قضايا وآراء

مدونة السير زهو غالب، وإصرار معاند .. حزام السلامة كمثال / حميد طولست

 والقدرة على التحرك بالذات وفقا لطبيعتها الإنسانية، والسعي نحو التوسع والانتشار والتحلي بروح البذل والخصوبة والتوجه نحو تحقيق المقاصد الرافضة للقبح والهامشية. وما سلوكياتنا المنحرفة -معرب ومغاربة- في التعامل مع القوانين بالاستهانة والخرق والانتهاك، إلا لتضخم الشعور بالأنانية لدى الكثير منا، وتجذر الإحساس بكون القانون لا يطبق إلا على الآخرين، وبين الضعفاء الذين ليست لديهم "ريحة الشحمة في الشقور"، كما يقال في أمثالنا المغربية.

ظاهرة خطيرة وعامة تجذرت في عقول تمت برمجتها على احتقار القانون و الاستهانة به، فلا يمكن أن تبدع أو تفكر خارج هذه البرمجة التي أصبحت ثقافة وشعورا اجتماعيا عاما ومرجعية لامحيد عنها رغم كون ثقافة القانون موجودة لدى جميع الناس، إلا أن الأمية والجهل وكل من هم فوق القانون من أصحاب السلطة وأصحاب النفوذ والمقربين للحكام والذين يدفعون الرشاوى لقضاء، لا يريدون لحياتنا وسلوكياتنا أن تنظم وفق المبادئ الصحيحة التي تضمن سلامة المواطنين؟ خاصة إذا تعلق الأمر بقانون يحمي الإنسان من خطورة الطريق؛ فترى كل الذين لا يحترمون القانون في الإدارة ويستطيعون خرقه بدون خوف من العقاب، نظرا إلى وزنهم الاجتماعي أو مكانتهم السياسية أو النقابية، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، عندما تتوجه الجهات المسؤولة بخطوة لتطبيق ابسط فقرة من فقرات أي قانون ولو كان في صالحهم؟ فيحاولون التلاعب به، والمراوغة والتحايل عليه، لأن عامل الوطنية مفقود لديهم، أو لم يقع تحريكه في داخلهم منذ صغرهم في الأسرة، والمؤسسات التربوية.

إني هنا لا أتحدث عن مدونة السير الجديدة التي قسمت المغاربة إلى مؤيد ومعارض، ولكني أدعو القارئ للرجوع للوراء سنوات قليلة، وبالضبط حين أريد تفعيل تطبيق فقرة من قانون السير الخاصة باستخدام حزام السلامة وتغريم من لا يستعملها، وما عرف ذلك، وللأسف، من تحركات احتجاجية ووقفات مضادة رافضة مصحوبة بالكثير من الجدل حول جدوى تطبيقها، وحول وقتها غير الملائم، وكأن المحافظة على سلامة المواطنين وأرواحهم تتحدد بوقت معين؟ وجل المعترضين يعرفون أن الكثير من حوادث السير المميتة سببها عدم وضع حزام السلامة، بل ويحقون إن حزام السلامة الذي يستهينون باستعماله تكون خطورته اكبر على السائق حتى في حالة التوقف، فأي صدمة أو رجة من الخلف تسبب له في الكسر أو خلع الفقرات و أضرار أخرى جسيمة.

فمتى يمكن، في رأي هذا البعض، تطبيق القواعد الصحيحة للسير والمرور والمحافظة على سلامة المواطنين، ألا يكفينا هذه الأعداد الضخمة من الحوادث المميتة. وهل يجب أن نعمل  بنفس الاسطوانة المشروخة القديمة الجديدة، المحتجة بأن الوقت غير ملائم، فنرفض القوانين، ونحتج على تطبيقها، ونشجب ونضرب، وفي النهاية نذعن ونستسلم أليس من الأفضل وربحا للوقت واقتصادا في الجهد، أن نبادر في تكوين رأي عام مؤيد ومساند ومقتنع بمخاطر هذه المخالفة، بدل إضاعة الوقت وهدر الإمكانات والجهود.

وأعود إلى مدونة السير الجديدة التي صادق علية نواب الشعب بالإجماع، والتي أقام المعترضون عليها الدنيا ولازالوا يرفضون "إقعادها"، ولو عرف هؤلاء  بعضا من مزاياها الكثيرة- وقولي هذا لا يعفي القانون من النقائص، فالكمال لله وحده لا شريك له فيه-  لكانوا قد شاركوا في تصحيحه ولو بغض الطرف عن بعض نقائصه وساهموا بالمطالبة بتصحيح وتغيير بعض بنوده، وقد حصل من البعض بالفعل- لجنبوا أنفسهم، وجنبونا معهم، الكثير من كوارث المخالفات المؤدية للموت. وكلنا على يقين أنه سيحدث لمدونة السير الجديدة نفس ما حدث لقانون حزام السلامة حينما اعتاد مستعملي الطريق على استعمال حزام السلامة كرها، لا تشبعا بمبدأ احترام القانون وبروح المواطنة، كمرجعية عامة مؤطرة للسلوك الإنساني، فأنسى الزجر المعارضون معارضتهم، وتعود الرافضون على تطبيق القانون بصدر رحب. ومثل ذلك سيقع مع مدونة السير الجديدة وسيقبلها الجميع، وسيُطبق بحذافرها، وسينسى المعارضون أنهم في يوم ما احتجوا عليها أو رفضوا تطبيقها، ويزول إصرار الغالب وعناد المغلوب؟؟؟

 

حميد طولست

 [email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1531 الخميس 30/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم