قضايا وآراء

ظاهرة اغتصاب الأطفال في المجتمعات العربية / مهدي الصافي

حيث تعمدت سلطات وباشاوات تلك الدولة إلى إشاعة الفوضى الاجتماعية والقضائية، بعد إن أقحمت القبائل والعشائر والطوائف العربية وغيرها في نزاعات وخصومات داخلية ، بغية إشغالهم عن الاهتمام بقضايا بلدهم ومستقبل أوطانهم، والتفكير بحالة الذل والهوان والظلم الواقع جراء الهيمنة الخارجية، وتشديد القبضة ضد المعارضين لسياسات التجنيد الإجباري للحروب الدولية، وقساوة الضرائب المفروضة على محصول فقراء الفلاحين أو الإقطاعيين أو محصول شيوخ العشائر في حينها.

ثم جاءت مرحلة الاستعمار التي بدأت جزئيا بترتيب نموذج غير مكتمل لشكل الدولة القطرية المحددة بحدود معترف بها دوليا، مع إهمالها لحل القضايا الاجتماعية الموروثة، واستخدامها كورقة فتنة تتلاعب بها بين الطوائف والقوميات والأقليات والمكونات القبلية أو العشائرية، وهذه السمة أو الأسلوب الهمجي المتخلف والغير أخلاقي أو أنساني، اتبعته اغلب الحكومات التي استلمت الحكم بعد رحيل الاستعمار شكليا عن المنطقة، وفي خضم تلك المتغيرات المشار إليها سريعا، بقيت القوانين والقضايا المتعلقة بالمشاكل والإحداث والجرائم الاجتماعية شبه معطلة، مهملة لأنها لاتمس ما يسمى بالمؤامرات الخارجية والداخلية المحدقة بالثورة،

كانت الأنظمة والحكومات العربية منشغلة بمحاربة المعارضين السياسيين لها، تاركة أبواب التفكك الاجتماعي مشرعة أمام الأمراض البيئات العشوائية الهامشية للأحياء الفقيرة ، مما جعلها تسير وتنتقل إلى مختلف المناطق الأخرى، كحشرة الأرضة التي لأتعرف التوقف .

يعد العراق واحد من أكثر الدول العربية الذي تعرض مجتمعه إلى هزات وإخفاقات وأزمات وتراجعات ونكسات خطيرة، بعد سلسلة من الحروب الخارجية والداخلية، وسياسات الحصار الاقتصادي الدولي الجائر المفروض عليه بعد احتلال الكويت عام 1991، وجرائم النظام البائد الذي خلف وراءه قائمة طويلة من الأيتام والأرامل والفقراء والمحتاجين

(لان قائد الضرورة الكافر كان لايكتفي بإعدام الأب، بل ويصادر أمواله المنقولة وغير المنقولة وقطع راتبه الشهري، هذا إن سلمت عائلته من الإعدام أصلا)، واكتملت قصة التخريب الاجتماعي بعد إن ضعفت الدولة وانهارت كليا بعد احتلال عام 2003، وزيادة نسبة الجرائم الإرهابية والجنائية ، مما تسببت أيضا بزيادة نسبة العوائل الفقيرة ، وانتشار ظاهرة أطفال الشوارع ، الذين دفعتهم الحاجة إلى الوقوف ساعات طوال عند تقاطع الطرق ، بغية العودة بقوت لايشبع بطن ، ولايسد جوع بقية أفراد أسرهم، فصارت أجسادهم عرضة للابتزاز والنهش والتدنيس،

نتساءل أين الحكومة والبرلمان والقضاء والشرطة والشخصيات الاجتماعية؟

أين المرجعيات الدينية والعمائم التي غزت بلادنا بعد الاحتلال؟

أين أهالي وأقرباء وجيران هؤلاء الضحايا؟

أين التعليم الإلزامي أو الداخلي وبيوت رعايا الطفولة؟

تعتبر قوانين التحرش الجنسي في معظم الدول المتقدمة وحتى الإقليمية من أقوى القوانين وأشدها

(التحرش الجنسي بالنظرة والكلام الفاضح والمتابعة واللمس أو الاعتداء كلا له عقوبته وقانونه)،

فالمتابع للعصابات الإجرامية الحالية المنتشرة في العراق، يجد إن أعمار هؤلاء لايتجاوز العقد الثاني من أعمارهم، والغريب إن بشاعة جرائمهم وعبثيتها، لا تنطبق ولا تتجانس مع أعمارهم الصغيرة، فهي تعد حالة اجتماعية شاذة،

 (يعني يذهبون لغاية السرقة كسرقة محال صاغة الذهب فيرتكبون مجزرة في حين إن عقوبة جريمة السرقة اقل من عقوبات الإعدام للسرقة والقتل العمد، لكنهم لايعبئون بهذه النتيجة لأنهم شباب يائس من حياته ، لأسباب أخلاقية ونفسية ، وليست طمعا بالمال في اصل الانحراف، الذي يحتاجونه حتما لسد فراغ المعاناة الشخصية، هذه الأفعال تعطي دليلا على إن هؤلاء المراهقين قد مروا بصعوبات أخلاقية في طفولتهم)

السؤال هل المجتمع العراقي مسؤول أمام الله عز وجل عن هذه الأفعال المشوهة للمجتمع(علما إن هؤلاء الممسوخين الذين يمارسون عملية منظمة ومتبادلة ومستمرة لاغتصاب الأطفال ، معروفون في مجتمعاتهم ، وبعيدون عن أعين الأجهزة الأمنية والقضائية ، وحتى السلطات التنفيذية والتشريعية)،

وكيف يمكن معالجة هذا الأمر الخطير، الذي بات ينتشر بشكل كبير في جميع محافظات العراق، وأصبحت مثل هذه الجرائم منتشرة أيضا في جميع مناطق العشوائيات التي تعج بها الدول العربية، ولنفس الأسباب المذكورة والمتعلقة بالإهمال الحكومي الرسمي لهذه الأحداث ، الغير مهمة من وجهة نظرهم لبرامجه السياسية الشخصية

(بينما نجد إن أوربا تفتح ملفات مرت عليها عقود تخص تعرض بعض الأطفال إلى حالات اغتصاب في المدارس الداخلية عندهم)،

الحقيقة كنت أود إن أشير في عنوان المقال إلى حالات الاغتصاب في العراق ، ثم عممت الموضوع، مع إني كتبت كثيرا عن قضايا الأطفال، إلا إنني اتبع قوله تعالى("وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ ") [سورة الذاريات: 55]، الحصول على مزيد من نتائج المناقشات

 

(بعد أن اطلعت على تقرير منشور بجريدة المواطن نيوز الالكترونية حول:دعارة الأطفال في البصرة –تحت عنوان"إنهم طيبو القلب.. يحبونني ويجلبون لي الهدايا والسجائر"عدد1627 تاريخ 21-23-4-2012، )،

ولعلمي بأن بعض دول الخليج والمغرب العربي تعاني من هذه الآفة المتروكة دون حل، ولهذا تعد هذه الدعوة خطوة أولية لحث جميع الفعاليات الثقافية والأدبية والفنية ، وبالأخص الشخصيات الدينية أو الاجتماعية لمتابعة جميع القضايا المتعلقة بالأمراض الاجتماعية الشاذة.

الغريب ان ربنا سبحانه وتعالى يوصي المسلمين بالرفق باليتيم

- قال تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) (سورة البقرة: 22)

- قال الله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) . (215)البقرة(

- قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) ( النساء :36)

- قال تعالى (( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(البقرة:177

- قال تعالى: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ: (البلد:11- 15)

( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) سورة الضحى أية (9

آيات كثيرة(تصل إلى 23 أية) وأحاديث عديدة عن الرسول الأكرم يتيم بني هاشم محمد ص عن اليتيم وكفالته ورعايته وتحريم أكل ماله ، قال تعالى

(إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)، (سورة النساء: اية10(،

توصيات كثيرة يحثنا عليها الباري عز وجل، ولكن الدولة بمؤسساتها الرسمية والمدنية وجميع المؤسسات الدينية والفعاليات الاجتماعية تهمل هذه الجوانب الاجتماعية الضرورية لزيادة أواصر المحبة والخير، وصلة ماقطع من الرحم،

ولنا إن نعود إلى العصور الغابرة نجد إن العرب حتى في الجاهلية كانت أخلاقهم كبيرة في رعاية الأيتام من قبل الأقرباء(رعاية أزر في تربية نبي الله الخليل إبراهيم ع-تربية نبي الله زكريا وكفالته للقديسة مريم عليهم السلام، كفالة أبو طالب لابن أخيه رسول الرحمة محمد ص الخ.)،

ماذا يفعل المجرمون اليوم في البلاد الإسلامية ، مع غياب القوانين العقابية لهذه العصابات المنتشرة في جميع الدول العربية، تتربص بالأطفال الأيتام والمشردين والفقراء (لأنهم بلا معيل أو كفيل يدافع عنهم مع إهمال الدولة السافر لحقوقهم الشرعية والوطنية)، وتمارس معهم الرذيلة لأنهم أمنون جراء سكوت المجتمع وصمت الدولة وأجهزتها المعنية حول تلك الأحداث المتكررة، وعدم ملاحقتهم قضائيا.

الحلول تمر عبر تبني مجموعة من البرلمانيين المهتمين بالقضايا الاجتماعية في طرح هذه المواضيع تحت قبة البرلمان، بغية إصدار القوانين المشددة لملاحقة هذه الظاهرة، والحد منها وبأثر رجعي كما فعلت اغلب الدول المتقدمة

(تحت فقرة إن الجريمة لأتسقط بالتقادم)، ومن خلال تبني وزارة الداخلية هذه المواضيع المؤثرة في المجتمع، عبر مراقبة الأشخاص المشهورين بجرائم التحرش الجنسي، وكذلك هناك حاجة إلى الوعي الاجتماعي للعوائل البعيدة عن التواصل اليومي مع أبنائهم، ومعرفة أصدقاء السوء ومنعهم من الاقتراب من ابنائهم،

(وعدم تركهم يعملون في مهن ومواقع غير معروفة، ومتابعة عملية ذهابهم وعودتهم من والى المدارس)، مع افتتاح دور لرعاية الأطفال الفقراء الذين لا يجدون كفيلا لهم، أو الذين يتسرب بعضهم من المدارس، ومتابعة مسألة أهلية الأبوين لتربية أطفالهم تربية حسنة

(هناك عوائل فاسدة توفر بيئات سيئة لأبنائهم، يجب أن تتدخل الدولة لمراقبة أبنائهم ، وتحديد أهليتهم في احتضان أبنائهم وتربيتهم تربية سليمة من عدمها)

مجرد تشريع مثل هكذا قوانين، ستكون حاجزا رادعا لمن تسول له نفسه بأن يستغل الفراغ القانوني والأمني لتنفيذ مخططاته وأهدافه التخريبية الشاذة.

هناك دورا محوريا للفعاليات التربوية والثقافية نحتاجه في توعية المجتمع، وتنبيه الجهات المعنية لمثل هكذا مخاطر مسكوت عنها، يجب إن يأخذ الجميع دوره في معالجة المشاكل الاجتماعية، وإلا فمصيرنا مصير الأقوام التي مسخها الله عز وجل ومنع عنها الرزق الحلال، وأرسل عليهم غضبه الشديد فدمرهم تدميرا.

 

مهدي الصافي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2099 الأثنين  23 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم