قضايا وآراء

النسوية والأنثى والأنوثة (1)

الجديدة التي بزغت في أواخر الستينات. إذن، النقد النسوي عبارة عن نوع خاص من الخطاب السياسي: وهو بعد ذلك تطبيق نقدي ونظري يلتزم بالصراع ضد الأبوة، وضد التمييز الجنسي، وليس مجرد اهتمام بنوعية الجنس في الأدب، خاصة إذا لم يكن غرض التمييز الجنسي إلا مجرد طريقة نقدية أخرى تثار بنحو يساوي الطريقة التي يثار فيها موضوع الاهتمام بصور البحر أو استعارات الحرب في الشعر القروسطي . إن بإمكان الناقدة النسوية استعمال أي طريقة تجدها ما دامت منسجمة مع خطها السياسي .

 

الأنثى:

إن كان النقد النسوي يتميز بالتزامه سياسة تحارب السلطة الأبوية والتمييز الجنسي، فأن مجرد كون الناقد أنثى لا يضمن استعمال المنهج النسوي كون النقد النسوي، خطابا سياسي، يستمد وجوده من أي نقد آخر . هذه حقيقة بدهية، وما يجدر ذكره إن الكتب التي كتبتها نساء عن كاتبات لا تمثل بالضرورة التزاما ضد المجتمع الأبوي . ويصح هذا بنحو خاص لأعمال كاتبات ما قبل الستينات التي تدعم المقولات الأبوية التي تحاول الداعيات إلى النسوية هزمها . إذن، لا يضمن  النهج الأنثوي في الأدب، أو في النقد بالضرورة منهجا نسويا . لقد أظهرت الناقدة البريطانية (كارارد) في مقالتها المهمة (هل روايات النساء نسويه ؟) وتؤكد كارارد انه (لا يجوز القول أن أية كتابة ترتكز على المرأة هي نسويه) . إن أهداف النسوية بعيدة كل البعد عن تلك الخيالات الجامحة التي تميز مثل هذه الروايات والتي تقوم على الخضوع الجنسي والعرقي والطبقي . إن وراء ذلك الاختلاف بين النصوص  الأنثوية والنسويةنسيجا معقدا من الافتراضات، فعلى سبيل المثال، نفترض غالبا إن مجرد وصف التجارب النموذجية للمرأة هو فعل نسوي . وان كان هذا صحيحا من ناحية، فالنظام الأبوي، كما عرف عنه، يحاول دائما إسكات المرأة وكبح تجاربها . لذلك كان مجرد وضع المرأة محط الأنظار إستراتيجية هامة ضد النظام الأبوي . ويمكن من ناحية أخرى إظهار تجارب المرأة بطرق محورة أو مضللة أو مهينة . فلا يمكن وصف روايات / ميلس و/ بوون /، حب النساء. لقد نبع الاعتقاد الخاطئ بأن التجربة هي جوهر السياسة النسوية الجيدة . فلا يمكن أن يؤسس إيقاظ الوعي القائم على مفهوم سياسة (التجربة الغيابية)، فكل تجربة عرضة لتفسيرات سياسية متنازعة . إن إيماننا بأن تجربة الأنثى الشائعة هي حافز لنحليا نسوي لوضع المرأة دليل سذاجة سياسية وجهل نظري . فمجرد المشاركة في التجربة لا يكفل بالضرورة جبهة سياسية مشتركة . إن ملايين الجنود الذين عانوا مما في الخنادق في غضون الحرب العالمية الأولى لم يتحولوا جميعا بعد انتهائها إلى مسالمين أو اشتراكيين أو عسكريين . ليست للأسف تجربة المخاض أو آ لآم الحيض بنحو عام عند النساء وليست بحافز خاص وقوي للتحرر السياسي، فلو كانت كذلك، لكانت النساء قد غيّرن وجه الأرض منذ أمد بعيد . ولا يمكن للتسوية كونها نظرية سياسية أن تكون مجرد انعكاس أو نتاج لتجربة النساء، على الرغم من أن صياغتها قامت أساسا على التوكيد اللاابوي لتجربة النساء، فينطبق المفهوم الماركسي على ضرورة قيام علاقة ديالكتيكية بين النظرية والتطبيق، على العلاقة بين تجربة المرأة والسياسة النسوية أيضا . إذن إن اختيار الكثير من الناقدات التسويات الكتابة عن كاتبات هو اختيار سياسي حاسم، وليس تعريفا للنقد النسوي .

 

الانوثة

إذا كان خلط الأنثى بالنسويةمفعما بأخطار سياسية سهلة الإدراك، فأن ذلك ينطبق على تداخل الأنوثة في الأنثى . لقد استعملت الكثير من الداعيات إلى النسوية منذ زمن طويل كلمتي (الأنوثة) و (الذكورة) للدلالة على التركيبات الاجتماعية . إن كلمتي (الأنثى) و (ذكر) فلقد حصرناهما للدلالة على العناصر البيولوجية البحتة للاختلاف الجنسي . وهكذا  تمثل (الأنوثة) التربية و (الأنثى) الطبيعة . فالأنوثة تركيب ثقافي، فالواحدة، كما تقول (سيمون دو بو فوار) لا تولد بل تصبح واحدة . ويعتمد الاضطهاد الأبوي، بالاستناد على وجهة النظر هذه، على فرض مقاييس اجتماعية معينة عن الأنوثة على كل النساء وعلى ترسيخ الاعتقاد فيهن  بأن هذه المقاييس المختار للأنوثة طبيعية . ومن مصلحة الأبوي أن نعتقد  بشيء يدعى  جوهر المرأة وهو الأنوثة . وعلى الداعيات إلى النسوية أن يفككن هذا الاختلاط، ويحاولن الإصرار على إن النساء ولو كنّ إناث من دون شك، غير إن ذلك لا يضمن  بالضرورة أنوثتهن . ويصح هذا إن كنا نعرف الأنوثة بالطرق الأبوية القديمة أو بطريقة النسوية الجديدة . فالجوهرية (الاعتقاد بطبيعة معينة للأنثى) تخدم في النهاية مصلحة أولئك الذين يريدون أن تعمل النساء  وفق نماذج الأنوثة المعروفة مسبقا . وتعني الإحيائية، في هذا الإطار، الاعتقاد إن هذا الجوهر معطى بيولوجي . والادعاء بوجود جوهر أنثوي معطى تاريخيا أو اجتماعيا ليس بأقل أهمية من ذلك . وإذا ما عرفّنا، كما اقترحنا، النسوية إنها قضية سياسية والأنثى مسألة بيولوجية، فأننا ما زلنا نواجه مشكلة تعريف الأنوثة، فمجرد تعريفها  أنها (مجموعة ميزات معرفة ثقافيا)، أو أنها ( تركيب ثقافي) غامض للكثيرين، ولا يبدو تعريفا مناسبا، فكل مضمون يمكن أن يصب في هذا الوعاء . لقد طورت الأبوية سلسلة كاملة للخصائص (الأنثوية) (العذوبة، الحياء، الخنوع، التواضع ... الخ ...) فهل يتوجب على القائلات بالنسوية أيجاد مجموعة مختلفة من الفضائل مهما كان مرغوبا بها ؟ وإذا ما أردنا تعريف الاتوثة مقياسا، ألن يؤلف ذلك جزءا من التضادات المزدوجة التجريدية  التي نقدتها (هيلين سيسكر) بحق ؟ ويكمن أيضا في محاولة إيجاد تعريف نسوي ايجابي للأنوثة خطر الانتهاء إلى تعريف للأنثى ونقع بذلك في شرك أبوي آخر . فالأبوية اعتقدت دائما بطبيعة المرأة / الأنوثة الحقة وليس النسوية، فالبيولوجية والجوهرية المتوازيتان خلف رغبة إلحاق مزايا الأنوثة بأجساد الإناث ستعودان بالضرورة على الأبوية بالفائدة .

 

تفكيك التضادات المزدوجة 

إن المفردات آنفا تدخل في تضادات ازدواجية آلية وساكنة، كالتضاد أنثى – ذكر أو أنوثة – ذكورة – مضمونان سياسية ونظرية . أما عن قضية الداعيات إلى النسوية فتبدو مختلفة نوعا ما . إذ تبدو العلاقة بين مفردات النسوية والتمييز الجنسي والأبوية أكثر تعقيدا من قضية أنثى – ذكر أو أنوثة – ذكورة، وهذا يعود على الأرجح لطبيعة هذه الكلمات  السياسية . والمناقشة الآتية عن أيدلوجية التضادات المزدوجة لا تنطبق بالضرورة على التمييز الجنسي – الداعيات إلى النسوية أو على الأبوية – الداعيات إلى النسوية . إذ لا يبدو هناك تناظر آلي بين الازدواج ذكر – أنثى أو ذكورة – أنوثة . لقد أسهمت (هيلين سيسكر) بمناقشة قيمة عن نتائج ما تدعوه (الفكر المزدوج الذي يمت طرفه الآخر). إذ تورد تحت عنوان (أين هي ؟) قائمة من التضادات المزدوجة . وتتطابق هذه التضادات مع التضاد الأساسي رجل / امرأة وتتراكب بعمق في نظام القيم الأبوية . ويمكن لكل تضاد أن يسلسل هرميا وذلك بالنظر لجانب الأنوثة دائما على انه سلبي وعديم القوة . بكلمات أخرى، يستعمل التضاد البيولوجي رجل / امرأة ليشكل سلسلة قيم (أنوثة) سلبية تفرض على الأنثى، وتخلط معها . وترى (سيسكو) وهي مدينة – هنا – بنحو كبير لأعمال (جاك دريدا)، فالفلسفة الغربية والفكر الأدبي كانا وما يزالان أسيري هذه السلسلة اللامتناهية من التضادات المزدوجة والهرمية والتي تعود دائما في النهاية  إلى الزوج الأساسي رجل / امرأة . ترفض سيسكو تسوية الأنوثة بالسلبية والموت رفضا باتا . فهذا لا يترك للمرأة أي حيز ايجابي : (المرأة إما سلبية وإما إنها لا توجد) . يبقى تفكيك سيسكو للتضاد أنثى / ذكر  قيما للداعيات إلى النسوية . وإذا ما اعتبرنا  تحليلها صحيحا ، فهذا يعني إن استمرار دعم النسوية لفكر الازدواج، ضمنا أو صراحة، يعادل بقاءها ضمن مجموعة المبادئ الأبوية . وتبين سيسكو إن حصر الذكر والأنثى في تضاد تام يعني إجبارهما على الدخول التام في صراع القوة المزودة بالموت، والذي تحدده في نطاق التضاد المزدوج . وبالاستناد إلى هذا المنطق تصبح مهمة الداعيات إلى النسوية من غير منازع تفكيك الميتافيزيقية الأبوية (الاعتقاد بوجود معنى متأصل في الرمز) فأن كنا، كما يناقش دريدا، ما نزال نعيش في عهد الميتافيزيقيا، يغدو من المستحيل علينا أن ننتج مفاهيم جديدة غير ملطخة بميتافيزيقيا الحضور . لذلك فأفتراح أي تعريف جديد للأنوثة يؤدي بالضرورة للوقوع في شرك الميتافيزيقيا ثانية .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1324 الاحد 21/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم