قضايا وآراء

ظاهرة بناء المساجد والحسينيات العشوائية في العراق / مهدي الصافي

بعد عقود من الحرمان والمنع المنظم الذي اتبعه حزب البعث البائد في بناء دور العبادة، والاستعاضة عنه بدور الدعارة واللهو وحانات الخمور، فكان المرء يصاب بدهشة وذهول لكثرة أماكن شرب الخمور في شارع ابو نؤاس وبعض زوايا شارع السعدون،

لعبت هذه الثقافة الغريبة عن المجتمع العراقي (غريبة عن العهد الملكي والجمهوري القاسمي)

دورا في تخريب عقول الأجيال (جيل الثورة)،  وتدمير بعض المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية الحميدة المتوارثة أبا عن جد، فصار مجتمعنا من أكثر الشعوب العربية قسوة وعنفا وجمودا وتحجر وبدائية في التعامل .....................الخ.

 (وكان فضل الصحوة الإسلامية في المنطقة عموما يعود كما يعرف الجميع إلى بديات حركة إخوان المسلمين، ونجاح الثورة الإسلامية الإيرانية-ثم حملة الشهيد الصدر الأول قدس سره، وأصبح الشهيد الصدر الثاني قدس سره صاحب اكبر حملة توعية دينية جماهيرية عبر إحياء صلاة الجمعة ونشر المبلغين في عموم مناطق ومدن العراق)

 

جاءت فترة الأبواب المشرعة في العهد العراقية الديمقراطي الجديد، فازدهرت حملة بناء المساجد والحسينيات (والتي كان بعضها يمثل حاجة ماسة تعويضا عن سنين المنع، وبعضها دكان للتجارة السياسية والطائفية)، في حملة وطنية شاملة قادتها الأحزاب الإسلامية ،  وبعض الشخصيات ومراجع الدين والطوائف (شيعة وسنة) ، لإعادة هيبة المساجد والحسينيات ، التي عادت بدماء الشهداء وتضحيات المخلصين لدينهم ومبادئهم،

أرادت كما يبدوا ان تكفر عن ذنوب هذا الشعب (وهل كان مذنبا في إتباع الطاغوت -هذه أمره عند ربنا الباري عز وجل)، وقد ردت الحياة الإسلامية في جسد الأمة العربية برمتها،

فصارت مع الأسف بعض هذه المساجد  (وحتى قلة من الحسينيات) أحيانا وكرا للإرهابيين ومنبرا لدعاة الفتنة الطائفية (ومسجد حادثة عرس الدجيل الإرهابية شاهدا يضاف لعشرات الشواهد الأخرى)،

ولكن ليس هذا غاية مانريد قوله،

إنما نريد ن نذكر

 إن طريقة بناء المساجد والحسينيات لم تكن مدروسة ميدانيا ولا اجتماعيا، ففي دول أوربا مثلا عندما يراد بناء مسجد أو حسينية أو أي مركزا ثقافيا،  يطلب من أصحاب المشروع أو الشخص المعني ان يقدم دراسة كاملة عن موقع ومساحة المكان ،  وعن العدد المحتمل الذي سوف يرتاده، لأنه مجبرا ان يوفر كراج للسيارات تتناسب تقريبا مع عدد المصلين ضمن المساحة الأصلية (في حين إن سكان المنطقة يمكن لهم ان يعترضوا على بناء مثل هكذا مؤسسات أو مراكز أو دور للعبادة)،

أما الذي يجري في بلادنا فكل عمامة أو لكل رجل دين صار لزاما ان يتوفر له مسجدا أو حسينية (حتى أصبح في المنطقة الواحدة أكثر من مسجد وحسينية،  فارغة أحيانا من المصلين، ويتندر أهل هذه المناطق حيث يقولون قبل السقوط كانت تزدحم بالمصلين وبعد الانفتاح الالكتروني والفضائي قل المصلين)،

المشكلة الكبيرة التي يعاني منها أهل تلك المناطق إن إمكانية بناء مآذن للمساجد والحسينيات صعبة ، مما جعل أصحابها يتبعون أسلوب تعليق مكبرات الصوت عند الأبواب أو أسطح تلك الأماكن، فصار الصوت العالي يدخل من الشبابيك دون استئذان (بينما يختلف رقة الأذان عندما يسمع من خلال المآذن العالية)،

ثم إن بعض تلك الأماكن صارت بيوتا للفتن الطائفية (شيعية شيعية كمشكلة السيد الصرخي، وسنية سنية كمشكلة الوقف السني والحزب الإسلامي وجماعة العلماء السنة، وأحيانا بين الطوائف المختلفة، هنا نشير فقط لهذه الحوادث لسوق مثال معين ، وليس بمعنى ضد أو مع)

نحن نسأل البيت الشيعي مثلا عن تجربة وفائدة تكرار بناء الحسينيات في المناطق الشيعية، إن كانت الغاية ذكر أهل البيت ع فانتم تبنون هذه المراكز في مناطق ذات كثافة سكانية شيعية المذهب قلبا وقالبا منذ خلافة الإمام علي ع في الكوفة،

وهم ليس بحاجة إلى التذكير اليومي أو السنوي بشيعتهم، أما لزيادة في التدين والوعي واستحضار المأساة، فالأولى ان تكون هناك مراكز ثقافية واجتماعية ودينية عامة تبث الوعي في المجتمع الإسلامي العام

 (على غرار ماكان معمول به في بعض دول المهجر أيام النظام البائد، فكانت هناك مراكز ثقافية إسلامية ولازالت تبث الوعي الخاص بحب أهل البيت ع ، بشكل أفضل من أية حسينية أخرى ليس همها إلا إشاعة ثقافة النوح والبكاء ، واستدراج أحيانا بسطاء الناس تحت غطاء حب أهل البيت ع ، ولكن لغايات سياسية ومادية)،

إن المسلمين شيعة وسنة عليهم ان يبحثوا عن أساليب ثقافية دينية حديثة لبث افكارهم، بعيدة عن مزايدات بناء المساجد والحسينيات الفائضة عن الحاجة  (وليبنوها في أماكن حاجتها الفعلية)، إن طريقة استقطاب الشباب إلى المساجد لا تأتي عبر المساجد نفسها، وإنما يجب ان تكون هناك مؤسسات ومراكز دينية اجتماعية وثقافية تمهد طريق النصح والإرشاد الديني المعتدل والمنفتح على الأخر المختلف، ومن ثم تكون المساجد مستقرا أمنا لهم وللمؤمنين.

لماذا ندعو إلى الإكثار من المراكز الثقافية بدل ان نشجع بناء الحسينيات مثلا، لان الذاهب إلى المحافظات الجنوبية ففضلا عن مابني بطريقة عشوائية من حسينيات بين الطرق الخارجية المؤدية إلى الأماكن المقدسة  (النجف وكربلاء)، أصبحت مدن ومناطق وأحياء تلك المحافظات تعج بالحسينيات المسيسة،

والتي بدأت تثير العديد من المشاكل مع الحكومات المحلية (والتي ستكون مشكلة كبيرة في المستقبل)،

إضافة إلى ما اشرنا إليه من استمرار عملية الإزعاج والإساءة للمذهب عبر البث الخارجي لمكبرات الصوت فيها (في المناسبات الدينية وفي الأوقات وحسب أمزجة صاحب الحسينية)للقصائد الحسينية  

 (وليس داخل الحسينية-لذلك نحن ندعو الوقفين الشيعي والسني لنزع مكبرات دور العبادة الخارجية الغير معلقة أصولا على المآذن)،

إن المسلمين اليوم لديهم أكثر من وسيلة حديثة متطورة وميسرة ودقيقة جدا للتذكير بمواقيت الصلاة والعبادة عموما، وهم بحاجة إلى سلاح العلم والمعرفة الحديثة العلمية والدينية الصحيحة

 (لمواجهة ما تبثه بعض جامعات ومراكز الانحراف السلفي من سموم مايسمى بالعودة إلى السلفية الصالحة)،

ولينظر الناس من يبسط سيطرته على الشارع الإسلامي اليوم ، خريجو المساجد والحسينيات،

 (فهذه مراكز عبادة فقط ، وليس فيها قوة الفكر الذي يرد كيد المنحرفين الفاسدين وعاظ السلاطين، مع إنها كانت مكانا للخطب والدروس الإسلامية العامة ، لكنها لن تكفي لمواجهة المد السلفي ، هذا إن لم يكن بعضها قد بني لإغراض سياسية وطائفية كما كانت تفعله ولازالت جمعيات ورابطات إسلامية وهابية) ،

أو أرباب تلك الجامعات والمراكز الإسلامية السلفية التي غزت الدول العربية برمتها (والمدعومة بالبتر ودولار الخليجي)،

إننا بحاجة ماسة للإكثار من المراكز الثقافية الدينية والعامة في جميع محافظات ومناطق العراق بل والوطن العربي كله، حتى يتسلح الشباب بسلاح العلم والمعرفة الحقيقية المستندة إلى الأسس الأخلاقية والاجتماعية والثقافية الإسلامية والإنسانية، خدمة للمجتمع وللأجيال المحرومة  (أجيال الثقافة الموروثة التي منعت عنها منابع المعرفة، والحالية والقادمة) من فرص الإطلاع على ثمار عقود التنوير والتحديث والنهضة العلمية والتكنولوجية العالمية  .................

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2131 الجمعة  25 / 05 / 2012)


 

مهدي الصافي

في المثقف اليوم