قضايا وآراء

الابداع في الفـن والادب والعِلم: مقدمة فلسفية / مصدق الحبيب

 واكفأ من يعزز البناء الاجتماعي لذلك الوجود" .. روثنبرك وهوزمن

 

شغل موضوع الخلق والابداع اهتمام الكثير من العلماء والباحثين منذ القدم. فقد درس الفلاسفة هذا الموضوع في سياق دراسات التكوين والسلوك والنبوغ وعلم الجمال، وفسره اطباء وعلماء النفس وهم في صدد دراسة البناء السايكولوجي للافراد والتنبؤات السلوكية وماتستلزمه من اختبارات مختبرية واجراءات عيادية،  كما بدا التربويون ايضا اهتمامهم الواسع في مسالة الابداع والابتكار قدر مايتعلق الامر بمحاولات اكتشاف السبل الكفيلة برعاية المواهب وتنميتها. واهتم بدراسته وتحليله الاداريون ورجال الاعمال من اجل ايجاد التقنيات الصناعية الجديدة وتصعيد الانتاجية وتخفيض الكلف الاقتصادية. ولابد للمبدعين في حقلي الفن والادب من الاطلاع، ولو بصفة عامة شاملة، على كيفية ظهور انتاجاتهم الابداعية الى حيز الوجود، وما الذي يقف وراء نشوئها وتطورها. فاذا قدِّر لنا فهم واستيعاب منشا وتطور الابداع، سيكون من الاسهل العمل على رعايته وتنميته لدى الاجيال القادمة باعتباره نتاجا لملكة العقل وحصيلة لافرازات الظروف البيئية بابعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية والتي تخضع بمجملها الى سيطرة سلطة المجتمع وتستجيب لمحاولات تثويرها او تعديلها او تحويرها.

 

الجذور الفلسفيه للخلق والابداع:

 يعود تاريخ دراسة الخلق والابداع الى الدراسات الفلسفية الاولى،  فقد كان افلاطون،  الذي تزعم المدرسة الفوطبيعية في التفسير الفلسفي، يعتبر الابداع البشري لغزا محيرا لايمكن تفسيره الا "بالالهام" المنسوب الى تاثير المصادر السماوية والالهية، والمرتبط  بالمنابع الروحية والعقائدية للمبدع. واختلف ارسطو عن افلاطون اختلافا جذريا بتعويله على الطبيعة كمصدر للابداع، وايمانه بالتفسير العقلاني بدلا من الاعتقاد بسحر العوامل فوق الطبيعية. أما كانت ( Kant ) فقد كان اكثر وضوحا واشد ثقة من الفلاسفة الذين سبقوه، وذلك بالتشديد على ان جوهر الابداع هو خلق ماهو غير موجود وليس محاكاة محضة لما في الطبيعة، كما كان يعتقد افلاطون وارسطو.  وذهب كانت ابعد الى التمييز بين الخلق والتقليد باعزاء الخلق والابتكار الى العبقرية واقران الابداع الحقيقي بالفن وليس بالعلم باعتبار ان الابداع هو النتيجه الطبيعية للتفاعل التبادلي بين التصور والادراك. أما فرويد فقد كان من اوائل المعتقدين بان الابداع ينشا من اللاوعي ويعزى الى عوامل خصوبة الخيال والميول الفنطازية في التفكير.  وكان شوبنهاور قد ايد بحماس فكرة تزكية الابداع الفني على الابداع العلمي، واشار الى ان الابداع في العلم يتطلب السعي الحثيث والتسبيب المنطقي وتراكم التجربة على المدى الطويل، في حين يحقق الابداع الفني اهدافه، مباشرة ودون الحاجه الى اي امتداد زمني، عبر التصور والحدس والبديهة. ولهذا، فاذا كان العلم يستلزم الموهبة والاصرار، فان الفن يتطلب العبقرية حيث يرتقي الابداع الفني بالعقل البشري ويقوده من طور القبول السلبي للمسلّمات الى التامل الموضوعي للحقائق، الامر الذي يسهم في اطلاق المعرفه من عبودية التبعية النمطية الى حرية الارادة الشخصية. ويشير شوبنهاور ايضا الى ان جوهر المنهج العلمي يعتمد على الشمول الذي ينطوي على الخصوصيات، لكن المنهج الفني يستنبط الخصوصية المتضمنة للشمول، ولذا فأن الابداع في رسم البورتريت مثلا يتجسد بقابلية العمل الفني على استخدام الاسلوب المرئي لكشف ابعاد الموضوع غير المرئية، وذلك بتجسيد القابلية على اظهار جوهر وروح الشخصية المرسومة اكثر من اظهار مدى انطباق مقاساتها وصفاتها الفوتوغرافية على قسمات الشخصية الحقيقية. ويتبنى بنديتو كروس فكرةً مشابهه تستند الى المقارنة بين الفن والعلم فيشير الى ان الابداع العلمي يأخذنا الى الحيز الرياضي التجريدي بعيدا عن واقعية الفضاء الفردي،  فيما يبحر بنا الابداع الفني في اعماق الدواخل الشخصية على صعيدي المبدع ومن يخاطبه (الفنان والمتلقي او الاديب والقارئ).  وبذا يتمخض المنهج العلمي عن المعرفة المنطقية المتأتية عبر العمل الفكري وهيكل المفاهيم والفرضيات، فيما يؤول المنهج الفني الى المعرفة الحدسية المتأتية عبر التصور والخيال. وهو بهذا يعتبر التصور، والتعبير الذهني للتصور من المصادر الاساسية والادوات الاولية في الابداع الفني والادبي. ولان التصور يسبق التفكير ويعتبر اساسا له، فوظائف الابداع الفني في تكوين الصور الفنيه وتصميم الانشاء الفني في الفنون المرأية أوصياغة الصور الشعريه وتركيب الجمل البلاغية وهيكلة سرد ورواية الاحداث وتتابعها المنطقي في الفنون الادبية غالبا ماتتقدم على وظائف تشكيل واستنباط المفاهيم وترتيب منظوماتها. ولذلك فان من المنطقي ان تظهر بوادر التصور الفني قبل ان تتفتح مواهب التسبيب المنطقي وقابليات التفسير العقلاني. وللتوكيد مرة اخرى، فلايقتصر التصور عند كروس على تصور المبدع انما يشمل في سياق هذا التحليل تصور المتلقي الذي يمكنه من الامساك بالقدره التعبيريه للاعمال التشكيليه والقطع الادبيه او الموسيقيه وتقدير مستويات الابداع فيها. وفي التأكيد على اهمية التصور في الابداع يشير كولرج الى مايسميه ب "ملكات التصور البناءة".  ويؤكد كولنكود على القوة التاليفية للتصور التي غالبا ماتسبق تكوين الافكار الاستطرادي. ومن بين الفلاسفة الاخرين الذين يؤكدون على ان الابداع ينشأ ويتطور داخل حدود الوعي،  يعزو بيردسلي الابداع الى القابلية الذهنية والاستعدادات الارادية والتلقائية  لتفكيك المنظومات الفكرية الجارية وانشاء بدائلها، ويشير كَوردن الى الطاقة العقلية لتكوين الاستعارات واستلهام المجاز، كما يؤكد مِدنك على مصدر توليف الافكار وتداعي الخواطر والتظافر بينهما، فيما يذهب كستل الى تشديده على الولع بالاكتشاف والاستعداد الطوعي لسبر اغوار المجهول من اجل ايجاد كل ماهو جديد وذي قيمة. ويتفق روثنبرك مع كستل موضحا الى ان عملية الخلق والابداع تستلزم توفر مايسمى ب "الذهنية اليانوسية" (نسبة الى يانوس اله الابواب والبدايات الجديدة عند الرومان) والتي تتصف بالميل للتوفيق بين العناصر الفكرية المتعارضة لانتاج شئ منسجم ( والتي يمكن وصفها مجازا بالقابلية على ايجاد الافاق الجديدة) وبين الاستعداد لقبول المعالجات البديلة، مما يشترط من ضمن مايشترط، الانفتاح والمرونة والتسامح الفكري.

 

جوهر وماهية الخلق والابداع:

يجمع اكثرالخبراء على اقران الخلق والابداع بالقابلية على انتاج الافكار والاعمال الاصيلة المبتكرة التي لاتتخطى اطر محدداتها، سواء اكانت المحددات الفيزيائية اوالاقتصادية اوالاجتماعية اوالنفسية، المعقولة والمقبولة في حقول الفن والادب والعلم. على ان شرط عدم تخطي تلك المحددات هو شرط اساسي لقبول الابتكار وتقرير مشروعيته وفصله عن الافكار والبدع الغريبة والشاذة الضارة او المفتقرة الى اي قيمة اجتماعية. يحمل هذا التعريف افتراضا ضمنيا يستند على نسبية مفهومي الاصالة والابتكار وتعريفهما في اطارات ظرفية محددة، فلايقتصر مفهوم الخلق والابداع على النبوغ الكامل المطلق في انتاج مالم يكن موجودا بالمرة كما يوحي المعنى الحرفي للكلمة، انما يتضمن المفهوم في صلبه قدرا من المرونة تجعله ساريا على مدى واسع من البدائل المقبولة المدرجة مثيلاتها ادناه، والمتسلسلة من الاكثر تواضعا الى الاكثر طموحا :

- اعادة التاكيد على فكرة معروفة،او اتباع منهج مألوفٍ، او استعارة واستلهام اسلوبٍ مطروق، ولكن بمعالجه مختلفة وصياغه جديدة تظهر من خلالها نتائج هجينة ايجابية تستطيع الوقوف على اقدامها باستقلال ذاتي وشخصية متميزة. على انه بدون النجاح في تثبيت وعرض هذا المخلوق الجديد بحلته وشخصية المبتكرة المتميزة عن الاصول، تنسلخ النتاجات من حيز الابداع وتسقط في مصاف التقليد والاستنساخ والمحاكاة المجردة .

- استقصاء وايجاد التواؤم والتماثل وتحقيق التكامل بين عناصر العمل المتوافقة او المتشابهه من اجل الحصول على المنتج الكلي المختلف عن المدخلات الجزئية.

- الجمع والتوفيق بين العناصر المتناقضة وخلط ومزاوجة المدخلات المتباينة للحصول على انتاج اخر تختلف خواصه نوعيا عن خواص العناصر الاوليه المساهمة في الانتاج.

- تحقيق خطوه نوعيه متقدمة في المسار المألوف والمعروف في حقل ما وبخاصة حقول الاختصاصات الدقيقة.

- انجاز خطوات عديده ومتعاقبة من شانها ان تدفع حقل الاختصاص الى الامام وتفتح افاقا جديدة فيه.

- تثوير حقل الاختصاص بانجازات كبيرة وابداعات متقدمة تبصم اثارها على مسيرة  الحقل التاريخية.

ولعل نشوء وتطور الابداع يرتبط بتوفر وعمل وتظافر عوامل عديدة منها معرفية-ادراكية ومنها ارادية ومنها بيئية. يوضح الاستاذ امابيل في دراسته المكثفة عن "الابداع في سياق محدد" المنشورة عام 1996 بان الابداع يشتمل على ثلاثة مكونات:

-    المهارات المتعلقة بحقل الاختصاص والتي تشمل المعرفة والخبرة والامكانات التكنيكية.

-   قاعدة الابتكار التي تضم نمط التفكير والذهنية والميول الادراكية والتي تقرر، مجتمعة، الكيفية التي يتمكن المبدع بموجبها من التعامل مع المشاكل ومواجهة الصعوبات وحل الازمات.

-   مدى الاندفاع وحجم وطبيعة المحفزات بنوعيها الداخلي والخارجي.

وفي النظرية البديلة لستيرنبرغ ولوبارت التي نشرت عام 1995 يوصف الابداع بكونه عملية استثمارية تتطلب توافر الموارد اضافة الى تراكم المعرفة والخبرة اللازمة لاستخدام الموارد بالطريقة التي تدر اعلى العوائد. وتشمل الميزانية الاستثمارية لعملية الابداع، مجازا،  ستة موارد هي:

-   مورد الفهم والادراك الذي يضم عناصر الفطنة والذكاء وامكانات التكوين والتوليف والتحليل والتقويم.

-   مورد المعرفة الذي يتضمن تحديد كمية ونوعية المعلومات وطريقة وتزامن استخدامها اضافه الى خزنها والسيطرة على احتياطها المناسب المطلوب.

-  مورد انماط التفكير الذي يحدد نطاق المعالجة من حيث كونها كلية او جزئية، اضافة الى تحديد صيغ التعامل مع الزمن وردود الافعال وتقدير اهمية الحوافز والمكافآت وقيمة النجاح او الفشل.

-  مورد الشخصية الذي يمثل مديات التحمل ومستويات العزم والاصرار وتحمل المخاطر واستيعاب الخسائر. كما يشير الى الاستعداد للانفتاح والاستقلالية والخصوصية في العمل.

-  مورد المحفزات والاستجابات الداخلية التي تشمل مواقف الافراد وقيمهم، وطبيعة منظومة المبررات للانهماك بالعمل ونوع مسوغات المواصلة فيه وانجازه باندفاع وبما يضمن مواجهة التحديات المحيطة. كما يشمل هذا المورد اخلاقية العمل ومزايا الضبط والدقة والانتباه الى التفاصيل.

-  مورد العوامل البيئية المحيطة بنوعيها الطبيعي والاجتماعي .   

يؤكد الاستاذ فنك( Finke )  في بحثه حول الواقعية الابداعية المنشور عام 1995 على انه من المفيد تصنيف الافكار الابداعية في كل المجالات على اساس منابعها واتجاهاتها، ومديات تطبيقها وقبولها في الحياة العملية. وبهذا يمكن تحديد انتماء اية فكرة ابداعية لاي ركن من اركان المخطط ادناه:

 

تتركز نظرية فنك حول الترابط التبادلي بين الابداع والواقع، حيث لايمكن للعمل الابداعي ان يستمد اي قيمة اجتماعية مالم يكن متمخضا، بطريقة مباشرة او غير مباشرة،  عن الواقع.  فلا تقوى الاعمال الابداعيه الاصيلة على العيش في الفراغ وبمعزل عن الواقع، ولايمكن لقضايا الجدة الاعتباطيه والحداثة المجردة والابتكار البحت والخيال الجامح ان تؤدي، وحدها منعزلة، الى الاعمال الابداعية الحقيقية . كما انه لايمكن للاجراءات العملية والواقع الحيادي أوالاسس العقلانية ان تكون لها قيما ابداعية مجردة دون ارتباطها باطار ظرفي معين  وسياق محدد.  يشير مخطط فنك الى ان هناك اربعة محاور رئيسة لتقرير انتماء الاعمال الابداعية . وهذه المحاور هي: الحيز الواقعي، الحيز المحافظ، الحيز المثالي، والحيز الابداعي، والتي يؤدي تفاعلها المشترك الى اربعة قطاعات متميزة هي : الواقعية المحافظة، المثالية المحافظة، المثالية الابداعية، والواقعية الابداعية.

 

-     الواقعية المحافظة:

تشمل الافكار والمشاريع والاعمال التقليدية الاكثر شيوعا والاوسع قبولا لدى العامة، والتي لاتتمتع بكثير من الخيال والابتكار، لكنها تحوي قدرا عاليا من الموازنة والضمان والاستقرار.

 

-     المثالية المحافظة:

تشمل الافكار والمشاريع والاعمال الاعتيادية الاقل قبولا والاوطأ في هيكليتها وتوازنها من تلك التي تنتمي للواقعية المحافظة. وغالبا ماتتضمن الافكار والاعمال الاعتباطية المفتقرة للتصور العالي ونفاذ البصيرة.

 

-     المثالية الابداعية:

تشمل الافكار والمشاريع والاعمال الابتكارية المتطرفة وغير المألوفة، والتي تقوم على تصورات وافتراضات غير عملية او غير واقعية. وهي غالبا ما تثير نفرا محدودا من المعجبين والممارسين وتفقد القبول العام لانها تعوِّل على الغرابة والحداثة المحضة وتفتقر للتوازن والرصانة الهيكلية.

 

-     الواقعية الابداعية:

تمثل القطاع المنشود لانها تشمل الافكار والمشاريع والاعمال الرصينه في هيكلها والمتوازنة في بنائها والعاليه في التصور والخيال والمتقدمة في الابتكار والحداثة. لكن اهم مايميزها هو التصاقها الصميمي بارض الواقع وتكيفها لمتطلباته، واستجابتها لحاجاته، الامر الذي يصعد من مستوى القبول والرغبة فيها لدى المتخصصين والعامه على حد سواء. يشير الواقع العملي الى ان الغالبية العظمى من الافكار والاعمال الخالده عبر التاريخ التي احدثت انعطافا كبيرا في مسيرة الابداع في كل المجالات كانت في الحقيقة تنتمي الى حيزالواقعيه الابداعية عند تصنيفها الدقيق.

 

رعاية وتنمية الابداع

على الرغم من ان توافر المواهب والقابليات الفذه لدى بعض من الناس دون غيرهم اصبح من المسلمات التي لالبس فيها، فأن اكثر الباحثين والخبراء يؤكد على ان امكانية الخلق والابداع لاتقتصر فقط على ذلك النفر المحدود من العباقرة والموهوبين بل يمكن لها ان تمتد الى دائرة اوسع وقطاعات أ شمل. ويذهب بعض المتخصصون الى ابعد من ذلك للتاكيد على ان مسالة الابداع ليست خاصة باحد انما هي طاقة كامنة متوافرة للجميع وان ظروف اطلاقها هي التي تختلف من شخص الى اخر. ومهما كان منشأ الابداع، فالحقيقة الثابتة هي ان الانتاج الابداعي لاياتي تلقائيا او بالقدرة السحرية.  والعبقرية والمواهب المتميزة لايمكن ان تؤدي الى الانتاج الابداعي بمجرد الاعتماد على فضيلة وجودها، فهي كالارض الخصبة التي تتحدد قيمتها بنوعية وتزامن استخدامها، فيمكن ان تدر ثمارها الغزيرة بالحرث والسقي والزرع والرعاية وتأمين المستلزمات الاساسية من هواء وماء وضوء واسمدة ومبيدات . كما يمكن لها ايضا ان تصبح قاحلة عجفاء جرداء بالاهمال او الاستغلال السيء او التخريب.

ومما لاشك فيه فاننا يمكننا القول وبثقة كبيرة على ان الابداع يزدهر بالحرية، وينمو ويترعرع في ظل الاستقلال، ويقوى ويشمخ بالثقة والامن والاستقرار وذلك سواء على الاصعدة الجزئية في محيط الفرد والعائلة، اوعلى الاصعدة الكلية الجمعية في محيط المجتمع والوطن.

يُجمع الخبراء على ان هناك ثلاث صفات اساسية يتميز بها المبدعون بغض النظر عن مجالات ابداعهم:

- النزوع الثوري للاستقلال الشخصي المصحوب بقوة الذات والنرجسية الايجابية. وهنا تتوجب الاشارة الى ذلك الحد الفاصل بين ماهو نافع وماهو ضار من مديات النرجسية. ولاشك فان النافع يتوقف عند الثقة العالية بالنفس والاعتداد واحترام الذات وقابلية الاعتماد على النفس واتخاذ المسؤولية بشجاعة والتزام، وكلها صفات محمودة للشخصية الفردية. أما اذا تعدت النرجسية حدود ذلك فانها تدخل في طورها السلبي وقد تتحول الى وبال حب النفس الاهوج الجاهل غير العقلاني الذي قد ينتهي بداء العظمة القتال.

- قوة الطموح والقابلية على التعبير الذاتي مع الميل لرفض المؤثرات الخارجية، مما يبني البذرات الاولى للاصالة. وهنا ايضا تجدر الاشارة الى ضرورة خلق التوازن بين الاعتداد بالنفس والاعتماد عليها وبين التأثر بالاخرين والاستفادة من تجاربهم. ولايسع المجال هنا للدخول في المناقشة الشائكة في موضوع ماهو الحد المثالي الايجابي والفعال للتأثر بالاخرين دون نسخ تجاربهم او استعارة او انتحال اجزاء محددة منها.

- المرونه في الاراء والمواقف. وهو حالة التوازن والاعتدال العام والعقلانية في تطبيق الفقرتين اعلاه.

ومن الواضح ان كل هذه الصفات تتطلب لنموها السليم مناخ الحرية والاستقلال. ولذلك فان البداية الجدية لرعاية الابداع وتنميته تستلزم اولا وقبل كل شئ تحطيم النظم السلطوية وتفكيك نظم الوصاية والتبعية لصالح انشاء وترسيخ النظم والاساليب الديمقراطية البديلة، واشاعة مناخات الثقة واحترام الفضاءات الشخصية ليس على الصعيد السياسي حسب، انما على الصعيد الشخصي والعائلي والمؤسسي، ويحتل موضوع اعادة بناء منظومات العائلة والمدرسة وتعديل صياغات العلاقات فيها، وتوفير الموارد اللازمة لها اهميه بالغه في زرع بذور الابداع وتنميته باتجاه حصاد المزيد من الانتاجات الابداعية لفائدة ومتعة الجميع.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1526 الجمعة 24/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم