قضايا وآراء

النقد الادبي: بعض الإشارات النقدية لقصيدة: (لميعة تخيط لشاعرها ثوبا ً من ضباب) للشاعر علوان حسين

 أن أقف عندها لأسجل هذه الأشارات النقدية البسيطة عنها:ـــ

 1. اللغة :ــ  يبتدأ الشاعر المرهف علوان حسين قصيدته بـ (في آخرة الليل) ويختمها بجملة (دمعة ً كان قد هطلت من عيون النخيل)... وهذا يعني من خلال هذه الكلمات بأن هناك سكون وتأمل وجمال وطبيعة وبالنتيجة ان لغة القصيدة هي لغة رومانسية بحتة واذا دخلنا بين طيات اسطرها لغرقنا بما هو اكثر شفافية ورقة وعذوبة مفردات متواصلة تجعل المتلقي مستعدا ومهيئا لاستلهام الجوانب الاخرى من القصيدة.

 

2. الصورة الشعرية:ــ لم يتحايل الشاعر هنا ولم يتكلف بل جعل اللاوعي يختار ما يشاء من التشكيل الصوري الممتع  مسنودا بخزين معرفي عميق يصاحبه اثناء كتابة القصيدة ويبتعد عن تأثيره التقليدي في لحظة ابتكار الصورة الجديدة لان الاعتماد على الموروث او على الخزين وحده يؤدي الى الاستهلاك الفج والى اللاابداع، واليكم بعض الشواهد والنماذج التي أخترتها من القصيدة كي يكون تحليلي لهذا الجانب اكثر اثباتا واكثر وضوحا:ــ

أ. بويب نهر ٌ ينبع ُ

من ذاكرة السياب

ويصب ُ في قرية ٍ

من قرى الخيال .

 

ب. لماذا تركتني هائما ً

في غابة ٍ من عيون النساء ؟

 

ج. وكصورة ٍ لنهر ٍ يركض ُ في الهواء .

أكاد ُ أراه ُ في كل قرية ٍ قمرا ً

ونخلة ً تمشي على قدمين .

 

د. تصير ُ يدي جمرة ً

وذاك القميص ُ يذوب ُ

بين الأصابع كمشة ً من ندى .

 

هـ. دمعة ً كان قد هطلت

من عيون النخيل .

 

3. الموضوع :ــ ان كل قصيدة لا بد لها ان تدور وتتمحور حول موضوع ٍ  او هدف ٍ او معنىً ما وذلك لكي تكون جديرة بالقراءة والمتابعة والاهتمام من قبل المتلقي وعلى اختلاف مستوى استيعابه وذائقته وهنا بالامكان ان نقسّم درجة اهمية الموضوع الى:ـ (مهم) و (أهم) و (الأهم) وعلى هذا الاساس حسب اعتقادي سوف ترتفع او تنخفض هذه الدرجة اعتمادا على نسبة اشتراك المعنى واهميته بين المعدل الثقافي والانساني اضافة الى الكمي والنوعي لدى القراء...فمثلا لو منحنا درجة (مهم)، او دون ذلك لموضوع قصيدة تتحدث عن (مِخدّة) وتصف فوائدها، فإننا سوف نمنح درجة (أهم) او أكثر لقصيدة ترثي شهيدا ً او تصف كارثة ً أو تتكلم عن الحب وعن معاناة عاشقة وعشيق، ولهذا أجد ان قصيدة الشاعر المرهف (علوان حسين) ترفل بالموضوع (الأهم) لأنها كانت حول الشاعر الرمز بدر شاكر السياب والذي هو بمثابة حياة كاملة وبكل ما تحتوي من صراع ووجود وجمال ٍ وألم ٍ وحُبّ ٍ وانتماء .

 

4. الايحاءات :ــ سوف يبقى الإيحاء الجميل البسيط وغير المعقد هو المقياس الاعلى لتذوّق ما هو شعري وبديع غير ان هناك اشكال مهم من الضروري ايضاح علته وهو ان الرموز والايحاءات لدى الكثير من القصائد والنصوص تبدو متشابكة داخل اطار من الغموض والتشكيل اللغوي المقصود والبعيد جدا عن الاحساس الحقيقي لموضوع الشاعر مما يؤدي بالقارئ الى النفور والغثيان والملل بسبب اللاجدوى وعجزه من الامساك بالمعنى الذي يبحث عنه داخل القصيدة واعتقد ان هذا يحصل نتيجة ً للأفراط في صناعة الايحاءات المفتعلة وزجها في طلاسم و دهاليز مغلقه بحجة الحداثة والابتكار.

اما بالنسبة للشاعر (علوان حسين) وفي قصيدته هذه بالذات فقد كان موفقا ً وموضوعيا ً في هذا الجانب المهم حيث كانت تشفيراته في المعنى سلسة جدا ورائعة ونابعة من منطقة اللاوعي الذي لم يفقد توازنه من اجل التنظير والغموض...ولا يسعني الآن الا ان اشير واستشهد بما يسند رأيي المتواضع هذا:ــ

ـــ (هل غرق َ البدر ُ في السراب

بينما كانت لميعة

تـُخيط ُ له ُ ثوبا ً من ضباب ؟)

 

قد لاحظت هنا ان الرمز يتأرجح بين الكلمتين (سراب) و(ضباب) ليوضح ان حب السياب كان

حبا ً من طرف واحد.

 

ـــ (ونخلة ً تمشي على قدمين )

ـــ (دمعة ً كان قد هطلت

من عيون النخيل .)

 

كان اختياري للجملتين الاخيرتين مكررا لانهما اجمل ما في القصيدة حيث اجتمع الايحاء بالصورة الشعرية في نفس الوقت.

 

شكرا للشاعر الاستاذ علوان حسين على هذه القصيدة المتميزة وشكرا للاستاذ الشاعر والناقد سلام كاظم على اقتناصه المستمر للجمال اينما كان متمنيا ان اكون قد اقتربت ولو قليلا من اسرار هذه القصيدة الجميلة....تحياتي للجميع.

 

م. صالح الطائي

 

للاطلاع:

لميعة تخيط لشاعرها ثوبا ً من ضباب / علوان حسين

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1563 الأثنين 01 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم