قضايا وآراء

توفير المعرفة عن طريق الترجمة / محمد الربيعي

ومتابعة الاخبار عن طريق الصحف والمجلات؟ وهل يوجد من لم يسمع المقولة الشهيرة (مصر تؤلف..ولبنان يطبع..والعراق يقرأ)؟ أنا بالحقيقة بدأت اشك في صحة كل هذا، خصوصا عندما اطلعني صديقي الدكتور كمال البصري على نتائج المسح الاحصائي للفتوة والشباب (10-30) الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، والذي يظهر ان نسبة الشباب ممن يمارسون المطالعة لا تتعدى 22%، ونسبة من يعرفون كيفية استخدام الحاسوب هي 35.2% ، ونسبة من يستخدمون الانترنيت هي 13%.

هل حقا ما زال العراقيون يقرؤون؟ ما هي الاسباب التي ادت الى هذا التردي، والى الابتعاد عن الكتاب كمصدر للمعرفة والتوجه نحو الفضائيات كمصدر للترفيه والمعرفة السطحية؟ أين نحن من العالم الذي ينتج المعرفة ويطورها؟

هل اصبح الشعب العراقي مثله كمثل الشعوب العربية التي لا تعتبر القراءة من الضروريات مع إنها ترى في انفسها افضل الأمم، وان ثقافتها افضل الثقافات؟ من الاحصائيات التي تصدم العقل عن العرب هي ان نسبة قراءتهم تعادل 6 دقائق سنويا في مقابل 200 ساعة للفرد الاوربي،  وبأنه لا يطبع اكثر من ثلاثة كتب لكل مليون عربي في مقابل 600 كتاب لكل مليون اوربي، علما ان عدد النسخ المطبوعة لكل كتاب لا تزيد عن 3000 نسخة في العالم العربي، بينما تزيد عدد النسخ المطبوعة على عشرات الالوف في أوربا، وحاليا لا تزيد عدد الكتب المترجمة منذ عهد المأمون عن عدد ما تترجمه اسبانيا خلال سنة واحدة

مجال الترجمة ضيق جدا مقارنة بإصدارات من الكتب الاخرى خصوصا الدينية، وهذا ما يجعل اسماء عظماء الكتاب والمفكرين الغربيين غرباء على القارئ العراقي، وهذه المشكلة تبدو واضحة خصوصا في مجالات العلوم والتكنولوجيا بشكل خاص، فهل يوجد في العراق من سمع بكارل ساغان، وستيفن هوكنغ، وادوارد ولسن، وريتشارد دوكنز، وديفيد اتنبورا، وبيتر مدوير وعشرات غيرهم من مشاهير كتاب العلوم؟

وهذه المشكلة كما تبدو هي مشكلة مترجمين لا مشكلة ترجمة. عدد المترجمين قليل جدا ومهما انتجوا لن يكون انتاجهم كافيا، وسبب قلتهم يعود الى عدم ممارسة المثقفين والاكاديمين ممن لهم معرفة باللغات الاجنبية لهذا العمل. وضعف الترجمة، خصوصا الترجمة العلمية، يعود الى انعدام الحوافز المادية والمعنوية، وفقدان حقوق الترجمة، ولربما يكون فقدان الاهتمام الرسمي بالترجمة من اهم الاسباب بالرغم من انه في هذا الوقت الذي تتراجع فيه مهمة التأليف، ويندر وجود الكتاب العربي العلمي والفكري والنقدي والفلسفي تصبح الترجمة من أهم الاعمال الثقافية. وقد يكون هناك سبب آخر لفقدان الاهتمام بالترجمة ألا وهو الاقتباس غير المشروع والسرقة الفكرية المتفشية خصوصا في أطروحات الدراسات العليا، فإذا كان بالإمكان اقتباس فقرة او فصل من كتاب او بحث دون الاشارة الى المؤلف واعتبار هذا الاقتباس ملكية فكرية مكتسبة للناقل، فلماذا لا تصبح عندئذ الترجمة والاقتباس تأليفا ذا مردود أثمن؟ 

دعني هنا اطرح حل بسيط وسريع لهذه المشكلة وهو بشكل اقتراح موجه الى وزارات التعليم العالي والثقافة والتربية.

يوجد في الجامعات العراقية ما يقارب من 25000 تدريسي بينهم ما لا يقل عن 3500 برتبة استاذ جلهم على معرفة عميقة باللغات العالمية خصوصا الانكليزية والفرنسية والألمانية، وكثير منهم أساتذة للغات العالمية، ولديهم اطلاع واسع على الفكر العالمي وقرؤوا من الثقافة والعلوم الغربية بشكل جيد. هؤلاء التدريسيون يشكون من فقر امكانات البحث العلمي ويشكون من عدم قدرتهم على انتاج المعرفة عن طريق البحث الاكاديمي لعدم توفر الاموال والأجهزة والمعدات والمكتبات، وبات همهم هو الاطلاع على ما هو مستجد من المعارف العالمية من منابعها الأصلية. هؤلاء الاساتذة لو استثمرت جهودهم وإمكانياتهم بصورة مثمرة في الترجمة لامكن لكل واحد منهم اصدار كتاب واحد مترجم في السنة على الاقل. ونعني هنا اننا سنستطيع من انتاج آلاف الكتب في السنة الواحدة، ولربما اكثر ما انتج لقرون من الزمان، مع ذلك فأن اي جهد يبذل في هذا المجال هو مستحسن ويساعد في توفير مصادر علمية وثقافية للقارئ العراقي بكل المستويات، ومن اساتذة وعلماء مثقفين على معرفة بثقافة النص وعارفين لموضوعه، وستتوفر للجامعات العراقية آلاف المصادر بلغة الطالب العراقي، ولن تكون هذه المصادر ابدا على حساب اللغة الانكليزية لأنها بالأساس لغة ضعيفة عند الطالب وأسباب الضعف لا علاقة لها بتوفر المصادر باللغات المحلية

بهذا العمل الترجمي الهائل ستكسب الثقافة العراقية، وستكسب الجامعة والمدرسة العراقية، وسيكسب القارئ العراقي، وسيكسب المترجم لكونه صاحب انتاج علمي وثقافي له مردود مالي وذا مساهمة رصينة تساعد في زيادة معارفه وتساهم في ترقيته اكاديميا ووظيفيا. وبهذه الجهود المركزة والامكانيات البشرية الهائلة يمكن لنا من سد الفجوة الموجودة في المكتبة العراقية (وهنا اعني الترجمة ليس للغة العربية فقط وانما الى اللغة الكردية ايضا(.  

هل هذا يمكن ان يكون بداية لمشروع ثقافي وعلمي كبير لكي نرى يوما معدلات الترجمة تضاهي نسبها في اسبانيا واليونان ودول العالم الأخرى؟ هل من سامع او مستجيب؟

 

 12 /3 /2012

 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2059 الاربعاء 14 / 03 / 


في المثقف اليوم