قضايا وآراء

وقفة مع قصيدة (يا ظلال الصمت) للسيد محمد حسين فضل الله / علي جابر الفتلاوي

يتهادى في شاطئ العمر لا ينفك يغري الاحلام في عينيا

أتملّى روحي بدفء اغانيه اغني شراعه الذهبيا

أتملى سرّ الوجود واُصغي  لصداه ينساب حلوا رويا

فأزفّ النشيد طلقا يُريني  كيف ثارت عواصفُ الليل فيّا

أنتِ في وحدتي بقايا انطلاق خنقته الآلام في شفتيا

وطيوفٌ هدهدتُها بين جنبيّ وأطبقتُ فوقها  مقلتيّا

ونجاوى : أهرقتها في ليالي اليأس والكأس راعشٌ في يديا

حضنتها أجواءكِ الزهرُ اصداءً عذابا تموجُ في أذنيا

أنا وقّعتها لتبعث امسي   فكرةً تنثر الشعاع عليا

السيد محمد حسين فضل الله عالم مجتهد ومفكر وقائد اسلامي واجتماعي وهو اضافة الى صفاته هذه وصفاته الاخرى، يعتبر شاعرا موهوبا ومبدعا،نظم الشعر وهو في مقتبل العمر ومن قصائده التي نظمها في مرحلة الشباب التي قضاها في مدينة العلم والعلماء (النجف الاشرف) قصيدة (يا ظلال الصمت) من ديوانه :

(على شاطئ الوجدان)، وردت مفردة الصمت، كمضاف اليه، وقد اضاف مفردة ظلال اليها في قصيدته ينادي الظلال وكأنه ينادي كائنا حيا بل هو يستنجد بها ويلجأ اليها، انه يعيش في جو رومانسي كبير، لكن ليس رومانسية الماضي بل رومانسية الحاضر الواقعية بالنسبة اليه واقعية وفي رأيي ان الشاعراي شاعر يعيش رومانسية واقعية عندما يبلغ مرحلة متقدمة في الايمان بالله تعالى، وقد بلغ السيد فضل الله هذه المرحلة وهو في بداية عمره،المؤمن بالله يعيش في الامل، ولا يوجد عنده مستحيل لان ارادة الله هي اقوى الارادات والتعلق بها يخلق الامال والاحلام الكبيرة في رأيي مفردة الصمت عند السيد فضل الله لا تعني الصمت نقيض الكلام، بل هي صمت الكون الكبير الذي لا تدرك حدوده،هذا الصمت ذو الآيات العظيمة،الذي يبهرالعقول واصحاب الفكر باسراره وآياته التي تدعو الى التفكر والتدبر، والاكثر تفكرا وتدبرا هوالاكثر قربا من الله تعالى، الصمت الكوني هذا تحسسه السيد فضل الله وهو في مقتبل العمر، القصيدة نظمت وهو في مرحلة الشباب، نظمها وهو متوجه لبارئه ولآثار خلقه، يتفاعل ويتأثر بهذه الاثار والآيات الألهية، صمتها متحرك بالنسبة اليه يناديها (ياظلال الصمت) (المهوّم في قلبي) (تفيأت سرّك الابديا)هذه عندي دلالات توحي الى المعنى الذي اشرت اليه، ينادي ظلال الصمت وكأنها تفهم كلامه، هذه الظلال تثير عنده الانتباه وتحرك فكره وتدعوه للتدبر، لفظة ظلال هي رمز لآيات خلق الله في هذا الصمت الكوني العظيم الذي لا يمكن تخيل حدوده، انه يتكلم الان بقلبه، يعبر عما يوجد في قلبه من صور ايمانيه فيرسمها بالكلمات، نعم القلب هو الذي يستلم نتائج التفكر والتدبر، حيث تزيد نتائج هذا التدبر والتفكر ايمان الشخص المفكر والمتدبر في القلب لان الايمان يكبر ويصغر في القلب بمقدار تعاملنا وتأثرنا  بآيات الله الباهرات، قوله (انت لي زورق) معناه يتكامل مع المعنى الاول،آيات الله التي يتحسسها الانسان،بالنسبة للسيد هي (زورق)،تشبيه جميل ورائع لان الزورق يتحرك بين الامواج طافيا ويسير حيث المراد، يطوف بزورقه الدهر ليأخذ العبرة والحكمة والفائدة، كي يعيش حياته صحيحة سليمة، (فأخلو الى الحياة مليا) يتنقل بزورقه في سني الدهرممكن القول ان الزورق هو تعبير رمزي عن سني العمر التي يتنقل فيها على صفحة الحياة منقبا ومفكرا بآيات الله الباهرات، الباعث الى ذلك هي ظلال السكون الكوني (ظلال الصمت)، السؤال مَن الذي ينتبه لظلال الصمت هذه انهم اصحاب العقول المفكرة،هنا يخاطب زورقه(سني عمره) حيث تتولد عنده خلال مسيرة السنين في الحياة الاحلام والاماني، عيناه ترنو لتحقيق هذه الاحلام، تطمئن روحه بدفئ اغاني أي احلام سني عمره (زورق حياته) الذي يتهادى بين امواج الحياة، لينتقل به الى الحياة الاخرى، وهي المرحلة الاخيرة من المسير في زورق الحياة، هو مطمئن وهو يركب زورق الحياة، هذا الاطمئنان مرده الى ثقته بنفسه وبايمانه الراسخ بالله تعالى، هو غير قلق في سيره بزورقه، تطلعاته وامانيه عنصر اطمئنان له، فأخذ ينشد وهو يتطلع الى ماضيه وحاضره ومستقبله :

      (فأزف النشيد طلقا يريني   كيف ثارت عواصف الليل فيّا)

هنا وهو يتهادى بزورقه في رحلة العمر، يرجع الى من اثار عنده هذه التطلعات والاماني والاناشيد، يرجع الى (ظلال الصمت)  التي هي مصدر الالهام عنده

     (انت في وحدتي بقايا انطلاق      خنقته الآلام في شفتيا)

ظلال الصمت هذه هي مبعث انطلاقته في مهرجان الحياة، هذه الانطلاقة التي كانت مخنوقة بسبب الآلام وقساوة الحياة، لولا (ظلال الصمت) هذه ولجوء السيد اليها لعاش في ازمة (انت في وحدتي بقايا انطلاق)، هي ذات اهمية كبيرة له، فهي زروق يطوف به الدهر، وهي بقايا انطلاق، وهي طيوف يعتز ويهتم بها، وهي نجاوى تعيد له الامل القصيدة بمجملها تعبر عن شاعر مرهف الحس، يعيش بدرجة من درجات القرب الى الله تعالى استطيع ان اقول ان القصيدة فيها مسحة صوفية مَن يعيش اجواء القصيدة يعيش في نشوة نفسية كبيرة، ومن ينفعل بالقصيدة يعيش في اجواء روحانية منعشة، واخيرا ندعو للسيد محمد حسين فضل بالرحمة والرضوان .

  

      علي جابر الفتلاوي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2035 الأحد 19 / 02 / 2012)


في المثقف اليوم