قضايا وآراء

في فيض لوني مغامر (التشكيلية العراقية ايمان علي) تعيد تشكيل الاساطير

ذلك أن الفن هو الشيء الوحيد ا لقادر على اختصار المديات من خلال ايجاد الدلالات وخلق الصور الإبداعية المعبرة، والتي تتجاوز محدودية الاشياء المحيطة بنا .

 نسوق هذه المقدمة ونحن نحاول الغور في تفاصيل الابداع التشكيلي للفنانة العراقية (ايمان علي خالد) والمغتربة منذ سنوات في هولندا، فهي قد دأبت منذ البدء على تحويل الاسطورة الى نص مرئي فقدمت اعمالها بوجه مغاير ومختلف أفرز تنوعا في النظر إلى بؤرة المبتغى الجمالي عبر أساليب ارتكزت على النص الموازي وربما التناص مع التراث والاساطير التاريخية وفق الية التجريب وتوظيفها بأشكال التعبيري التشكيلي فهي تجسد التشخيص الشكلي بتجريد تعبيري . وهو ما أفرز ثراء في الانجاز الابداعي وتنوعا ومنحها سعه في افق التعبير.

2076-imanalia فمنذ معرضها الاول (عالم خاص -1992) و (قبلة -1993 ) على قاعة معهد الفنون الجميلة ببغداد ومرروا بعشرات المشاركات في معارضفردية وجماعية بعمان وتونس ودبي وميونيخ وامستردام وغيرها .. وصولا لاخر عملين قدمتهما في مشاركتها الاخيرة في معرض " ألوان من بغداد" الذي اقيم مؤخرا في مدينة لاهاي الهولندية والذي كان موضوعهما موت الالهة عشتار وادونيس ونزولهما الى باطن الارض .

اذا سألتها تقول: (انا ارسم شمسا...ارسم بحرا...ارسم عشبا ومراكب ..ارسم زهورا ..وقناديل .. وليل لازوردي ساطع ...ارسم لوحة ....)

نعم انها ترسم تفاصيل الاشياء مبتعده عن النقل السطحي في محاولة منها للبحث والتجريب فى عوالم اللون والشكل والابتعاد عن الانساق المتواترة للمدارس الفنية المعروفة فلا يحدد ابداعها الا اللحظة الابداعية لروح شرقية جامحة ومتمردة تشتغل بانفعال كامن وسكون ظاهر . تحاول ان تقول كل ما بداخلها دفعة واحدة لكنها تعود لتجدد المغامرة حين تنتهي من عمل الى اخر.

 2076-imanalicنعزو هذا الجنوح في اعمال الفنانة (ايمان علي) إلى المخزون الذاتي الذي احتوته الذاكرة منذ أيام الطفولة وشكلالبذرة الاولى في وعيها البصري. لقد علقت في مخيِّلتها،الكثير من تلك الأساطير التي عاشت وتربت معها من مخزون الموروث الرافد يني المتأصل، مما ساعدها في خلق شخوص مجرَّدة من تعبيراتها التفصيلية الصغيرة لتعبِّر عن ذاتها وقدراتها الأسطورية المذهلة . وقد كان لتلك الصور الغائبة عن الواقع فضاء واسع تجول به في حرية استنطقتها لأعمالها التجريدية عبر اللون والشكل والمضمون ؛ وقد ساهمت مساهمة رائعة في بناء عالمها الفنِّي المتميَّز بالتجريب والتشخيص معا بشكل مغاير والقادر على خلق روح اخرى لمدلول العمل الفني لعالم اخر، وتلاحمه مع الذات تعبيرا،

 

 قد شرح كاندينسكي تلك "الضرورة الداخلية" قائلا: (لا نهتم بالدعوة إلى شكل معيَّن أو نظام محدَّد، وهدفنا أن نيسِّر، من خلال استعراض الأشكال المتنوعة، التعبير عن الرغبات الباطنة التي يستشعرها كلُّ فنان بالطريقة التي ترضيه، سواء كانت هذه الطريقة تعبيرية أو تكعيبية أو محاولات تجريدية)

2076-imanalibفاعمالها تذهب إلى ما وراء المدركات الحسية اذن وتسعى عبر اكتناز الواقع بشخوصه التعبيرية إلى تأويل سرالمخبوء في طيات الذات .فهي بقدر ما استطاعت كسب رهان التكثيف الصوري والومضات التعبيرية اعتمادا على البناء المتين و وحدة الحدث الحكائي، استطاعت فرض مكانتها بشكل واضح وإبراز هويتها وطرقها الخاصة في التعبير والتواصل الجذاب والمقنع داخل عالم متسارع وحانق في نفس الوقت . ان فضاء اللوحة في اعمالها مجموعة من الرؤى المختلفة والمتضادة احيانا، فهي مساحة استعراض وتصادم، لخلق درجة من التوتر ترفع وتيرة الاكتشاف لدى المتلقي، وتحاول ان توجز مغزى الأحاسيس الإنسانية وتبحث عن عناصر أساسية تشترك في بلورة رؤى الشخصيات المتصارعة وتحديد استجاباتها . فهي اذ تستخدم ألواناً حارة وصريحة تساعدها في خلق نوع من التناغم والإيقاع المناسب في خلق الأثر الإبداعي وتمنح المضمون الفني تركيبته الدقيقة وتأثيره البالغ، باختصار انها تجيد توظيف القيمة اللونية لخدمة الموضوع شكلا ومضمونا في تصوير المفردات التشكيلية وفق مواصفاتها الأصلية بل تخضع إشارتها الى وعي خاص وفهم ذاتي لما يحيط بها والتعامل معه بصيغ ملائمة فهي تسعى الى مقاربة نصية تحتمل كل اوجه التأويل، الذي تتجاوز فيه المألوف بهدف إنتاج صور ورموز وأفكار مغايرة . ان عوالم (الفنانة ايمان علي) اقل ما يقال عنها عوالم ساحرة تغري عين المشاهد بتاويل صور مستحدثه تثير المخيلة .

 

محسن الذهبي _ لندن

ناقد تشكيلي عراقي مقيم في بريطانيا

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1544 الاربعاء 13/10/2010)

 

في المثقف اليوم