قضايا وآراء

تعقيب على اعتراض الاستاذ صالح الطائي حول تصميم "المثقف" الجديد / مصدق الحبيب

 من الكلمة الانكليزية ( Main Sheet ) . وقد تركز الاعتراض على قاعدة واحدة من قواعد خط الثلث الذي جاءت فيه كلمة المثقف. وقد طلب الاستاذ الطائي التصحيح باسرع وقت معتبرا، وحسب تعبيره، "خرق تلك القاعدة خطأ كبيرا لايقبل المرونة". واذ اقدر تقديرا عاليا حرص الاستاذ الطائي على سلامة المظهر العام للصحيفة ووفاءً منه لفن الخط العربي وقواعده التقليدية، وجدت ان يكون ردي  مستقلا هنا بدلا من صفحة التعليقات من اجل تعميم الفائدة لبقية القراء.

لقد كان الاستاذ الطائي مصيبا في ملاحظته حول انعدام الفرق بين الفاء والقاف من حيث عدد النقاط المحددة لنزول حوضيهما. وفي الحقيقة يعتبر ذلك واحدا من ثلاثة فروق بين الحرفين كما سأبين ادناه. ولكن قبل تبريري ذلك اود ان ابوح بان مسألة الفاء والقاف لم تكن الخروج الوحيد عن القواعد التقليدية في كلمة المثقف ، انما هناك ثلاثة حالات اخرى لم تأتِ كما ارادت لها القواعد الكلاسيكية الصارمة، وهي كما يلي:

1) استخدام الالف المقوس المقتبس من الخط الديواني والنادر استخدامه في الثلث التقليدي، ولكنه جاء هنا بانحنائة اكبر واستطالة اكثر امتدت تحت كل الكلمة لتلامس بنهايتها نهاية الفاء، وهي صفة مأخوذة ايضا من وحي تشكيلات الخط الديواني. كما ان الالف جاء بلا رأس علما ان القاعدة تقول بانه لو استُعمل هذا النوع من الالف للضرورة،  فاما ان يكون برأس الثلث الاعتيادي، أو رأس الديواني (لاحظ شكل رقم 1 ادناه الذي يبين صيغتي الالف المقوس حسب قواعد خط الثلث).

2) اللجوء الى استطالة حرف الثاء الوسطي لما يقارب ضعفه القواعدي الامر الذي جعله يمتد بطول خمس نقاط بدلا من نقطتين ونصف من اجل ان يطابق الفاء (شكل رقم 1). ولهذا فقد توجب على القاف ان يطابق الاثنين لتكتمل الفكرة الاساسية لهذا التصميم وهي احلال التناظر المتوالي المتراكب في الاحرف الثلاثة الاخيرة الثاء والفاء والقاف.

3) استخدام تراكب حرفين بصيغتهما الاخيرة وهو امر غير مألوف تقليديا حيث يجوز تراكب الحروف ولكن مع التنويع، كأن تتراكب كحرف اولي وأخير، أو وسطي وأخير.

 

والان اعود لمسألة القاف والفاء:

لم اعمد على كتابة حرفي الفاء والقاف على انفصال كما هو متوقع انما كتبت حرف الفاء ونسخته ليكون قافا وسطيا فليس من الممكن ان يكتب القاف النهائي في وسط الكلمة! ومع ذلك فلو كنت قد اخترت القاف النهائي فبالتأكيد سيكون طبقا للقاعدة ، علما ان حرفي القاف والفاء النهائيان  يتطابقان فقط في الرأس لكنهما يختلفان بما يلي:

441-musadaq1

أ. ينحدر حوض القاف بانحدار اشد من انحدار الفاء الذي يسترسل بشكل يقارب الاسترسال المستوي. لاحظ شكل رقم 2 الذي يبين ميل خط الانحدار المضاعف في القاف قياسا بالفاء.

ب. يكون حوض القاف اقصر، حيث يمتد لمسافة افقية قدرها ثلاث نقاط ونصف مقابل امتدادها بقدر خمس نقاط في حوض الفاء.

ج. يكون حوض القاف اعمق، حيث ينزل لمسافة عمودية قدرها نقطتين ونصف مقابل نزوله الى عمق نقطة واحدة ونصف في حرف الفاء.

لقد كان تبريري لهذه الخروقات هو تحقيق الهيكل التشكيلي للكلمة التي جاءت على شكل بيضوي ناقص وتشكلت هندسيا في نصفها الاخير من حروف متطابقة متراكبة. وبالرغم من انه كان من الاسهل جدا ان يتم ذلك برسم الحروف الحرة من الخطوط العشوائية غير القواعدية ولكنني رأيت تنفيذ الفكرة بتطويع خط كلاسيكي صارم مثل الثلث يمثل تحديا فنيا، فكانت هذه التجربة. ولأن لكل مقام مقال فانني اقر بان مثل هذا التصرف بالقواعد لايكون ملائما في مجال آخر اكثر رسمية من عنوان صحيفة ثقافية يراعى فيها حركة وطاقة وجاذبية وخفة دم الكلمة المكتوبة.

 

حول الضرورة الفنية:

441-musadaq2

الضرورة الفنية كالضرورة الشعرية قد تؤدي الى الخروج عن القاعدة او عن المألوف لسبب ابداعي يقرره التكوين العام للعمل ووجهة تصميمه واهدافها. والشاعر والفنان هما اللذان يقرران متى وكيف والى اي مدى يتم ذلك الانحراف عن الخط المعتاد المتداول. السؤال المشروع هنا هو: هل يحق لأي ٍكان ان يعبث بالقواعد والاصول تحت حجة الضرورات الشعرية والفنية؟ الجواب بالتأكيد لا. ولرب معترض يقول ولماذا تسمح لنفسك مالاتسمح به للاخرين؟ وهو سؤال مشروع ايضا، ولكن الاجابة عليه تدخل في التنظير والفلسفة وماهو ذاتي وموضوعي وماهو خاص وعام ، ولكن يمكن القول ان الاجابة ستتمحور في المطاف الاخير الى ان خبرة وامكانية وتجربة الشاعر والفنان هي التي ستكون الفيصل الطبيعي بين مايجوز ولايجوز بأفتراض ان بأمكانهما ان يخرجا عن القاعدة والمألوف ولكن مع الحفاظ على صلاحية وقبول المنتج الابتكاري، وهي قابلية تعريفية للابداع. واعتقد بأنه لايختلف اثنان على ان الابداع يتوجب ان يكون حصيلة موهبة وامكانية وتجربة وخبرة وهي المؤهلات التي تمكن المبدع من الامساك بالعصا من وسطها وموازنة طرفيها، طرف الخروج عن القاعدة والمألوف وطرف انتاج ماهو ابداعي ومتناسب مع الذائقة الجمعية.

 

للاطلاع على تعليق الاستاذ الشاعر صالح الطائي

http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=49689:2011-06-06-09-20-48&catid=105:2011-06-01-07-08-46&Itemid=184

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1784 الجمعة: 10 / 06 /2011)

 

 

 

في المثقف اليوم