قضايا وآراء

العلمانية كمعتقد جديد له قدسية كقدسية آلهة اليونان

عكس الأدب الغربي القديم الذي كان يتحدث عن الشهامة والفروسية، مع ملاحظة أنَّ الأدبين يجمعهما سمات العدوانية بالنسبة   للآخر، لسحق الخصوصية الثقافية المحلية للشعوب .

 وبما أنَّ العلمانية انعكاس لأوضاع سائدة في الغرب أصبحت (سلطة متعصبة)، وتعصبها قادها إلى جعل العلم كمعتقد جديد له قدسية كقدسية (آلهة اليونان).

على صعيد آخر نذكر بأنَّ الاتجاه غير العلمي عند العلمانيين العرب هو مناداتهم (بفصل الدين عن السياسة) وفق سياق وتاريخ وظروف مرت بها أوروبا، وهذا يعد من المفارقات الغريبة التي تدعو للتأمل والدراسة والنقد، ولذا فإنَّ الخدعة العلمانية تكمن باقتناع البعض وإيمانهم بالمناهج الجاهزة المستوردة التي لها سياقها التاريخي والأخلاقي المختلف، وتبرير ذلك باسم الحداثة والتطور، وقد ساهم هذا الاتجاه الخرافي بمزيد من الإشكاليات والأزمات، كأزمة التنمية التي برزت بعد تطبيق برامج التنمية على أسس وأنظمة علمانية غربية لا تمت لأرضنا بصلة، ولا تدرك حاجة مجتمعاتنا الحقيقية، وبذلك بقى المجتمع متخلفاً حيث تم إهدار المال العام بعيداً عن التنمية الشاملة بجوانبها المتعددة المادية والمعنوية والروحية .

لقد حاول العلمانيون العرب جعل متبنياتهم وكأنها قوانين علمية بديهية تصلح لكل زمان ومكان، في حين أنَّ مبادئ العلمانية ليست علوم مبرهنة المضمون بصورة قاطعة، فهي ليست قوانين ثابتة كقوانين علوم الرياضيات والكيمياء، بل هي نظريات فكرية إنسانية تخطأ وتصيب، حتى ولو افترضنا جدلاً أنها علوم وبديهيات ثابتة مبرهنة، فإنَّ ذلك يوجب أن يكون التطبيق في ظروف وملابسات تتشابه مع الظروف والملابسات التي يتحكم بها القانون العلمي العام، وعندما تختلف هذه الظروف والعوامل الذاتية والموضوعية المؤثرة تتغير حتماً النتائج .

قوانين الكيمياء مثلاً تعمل بدرجة حرارة معينة ومقادير معينة من المواد الكيمياوية، وعندما يتغير كل ذلك حتماً النتائج ستتغير، لأنَّ التجربة لا تعطي النتائج المطلوبة التي يتحدث عنها القانون الكيمياوي العام المبرهن علمياً، إلا بوجود نفس العوامل المتمثلة بدرجة حرارة معينة ومقادير معينة .

وعند دراسة الفكر العلماني بممارساته وآلياته ووسائله في أوروبا نجد أنه يخضع لهذا المنطق العلمي، لأنَّ وجوده كان بسبب أحداث معروفة ومثبتة، ولذا كان نتيجة منطقية لما يحدث في أوروبا وفق تواريخ معينة وظروف وأسباب معينة، وعليه جاءت النتائج مرتبطة بمقدماتها كما يقول علماء المنطق .

وهذا ما يدعونا للقول بأنَّ : إشكالية فصل الدين عن الدولة عندنا هي إشكالية منقولة عن الغرب ، كما يقول الدكتور برهان غليون في كتابه القيم نظام الطائفية، ولذا فإنَّ (الأفكار ذاتها التي قادت أوروبا من التعصب إلى التسامح، ومن سيطرة الدين إلى الدولة، قد كان لها عندنا مفعول معاكس).

 

الدكتور قاسم خضير عباس

خبير قانوني وكاتب عراقي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1170 الاربعاء 16/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم