قضايا وآراء

أزمة المنهج في الصحافة العراقية (1)

 لأزماته الحالية من (مناهج مستوردة)، أدت إلى جمود العرب وانهزامهم نفسياً، مما دعا بعض المفكرين إلى وصف المرحلة التي نمر بها بأنها: (مرحلة انحطاط يشمل جميع ميادين الحياة اليومية).

وقد أثّر هذا الانحطاط بصورة ملحوظة على مجالات الفن والأدب والشعر، التي أبدع فيها أجدادنا منذ القدم ، فلم تعد لدينا قصائد عصماء، ولا أدب راق، ولا كُتّاب نوابغ!!

لم يعد لدينا شعر ولا نثر يرتقي إلى مصاف الإبداع الشعري والنثري لأجدادنا، كالنابغة الذبياني، والمتنبي، وأبي فراس الحمداني، والجاحظ، وغيرهم.

ونتساءل : لماذا لم نبدع في هذا المجال كما كنا نبدع بالماضي؟!

تأمل معي في وضع (القصيدة الشعرية) زمن (العصر العباسي)، فعلى الرغم من تراجعها قليلاً وتفوق النثر عليها، إلا أنها لم تجمد وتنشل كلياً، لهذا رأينا قصائد إبداعية تمتلك صوراً فنية رائعة تظهر بين الحين والآخر. والسبب هو تماسك المجتمع في ذلك الوقت، وعدم تغرّبه الفكري والنفسي، لأنه امتلك شروطاً حضارية اكتسبها بفضل تفاعله مع المبادئ الإسلامية، على الرغم من استبداد (السلطة العباسية) الظالمة، ودمويتها، واستهتارها بأعراض الناس وحقوقهم.

وهكذا فإنّ تماسك المجتمع وحيويته، وشعوره بالقوة والعزة، وانتماءه إلى (منهج حي أصيل)، وعدم تغربه الفكري والنفسي، كفيل بأن يجعلنا نبدع في حياتنا ، ونؤثر إيجابياً في القضايا الإنسانية، ونستلهم تطور العلوم الغربية دون استلاب حضاري .

 وهذه حقيقة لابد أن نضعها في حساباتنا وتخطيطنا، لأن (تيار التغريب) عندنا لم يدركها جيداً، فهو إلى اليوم أمام (قضية ساذجة وهمية)، صاغها في (عقله وتفكيره) تدعو إلى الاتجاه نحو الغرب، وأخذ نظمه ومناهجه لتقدمنا!!

 إلى درجة أن البعض نادى بفكرة (الفن العبثي)، الذي نشط في الغرب، إثر النهضة الصناعية وآثارها السلبية على الإنسان.

 

فمادّية المجتمع الغربي، وتعقيداته الاجتماعية والنفسية، أدت إلى ظهور (فن عبثي) في الأدب والشعر والسينما والمسرح والفنون الأخرى، للتعبير عن رفض الحياة الغربية والهروب منها.

ومثل هذه الحالة العبثية المتحكمة بالإنسان في الغرب بعد النهضة الصناعية لم نمر بها نحن، ومن الغباء والجهل أن نرتبط بها، ونقلد الغرب حتى بأتفه أمراضه الاجتماعية ونسقطها على أدبنا وشعرنا وفنوننا الأخرى!!

وأعتقد أن هذا التقليد الأعمى للغرب ولّد لدينا (أزمة مصطلح) في كتاباتنا، وبحوثنا، وقصائدنا الشعرية، بسبب عملية استعارة (المصطلحات الأجنبية)، التي أثرت بنسب متفاوتة على الفكر، وهددت المجتمع في الصميم.

وقد اتسعت استعارة (المصطلحات) بشكل كبير بحيث أسرت صحافتنا وثقافتنا وأدبنا، فلا تكاد تقرأ مقالاً أو دراسة إلا وتجد مؤلفها يسعى لاقتباس (المصطلحات الدخيلة)، التي لا تمت لفكرنا بصلة، ولا تترجم خصوصيتنا، وسلوكنا الملتزم.

وهنا حقاً المشكلة... حيث يعد ذلك إحدى معالم (غربتنا الثقافية)، فلو نظرنا للموضوع بصورة جادة نرى أننا لا نعيش (أزمة مصطلحات) بالمعنى الحقيقي، لأن المصطلحات الإسلامية والعربية متناثرة بين طيات ثقافتنا، والتأكيد عليها ذو أهمية كبيرة لـ(تهذيب وتشذيب) شخصية الفرد، وبناء المجتمع على أسس فكرية صحيحة تؤهله للنهوض الحضاري، الذي يجعل التثقيف مقترناً بذات الإنسان المسلم، وبذات المجتمع، ومتشابكاً بتفاعل خلاّق مع تراث حي يمتّ لنا بـ(نسب ومصاهرة).

 

الدكتور قاسم خضير عباس

كاتب وباحث قانوني

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1198 الخميس 15/10/2009)

 

في المثقف اليوم