قضايا وآراء

بيروقراطية المثقّف / فائز الحداد

ولماذا تتفرّد كترسيخ في الجاه والتسلط، وفي العمادة والمشيخة..؟!.

 أما من المفروض أن تكون الثقافة معين الديمقراطية الدائم دون تسلط؟.

 

البيروقراطية، وقبل كل شيء، وجه من أوجه الديكتاتورية.. فهي انزياح وبائي عقلي وعضلي، قبل أن تكون سلوكاً نفسياً عدائياً.. مظهرها الإحساس بالتفوق والامتياز، وقوامها القوة المتغطرسة بكل أشكالها.. في انتزاع ما ليس لها من حقوق. ولأنها في الحقيقة أعلى قمة في نرجسية الغرور، سرعان ما تتحوّل الى قوة ضاهدة، عند من يحسبون أنفسهم أعلاما في الثقافة، فهم (القلّة) النادرة بين كثرة في نظرهم (جاهلة)، ولا أدلّ عليها تعبيرا، غير مفردتي (السيد والعبد) و(المثقف وغير المثقف). ‏ فهذه الفئة وبسبب سلوكها الشخصي البراغماتي النفعي، إن لم تبلغ ذروتها.. تجنح الى التخريب الثقافي، بوسائل وطرق غير نزيهة.. ربما لأنها مخترقة بدوافع خارجية محسوبة، أو لأسباب أنانية وشخصانية محضة، وبسلاح ذي حدين، إما بالطعن والتشكيك وإما بالنفاق والتبعية، لكنها وفي كل الظروف تأخذ بالذرائعية سبيلاً في بلوغ أهدافها الخطيرة تأكيداً لإيمانها المطلق بالدكتاتورية في الأمر والائتمار. ‏ لقد تناول النقد مسألة البيروقراطية الثقافية في الدراسة والتحليل، وتعرض لها وصفاً وروحاً العديد من الكتّاب وأشاروا الى مآخذها الخطيرة في التجسيد والترسيخ، وكذلك فعل الكثير من المثقّفين في هذا المنحى في نقد هذه الظاهرة في كتب ودراسات واسعة وعديدة.

فمن هم ضحايا البيروقراطية الثقافية في ساحة الثقافة العريضة؟.. وكيف يتعامل المصابون بداء (عظمة النخبة) مع الإنتاج الثقافي عموماً، وأدب وثقافة الشباب على وجه التحديد؟.. ولماذا ينتحل المثقّف (المسؤول) سمات الاقطاعي أو البرجوازي المتغطّرس في تعامله الثقافي، ويتحوّل في ممكنات الدكتاتور الى أشدّ من سواه، تسلّطاً وعنفاً مع أصحاب المواهب الحقيقية الواعدة؟!. ‏ ألم يبتدئ هذا (الدكتاتور) كغيره من (النخبة) قارئاً ساذجاً، وبتطور الوعي أصبح قارئاً نموذجياً في الاستعمال والإنتاج؟. ولماذا تبقى آراؤهم في خانة الفرضيات والافتراضات، يمارسونها بنزعة الأستذة على الشباب، كشروط (المثل) والمثالية لركائز العمل المتقن و(الكامل) وهو غير المحققة أصلاً، حتى في أكبر الأعمال الأدبية، فيلوحون لهم دائماً بعصوين، الأولى  تؤنّب والثانية تطلب السحر، وهم ما بروحوا زغبا في بواكير أعمالهم ومنجزاتهم؟!.

فمن لا يتمنى أن يكون شبابنا مشاريع كبيرة في بلوغ الرقّي الكتابي؟.. على أن نأخذ بأيديهم ونتبنى نتاجاتهم بالحبّ والرعاية، لا أن يُواجَهوا بأدوات الردع والقسر، أو المنع والحرمان، وبدوافع فوقية متعالية، بحجة التنقيد والتحضيص وما يتصل بذلك من لواحق التقنين والتجنيس، وما الى ذلك من مثابات التنظير الفراغي المتقاطع تماماً مع روح الإبداع في التفتح والانطلاق، ومن يقول: إن الوهم النخبوي عند المثقّف ككائن مغرور لا يقف عند حدود معرفياته ومرجعياته القديمة، ليصبح (برجوازي ـ تثاقفي) في الشكل والمضمون، دون اكتراث بائن بما هو ثقافي حقيقي  متجدّد في البحث والقراءة؟. فالكثير من المثقفين ضاع في القشريات والهموم الأخرى، واستحال الى صحافي خبري (ناقل ومجتر)، أكثر منه صحافي ميداني مبدع، وتجاهل أو تناسى بجهالة البيروقراطية ما للكلمة من رسالة سامية.. وأضاع (الخيط والعصفور) كما يقول المثل. فإذا كانت الخشية من إبداعات الشباب مثلبة يعاقب عليها (الشيوخ)، فنتاج بعض الشيوخ الثقافية كارثة بالنسبة لأسمائهم، يحاسب عليها الأدب وقانون الإبداع العام. ‏ هكذا يجب أن نكون بعيداً عن الاستئثار المرضي بالمجاملة، قبل أن يقول لهم المتنطعون (ضعوا القلم) ولكم من الشباب ألف قبلة في (دفتر الثقافة التقاعدي) (فالماضي قاعدة الحاضر والحاضر قاعدة المستقبل).. وكعلاقة القدامة بالحداثة، والحداثة بما بعدها.. وهلم جرا، دون احتجاج أو تنديد لكون الثقافة منبر الرأي الحرّ دائماً وستبقى كذلك حتى تصيح الساعة. ‏ أجل ضعوا القلم أيها البيرقراطيون كي يأخذ الإبداع الحقيقي مكانته وفي مقدمته أدب الشباب . !!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1453 السبت 10/07/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم