قضايا وآراء

هل تصلح قاعدة السكوت في القانون المدني العراقي لفهم قواعد القانون الدولي العام؟

وأصول المحاكمات الجزائية العراقيان يؤكدان على سماع الدعوى من المدعي والمدعى عليه بصورة دقيقة لا لبس فيها، بحيث لا يمكن اعتبار السكوت إقرار  إلا إذا كانت هناك قرائن تدل على ثبوت ارتكاب الفعل للمتهم، بمعنى أن السكوت في معرض الحاجة بيان وعليه لا ينسب للساكت قول، من أجل إحقاق الحق وتطبيق العدل وحفظ حقوق الناس .

وهذا الاتجاه القانوني قد طبقته الشريعة الإسلامية فعند سماع الدعوى يكون المدعى عليه إما مقراً بما قاله المدعي، أو منكراً، أو ساكتاً . فإذا أقرر فيلزم، وإذا أنكر كان على المدعي البيّنة، فإذا لم تكن له بيّنة عرفه القاضي أنّ له اليمين . ولا يحلف المدعى عليه إلا بعد سؤال المدعي، لأنه حق له فيتوقف استيفاؤه على المطالبة، أما إذا سكت المدعى عليه ألزم الجواب، فإن عاند حبس حتى يبين . وقيل يجبر حتى يجيب، وقيل يقول الحاكم : إما أجبت وإلا جعلتك ناكلاً ورددت اليمين على المدعي، فإن أصر ردّ الحاكم اليمين على المدعي . وهذه التفاصيل أوردها العلامة المحقق الحلي في كتابه شرائع الإسلام الجزء الرابع الصفحة 83 – 86 .

وهكذا فإنَّ السكوت لا يفسر على أنه إقرار أو رضا، لأن القانون الوضعي والفقه الإسلامي لم ينسب إلى الساكت قول، واستثنى من ذلك عرفاً عقد الاستصناع وعقد الفضول وهما حكمان عرفيان وبشروط حددها الشرع لكي لا تضيع حقوق الناس، وقد أوضح ذلك العلامة محمد تقي الحكيم في كتابه القيم الأصول العامة للفقه المقارن صفحة 423 عند شرحه لموضوع العرف.

فلا يمكن أن يفسر السكوت على أنه قبول إلا بوجود قرائن تترجم نية الرضا المعتبرة في المعاملات، مما يدل على عظمة  القانون الإسلامي وإحاطته بكل التفاصيل، بحيث سايرته حتى القوانين الوضعية في كل العالم، والمعروف أنّ قاعدة  (لا ينسب للساكت قول والسكوت في معرض الحاجة بيان) من القواعد المهمة في القوانين الوضعية كالقانون المدني العراقي .

لكن الغريب أنَّ القانون الدولي العام قد طبق قاعدة لا تعرفها القوانين الداخلية الوضعية وهي (قاعدة السكوت المفسر على أنه رضا) في العلاقات الدولية، بحيث أن الدول التي تسكت على أمور مستهجنة تصدر من دول أخرى، ويستمر هذا السكوت ويتكرر، يعتبر عملها عرفاً دولياً وهو بمثابة رضا لهذه الدولة، وهذا مستغرب، لان تكرار الفعل بحد ذاته لا يعتبر عرفا إلا إذا تمت الموافقة عليه من قبل الأطراف المعنية، كما أن السكوت لا يعبر عن إرادة الدولة بالرضا المشروط بالعلاقات الدولية .

وهذا قد عرض المجتمع الدولي للوقوع بمحاذير خطرة وحساسة، أدت إلى الكثير من الماسي والحروب، وارتكاب جرائم العدوان والحرب التي تحدثت عنها المحكمة الجنائية الدولية، ولذا فإنَّ الحاجة تدعو إلى تغيير هذه القاعدة الدولية وفق القواعد القانونية المحلية، أو ضبطها بشروط حتى لا تخسر دول (العالم الثالث) وبضمنها الدول الإسلامية مصالح وحقوق كثيرة في النظام الدولي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الاميركية  .

 

الدكتور قاسم خضير عباس

خبير قانوني وكاتب إسلامي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1154 الاثنين 31/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم