانا في بسط الهيمنة والنفوذ ومحاربة دول المعسكر الاشتراكي، الذي كان قد نجح في صناعة دكتاتوريات موالية له في شرق اوربا، وبعض الدول في بقية القارات بما فيها كوبا)،

ثم حدث الانقلاب السياسي العربي بعد مشروع الشرق الاوسط الجديد او الواسع المفكك، مما ادى الى صعود الاسلام السياسي للحكم، وبدء مرحلة تنافس جديدة على السلطة والظولة بشكل كامل، هؤلاء لايختلف عندهم افكار وثقافة اللعبة السياسية في ادارة الحكم عن بقية الاحزاب القومية او العلمانية، فهي ايضا تنتهج نفس الاسلوب السابق الفردي لقيادات الاحزاب في توسيع دائرة المواجهة للمخاطر المحتملة حول تنافس الاخرين على القيادة، ولعل النموذج العراقي هو الاكثر وضوحا نسبة الى بقية الدول العربية،

اولا لان منها احزاب قديمة رافقت فترة التنافس الفكري والسياسي للحركات اليسارية والقومية، وثانيا لان العملية السياسية افرزت احزاب وحركات كثيرة بعد٢٠٠٣،

مارست تلك الاحزاب قبل العودة (اي قبل٢٠٠٣) سياسة الاقصاء والتهميش والانغلاق بوجه كل من ينافس القيادات التقليدية المتربعة على عرش السياسة المعارضة لنظام صدام في الخارج، لاقيادات ولا كوادر جديدة، ولاكسب للكفاءات في احزابها، فعندما تشعر بصعود نجم قيادي بارز من الاسماء الجديدة، واجهته بالاهمال وعدم الاكتراث والتحطيم،

فالاحزاب الاسلامية (اي القصد عبر القيادات الانتهازية فيها) تؤمن بسياسة كسر الشخصية لاي منتمي جديد لها، سواء كان كفاءة او مجرد شخص حركي يعارض الاستبداد والظلم والدكتاتورية، وان كان من منظار شرعي اسلامي (تحت ابواب التواضع والذوبان في الاسلام والحركة، اي الحالة الترابية على غرار زهد الامام علي ع كما يدعون)، لكنهم في المقابل يقومون بأشاعة ثقافة الصفات القيادية في دائرتهم الخاصة، ولهذا تجد اقرب الناس منهم هم الاكثرانكسارا وتذللا وتزلفا اليهم (المنتفعين)، حيث تتكررعملية صناعة القيادي الفرد في المجتمعات العربية، في عصر اصبحت فيه السياسة والحكم لعبة مزدوجة للسياسة والاقتصاد وتبادل المصالح بين الدول، هذه الاساليب لاتخص طائفة او فئة، انما شملت الجميع بعد تجربة الشيعة والسنة للحكم في العراق، واخوان المسلمين في مصر.....

عمدت الاحزاب والتيارات السياسية (شكلا وليست حقيقة) الشيعية والسنية في العراق بحكم حاجتهم لشغل الحصص والمناصب الحكومية الموزعة بينهم (وفق بدعة مبدأ التوافق الديمقراطي) الى كسب اسماء وشخصيات وكوادر جديدة لاحزابهم، لكن بعد ان يمر اغلب هؤلاء وبالاخص من صعد في الانتخابات بأصوات زعيم القائمة، او اصوات الكتلة مجتمعة (فقوانين الانتخابات التشريعية للدائرة الواحدة للمحافظات بما فيها العاصمة بغداد عززت فكرة القائد للكتلة)، حيث تبدا مرحلة كسب الولاء والطاعة العلنية عبر اللقاءات الثنائية او الاعلام، وكلما كان الشخص (صاحب مشروع قيادي صغير) متواضعا امام رئيس الكتلة، والقيادات العليا المحيطة به (التي عبرت مرحلة ابداء الولاء والطاعة واثباتها بالتجربة الميدانية العملية سابقا) كلما اقترب اكثر من حلم نيل المنصب الحكومي، فالقنوات الفضائية والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي والجلسات العامة والخاصة كفيلة بتمرير تلك الحالة لسيده لكسب رضاه،

هذه الحالة تجسدت في خضوع شخصيات كبيرة في العمر، واحيانا تكون من الكفاءات، لشخصيات قيادية شابة، وهي بالحقيقة لايمكن ان يقال عنها قيادات بالمعنى الشامل لفكرة القيادي الفرد، لانها لاتمتلك تلك المؤهلات من الخبرات والكفاءات السياسية التي تاتي بحكم التجربة (بحكم العمر طبعا)،

كزعامة السيد عمار الحكيم والسيد مقتدى الصدر (ليس الخلل في السيد الحكيم او الصدر انما في من يقدم نفسه الى احزابهم او تياراتهم السياسية كتابع لقيادتهم، وليس شريك في القيادة الجماعية، وقد انشقت قيادات وافراد كثيرة منهم، اهمها جناح بدر وبقية الشخصيات في المجلس.والعصائب والشيخ الخزعلي عن الايار الصدري، علما ان في الديمقراطيات العريقة في اوربا تقدم زعامات شابة لقيادة الحزب في الانتخابات، الا انها تبقى خاضعة لتوجهات القيادة الجماعية من اصحاب الخبرة والاختصاص داخل الحزب وخارجه)، وابناء السيد جلال الطالباني والسيد مسعود البرزاني، وقبلهم احمد ابن السيد المالكي، (وفي الانظمة العربية ماحدث في تميم قطر، وزعامة ابن سلمان في الحجاز)،

هذه النخب السياسية المفترضة انها واعية، قد لاتتعمد اخضاع اتباعها الجدد او حتى القدماء منهم (الذين انشق اغلبهم لكراهيتهم ومللهم من الاستمرار في لعبة الخضوع للقيادي الفرد) لسياسة احتواء او كسر الشخصية، لانها ورثت تلك الثقافة السياسية في بلدانها منذ القدم،

بينما تجد تفكك الزعامات السنية فيما بينها لكثرة الرؤوس المتنافسة على صعود كرسي الزعامة الفردية للمكون، وهذا يحصل دائما للدائرة المحصورة القريبة او الموالية للاحزاب والانظمة السياسية الشمولية بعد انهيارها، فالمكون السني عاش لاكثر من اربعة عقود ذائبا في سلطة الفرد (بدويا وقبليا اكثر من بقية المكونات العراقية)، عززها صدام بشكل كبير في ثقافة وسلطة الحزب والدولة والجيش،

هذا تراث اكثر مما هو تصرف شيطاني خبيث يستند الى نظريات السلطة والحكم الحديثة، انما هو موروث بدوي قبلي عربي يختلف كثيرا عما هو موجود في التراث الايراني او التركي على سبيل المثال لا الحصر، مع ان تلك الدولتين صاحب الحضارتيين القديمتين عادت الى ثقافة سلطة الفرد، وفقا للظروف السياسية المتوترة في المنطقة (الا انها بالطبع تختلف عما يحصل في البلدان الغربية)، بينما هناك ديكتاتوريات مغلفة بالاطار الديمقراطي، تضطر الاحزاب فيها الى صناعة القائد الرمز مع القيادة الجماعية الاخرى،

روسيا بوتين ليس دولة عادية بكل المقاييس والمعايير، لكن مايقال عن دكتاتورية بوتين هي في الحقيقة حالة مختلفة جدا لعدة اسباب، منها ان الحزب الشيوعي والحركة الماركسية تؤمن بنظرية رفع شخصية الفرد داخل المجتمع (العامل والفلاح)، وهي انطلقت اصلا لمحاربة الطبقية والراسمالية (التي يطلق عليها شهصيات ووجوه المجتمع وليست نخبه المثقفة)، تتنافس القيادات فيها بالفكر على عكس بقية الاحزاب اليمينية (الاحزاب الدينية تبحث عن التدين وليس المفكر الاسلامي لان عادة مايرفض هؤلاء الانخراط في الحركات السياسية الاسلامية، لانه يشعر هو اكبر منها اضافة الى قناعات عقائدية اخرى)،

والقومية التي تنظر لجسارة القيادة وصدى شعاراتها الرنانة بدبلا مقنعا جدا عن الفكر والثقافة والتنظير، وهي عملية سهلة جدا،

النضال الشيوعي كانت فيه مصداقية النزاهة والفكر، وهذه الحالة حاولت بعض القيادات الاسلامية (السنية والشيعية كحركة اخوان المسلمين وحزب الدعوة الاسلامية وحركات اخرى) ان تجمع بين الفكر ونزاهة العمل الاسلامي، الا ان الخلل الكامن في ادبياتها وتوجهاتها ابعدعنهم تحقيق تلك الامنيات، لانها اصلا لاتملك عقلية او نظرية ادارة الدولة، ولهذا توقع الجميع حتمية فشلها وانهيارها سريعا، لن تنهض اوتصمد بوجه التحديات، الا اذا كانت معززة بتراث وطني وقومي وحضاري متين يساعدها على الاستقرار والازدهار والتطور (كأيران مثلا)،

روسيا بوتين تؤمن بالقيادة الجماعية المغلقة، وذلك لانهم يمتلكون صناعة وترسانة عسكرية ونووية كبيرة، اضافة الى شعور مفعم عندهم بالتفاؤل الحذر، بالامل على القدرة بالعودة الى الساحة الدولية مجددا، كقوة عظمى مهمة، لو كان بوتين يؤمن بسلطة القائد الفرد، لما اصبح متواضعا في الظهور العلني (لكان تعمد كسر شخصيات قيادية مهمة قريبة منه ومن القرار السياسي الروسي الرسمي)، ولما استطاع ايضا من الصمود بوجه التحديات الدولية الكبيرة المحيطة بهم، وبملف تدخلهم في سوريا (ولعجزعن ضم جزيرة القرم لروسيا)،

وهي اقرب للنظرية السياسية التي طرحناها عبر مقالنا المنشور سابقا (ديمقراطية النخب ام رأس المال ..الصحيفة المثقف العربي الالكترونية) اي ديمقراطية النخب (والتي قد تكون بقيادة مايصطلح عليه احيانا بالحرس القديم) .....

احيانا يطلب الناس بعد الحديث عن السلبيات الكبيرة ان يسمع شيئا عن الحلول،

نعتقد ان الفساد السياسي والحكومي في الانظمة الديمقراطية، يمكن معالجته بطريقة اسهل من الانظمة الشمولية (مع ان كل حزب او تيار سياسي يمكن ان يمارس الاسلوب الشمولي الاستبدادي داخله، فيخرج بصورة اقوى للشارع اشبه بالعصابة المتماسكة)، لكن ابواب الاصلاح والمعالجة تبقى مفتوحة ومتاحة لنخب الشعب وكفاءاته، عندما تسنح لهم الظروف بذلك، وبالاخص بعد ان اصبحت نظرية الحكم الناجح في القرن الواحد والعشرين مرتبطة ارتباطا وثيقا بطبيعة العلاقة المزدوجة للسياسة والاقتصاد، بمعنى اخر ان المجتمعات باتت الان تنظر وتصوت للاحزاب والقيادات القادرة على استغلال المنصب السياسي الحكومي لتحسين الاقتصاد والواقع التجاري والخدمي لهم، لم يعد احد يهتم للأيديولوجيات والافكار والنظريات الاجتماعية (غير الدول العربية وبعض دول العالم الثالث وامريكا اللاتينية)، اقتحم ترامب المثير للجدل (عالميا وليس محليا) البيت الابيض كرئيس للولايات المتحدة الامريكية بوعوده الاقتصادية (بتوفير فرص عمل)، فقد بات يعد مضيعة للوقت الثمين والسريع جدا في عصر الالكترون للاستماع للتنظير الفكري السياسي او التثقيف الحزبي، انما عليك ان تقدم البرنامج التنموي الاقتصادي الشامل (ثلاثة مجالات او توجهات اقتصادية لاغير، الرأسمالية، الاشتراكية، النظام الاقتصادي المشترك وهو الافضل كحل وسط)، من هنا يمكن القول ان اندفاع النخب المثقفة والكفاءات المهنية النزيهة في العملية الديمقراطية نحو قمة هرم السلطة، يمكن لها مستقبلا ان تفرض ارادتها في ادارة الدولة (تماما كما حصل في تقدم التيار الاصلاحي الكفوء في ايران على تيار المحافظين عبر انجازاتهم العلمية والمهنية بالوصول الى مرحلة التصنيع العسكري والمدني، وتخصيب اليوارنيوم)، حتى مع عدم وجود حزب او تيار سياسي واضح يشمل ويوحد توجهات تلك النخب والكفاءات، الا انها تعد الاساس المهم لبناء اطار عمل مرحلي متدرج للتغير الشامل لعملية ادارة الدولة ومؤسساتها، ماحصل في الدورة البرلمانية الحالية في العراق هي احدى نتاىج تلك التصورات بالرغم من تراجعها في الاونة الاخيرة، الا انها تعد الاساس التي يجب ان تبنى وتستند عليه خطوات الكفاءات والنخب الواعية الراغبة في تصحيح واصلاح العملية السياسية برمتها (اصلاح الدستور، محاربة الفساد، رفض سيادة وسلطة القائد الفرد داخل الكتلة البرلمانية، الخ.)،

هذه الاساليب هي الطرق الكفيلة بأبعاد خيارات الثورة الشعبية او الحاجة للانقلاب العسكري لتغيير السلطة في الانظمة الديمقراطية البدائية، انما لابد ان يصب الاهتمام على الكفاءات والنخب المثقفة، والافراد المستقلين سياسيا بتشجيعهم بالانخراط في العملية الديمقراطية وعدم التراجع عنها مطلقا، اي اشبه بعملية المشاركة الوطنية لحماية المكتسبات وان كانت بسيطة، والانخراط الاجباري في صراعاتها (اي تعد حاجة وضرورة وطنية واخلاقية وشرعية ومسؤولية انسانية لبناء دولة ومجتمع امن مستقر ومزدهر) ووضع خارطة طريق لاقتحام العملية السياسية من اجل الاصلاح والتغيير، لمنع الدولة من الفوضى والانهيار .......

 

مهدي الصافي

 

 

في المثقف اليوم