قضايا وآراء

من قارة السماوة الى قرية استراليا .. رحلة السرمدية ليحيى السماوي فـي: لماذا تأخرتِ دهرا؟ / فائز الحداد

والمؤخر

        ***********

العنوان مقصود لمخاطب أنثى بكسر تاء فعلها، و يبدو أقرب الى عنوان سردي أكثر منه الى عنوان شعري، أو هو عنوان شعري يحمل السرد روحا بهيئة السؤال على كتف إستفهام (لماذا) المغادرة صوب الشعر ..؟

أنا أتساءل لماذا تأخرت دهرا؟

 وماذا سيعرض لنا شاعرنا السماوي من خلال وخلل دهره من أفاعيل الشعر بحراقه وزهوره ..؟ فهو دهر يقف على قمة هرم زمن .. ينبغي بأن نقرأه كجبل ذي سفوح قرائية متعددة لشاعر مهم في سفر الشعرية العراقية الرصينة، إذ تتوزع على جنباته نزيفات شاعرعانى الأمرين ونزف المرارتين، ككنوز قصائد ونبال رماح وهراوات تركض بأرجل الماء بين رافديه من قارة السماوة الشعرية حتى قرية استراليا القاحلة، فإن نعيد صياغة قراءتنا شعريا من على كل سفح .. المفروض أن يكون مقباسنا ببوصلة دقيقة تعي حدود الجراح قبل القلب وتحمل الشعر فيما تحمله، شرطا مثاليا للتعبير عن الحرية، كي نكتشف ونستكشف بحق عالم يحيى السماوي هذا الغريد الشعري الكبير .

هل نهاوند .. تأخرت دهرا فكانت عرس السباء في أضلاع يحيى؟!

ربما، فهي من ..

الماء أودعها سريرته ..

وأودعت الطفولة جيدها

عقد البراءة ..

والأمومة ُ؟

أودعها رقة القلب الجليل

في هذا النص أول ما يقف عليه القاريء هي ذكاءالشاعر في صياغة حبكة المعادل الشعري في البوح، فالماء ظل نهاوند في قاحل روحه التي حملت من معناة الأنا الكثير ومن معاناة أنوات الشاعر مع الأخر وما يتصل بها أكثر، لذلك يقول ..

تدني " نهاوند " :

الفراديس البعيده من عيوني

والرصافة من سفيني

والربيع الثر من حقلي ..

ومن صحراء قافيتي المطر

وتنش ذئب الحزن

عن غزلان روحي

هذا المعادل أجده شاخصا في أغلب ما قرأت للسماوي من شعر، لكنه يتمطهر جليا في قصائده النثيرة أكثر من عموده وتفعيلته .. أعتقد لضرورات قانونية العروض وشروطه اللأزمة، غير أن هذا المعادل لعسير عند الكثيرين، بما يشي الى تحكم شاعرنا ببيان خطاب نصه وقصيدته، وفقدان وحدة الموضوع عند الكثيرين .

إن سطوة الأنثى المتأخرة دهرا .. يستمر كدفق عري عبر أغلب قصائد المجموعة ونازع الحب يضرب بأوداج روح الشاعر بحميم جاحم يصل حد الحكم والقدر ..

وحكمتني بهواك ما عشت الحياة

وأن يكون كتاب حبك في يميني

حين أبعث من رماد العشق

يوم الأخرة

وسرقيتني من !

أعيديني ألي

دائما، أقول أن الشاعر .. مهما أمتلك من جبروت التمرد على واقع نفسه، ومهما يلف روحه بهالة من تخيل القدرة في إحكام روحه وعاطفته، ورغم إمتلاكه أسباب الشك الواعي .. في أنه يخلق ما لا يخلقه أحد شعرا وحكمة، يجد نفسه أسير ريح تجرف سفينه الى مرفأ عاشقة غازية، لكنه و في قمة إنجرافه يجد الملاذ في العودة الى ذاته التي لاتضاهيها أية عودة .!!

وهي عودته الحقيقية التي كللها في قصيدته شاعرنا ب " على مشارف الستين " فهي إفصاحة بائنة في إستدراك شعري يجلي به الشاعر الغبار عن سنوات خلت منذ أول بيت يفجر المعنى به ويقلب أوراقه على ماض سجله شعرا في منتهى البلاغة والروعة..

ستون، في ركض ولم أصل ِ

نهر الأمان وواحة الأمل ِ

ستون، أحسب يومها سنة ً

ضوئية موؤودةالشعل ِ

......................

.......................

أحلى الأماني، أن أرى وطني

حرا وقومي دونما كلل ِ

ولو عدنا الى معادل يحي السماوي كموضوعة للإفصاح من العنوان .. يكون نص لماذا تأخرت دهرا عليا .. المسبب الروحي في بلوغ معنى القصد، ورغم وضوح الدلالة فيما نذهب اليه من قراءة أسواء كان في العنونة أو في الموضوع، حيث القصيدة والمضمون، فشعر السماوي فيه من الإبطان الكثير والذي يأخذ هيئة الرمز حينا وهيئة التورية البلاغية آحايين أخرى ..

فلا يغوينك ظلي

ولا يغرينك

نبض المحيا

فكم يحمل هذا المفصل من معنى كبير ويضطم على على أسرار وإبطان؟؟ .

لعمري، أنا أحب شعر هذا الشاعر الفذ فقرأته شاعرا يتقصد القاريء ببراعة إسلوبه عبر خيارات مواضيعه وذكاء رسم مفاتيح القصيدة في إبتكار العنوان الجميل .. ولنا في " صوفية النيران، يا ناسجا كفني بمغزل غدره، مقاطع من قصيدة ضائعة "، وفي الأخيرة التي ضمت ستة نصوص، هناك إشتغال حداثي يختلف عن سابقات القصائد والنصوص، كونه اشتغال محمول على جملة صورة المركبة المتشظية باتجاهات المعنى المتجاوز الى التأويل المفتوح ..

أيها القلب الذي

ثلثاه من ماء الفراتين ..

وثلث

من رماد النخل

في محرقة الوجد

وطين البلد :

طعنة أخرى

وتشفى

من عذابات الجسد

 في أخر قرائتي ستكون محطتي عند أخر قصيدة / إسألي الصبر، أمثلي عاشق / ففيها مكمن سر مفاتيح روح السماوي الشعرية عبر هذه القصائد والنصوص والتي تجيب القاريء عن زهور حدائقه في نهاوند وهند وسليمى ..؟!

أنا_ياهند_ ورب الفلق ِ

ناسك الإثمِ عفيف النزق ِ

شاخ لكن الهوى أرجعه

كإبن عشرينَ صبوح الأفق ِ

أعتقد هي تمنيات محمولة على جناح الشعر لاغير، إذا ما كانت الحقيقة تشير الى غير هذا على أية حال، و الجميل في ذلك ما يرسله البيت الأخير من شفرة إرسال القصيدة بروحها ورح الشاعر معا وهذا هو المهم ..

طالما كنت ِ شراعي فأنا

مبحر حتى حدود الغرق ِ

 

أكيد، إن الكتابة بهذه العجالة لاتنصف هذه المجموعة المهمة في سفر يحيى السماوي إنسانا وشاعرا، لكنها منتجة كقراءة شاعر لشاعر في كل الأحوال .. ففي المجموعة قصائد في منتهى الأهمية من المفروض أن يكتب عنها تخصصا في مجال النقد، لأنني لست بناقد منهجي بل قاريء وقاريء أولا .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1466 الجمعة 23/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم