قضايا وآراء

قراءة في قصيدة: (شريط صامت) لعبد الزهرة زكي / رياض عبد الواحد

 انه يحاول تمزيق ما يسطره الواقع لصالح ما هو باق . ثريا النص تضعنا أمام مفارقة الصمت المقترن بالشريط، الشريط الذي هو بأفقه الأوسع الزمن الذي يتعاقب بسرعة هائلة والذي لا يدع لنا مجالا لمعرفة ماهيته حتى يبدو زمنا صفريا ( صامتا ) . إذن الشريط تنويع على ما يحصل، امتداد لتكوين معنى في فعل جامد، لهذا يكشف ( الشريط )  في مبناه فعل التواصل / التجديد / إدامة زخم الحياة /  بيد انه في معناه مجرد / اثر / لما هو ساكن في مجرى الواقع، أو ما هو محمول على السكون من خارج كينونته . إذن / الشريط / متحقق زمنيا لكنه غير متجاوز لظرفه لذلك ظهر صامتا . هذه الرؤيا الاستباقية هي خروج على النمط المتداول في خلق نص الاعتراض الناضج المنتمي إلى الإنسان كونه الغاية والوسيلة .

في / الدم يحفر مجراه / تستمر المفارقة، إذ أن سرعة الدم وكثافته لا تساعده في حفر مجرى لأنه في تكوينه يميل إلى اللزوجة، لكن الشاعر / هنا / حاول إخراجه من مبناه نحو بنية المفارقة، المقاومة، مقاومة الجواني . لاحظ غرائبية الواقعي المتمثلة بمقدرة الدم على حفر مجرى. هنا النص ينزع إلى تفعيل البنية الضدية التي تحاول إنضاج ما هو اعتراضي داخل كينونة ما هو ذاتي . فادم – هنا – هو الذي يهدم بنية المجرى لتفعيل استقلاليته الفعلية، فيتوغل في كل سبر من اجل خلق عالم خاص به (المجرى / السيل) إلى الأفق الآخر . هذاالتشيؤ الاستقلالي يتجاوز المألوف ليبني عالمه، انه يتحول إلى فعل محسوس يفض بكارة الأرض . في الأسطر الأربعة الأول يؤكد الشاعر على الفعل الناقص / كان /  الذي يتخذ بعدا ديالكتيكيا كونه يشتغل خارج محيطه الزمني، فالخط الممتد بين أيديهم والبنادق تخترقه الشاحنة المحملة بغير محمولها الاعتيادي، والقطرات تلتئم على غير عادتها ثم تسدل الستارة فجأة بوصول الزمن إلى نهايته الصفرية، فهو يحفر مجراه بيد انه لا يحقق غاياته إذ أن العشب قد أصابه التيبس والحديد الصدئ ما هو إلا كناية عن بقايا الخراب المتداخل مع التراب . لاحظ المقابلة الذكية

 

 

                    دم يحفر مجراه على التراب

لقد استعمل الشاعر حرف الجر / على / ولم يستعمل / في / وذلك لكي يظهر التجاوز والاستعلاء الذي يحدثه الدم، لكن هذا الدم لم يجد في منتهاه ما يريد غير الجفاف حتى انه لا يروي عطش العشب ولا يغسل صدأ الحديد بل يعمق الخراب فيما هو حي . إن / الجثة / ليست إلا وجها أصابه الذهول، وجها يحمل حياة مؤجلة إلى حين، لهذا يرنو إلى الدم المكان الذي تطفو عليه الجثة . ان القاتل والقتيل يحتلون المكان نفسه على الرغم من تناقضهما .

في / الابن المخطوف /  ثمة ثنائية متقابلة / تتمثل في الصوت والجثة . إذ إن الصوت يبقى لصيق الروح

 

                            عادت الجثة

                       ولم يزل يسمع صوته يستغيث

 

هكذا تتوارى الجثة في الصوت ويستطيل الصوت في الشهادة. هكذا يبتدع الإنسان موته ليحيل ما هو ساكن /الجثة / إلى صوت يهز مضجع الآخرين . اما / رائحة الحب /فعزف على وتر الاستغاثة الحبيسة، الاستغاثة المعجونة بأديم المحبة الشفيفة .استغاثة ذات حيازة إنسانية يؤطرها حنان الأمومة. إن عملية ترك الباب على مصراعيه تعمق انفتاح الزمن على محمولات ذات بعد رقيق

 

                               ترك الباب مفتوحا

                              وترك خلف الباب

                              رائحة الحب

إن المتروك يحمل قوة إيحائيةاضافة إلى / قميص /ذي فضاء وقلب يكسر حصار الإضلاع ليطلق نبضاته في فضاء الرؤية وما يفيض منها . ان الفراغ المنقوط يترك الزمن مفتوحا على أفق لا تغيب عنه رائحة ما هو أنساني على الرغم مما يتهادى إلى الإذن  مما يضيع صفوها . لقد تبؤر جوهر النص ومقاصده في المألوف لكن هذا المألوف خلق حركته، امتلك نبض الجوهر الإنساني المتجاوز لحظويته وفي هذا سر امتيازه وتميزه

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1533 السبت 02/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم