قضايا وآراء

الغضب / حميد طولست

وهو كالبركان ينفجر في أي لحظة، خاصة عند الإنسان الضعيف الذي اعتاد الغضب من كل شيء لا يرضيه حتى أضحى لا يستطيع السيطرة على انفعالاته، وقد قيل فيمن يغضب "أنه إنسان ضعيف، وأن القوي، هو من لا يغضب، ويقدر على  التحكم في مشاعره وأحاسيسه"، فيسهل عليه بذلك الوصول إلى تحقيق أمانيه ورغباته، ولذلك نجد أن معظم الساسة قلما يغضبون، بخلاف الأشخاص العاديين الذين ينفجر الغضب بداخلهم بسرعة وتلقائية، في أي وقت، ومن أي وضع، وأي موقف.

وليس منا من لا يتعرض يومياً لضغوطات الحياة وأحداثها التي تفرض عليه مواقف تجاه الآخرين. ومن أخطر هذه المواقف حالة الغضب التي تعصف بأشد الناس حلما وتسامحا وإيثارا، وتدفع بهم إلى حد الثورة والهياج وكراهية الغير. والتحول إلى حالات نفسية يصبح معها الإنسان غير قادر على التحكم في أعصابه ومشاعره تجاه من اخترقوا خصوصياته، أو مارسوا عليه ظلماً إدارياً أو اجتماعياً أو عائليا، وهو في موقف لا يسمح له بالدفاع عن نفسه، فيخفي قلقه، ويكتم حنقه، ويسكت الهياج والثورة في أعماقه، ويقوم عندها بتوليف جيوش من الكراهية داخل ذاته ضد هؤلاء الظالمين الذين كانوا وراء استثارة عاطفة الغضب عنده، سواء أتى ذلك من أصدقاء جائرين تسببوا له في مشاكل هو في عنى عنها، أو أعداء ظالمين جاروا عليه وأوقعوا به، لأن ذواتهم نشأت على روح الكراهية والعبث بحياة الآخرين؛ خصوصاً إن كان هو من الناجحين أو من الموهوبين أكثر منهم.

فيمر الغاضب بمشاعر عديدة، كالضيق، والاستياء، والكدر، والاستثارة، والإحباط، والعبوس، والسخط، والنقمة، والإساءة، وغيرها من الصفات التي تعكس عدم رضاه عما تعرض له من مواقف عدم الإحساس بالعدل، والتعدي على الكرامة، والإهمال، والإذلال، والخيانة، وغيرها كثير من المؤثرات المتنوعة التي تحدث تغيرات فسيولوجية وبيولوجية تتسبب في انقباض القلب، ورفع ضغط الدم به، فيصاب الإنسان بالثورة العارمة، والهياج الحاد قولاً أو عملا.

 هذه الحالة النفسية، وذلك الشعور الإنساني، الذي يعتري الإنسان، مثله مثل باقي العواطف الإنسانية الأخرى، قد يكون منشؤها انحرافاً صحياً، بسبب اعتلال الصحة العامة، أو ضعفا في الجهاز العصبي، الذي يسبب سرعة التهيج، أو اضطرابات نفسية مسببة للاكتئاب ثنائي القطب. وقد يكون المنشأ نفسياً، منبعثاً عن الإجهاد العقلي، أو المغالاة في الأنانية، أو الشعور بالإهانة و الاستنقاص، و نحوها من الحالات النفسية والعاطفية التي سرعان ما تستفز الإنسان، و تستثير غضبه. وقد يكون المنشأ أخلاقيا يلهب في الإنسان روح الحمية والإباء ويبعث على التضحية والفداء، في سبيل الأهداف الرفيعة، والمثل العليا، كالذود عن العقيدة، وصيانة الأرواح والأموال والكرامة. وهذا النوع من الغضب، هو غضب منطقي ومحمود، وقد يتحول إلى غضب مذموم، إذا أفرط فيه، وخرج عن الضوابط، أو تحكمت فيه العلاقات الإنسانية، ومنغصات الحياة العامة، أو مشاكل العمل.

ويختلف الغضب بين الرجل والمرأه، فالرجل يكون عادة سريع الانفعال والغضب، يعبر عن غضبه بطريقة سريعة تجعل مشاعر الغضب عنده تزول بنفس السرعة التي حدثت بها، فتهدأ فورته بعد الصراخ الهائج، وتخف حدته بعد كسر بعض الأواني أو بعض الأغراض. أما المرأه ففي الغالب الأعم ما تكتم الغضبها ليظل، ولزمن طويل، كامناً بداخلها لا يظهر، ما يجعله سيئ التأثير، خاصة حينما تستبطن المرأة العداء تجاه الآخرين، وتبقى أسيرة ذاك الظلم أو العسف، فتعيش سلبية تؤذى نفسها ومن حولنا من دون أن تدري،. أما إذا أظهرت الغضب، وطفا على سطح أحاسيسها في صورة تعبير طبيعي ومنطقي، فلا يشكل خطورة داهمة، ويكون تأثيره إيجابيا.

ويبقى الغفران أقوى رسالة يمكن أن يرسلها الإنسان لمن ظلموه ونغصوا عليه حياته. إذ لا توجد وسيلة أقوى ولا أفضل منه لمعاقبة الذين أساءوا إليه، لأن تعويد الذات على ممارسة الغفران ومسح الصور السلبية، يجعل الإنسان يعيش في راحة داخلية، توجه جهوده نحو الإيجابية وفعل الخير والسمو بالذات، التي لن يتحقق إلا بتطهير النفس من مشاعر الغضب، والتخلص من جور الكراهية وصوره السلبية، ما لم تكن (النفس) مغلقة وحاقدة، فلن تفيدها الابتسامة المُختلقة - مهما كانت عريضة - في كسب ود الناس والفوز بثقتهم.

 

حميد طولست

 [email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1466 الجمعة 23/07/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم