آراء

المقترح الأمريكي والعودة إلى الحل الكونفودرالي.. الخديعة الكبرى

بكر السباتينمنذ قيام الكيان الإسرائيلي وصولاً إلى صفقة القرن وتداعياتها على المشهد السياسي الإقليمي وفي عمق الفكر الصهيوني يعتبر الأردن الحل الأمثل للمأزق الديمغرافي الفلسطيني المرتبط بملف حق العودة.

من هنا ولد مشروع الوطن البديل الذي كان يستخدم كفزاعة في وجه السياسة الأردنية كلما برز المأزق الديمغرافي الفلسطيني في أتون الصراع المتجدد بين طرفي المعادلة، والتي كان شارون يلوح بها دائماً منذ إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام ١٩٨٢.

ولنتذكر في سياق ذلك بأنه بعد عام من هزيمة الفدائيين في بيروت وإخراج البندقية الفلسطينية من آخر معاقلها، والترتيب لمدريد 1؛ كان قد تم الأخذ بخيار الوطن البديل كخيار استراتيجي مستقبلي فيما لو تعثرت الحلول السلمية المتعاقبة وفي إطار فكري، حيث تم تضمينه في خرائط المفكر الصهيوني برنارد لويس التي اعتمدها الكونغرس الأمريكي عام ١٩٨٣، وسعت الإدارة الأمريكية إلى تحقيقها من خلال صفقة القرن الجاري تنفيذها بإلحاح وعلى قدم وساق. وقد برز هذا الخيار مؤخراً بشكله التكتيكي كرد على الموقف الأردني المتصلب ضد صفقة القرن والرافض للتنازل عن الوصاية الهاشمية للمقدسات؛ وذلك بتقديم الدعم الإسرائيلي لائتلاف المعارضة الأردنية بقيادة مضر زهران الذي تبنى هذا الخيار المرفوض بكل المقاييس الأردنية والفلسطينية.

ولكن مع تعثر تطبيق صفقة القرن فيما يتعلق بالمأزق الديمغرافي الفلسطيني، كما يبدو، فقد تم اعتماد خطة بديلة لتنفيذ مشروع الوطن البديل بمعزل عن قطاع غزة الذي تم ربطه أمنياً بالحل المصري في إطار خارطة طريق استراتيجية منصوص على تفاصيلها في صفقة القرن، مع تغيير المسميات والإبقاء على الجوهر، لذلك عرضت أمريكا على الفلسطينيين مؤخراً مشروع الحل الأردني الذي ألبس ثوب الحل الكونفدرالي بين الضفة والأردن، وهو حل يقوم على تجربة فلسطينية أردنية مشتركة في إطار وحدة الضفتين قبل فك الارتباط بينهما توافقاً مع إعلان دولة فلسطين في مؤتمر الجزائر.

ولرصد خبايا المقترح الإمريكي دعونا نستكشف ما في جعبة محمود عباس من خلال استعراض ما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة، يوم الإثنين الماضي حوله، حيث نوهت إلى أنّ المقترح الأميركي الذي عرض على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مؤخرًا، بإقامة كونفدراليّة بين الضفّة الغربية والأردن، هو مقترح إسرائيلي بالأساس.

وينص المقترح على أن تكون الضفة الغربية المحتلة (بدون القدس) تحت الرعاية الأمنية الأردنيّة، التي ستحمي حدود الكونفدراليّة الأردنيّة-الفلسطينيّة مع "إسرائيل"، على أن يعلن الاحتلال الإسرائيليّ ضمّ القدس المحتلة والمستوطنات إليه، ودون معرفة مصير غور الأردن، إن كان سيبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي أو سيكون خاضعًا للكونفدراليّة المقترحة.

أمّا قطاع غزّة، وكما نوهنا آنفاً فلن يكون جزءًا من الكونفدراليّة، إنما سيتم إخضاعه لرعاية أمنيّة مصريّة، رغم أن كافة الاتفاقيّات الموقعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، تعتبر غزة والضفة "وحدة واحدة".

ومن غير الواضح في سياق التفاصيل، وفقًا للصحيفة، إن كانت الضفة الغربية ستحصل على اعتراف إسرائيلي أولًا، ومن ثم سيُعلن عن قيام كونفدراليّة، كشأن أردني – فلسطيني، أم أنه سيتم التوقيع على الاتفاق الكونفدراليّ بين القيادة في الضفة الغربيّة وبين الحكومة الأردنيّة، دون الاعتراف بدولة فلسطين. وظلت الأمور فيما يتعلق بإقامة برلمان وإقرار دستور مشتركين غامضة، وكأن التفاصيل في ذلك مؤجلة إلى حين الاتفاق على الخطوط العريضة.

من جهته رفض الأردن هذا المقترح ومرد ذلك بحسب الصحيفة إلى الخشية من أن يكون ذلك تطبيقًا لـ"الوطن البديل" على أرضها، بحيث يشكّل الفلسطينيّون أغلبيّة السكان بين حدود الرابع من حزيران/يونيو1967وبين الحدود الأردنيّة – العراقيّة، هذا بالإضافة إلى أن المقترح سيضع الأردن في موقف "حارسة حدود لإسرائيل" وظيفتها منع "العمليّات الإرهابيّة" - وفق تعبير الصحيفة- انطلاقًا من الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيليّ.

أما الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي كشف عن المقترح، فقد ذهب إلى ضرورة إشراك "إسرائيل" في معادلة هذا الخيار لترسيخ البعد الواقعي للمقترح، فهو يعتقد بأنه لا يمكن أن تقوم كونفدراليّة بين كيانين ليسا دولتين مستقلتين. لذلك، فإنه يصرّ على أن تكون "إسرائيل" شريكة ليس للإقرار بفلسطين كدولة من ناحية الفكرة، إنما بحدودها ومكانتها، أيضًا، هذا لو سلمنا جدلاً بأن "إسرائيل" هي الآمر الناهي وصاحبة التفويض الأمريكي في تفاصيل المقترح.

والكونفدراليّة التي يتصوّرها عباس،كما جاء في الصحيفة الإسرائيلية ستلزم "إسرائيل" بإبرام اتفاقيّات اقتصاديّة جديدة، ولتنسيق السياسات الخارجية مع الأردن والدولة الفلسطينيّة، وأن ترى فيهما شريكتين متساويتي القدر والمكانة.

وذلك خلافاً للرؤية الإسرائيلية التي تتصورالكونفدراليّة على نحو اتفاق بين الضفة الغربيّة في إطار (منطقة حكم ذاتي) معظم علاقاته مع الأردن اقتصاديّة فقط، في حين يحدّد الملك الأردني السياسات الخارجيّة والأمنية للكونفدراليّة.

وتقوم الرؤية الإسرائيلية للمقترح على مفهومي الحكم الذاتي كما كان عليه الوضع بين الضفة الغربية والأردن قبل فك الارتباط بينهما.

أمّا فكرة الحكم الذاتي في الضفة الغربيّة، فهي فكرة تم طرحها إسرائيليًا أكثر من مرّة، وتقوم على أساس وجود حكم ذاتي يدير الحياة البلديّة، دون أي تمثيل في المجتمع الدولي، واقتصاد يعتمد أساسًا على الاقتصاد الأردنيّ والمضايقات الإسرائيليّة.

أما وحدة الكونفدراليّة، فمردُّها إلى العام 1949حين تم عقد مؤتمر أريحا، بين زعامات فلسطينيّة طالبت بوحدة الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية، وتمّت الوحدة فعلا عام 1950 وأجريت انتخابات مناصفة بين ضفّتي نهر الأردن، الغربية والشرقية.

وأصبح، بموجب الاتفاق، مواطنو الضفة الغربية مواطنين أردنيين واندمجوا في مؤسسات الدولة، دون أي اعتراف عربيّ ودولي، إلى أن احتلت "إسرائيل" الضفة الغربية عام 1967، قبل أن يعلن الأردن فكّ الارتباط، في أعقاب إعلان رئيس منظمة التحرير، حينها، ياسر عرفات من الجزائر قيام دولة فلسطين.

وفي المحصلة فإن التخوفات الأردنية والفلسطينية جاءت في محلها، وكما تبين الصحيفة فالكونفدرالية ما هو إلا مشروع صهيوني بامتياز ألبس الثوب الأمريكي لفرضه وهو في جوهره لا يخرج عن نطاق صفقة القرن التي يسعى أطرافها لشطب حق العودة للفلسطينيين والتنازل عن ملف القدس على حساب الأردن وهو ما يرفضه الجميع..

 

بقلم بكر السباتين

 

 

في المثقف اليوم