قضايا وآراء

اتهم الحسين !!! / رحيم الساعدي

الزائف بالفهم التام لذلك التاريخ،والذين يصرون على فهم خطأ تاريخي تبنته بسائط عقولهم أو تشابك غرائزهم يعطلون صنع واقع مستقبلي صادق وواضح يمد الأمم المغلوبة بالقوة الفكرية والعلمية والمعنوية .

وكان من أكثر الأخطاء التاريخية قسوة ذاك الذي يصف الحسين بن علي (ع) بالمعارض الذي خرج على الحاكم وقتل بسيف جده . واعلم ان المتحررين جدا سيقولون انها قضية تاريخية لا تقوم ببناء الأوطان ولا تقدم فهما تكنولوجيا للأمم وهي تعبر عن سجال لا ينتهي، ويتوجب القول انه لا يبتعد وحي هؤلاء من أولئك الذي يشيرون بإصبع الاتهام إلى الحسين بأنه خرج طالبا للحكم وفشل في تلك المهمة .

ان الحسين (ع) لم يكن معارضا بل الحاكم الفعلي للأمة الإسلامية التي تحتاج إلى الإصلاح بعد المغامرة التسلطية للاستئثار بالحكم،كما ان جده النبي (ص) المؤسس للدولة والمنظر للدستور لم يكن ليسند أمر إصلاح الأمة إلى أهل بيته لو لم توجد لديهم المقومات الحقيقية التي تصلح بها الأمور  بل ان الحسين الثائر لم يخرج لو لم يجد في نفسه الإمكانية الحقيقية لإصلاح الأمور ... ولكن هل أصلح الامام الحسين الأمر ... والجواب هنا  تقدره السنة الثابتة التي سنها الامام الحسين لنصرة الحق وقتال الباطل فهي الدستور الثابت في الإصلاح على مر التاريخ والتي تشير اليوم الى انها تقض مضاجع الظالمين، فلم تكن الغاية هي اعتلاء سدة الحكم بل مرافقه المصلحين وتوجيههم على مر الازمان، والمسالة تحتاج الى فهم وتحليل مطول .

وعود على بدء لو ان الأمة الإسلامية باجمعها اتفقت على خطأ معين كالذي حدث مع استشهاد الحسين (ع) أو ما قبله، فان ذلك سيقود إلى وفاق شامل وتحديد للانحرافات وتبني للإصلاح ودفع للتنمية المستقبلية وتراكم لمجالات متعددة من الفكر والثقافة والعلم . ..ولكن؟؟

وربما سيكون الجواب ان النهضة الاسلامية  لم تنقطع بعد استشهاد الامام فقد تنوعت وتعددت محاور الحضارة باتجاهات مختلفة، والجواب هنا يشير إلى ان اختلاف المجتمع قام بتأخير واضح لتراكم معرفي وعلمي، بل إن هذا الاختلاف كان السبب - فيما بعد – ودفع باتجاه تناحر اجتماعي وثقافي وفكري استمر إلى يومنا هذا والذين يقدمون كاس القطيعة مع الماضي هم (ماضويون أو أطباء تجميل للماضي من دون ان يشعروا) والسبب يرجع إلى ان الأخطاء الماضية يجب ان تصحح وعدم ذلك يعني إصرار على الذنب أو تمييع واستسهال لأخطاء الماضي بل ودفع التاريخيات الى مواكبة الحاضر والمستقبل دائما .

إن الأمة التي تبكي لألف وأربعمائة سنة لابد لها ان تمر بحالة من الخوف و المرض السيكولوجي بالتأكيد ولكنها ان لم تكن كذلك فإنها امة كبيرة وهذا ما حدث مع عشاق الحسين بن علي،مع هذا فهي ليست مسؤولة عن تأخر المجتمع أو الحضارة وهي تهمة قد يسوقها البعض لتبرير فشل المفكرين الذي يحسنون في عالمنا التحليل أكثر من التنظير والبناء وقد استوقفني عنوان في الفيس بوك للكاتب (جعيط) بعنوان هشام جعيط وتحليل الثورات العربية ومن دون تأخير كتبت بان المفكر العربي لا يحسن صنع الثورات او التنظير لها، بل يحسن النقد والتحليل ذلك يعني ان مفكرينا هم فعلا من عشاق الماضي ويخافون المستقبل، ربما بخلاف المفكر الديني الذي دائما ما أراه يستشهد من اجل قضيته، وحتى الشيوعي يفعل ذلك –على الأقل سابقا- إلا إنني لا أرى علمانيا- ليبراليا  يتفاعل كثيرا مع قضية الموت من اجل فكرته، ربما يكون العيش من اجل الفكرة أو العقيدة أفضل، ممكن ولكنها ليست الحل ...

على أي حال كثيرا ما اسمع بخصوص قضية الامام الحسين تصويرها بصورة جلد الذات وان الذين يضربون صدورهم يؤذون أنفسهم،، وفكرت طويلا أليس النفاق جلد للذات بل والتقرب من الظالمين ومدحهم وصياغة الفكر الشاذ وعدم أداء حقوق الله وخيانة الوطن وخيانة الأسرة والمرأة وعدم تربية الأبناء التربية الحسنة ..كل ذلك جلد للذات من الجوانب المعنوية والمادية،مع هذا فان المسالة تختلف مع الحسين ونحن لسنا في الهند أو دولة أخرى والطقوس التي يؤديها الناس لا تضر ان لم تنفع، وليست هي من يعطل قدرات البلدان فكثير من الدول تؤديها وهي في المصاف الأول من الحضارة العالمية، فهل لنا ان نتهم الحسين بأنه قاد المجتمع إلى تجهيل أو تخلف، كلا فنحن بحاجة إلى تجمع إنساني سنوي كعاشوراء  لنعرف بأننا لازلنا نتحسس الأشياء الإنسانية وهذا التجمع اجتماع إنساني بدافع المحبة ليس إلا ... وردة فعل على ما مر بهذا البلد من التخويف والترويع فان كان من اتهام للحسين(ع) بهذا الصدد فإننا الذين أحببناه نتهمه بالحب والتضحية والعشق لله وللإنسان والصبر والتسامح والثورة ضد الظالمين ونصرة المظلومين ونتهمه بالاستحواذ على التاريخ تماما وعلى الأمم جيلا بعد جيل والحسين متهم بتربية الأمم على الخير والتمسك بالمبادئ ونتهمه بأنه صانع التاريخ الجديد والقديم

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :1996 الاثنين 09 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم