قضايا وآراء

من سبق من الشعر أم الفلسفة .. الشاعر العراقي الكبير شاكر السماوي فيلسوفا

حين تتماهى التجربة والتأمل تتجه الأعماق صوب آفاق

 يحلّق فيها الكلام متخثرا في بريقه، كما تتخثر الشجرة في تويج زهرتها . إنها

- هذه الألواح –

"شاكر السماوي"

 

في أهم اصدارته الكتابية يقف كتاب حدائق الروح أو الألواح ذات النقوش الضوئية، في مقدمة ما أصدر الفيلسوف الشاعر الكبير شاكر السماوي . هذا الكتاب الذي كتب بهيأة رسائل بلغت أربعين رسالة طويلة وفي لازمة خطابية لمخاطب معلوم ومقرونة بنداء مقصود "يا ولدي" يتجسد فيها جدوى فعل الفلسفة الكتابية في بيان معانيها الثرية وفي  أقصى تضاعيفها وأسمى تجلياتها ، عبر مواضيع إنسانية، عبرت عما يتصل بكل العوامل المحركة الحياة، وحملت أيضا من السرد الجميل ما حملته من نارد القول الشعري، وبما يشابه أو يفوق ما قرآناه في كتب الفلسفة الصرفة القديمة الحديثة على حد سواء، رغم أنني أجد أن مؤلفه كشاعر كبير كان محايثا بارعا في نثره الشعري للنفري كأديبو فيلسوف صوفي .وأجده كذلك وريثا أهلا لشيخ الفلسفة الصوفية الأكبر الفيلسوف العربي الأندلسي الكبير محي الدين أبن عربي في رسائله المعروفه وكتبه القيمة، في الحكمة والرأي وندا قويا لفلاسفة العصر الحديث الغربيين وما جاءوا به وقرأناه في تكوييننا الثقافي..

 

إن الكتاب من الأهمية بمكان ما جاءت سعته المعلوماتية مقرونة بعدد صفحاته التي تجاوزت ال (224) صفحة من القطع المتوسط، والتي أسماها الأستاذ السماوي بالألواح - وربما أردا من هذه التسمية الاشارة والتذكير بالألواح القديمة في التاريخ الفلسفي، ومنها الألواح الطينية في بلاد الرافدين وهذه الألواح هي استكمال لها (فلا جديد بلا قدامة، ولا قدامة بلا حداثة) وهذا ما يعبر عن فلسفة الحياة وما يتصل بها إنسانيا روحا ووجودا .، تندرج مواضيع الكتاب في حقول عشرة، يضم كل حقل فيها أربعة ألواح وبعناوين حملت ما أضطمت عليه هذه الألواح من مواضيع فلسفية معاصرة تترادف مع القديم وتعبر عنه في روح عصرية متفتحة ومنفتحة تشي الى (قدي _ معاصرة)، أحاط بها كاتبها إيما أحاطة ،  تستدرج القاريء اليها بطعم كتابي دسم، فتمسك به من العنونة الى الخاتمة . ولعمري ولا أبالغ إن قلت :

 

 أن هذا الكتاب هو من عيون ما قرأت من كتب استراتيجية مهمة على الصعيد الفلسفة للمعاصرين على الصعيدين المعرفي والكتابي ..

 

وتجدر الأشارة هنا الى الحقول العشرة للكتاب، وألواحه الأربعين وهي

1. حقل الأنسان، ويضم - لوح الطفولة -  لوح الصداقة- لوح النفوس-     لوح الوجوه

2. حقل المكان، ويضم-  لوح الوطن-  لوح البيت-  لوح السفر-  لوح الغربة

3. حقل الأجنحة، ويضم- لوح الصِراط- لوح البوح- لوح الحالات-  لوح الوصايا

4.حقل المدارات، ويضم- لوح الجسد- لوح المرأة - لوح العشق - لوح الموت

5. حقل المديات، ويضم - لوح السياسة - لوح الثورة - لوح الشهيد - لوح الحرية

6. حقل الأبعاد، ويضم - لوح الكلام - لوح الرؤى - لوح الشعر - لوح الرفض

7. حقل الأعماق، ويضم - لوح الغرائب - لوح المضحكات - لوح الهواجس - لوح الهذيان

8. حقل الظلال، ويضم - لوح المنمنمات - لوح الأحلام - لوح المرايا - لوح الرسائل

9. حقل القناديل، ويضم - لوح الأسئلة - لوح ال " إذا " - لوح القوس قزح - لوح ال "لو"

 10. حقل التراتيل، ويضم - لوح الآتيات - لوح الإعتراف - لوح الشكران - لوح الدعاء .

 

إن الثيمة المستنبطة من قراءة هذه الألواح هي أنها نشأت كتابيا كالوليد في ولادته الطبيعية الذي يستنشق الله في الرضاعة لينتهي بالدعاء اليه والتضرع له، فلم تكن فكرة ترتيبها عفوية بدليل وعي تسلسلها الموضوعي، كما لم تكن غير ما كانت عليه في ذكاء ترداف فكرِها الفلسفية المتعاقبة .. فما بين " لوح الطفولة فاتحة هذه الألواح ولوح الدعاء أخرها" رحلة عمر كتابي طويل لخص فيها الفيلسوف العراقي شاكر السماوي فهمه للحياة ومداركها من خلال وخلل تجربته الطويلة كمثقف ومناضل وشاعر كبير وقبل هذا وذاك كإنسان قبل كل شيء.

 

ثمة شيء أخر وقفت عليه في قراءتي المنتجة لحدائق الروح، هي أنها كتبت بفكر فلسفي حداثي معاصر، يأخذ بالقيم الروحية كدلالة حوارية لفهم الحياة عصريا برؤية تتجاوز التحنط والتصنم، رؤية لها في الإنفتاح مايجعلها أسمى من الإرتكان الى الآسرات والمقننات بكل ما تمثله في إثنياتها، وبعيدة عن التشظي في أنويات الذات الواحدة وإن كانت تعنيها كرأي ورأي مقارن، وقد منحتها الخبرة الكتابية الكبيرة للفيلسوف شاكر السماوي آفاق الشمول والسعة في الكتابة والتكوين، كما منحتها الرهافة والطراوة قرائيا بما أضفى عليها الشعر من سمة دلالية أخرى .

 

الحقيقة إن الكتابة عن حدائق الروح يحتاج الى جهد تخصصي كبير ومجلد كبير، ليأخذ كل فصل فيه حقه في الكتابة عنه والتعريف به .. فهل هي دعوة للكتاب والأدباء والمتخصصين في الفلسفة في ضرورة قراءة هذا المنجز الكبير ..؟

 

نعم، إضافة الى ذلك ما تضمنه الكتاب من قصائد شعر نثري وتفعيلي تحتاج هي الأخرى تحتاج الى مجلد كبير أخر، ولعمري هو مشروع شعري قائم بذاته ولو هو في روحه إستكمال للتجربة الشعرية الكبيرة لأستاذنا شاكر السماوي،

يا كلَّ خالقٍ، وكلَّ إله

يا كلأَّ غيبٍ ومجهولٍ، وكلَّ قدر

جئناكمُ كموكبٍ يستنزلُ الخلاص للبشر .

فالهمونا بالذي يلهمنا

وأزيحوا عن شغاف الروحِ تاريخ السؤال

أثمة َ بعد الحالِ من حال؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1378 الاحد 18/04/2010)

 

في المثقف اليوم