قضايا وآراء

خصوصية تجربة المبدع علي العباني / شوكت الربيعي

ازدادت المقاومة خلال الحرب العالمية الثانية كرد فعل على السياسة الايطالية الارهابية التى شنتها على القوى الوطنية في ليبيا ابان سيطرة الفاشست على زمام الامور .. وبعد ان زحف الجيش السوفيتى على قوات المحور ودحرها تماما، تم الجلاء عن ليبيا وبدات مرحلة اخرى من الصراع على مناطق النفوز في المغرب العربي باكملة .. احتل الانكليز طرابلس وبرقة عام 1942م وتسلم الفرنسيون فزان عام (1943) وقد وقف للشعب العربي الليبى ضد اتفاقية (بيفن سفورزا عام(1949). التى اباحت تقسيم ولايات ليبيا لتكون (برقة) لانكلترا وطرابلس الغرب لايطاليا وفران من نصيب فرنسا حصلت (ليبيا) الاستقلال الشكلى عام 1951م وارتبط النظام بالرساميل الانكليزية والامريكية واقيمت القواعد العسكرية .. في الوقت الذى كان الشعب يعانى من الفقر والتخلف والحرمان على الرغم من تصاعد الدخل القومى الى 170 مليون جنيه استرلينى تقاسمته العائلة المالكة والاقطاعية المتربطة بمصالح الراسمالية، اضافة الى وجود الشركات الاحتكارية والخبراء الاجانب وطبقة المتفعين من حاشية الملك والوزراء والعوائل التى تتقاسم المناصب المهمة في الدولة على اساس قبلى،وضل الاقتصاد متخلفا يعتمد على الزراعة (التى كانت تشكل واحد بالمائة من مساحة ليبيا)واكتشف النفط بكميات كثيرة عام 1967 حيث بلغت صادراته 98، 7 وادى الى ارتباط البلاد بالسوق الراسمالية الدولية لحين انتصار الثورة الليبية عام 1969 وقيام النظام الجمهورى ...

2077-alialabaniاخذ بعض الهواة من الفنانين الرواد في (ليبيا) من الاشكال التى طبعها الايطاليون بميسمهم واتجاهاتهم خلال فترة الاستعمار .. وعلى الاخص نتاجات مدرسة الصنائع الاسلامية ومنها فنون الخزف وكان (المهدى الشريف وابو القاسم والفروج ومحمد الارناؤوطى وعوض عبيدة) من اولئك الذين تاثروا واخذوا واقتبسوا القليل من صياغات واعمال بعض الفنانين الاجانب.. ومن معالم مخلفات الطليان كنيسة القديس فرنسيس، "نافورة الخيول" بميدان الشهداء بطرابلس و"نافورة الغزالة". وطباعة بعض الصور البريدية لمشاهد من المدن والقرى والأرياف مرسومة بالألوان المائية. ولكن كانت هناك في تلك الفترة مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية – وفيها قسم انتاج الخزف، وكانت الفنون التقليدية كالزخرفة والتطريز وصناعة والمرقوم وعمل ملابس الرجال والنساء والأحذية، السروج والحصران - وزخرفة البيوت والأدوات المنزلية. وهي من الأعمال التقليدية السائدة ومن أهم المنتجات النفعية. ويمكن ملاحظة ذلك في بعض المخلفات التي نذكر منها فندق عين الفرس بواحة غدامس ودار قولبي بطرابلس (المتحف الإسلامي حاليا). وظهر بعد الحرب الثانية جيل جديد استطاع ان يفرز نفسه عن التاثيرات السابقة ويتامل موروثه العربي الاسلامى بوعى قومى . ومن هؤلاء الدكتور الفنان المبدع علي العباني.الذي كانت لوحاته تستوحي في تحولاتها الجديدة، الفضاء الروحي أو الفضاء الشعري البصري الذي يستدعي ذاكرة الطفولة من المنطقة التي عاش الفنان في رحابها. وهي ترهونة: منطقة خضراء تبعد عن طرابلس مائة كيلومتر، غنية بمشاهدها الطبيعية المدهشة تحديداً، هذه الجمالية التي تتغير عبر الفصولفتزدهي بفتنة مشاهدها، هي التي كانت مدار عمله الفني. الممتزج بما يستوحيه من القيم الشعرية والروحية والوجدانية الطبيعية والانسانية.

 

تجربة الفنان المبدع علي العباني : (ولد عام 1946)، درس فن الرسم في روما وتخرج بتقدير ممتاز- عضو مؤسس لنادي الرسامين الدي تأسس في طرابلس عام 1960، أنجز وقدم المعارض الفنية التشكيلية التي أقامها في داخل ليبيا وخارجها . وهو من أبرز الرسامين الليبيين . التحق بالحركة التشكيلية في ليبيا منذ أوائل الستينيات . وقد ظل يثابر بجدية على تطوير فنه والحضور الفاعل في مسيرة الحركة الفنية التشكيلية بالبلاد، بلغ عدد المعارض التى عرض بها نتاجه (بين سنتي 63 و 97) سبعة وأربعين معرضاً . إثنان وعشرون منها خارج ليبيا موزعة على أوروبا (عشرة معارض)، آسيا غير العربية (معرضان) والوطن العربى (عشرة معارض) . كما أن خمسة من مجموع المعارض كانت شخصية، ثلاثة منها في مالطا وتونس واسبانيا . حصل بمعرض السنتين العربى بالكويت سنة 75 على جائزة (الشراع الذهبي) . وفي سنة 97 أصدرت دار الفنون (شركة أهلية مساهمة تأسست سنة 93 بمدينة طرابلس) كتاب بعنوان: (علي العباني - معزوفة التجريد الطبيعى) ضم الكتاب أكثر من ثمانين لوحة من لوحاته تغطى الفترة من 1972 - و حتى 97 19. قال العباني : (.. عشت طفولتي في بيئة بدوية . (خيمة) بنجع متنقلة عبر السهول مطلة دوما على آفاق المحيط . داخلها كنوز مبهرة من ألوان التراث البصري وخارجها فضاءات الروح وآفاق الحلم، وكان لهذا أثر كبير في تكوين مخزون الذاكرة البصرية فيما بعد حيث أفرزت تنوعات لألوان الموروث البصري الفني لكل المستعملات التقليدية البدوية الأصيلة ابتداءاً من ألوان الأطباق وانتهاءاً بسروج الخيل . وهذا ما كون ملامح بعض أعمال بداية السبعينيات الزخرفية والتراثية .الفضاء المحيط كان أسطوريا تختلط ألوانه عبر تبدل الفصول مع حكايا جدتي في ليالى الشتاء قرب مواقد الحطب وهى تهدهدنا كى ننام فيتحقق بعد آخر لايقتصر على ما تكتنزه العيون من ألوان الطيف المنظورة بل يتعداه إلى جوب مرافيء الحلم البعيد المتلفع بضمامات الترقب والانتظار والرغبة والخوف . ولعل اللوحات التى أنجزتها منذ بداية السبعينيات كانت استلهمت جزءاً يسيرا من فيض وادي (قومن) وجدتي (زهو) الوطن الجميل . - حالياً أجد نفسي موغلا في خضم طبيعة متفردة في جماليتها. وأتساءل كيف للطبيعة وهى أكبر ظاهرة كونية أن تستنفد ما تمنحنا من مخزون بصري . وكما يقال المرء لايشرب المرء من النهر مرتين. فنحن أيضاً لانرى الطبيعة إلا مرة واحدة فهى متبدلة دوما وأعني بذلك المشهد الواحد في الطبيعة . إنها الأسرة بما تمتليء به أبصارنا في لحظات الوجد بها وتوقظه الذاكرة في وجداننا . والطبيعة صنعت فعلها أىضاً في الموسيقى والشعر . ولوحاتي لم تستوح قط الطبيعة بمعناها الجغرافي ولكنها صاغت الطبيعة بمعناها الشعري والروحي بما تحويه من قيم الفضاء، الضجيج والسكون، الضوء والظل، الآفاق البعيدة والقريبة، الشاطىء والحلم، خالية من وجود الإنسان وفعله بحيث أشرعت نافذة لنفسي كعاشق لفعل الرسم وللآخرين كمتلقين ومشاهدين، وهنا يكمن الإنسان عبر فعل إبداعى يبدأ به وينتهى عنده كصياغات جمالية مجردة.(.. أنا أعجز عن تحليل لوحاتي بعد توقيعها. أي بعد الرضا عنها واكتمالها . وغالباً لا أتمكن من معرفة المعطيات الزمانية والمكانية والنفسية التى أفرزتها . لذلك فالعتمة والضباب وكتل الغيوم والصفاء أحياناً والسكون لعلها تفرز مما تكنزه العين وتحتفظ به في خزانة الذاكرة زمانا ومكانا - لا أجد أيضاً إجابة لهذا السؤال . فأنا لا أبرمج مسبقا مواضيع أعمالي الفنية . إذ أني اكتشفها كما يكتشفها الآخرون، وإذا ما جدت مرحلة جديدة فستكون بالتأكيد بشكل عفوي يكون علاقة وتراكما مع ماسبق من إنتاج ويتواصل معه بدون قسرية أو إرغام . وهذا في رأيي مايجب أن ينطبق على كل صنوف الإبداع الحقيقي لا أعتقد بأن هناك مايحدد ملامح الحركة التشكيلية في ليبيا سوى أنها لازالت حركة هواية على مستوى الممارسة، وما تحقق فعلاً الآن لايخرج عن مجال الكم حيث خرجت كلية الفنون الجميلة عبر سنوات مضت مجموعة من الهواة الشباب الذين ساهموا في توسيع وإنتشار مفهوم ولغة التشكيل وأيضاً ما تحقق من طرح لأساليب متنوعة على مستوى الآداء التشكيلي بحيث أحدث حواراً لم يكن معهوداً من قبل حول مضامين التشكيل وأساليبه ودور الاجتماعى والجمالي . وعلى ضفاف هذه الحركة النشطة والتى تواصلت عبر السنوات الماضية أصبح نقد التشكيل يكون مادة ضمن ماتنشره الصحافة من متابعات للمعارض ومن محاولات لقراءة اللوحة)

2077-aliabbanicaالفنان علي العباني يرسم فضاءاته من فيوض ذاكرته الطفولية، حيث سهول و هضاب ترهونة التي ترعرع فيها قبل أن يصل باكرا الى العاصمة طرابلس، تخاله كأنه مايزال مرتبطا بتلك الأفاق التي امتدت أمام بصره وهو طفل صغير، تلك المشاهد التي ظلت عالقة في رأسه، لم يتركها تهرب من ذاكرته حتى احتوتها بريشته المبدعة على الكتان و الورق عندما عرف كيف يمسك الريشة. انه فنان مرهف الحس يملك ذاكرة حيوية يستدرجها الى مرسمه و يطلق عليها ريشته التي يتحكم فيها بتقنية فنان يملك حساسية عالية تجاه اللوحة الفنية.). (.. ونلاحظ في ألوانه كثيرا من الفرح و البهجة و حتى الحزن أحيانا، يرصد الضوء الطالع بين شقوق غمائم السحب، ويترجمه الى لوحات غاية في الروعة، هو الفنان الاكاديمي الدي صقل موهبته بعلم الفرشاة، لوحاته ضاجة حتى حافتها بذاكرته البصرية الليبية الضاربة في عمق المشهد البصري. انه فنان يلتقط المشاهد الواقعة بين قدميه و تلك التي تقع في مرمى بصره و يحيلها الى كنوز فنية . انه الفنان الدي أستطاع ان يمزج بين عراقة الكليم الليبي وفن التشكيل الراقي الذي انتبه اليه في سفوح ترهونة الممتلئة بأشجار الزيتون و اللوز. والفنان العباني يرصد اللوحة بضربات لونية تتداخل وتتماهى الشكال بين الأرض و السماء و تفتح نافذة في الآفاق البعيدة لتجعل النظر يتنقل بكل حرية في فضاءات النفس الفسيحة، فهذا كله انعكاس طبيعي لامتلاء النظر بتلك المفردات التي كان وما زال يعيشها ويحس بها الفنان. والعناصر عنده متماهية مع الأفق البعيد حيث لا يمكن فصلها فهي متوحدة معه أبدا، فضربات الفرشاة هي التي تصنع نسيج اللون، ذلك الرداء الأبدي بكل قصائده.. أحزانه، أفراحه، آماله. استغني عن المحاكاة للواقع الخارجي وركز علي الصوت الداخلي الذي بدا من الأشكال وانتهي بالألوان، بتجريد الشكل وان يكون اللون النور هو الغاية في موضوعاته التي استقر علي رسمها بحساسية فائقة وأداء رفيع، تأسس عنه أسلوبه الذي ميزه عن غيره من الفنانين” 24 أكتوبر 2010 بواسطة - Kabawen (التصنيف - منتدى الكتاب).

 

 ان الخبرة التي يعتمدها الفنان العباني في رسم لوحاته هي أولا: خبرة (الواقعية المتخيلة) مرتكزة في المقام الأول على الذاكرة الطفولية. ثانيا:- لأن الموضوع عند العباني يتخذ دائما تسميات وصفات لها روابط في الواقع الملموس، إذن فمفردات وثيمات لوحات الفنان علي العباني هي: (آفاق ..سحب ..أرض). ولكن تجربة المبدع العباني الجديدة كانت تعنى بقيمية الشكل عبر وحدات اللون المكتنز حيوية وفتنة مدهشة. هذه المعالجة قد نطلق عليها الجانب التقني في ‏الالتعامل صياغيا في المعالجة الشكلية. والذي يحدد فيه الفنان الغرض مناعتماد مثل تلك القيمية للعمل الفني.. وقد ‏نحصل في بعض الحالات على لوحات مذهلة في تفاصيل شكلها العام، ولكنه مجرد، وخاو من أنفاس الأمكنة والأزمنة وروح الفنان. أي أنه لا يحمل خصوصية، أي أن الجانب ‏التقني لا يفي في هذه المعالحة لإبراز الهوية. وفي الحقيقة فإنه لا يمكن الفصل ما بين الخصوصية، وتقنية وتنفيذ العمل الفني. .ولكن تجربة العباني ليست كذلك، وتختلف تماما . كان اهتمام الفنان العباني منصبا على شغفه بمنظور جميل لجزئيات المشهد بين المساحات الأمامية للوحة وبين امتداد وحداتها (ثيماتها) حتى تصل الى خط لأفق بالتماعات أشكالها في تلك الجزئيات الصغيرة والكبيرة والتي تتضاءل حجومها كلما بدا لأعيننا عمق الامتداد واضحا. وتتجسد في رسم الأجزاء التكميلية، والمساحات الصغيرة التي تتضاءل وتصغر حتى تتماهي مع الأفق. هذا التكنيك الرائع في المعالجة وليس في الموضوع وحسب، هو الذي يترسخ بعمق وبرؤية متميزة وبجمالية ساحرة في اللون، ويعطي مهابة للمعمار وللامتداد الرائع للأفق، وللثراء المدهش في المساحات المرسومة في سماء لوحاته أو على أرضها وبحارها وجبالها وسهولها. ويدا ذلك متجسدا ومشرقا في مجموعة لوحاته التي عرضها في قاعة الجمعية العمانية للفنون التشكيلية في مسقط 2010 ضمن معرض مشترك مع الفنان بشير حموده واثنين من زملائه المبدعين في ليبيا.

 

الفنان علي العباني يرسم فضاءاته من داكرته الطفولية، حيث سهول و هضاب ترهونة التي ترعرع فيها قبل أن يصل باكرا الى العاصمة طرابلس، تخاله كأنه مايزال مرتبطا بتلك الأفاق التي امتدت أمام بصره وهو طفل صغير، تلك المشاهد التي ظلت عالقة في رأسه، لم يتركها تهرب من داكرته حتى ضربها بريشته المبدعة على الكتان و الورق عندما عرف كيف يمسك الريشة، انه فنان مرهف الحس يملك داكرة فولادية يستدرجها الى مرسمه و يطلق عليها ريشته التي يتحكم فيها بتقنية فنان يملك حساسية عالية تجاه اللوحة الفنية

هو الفنان الاكاديمي الذي صقل موهبته بالتدريب اليومي والمتابعة والعمل الدؤوب. وكانت لوحاته ضاجة حتى حافتها بداكرته البصرية الليبية الضاربة في عمق المشهد البصري انه فنان يلتقط المشاهد الواقعة بين يديه و تلك التي تقع في مرمى بصره و يحيلها الى كنوز فنية . انه الفنان الدي أستطاع ان يمزج بين عراقة الكليم الليبي وفن التشكيل الراقي الدي انتبه اليه في سفوح ترهونة الممتلئة بأشجار الزيتون و اللوز. فالحقيقة تكمن أولا في قول الفنان العباني في هذا الشأن: " بأنني لا أرسم الواقع بل أرسم ما أحمله منذ طفولة من الذكريات التي عشتها في منطقة ترهونة" وهذا يعني أن الخبرة التي يعتمدها الفنان العباني في رسم لوحاته هي خبرة (الواقعية المتخيلة) مرتكزة في المقام الأول على الذاكرة الطفولية. ثانيا:- لأن الموضوع عند العباني يتخذ دائما تسميات وصفات لها روابط في الواقع الملموس، إذن فلوحات الفنان علي العباني هي (آفاق ..سحب ..أرض). والفنان العباني يعتقد بأن هناك اختلافاً ما بين المشرق والمغرب، حتى كبيئة، مختلفة في موروثها وملامحها وعمارتها وأشكالها ومحيطها وطبيعتها، وهذا شيء جميل أن تكون هناك نكهة من مشرق الوطن ونكهة أخرى مختلفة ولكن مكملة من المغرب العربي). والفنان العباني (.. لا يعتقد بأن هناك مايحدد ملامح الحركة التشكيلية في ليبيا سوى أنها لازالت حركة هواية على مستوى الممارسة)، وما تحقق فعلاً الآن لايخرج عن مجال الكم حيث خرجت كلية الفنون الجميلة عبر سنوات مضت مجموعة من الهواة الشباب الذين ساهموا في توسيع وإنتشار مفهوم ولغة التشكيل وأيضاً ما تحقق من طرح لأساليب متنوعة على مستوى الآداء التشكيلي بحيث أحدث حواراً لم يكن معهوداً من قبل حول مضامين التشكيل وأساليبه ودور الاجتماعى والجمالي . وعلى ضفاف هذه الحركة النشطة والتى تواصلت عبر السنوات الماضية أصبح نقد التشكيل يكون مادة ضمن ماتنشره الصحافة من متابعات للمعارض ومن محاولات لقراءة اللوحة. - العباني سعى دائما الى تجويد الأدائية الفنية القادرة على صياغة التكوين والفضاء الطبيعي المستمد من روح الطبيعة ذاتها لتحقيق تلك العلاقة الروحية بين تحولات المشهد الطبيعى وما يحدثه في وجداننا من أثر عبر القيمة البصرية.)

2077-aliabbanicقال العباني: (.. صدر لي كتاب طبع في ألمانيا يحوي 85 عملاً من الأعمال الفنية بعنوان (معزوفة التجريد الطبيعي) قدم لهذا الكتاب الزميل علي مصطفى رمضان وهو تشكيلي وناقد، إضافة إلى العديد من اللوحات التي تجود بها الريشة دائماً. و في إيطاليا تعمقت الخبرة الأدائية باعتبار أن إيطاليا معروفة بالزخم الفني والثقافي والأدائي المتعلقة بهذه الأعمال، لقد تعمقت القدرة التقنية ولكنها لم تؤثر في الجوانب المضامينية.. أما لماذا لم يستطع الفن العربي اختراق ما يسمى بمساحات الفن العالمي المعاصر .. فالسبب في ذلك يعود إلى أن الفن الغربي في مسيرته التاريخية كانت مسيرة تراكمية حقيقية، بينما تجربة الفنانين العرب لا زالت إلى حد ما في معالجتهم البصرية لا تستمد قيم وأغراض وسببية وآلية مكوناتها من مسيرتهم المستمدة من جوهريات التراث الحيوي ومن قيمها الحقيقية إلا من الذاكرة وقوة التخييل. بهدف الاصالة والبحث عن خضوضية وابداع الحركة التشكيلية في ليبيا والوطن العربي مع وجود التباينات من قطر عربي لآخر. ، أو في سنوات مضت كانت فكرة التشكيل، وفكرة الإبداع بصفة عامة يجب أن تكون موظفة لغيرها، إما للدلالات الأدبية أو أحياناً للتوجهات التنظيرية السياسية، أو في أسوأ حالاتها عندما يصبح التشكيل يتعامل مع الفلكلور لإرضاء مذاقات السائح أو مذاقات الآخر خارج الوطن، إلا باستثناء قدرات حقيقية عربية استطاعت أن تقدم نصاً تشكيلياً ينبع من الذات، ويحاول أن يصبغ الجمالية الحقيقية المعنية بالواقع، وبالحلم بمعناه الاستشرافي للمستقبل وبما تعتز به من قيم جمالية موروثة في هذا الوطن، ولكن خارج نطاق شعار الأصالة والمعاصرة، خارج نطاق الفن للفن، أو الفن للحياة، هذه التيمات التي هي طرح منظرين، ولم تولد من كيان التشكيل ذاته. إن التجربة الغربية تجربة تراكمية، واستطاعت أن تؤدي إلى مسار حقيقي، ولكن هذا لا يمنع أن يوجد عندنا إنتاج فنانين حقيقيين ربما هم الآن قلة. ولكنهم بدرجة ما سيربؤن التباعد وشقة المسافات بين واقع المرحلة الراهنة وبين رؤى وتصورات النمستقبل. وهو اختلاف قائم في الحركات والاتجاهات الفنية التشكيلية في قديمها وحديثها. في طارفها وتليدها.

ويرى الكاتب الليبي أحمد الغماري أن مساهمات الفنان علي العباني التجريدية المتأثرة بموروث الثقافة الشعبية الليبية والإسلامية، كانت مهمة، وظهرت في لوحاته زخارف ونقوش وأشكال هندسية، وأحيانا، وجوه نسائية تتغنى بالمرأة في البادية الليبية، وإن كان البعض يعتبر التجارب الأخيرة للفنان العباني امتدادا للمرحلة التجريدية، فالحقيقة تكمن أولا في قول الفنان العباني في هذا الشأن: " بأنني لا أرسم الواقع بل أرسم ما أحمله منذ طفولة من الذكريات التي عشتها في منطقة ترهونة" .

الفنان الرائع علي العباني، عضو مجلس التنمية والإبداع الثقافي في ليبيا، ومستشار الفنون الجميلة في رابطة الفنانين الليبيين، وعضو الأكاديمية الليبية الإيطالية، تخرج من جامعات إيطاليا عام 1978 في مجال الفنون التشكيلية، تأصلت تجربته من خلال الارتباط بالقيم الجمالية والفنية في وطنه، ممزوجة بالدراسة الأكاديمية في إيطاليا، وهو يمتلك نظرة متجددة في أفق عالمي واسع، تجعل منه صاحب تجربة إنسانية إبداعية مهمة، تلقي بظلالها المتفردة داخل العالم العربي وخارجه. واتضحت جلية، تلك العلاقة التجادلية العميقة بين الموضوعات الاجتماعية الوطنية التراثية، وبين البعد الإنساني العالمي في الفن .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1561 السبت 30/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم