قضايا وآراء

ملاحظات حول الاهداف التربوية في "الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العالي في العراق" / محمد الربيعي

وتهتم دول العالم في بناء وادارة وتوجيه النظام التعليمي على اسس استراتيجية لاسباب مختلفة يدفعها الرغبة في جعل التخطيط عماد كل الفعاليات الاقتصادية، واحيانا من دون ضرورة ان يحقق هذا التخطيط كل النتائج المتوقعة والاهداف النهائية، ومن دون ان تحقق الموارد المخصصة افضل النتائج. وبالرغم من عدم وجود طريقة مثالية للتخطيط الستراتيجي، الا انها تشمل اربعة مراحل اساسية هي التحليل والتخطيط والتنفيذ والتقييم. وفي قطاع التربية والتعليم يعتبر جمع المعلومات وتحليلها بحيث تؤدي للاجابة عن اسئلة مهمة حول ماهية القطاع، وما يجب عمله لمعالجة القضايا الرئيسية، والتحديات التي تواجه القطاع، هو العمود الفقري للستراتيجية، وكل هذه المسائل يمكن درجها ضمن عنوان واحد وهو الاهداف الستراتيجية.

مسودة الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العالي في العراق تضمنت رؤى واهدافا مهمة تشير لها مقدمة الستراتيجية بأنها (تمهد لما ينبغي تحقيقه وتهيئة استشراف المستقبل وإنضاج وسائل تقدمه). كما اشارت الى الحرص المشترك والجهد الكبير الذي بذلته لجنة اعداد الستراتيجية من أجل تقديم وثيقة (متكاملة منبثقة عن دراسات رصينة ومستمدة من واقع الاطلاع على تجارب الاستراتيجيات المعدة في عدد من دول العالم المتقدمة وذات الظروف المشابهة، وبمراعاة خصوصية البيئة العراقية). استنادا لهذا التأكيد احببت تسليط الضوء على ما اغفلته الستراتيجية من اهداف تتعلق حقاً بواقع التربية والتعليم في العراق، وهي الاهداف التي تعكس بشكل ادق مرامي استراتيجية وطنية للتربية وفلسفة التعليم في العراق دون غيره، عسى ان تؤدي الى مراجعة موضوعية كأساس لرسم ملامح الستراتيجية من خيارات تتعلق بواقع العراق وبدرجة اكثر خصوصية، وعلى ضوء المشاكل الاجتماعية والسلوكية، وخاصة في ظل ازمة غياب أرادة العيش المشترك، وتفشى ظواهر خطيرة كالعنف والفردية المفرطة والفساد الاداري والمالي. وهنا اريد التأكيد على ان الستراتيجية وضعت فقرة عامة تم درجها في حقل جودة التربية والتعليم العالي وتنص على (بناء المناهج على وفق فلسفة الدولة واهداف المجتمع وحاجاته مع التركيز على القيم والاخلاق والجوانب المعرفية والوجدانية والسلوكية والابداع)، الا ان اهمية النص قد ضاعت لعمومية الهدف، ولاننا لا نعرف ما هي فلسفة الدولة في قطاع التربية، وهل هناك حقا فلسفة للدولة، كما أن عدم وجود تحديد دقيق للقيم والاخلاق والجوانب المعرفية الاساسية لا يساعد في الوصول الى علاقة تكاملية بين الاهداف والخيارات الستراتيجية.

خلال زياراتي المتكررة للعراق لمست عن كثب ما كنت دائما اشعر به، وما يؤكده لي عدد من التربويين بوجود ازمة في المعارف والقيم والاخلاق المتعلقة بالسلوك الانساني، وبعدم قدرة المناهج الدراسية على تنمية شخصية العراقي كفرد يفتخر بالانتماء لمؤسسته سواء كانت مدرسة او جامعة او دائرة حكومية او مصنع، وكعضو صالح ومنتج في مجتمع ديمقراطي حر، وكمواطن ملتزم بالقوانين.

المناهج الدراسية لها الدور الحاسم في تربية الفرد تربية صحيحة، وهدفها زرع وترسيخ الايمان بالقيم والمبادئ الانسانية، والالتزام بالثقافة الوطنية، والانفتاح على الثقافات العالمية، وان تغذي في الطالب مبدأ سيادة القانون على المواطنين وبأنه الوسيلة لتحيق العدالة والمساواة بينهم، وبأن تسعى الى تربية وتطوير المعارف والمهارات والمواقف والقيم والسلوك الانساني في الطالب، ويشكل خاص اعتزازه بوطنه وانتمائه له، واعلاء المصلحة العامة، وتوطيد روح السلام في الذات، وادراك اهمية العلم والتكنولوجيا والثقافة والفن واللغات في تطوير الشخصية.  

اننا نرى ضرورة ان تتضمن الاهداف التربوية ما مدرج ادناه، وبأن توضع الخيارات والخطط والسياسات لتحقيقها بالرغم من اعترافنا بعدم وجود تحليل عميق حاليا نستند عليه لواقع التربية في العراق، وبعدم وجود تقييم كامل للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها المجتمع العراقي، والاهداف هي:  

1- تربية الطالب بثقافة المحبة والاخاء بين القوميات والاديان والطوائف ونبذ التعصب بكل اشكاله.

2- تربية الطالب بثقافة الاعتراف بالاخر وثقافة السلم وبالقيم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.

3- ألتأكيد على مبدأ المواطنة الصالحة وحب العراق ووحدته.

4- تربية الطالب بأهمية القوانين واحترامها وبعدم مخالفتها وبحرمة ممتلكات الدولة واموالها، وبتعريفه على حقوقه وواجباته.

5- تنمية الشخصية وحب الاستطلاع والتفكير المستقل وممارسة السلوك المتمدن والعمل التعاوني والمبادرة عند الطلاب.

6- تنمية القدرات اللغوية (عربي وكردي وانكليزي) عند الطفل وأكسابه مهارات الاتصال اللغوي الاساسية.

7- ألتاكيد على اهمية تدريس العلوم والرياضيات وتنمية التفكير العلمي والقيم المرتبطة به والتآلف مع التكنولوجيا، لاسيما الحاسوب، كمصدر للمعلومات.

 

أ.د. محمد الربيعي

جامعة دبلن/ ايرلندا

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2075 الجمعة 30 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم