قضايا وآراء

السنن الإستراتيجية القرآنية والمستقبل / رحيم الساعدي

فهي مسائل مصيرية ثابتة تحمل طابعا عاما يتصف بالتنبؤية والمستقبلية التي تستند الى قاعدة ثابتة لا مجال لتبديلها، وأجد أن إسناد الفكر المستقبلي الإسلامي اليوم الى عناصر ثابتة كهذه سوف يعطيه فهما ثابتا لأهم التحديات على مستويات السياسة أو الفكر أو طبيعة المجتمعات والأفكار والحالات التي يراد استبطانها او استشرافها .

إن أهمية السنن التي وردت في القرآن الكريم هو أنها تمثل النظرة الدائمة للغد،فعملية التغيير تستند الى هذه المفاهيم، ونهاية التاريخ والاستخلاف (حتمية تنبؤية ترتبط بالواقع) الذي سيحدث فيما بعد وتغير وتبدل الأمم وتحولها ونهايتها تلك التي وصفت بالآجال بالإضافة الى تداول السلطة (أو مفهوم التداولية بشكله الاعم) بدلالة اللفظ (وتلك الأيام نداولها بين الناس)  انما  هو تفسير لاسس الفكر  المستقبلي و الذي وظفته السنن الواردة في القرآن الكريم والتي منها:

 

سنَّة الاستخلاف

قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55(

ان الوعد الاستخلاف المستقبلي يبدو مشروطا كما تبين معادلة الآية القرآنية بفعل الإنسان  والقضية تبنى على المعادلة الآتية (الإيمان + عمل الصالحات) = الاستخلاف،والمهم في المسألة أن بداية الفعل ستكون من الإنسان أي من (الزمن الحاضر) لكي يتحقق الزمن المستقبلي .

يقول خبير المسقبليات د.محمد بريش في ضوء ذلك، لا تكون المستقبلية ذات جدوى من وجهة نظرنا إلا إذ كانت منبثقة من الإيمان بأن الله ممَكِّن للمسلمين دينَهم الذي ارتضى لهم، وأن مستقبلهم بيدهم فلينظروا لشروطه، وأن الغد غدهم فليعملوا على تحقيق سبل تحصيله ([1])

1-    سنة النصر لعباده الصالحين

 قال تعالى (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)(غافر: 51]، وقال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7)

 

2-    سنة الاستبدال:

قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}المائدة: 54(

 

3-    سنة آجال الأمم:

 قال تعالى :وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)(الأعراف: 34(

 

4-    سنة التغيير

        قال تعالى :لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

 

6-سنة التداول :

قال تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس(عمران 140)

والخطر يكمن خاصة عند المهتمين بتلك العلوم والفنون في عدم التمييز بين "التداول" و"التقدم". فتداول الأيام سُنة من سنن الله في الكون، قائمة دائمة إلى أن يشاء الله، وهي الأساس في التغيير، وهو مخالف للتقدم الذي قد يحصل حين التداول أو لا يحصل. ([2]).

ويلاحظ على هذه السنن بالإضافة إلى المعنى الشرطي المتضمن فيها،فان هناك تقديرا لوجود وكينونة الإنسان الذي يحمل مواصفات مهمة يمكنه من خلالها أن  يعمل وينتج ويطور ويقوم بتشغيل قدراته الكبيرة التي أعطاه الله .

وهذا ما تجلى بأبدع صورة في الخطة المستقبلية الحكيمة التي وضعها نبي الله يوسف عليه السلام في تأويله لرؤيا الملك ([3] ) ان البعد المستقبلي  لهذه القصة جاء من خلال الرؤية التي فسرت بعلم لا يمكن للدراسات الحديثة أن تحيط به لأنها دراسات تخمينية قد تخطئ وقد تصيب،أما بالقياس إلى قدرة النبي يوسف (ع) فان الحلول المقدمة لتحليل القصة أو لما بعدها يمثل فهما مستقبليا يعد غاية في الدقة،ولهذا جاءت النتائج يقينية وتامة وتتوافق مع الخطة الإستراتيجية المرسومة من قبل الصديق،تلك الخطة التي تعاملت مع تحدي الطبيعة (البيئة بالذات) المتمثل بالقحط  بالإضافة إلى تحديات اجتماعية ونفسية (تتعلق بالصديق وبطرح الرسالة النبوية وصراع الماضي والمستقبل مع إخوته وبفئات اجتماعية أخرى).

فالمقدمة بنيت على تفسير المعطيات التي واكبت الرؤيا وعند فهم المشكلة باشر الصديق بإيجاد الحلول الأكيدة لتغيير مسير عاصفة الجوع تلك فقام برسم السيناريو( الخطة المتسلسلة لمعالجة حادثة ما ) وتنفيذ العلاج، فنجح نجاحا كبيرا .

إن الدراسات المستقبلية قد لا تعترف اليوم كثيرا بالرؤيا، وذلك يعني قصورا بآلياتها،أي انها لم تصل بعد إلى النضج الكافي للتعامل  أو لفهم آلية عمل الأنبياء .

 

النبي (ص) والفكر المستقبلي

لا جدال من القول إن الدين الإسلامي  هو دين المستقبل، فما من دين يتواصل مع المستقبل كما نجد في دين الإسلام، فهو يبني خارطته العامة على أسس ميتافيزيقية  وغيبية بحت، والنقطة الأكثر أهمية وهي الله سبحانه تتبلور فهما نهائيا على أساس روحي وتجريدي لا يرتبط بالمادة من قريب أو بعيد، مثلما يلاحظ في الدين المسيحي الذي يستند على المادة بشكل أو بآخر مما يولد ارخبيلا من الأسئلة  لعل أهمها أن الحضارة الأوربية لا تنفك عن تبني اعتماد التجريد في الفكر الا انها تستند الى أساس مادي فيما يتعلق بالدين .

والمستقبليات الإسلامية (المابعديات) أو الموضوعات المستقبلية وكل متعلقاتها مثل التجريد والميتافيزيقا والغيب في الإسلام والعلم النبوي تتوزع على محاور منها :

الله سبحانه، صفاته، العالم الآخر، الجنة،الحساب،الحشر،الوحي، البعث، القضاء والقدر، المهدي الموعود، المدينة الفاضلة،آخر الزمان،الإسراء والمعراج، نهاية التاريخ، نهاية الوجود،نهاية الزمان وسوى ذلك من الموضوعات .

ان الرسول الأعظم محمد (ص) تعامل مع هذه الموضوعات بعلم إلهي ثابت،وبوسائل عديدة منها الوحي، القرآن الفراسة،الجفر،علوم الأنبياء السابقة، الكتب السماوية الأخرى .

وكان أهم الأحداث التي أشارت إلى مستقبل أو غيرته والتي أنجزها النبي (ص) تكمن في إدارة الأزمات ومنها السياسية والاقتصادية وإدارة الحروب، الدعوة إلى الإسلام، نقل الدولة والهجرة، معالجة أزمة الأحزاب، مستقبل الإسلام (تثبيت الولاية )، أزمة الأوس والخزرج الاجتماعية النفسية، أزمة الحجر الأسود، إدارة الملف السياسي .

وكان الكثير من هذه التحديات تمثل يمثل ويحمل ابعادا انوية ومستقبلية لم تخرج  من حسابات النبي الأكرم، بالإضافة إلى أن تذليل هذه الصعوبات يعني نتائج مستقبلية مهمة للإسلام والإنسانية .


.................

[1] - د.محمد بريش،مستقبل مجال الفعل،موقع الالوكة و موقع الدكتور محمد بريش http://www.alukah.net/Web/brich/0/1272

2 - د.محمد بريش،المصدر السابق . يلاحظ ان من الذين نظروا بروحية معرفية عالية للسنن التاريخية هو السيد محمد باقرالصدر .

3 - د.فاروق فلية  و د.احمد الزكي،الدراسات المستقبلية من منظور تربوي،ط1،دار المسير،عمان،2003م -1424هـ،ص9 .


العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2066 الاربعاء 21 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم