قضايا وآراء

االقانون وقَسَم الوظيفة وكيفية التطبيق؟ / عبد الجبار العبيدي

ورسالة التفريق بين الحق والباطل في الوجود الموضوعي. ان الخطيئة التي يرتكبها المسلمون اليوم أنهم لا يفرقون بين قواعد السلوك وحقيقة الوجود، أي ما بين الذاتي والموضوعي.

الاسلام فرق بين القانون الموضوعي والقيمة الاخلاقية، لان الحقيقة الموضوعية هي الأساس، وهي لا تواجه بالتقوى والاخلاق، بل بالصدق واعتماد الوفاء بالقسم من أجل استدامة الحقوق والواجبات وحماية المال العام والمواطن والدولة.

القرآن لم يأتِ لجيل بعينه، وانما جاء لكل الاجيال الصاعدة وبشكل دائم، لذا فالمعلومات القرآنية جاءت لتتماشى مع المعرفة الانسانية التي تولد النظريات الجديدة، لان القرآن الكريم يستوعبها كلها لذا سمي مباركاً.

اختلفت الايات القرآنية بين آيات ألاحكام وايات التعليمات وآيات النصح وألارشاد، فآيات الاحكام تحمل صفة الثبات في النص والحركة في المحتوى ضمن حدودها. لذا فالتقوى جاءت في القرآن للأمر بأتباع نظرية أتباع الحلال وترك الحرام الحدية، فهي نظرية تتبع في تطبيقها السلوك الأنساني وليست معرفة الوجود. فمن يسلك طريق الحرام لن تكتب له شفاعة، والاسلام بريء منه.

القرآن فرق بين الحلال والحرام وبين الحق والباطل بأيات حدية لاتقبل النقاس، لذا قيل فيها مُلزمة، يقول الحق: (ولا تقولوا لما تصفُ ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون، النحل 116).فالحلال والحرام من اهم ما طرحه الاسلام من قضايا مركزية في حياة البشر والتي تدعو الى التفقه والتدبر الدائم، لأن عليها مدار الدين. فلا يجب تبرير الحرام من اجل استساغة المال العام فذاك ظلم وعدوان.

 وفي الحق والباطل، فالحق: هو الوجود الموضوعي المادي خارج الوعي الأنساني والذي ليس كمثله شيء يقول الحق: (وقلَ يا أبتِ هذا تأويل رؤيايَ من قبلُ قد جعلها ربي حقاً، يوسف 100) . ويقول الحق: (ليس كمثلهِ شيء، الشورى 11). وهو وجود موضوعي أحادي لا يحتوي على التناقضات الثنائية في ذاته، وبالتالي فأن الحق غير قابل للفساد والهلاك (كل شيء هالك الأ وجهه، القصص 88). ولا تنطبق عليه معادلة الزمان والمكان بالمفهوم

 2

المتعارف عليه اليوم كما يسمونه بالمتغير يقول الحق: (هو الأول والأخروالظاهر والباطن، سورة الحديد3). لذا فأن الالحاد هو موقف انساني ليس له علاقة بحق الحرية في التصرف. والقرآن يقرر ان حركة التاريخ لا يحكمها أي تفسيرمن تفسيرات العلماء المُحدثين كما في صراع الطبقات لماركس وصراع الحضارات لهمنفتون والصراع من اجل البقاء لداروين .لذا فأن التقوى ليس لها علاقة بمسألة الحق والباطل، وانما علاقتها بقدرة الانسان على التحكم بالأستقامة ومقارعة المغريات والابعاد عن فكرة الالحاد دون تبرير.

اريد ان نؤكد ان القرآن هو كتاب الوجود المادي التاريخي في تطبيق القوانين الحدية لحماية المجتمع من الجهلة والمزورين واصحاب السحت الحرام من فرعون الى يومنا هذا، الذين يحاولون تغطية الباطل بالتقوى.فالقرآن لا علاقة له بالتقوى ولا تنطبق عليه ابدا عبارة ( هكذا اجمع العلماء) (وهكذا قال الجمهور) واي جمهور واي علماء هذا الذي أجمع. فهي من ابتكارات الفقهاء ولا علاقة لها بالتشريع.

 ان القرآن غير مقيد بأي شيء قاله السلف، وأنما مقيد فقط بقواعد البحث العلمي والتفكير الموضوعي وبالأرضية العلمية في عصرنا وبتطبيق القانون وفق نظرية الحلال والحرام و الحق والباطل، لأن القرآن حقيقة موضوعية خارج الوعي الانساني لاتخضع لأجماع الأكثرية حتى ولو كانوا كلهم تقاة، وانما يخضع لقواعد البحث العلمي حتى ولو كان العلماء كلهم غير تقاة. فهو هدى للمتقين وللناس اجمعين وليس يخضع لرأي الاحاديين.

ان العدالة لا تتحقق في المجتمع الا اذا جاءت منسجمة لا متعارضة مع قوانين الوجود، والصدق لا يكون دوما في اوهام بل في العينيات(كلمات الوجود) لذا قال الحق بعد فتح مكة:( قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا، الاسراء 81). ولم يقل جاء الصواب وذهب الخطأ.

اما الباطل في المفهوم القرآني فهو مصطلح الدلالة على الوهم والتصور الوهمي، لعدم وجوده اصلا كما في اصنام العرب التي اعتقدوا بها آلهة وهي في الحقيقة احجار من الوهم لاتضر ولا تنفع كما عبر عنها النبي ابراهيم في قول الحق:(اذ قال لأبيه يا أبتِ لِمَ تعبد ما لايسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا، مريم 42 ). وهذا موقف كل قول فيه شرك فهو موقف باطل، وكذلك

 الكذب والافتراء كلها مصطلحات باطلة لا تدخل في واجبات عقل الانسان. يقول الحق:( ربنا ما خلقت هذا باطلا فقنا عذاب النار) دالة على منطقية الحق ضد الوهم (الباطل).

 

 3

وحين استخدم الباطل بالقطع عن الاعوجاج قال الحق:( ,ان كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلوا اموال الناس بالباطل، التوبة 34).هنا استعمل الخالق جلت قدرته كلمة الباطل ضد الرهبان والاحبار الذين يكذبون على الناس بالباطل ويأخذون اموال الناس بدون وجه الحق، لذا فمفهومي الحق والباطل حدية لا تقبل التأويل والتخريج ابدا. فالتصديق سابق للتصور وليس العكس كما يبرره الفقهاء لان الموجودات سبقت وجود الانسان من هنا حددت آيات الظلم قياسات حدية للظالم والمظلومين، فالمظلومية تأتي من واقع الحقيقة وليس من الادعاء. لذا كانت مظلومية أهل البيت (ع) قد جاءت من ظلم الامويين والعباسيين لهم وليس أدعاءً منهم، وكل مظلومية لا تأتي من واقع الحقيقة فهي أفتراء، اما كيفية التوازن وفق نظرية الاستقامة في الحقوق والواجبات هي الاساس.

واول مفهوم للظلم يطرحه القرآن هوالشرك بالله (ألا تشركوا به شيئا).هنا ربط الشرك الظاهر والخفي بالظلم .يقول الحق: ( يا بني لا تشرك بالله ان الشركَ لظلم عظيم، لقمان 13).وقد جاءت الآية الكريمة لتعلم العرب الابتعاد عن سكونية الفكر بعد ان أعطوا للموروث صفة المطلق فأكبر مظاهر الشرك هو سكونية الفكر يقول الحق عن لسانهم:( أنا وجدنا أباءناعلى أمةٍ وانا على آثارهم مهتدون، الزخرف 23) .فالتخلف شرك والتقدم توحيد. فأين لنا اليوم من هذه الفرقة القاتلة التي يفرضها علينا سلطان الواقع مؤيدة بسيف القوة؟.

على الانسان المسلم والحاكم بشكل خاص، تقع مسئولية المجتمع ككل، وعليه ان ينكر ظاهرة الثبات في الاشياء في المجتمعات وفي القوانين التشريعية، ويجب ان يُؤمن ان كل شيء متحرك ما عدا العبادات والحدود في شكلها ومحتواها التي تشكل السراط المستقيم الثابت .وان أي قانون يعيق التطور والتقدم على الحاكم المسلم ان يقاومه لأنه شرك بما امر الله وفيه ظلم كبير وان لا يداهن في دينه خدمة لمصلحته دون الدين.لذا يجب اعادة النظر في كل قوانين الدولة كل خمس سنوات لمواكبة التطور والتقدم المجتمعي وضمن الحدود. لا ان توضع القوانين بأزدواجية التنفيذ كما متعارف عليه اليوم فأين مرجعية الدين في الحق والباطل والحلال والحرام في التطبيق ؟ .

 

 تكملة 3

هذه المهمة توكل للعلماء المتخصصين في الفقه الدستوري لاصلاح القانون. ولو روجعَ الدستور العراقي الحالي الممتلىء بالهفوات والنواقص اليوم والذي كتب على عجل وصادق عليه الشعب أستغفالاً – والدساتير لا تكتب على عجل - لما حدثت كل هذه التجاوزات في حقوق الشعب العراقي وهذه المِحن التي دمرتنا والسلطة التشريعية تنتخب بقوائم على هواهم دون تحديد.

ان من أهم واجبات مجلس النواب اليوم هو تعديل قانون مجلس النواب وجعل الانتخاب لشخص واحد لنائب واحد ورفض التعويض والانتخابات التكميلية تتم على المناطق في التمثيل بعد ان اصبنا بكارثة التعيين، وتعديل المنافع الاجتماعية والحراسات الفاضية والرواتب الباهضة التكاليف التي اخذها نواب لم يروا مجلس الشعب ابدا فيجب ان تحدد بقانون. وهنا تتجسد نظرية الحلال والحرام والحق والباطل عند المسئولين.

 وتعديل الدستور في مواده الغامضة في انتخاب الرئيس وتحديد شروط التعيين في الكفاءة العلمية والأهلية الصحية حتى لايقع الوطن في مطبات المحاصصة لغير المستحقين، اما رئيس الوزراء فالدساتير العالمية لا تعطي تحديدا له في التعيين، وانما الانتخابات هي التي تقرر المصير .هذا هو واجب مجلس النواب وليس واجبة المناكفات والتكتلات والركض وراء الرياض وأربيل. المجلس امانة بيد اصحابها والامانة لا تحتمل الـتأجيل.

 

4

عشر سنين مضت وهم على هذا الحال ماذا جنينا منهم؟ سوى القتل والسرقة واستغلال السلطة والفرقة وخراب الديارفاين نحن اليوم مما يدعون ؟

من اجل الخلاص من الظلم بالمفهوم العام، يجب ان تكون حرية الفكرمن المقدسات التي لا تمس في الدولة وان لا يسجن صاحبها او يقتل والا لماذا تغير صدام.وان يكون منهج التفكير الموضوعي مبني على التصديق، لا التصديق مبني على التصور فهو الذي يحدد خط سيرالعدالة في الدولة، والالتزام بهذا المنهج هو الذي يحدد مصداقية الحاكم والناس بغض النظر عن الطائفة او الحزب او الكتلة التي ينتمي اليها الحاكم، وعلى الحاكم المخلص ان يكون

التكملة الثانية ل4

شجاعا ويخترق الصعاب، فلا مجاملة في الحقوق والدين.وهذا الخصام له سابقة في عهد الراشدين حين قالوا:( منا أمير ومنكم أمير) ان ظروف الدعوة قد تغيرت اليوم، ولكن ألم يتنازل الامام علي (ع) عن حقه لأبي بكر والامام الحسن (ع) لمعاوية لتفادي الفرقة والخصام، أم هم الآن أخلص من هؤلاء أخلص المخلصين . ونحن لا زلنا نتقاتل بين المؤتمر الوطني وحقوق المواطنين والوقت يمضي ولا زال العراق مثقل بالهموم دون تحديد.

بهذه الالتزامات نقضي على مفهوم الظلم الاجتماعي بمفهومه العام والخاص معا. وبعد ان اصبحت الدولة ملكا لحاكميها، وملكا لموظفيها، وملكا للاتباع يتصرفون كيفما يشاؤون وكأن لا اسلام جاء ولا دين نزل؟.فأي قانون هذا يجيز لكم تدمير الوطن والشعب والقيم معا؟ اما آن الآوان لأن نقول لكم كفاية بعد ان اخترقتم كل قوانين الارض والسماء؟ . وهذا حالنا اليوم الذي يوصف بالتفكك والعداوة والانقسام ونحن بين قتيل ومهجر وطريد، ومشاكلنا المستعصية لا حل لها الا في اربيل؟اهذا هو العراق الجديد يا قيادات التغيير؟.

 أما القسم

فهو وحدة حضارية ابتكرتها الشعوب منذ عهد الدولة اليونانية والعراقية القديمة .فكان قسم الوظيفة وقسم الطبيب وقسم القاضي وقسم الشهادة .وفي الدستور اليوناني القديم كلمة:( أقسمُ بالآله دون - معرفتهم من هو الآله - لكن القسم كان رمزيا عندهم للالتزام بأداء الواجب).والخروج عليه يشكل جريمة يحاسب عليها القانون.

يقول الحق: ( وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون، النحل 91)) فالآية جاءت حدية وامرية لا يجوز تجاوزها من قبل الفرد والحاكم معا ويجب ان توثق بقانون ملزم لا تهاون فيه.

 5

تعتبر هذه الوصية اختصارللألاف المؤلفة من البنود التي تحوي كل المهن الممارسة في المجتمع، من الطبيب الى المدرس الى الرئيس، ولكل مهنة مواصفاتها ولكل علاقة اجتماعية شروطها.وهذه الوثيقة تعتبر بمثابة الدستور الاخلاقي الذي ينظم حركة المجتمع للمهن المختلفةالمختلفة، لذا فرض الدستور ان تكون لكل مهنة مهما كان نوعها قسم معين يؤديه صاحبه قبل استلام العمل.وعقوبةالاخلال بها هي عقوبة حنث اليمين ويجب ان تكون جزائية او مادية في كل قوانين الدولة وتشمل كل الموظفين. فالرشوة والفساد منتشر في اجهزة كل الدولة والمؤسسات دون تفريق، ونحن مستعدون لنعطيكم الأمثلة الحية موثقة بالوثائق والتصديق.ما هكذا تساس الدول يا سيادة رئيس الوزراء فأن كنت جادا في الاصلاح فعليك ان تقدم دون تردد او وجل من مردود وساعتها سنرفع لك الراية بنعم، لقد سرقت حقوقنا عينك عينك وليس لنا من نصير.أهذا هو العراق الجديد؟ .

 

اما في وصية القسم:

 يجب ان تكون مبنية على البينات المادية الموضوعية دون اهواء ولا عواطف .والشهادة يجب ان تكون شهادة فؤادية محددة بالحواس وعلى رأسها السمع والبصر.اما اذا كانت أستنتاجاَعقليا فتسمى خبرة وليست شهادة.

لم يبقِ لنا القرآن الكريم من شارد ولا واردة الا وأوصانا بها تنفيذا لنظرية الحق والعدل المطلق بين الناس، ,وبتنفيذ ما أمر الله به يسود النظام والاستقرار والمحبة والوفاق بين الناس.

ان كل هذه الاشكاليات التي نواجهها اليوم هي نتيجة حتمية للاخلال بالقسم والأيفاء بالعهد,كما ارادها الله لنا بقوله تعالى: (واذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قربى، الانعام 152).ان القرآن الكريم عرض لنا وجهة نظر جديدة في الوجود والمعرفة والتشريع والاخلاق والجمال والتاريخ والاقتصاد وحقوق الناس وواجبات الحكومة والمواطن، وهنا تكمن عقيدة التوحيد والحقوق بين الناس.فهل آن الآوان للتنفيذ .

 

 تكملة 5  

 قد يصاب القارىء الكريم بصدمة عند وصوله الى النتيجة المعروضة في باب القصص الحقيقة والدليل كما في قصة اهل الكهف ويوسف وغيرهما كثير، وليس على الوهم والخيال كما هو في القصص الانسانية الاخرى. وبعد قبول النتيجة قد يصاب المرأ بحيرة يتمنى معرفتها حين تستوجب بالضرورة تقديم تصور جديد في فهم الاسلام قائم على ثبات النص والتغير في المحتوى. لذا فاسلامنا ليس هو الاسلام الصحيح الذي جاء به الذكر الحكيم.فمتى نرى الاسلام الصحيح؟ وهل سيبقى الاسلام عمره كله يدار من رؤوس المتخلفين؟

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2169 الأثنين 02/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم