قضايا وآراء

وضعية الأطفال في ظل أسرة يتنازع أهلها على الإشراف والقيادة

يقول ربنا الحكيم : ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( (1.

"فإذا بينت الآية عدم مساواة بين من يخضع لمسؤول واحد، وبين من يخضع لمسؤولين عدة، فهل تستفيق الهمم، وهي تترك الأطفال بين تيارين متشاكسين، كأنهم ركبوا عربة ذات حصانين جعل كل واحد على نقيض وجهة الآخر، فإلى أي اتجاه تسير العربة، أم تتجاذبها قوى الحصانين ليذهب كل حصان بما ناله من قوة الجذب؟

فهل ينقاد الأبناء لرأي أبيهم أم لرأي أمهم عند الاختلاف؟ أم يتدحرجون حسب كل أمر بين هذا وذاك، إرضاء لنزواتهم وأهوائهم؟ (2).

وعلاوة على ذلك فقد أكدت مجموعة من الدراسات أن الأطفال الذين ينشأون في مؤسسة عائلية القوامة فيها ليست للأب، إما لأنه ضعيف الشخصية، بحيث تبرز عليه شخصية الأم وتسيطر، وإما لأنه مفقود: لوفاته أو لعدم وجود أب شرعي! قلما ينشأون أسوياء وقل ألا ينحرفوا إلى شذوذ ما، في تكوينهم العصبي والنفسي، وفي سلوكهم العملي والخلقي (3). كما تؤكد الدراسات النفسية تأثر الأطفال نفسيا وعصبيا بالصراع بين الزوجين وسعي المرأة بأن تحظى بقيادة الأسرة، مما يمهد ذلك الطريق لتشتت الأسرة وتفككها.

وعلى هذا فلا يصلح أن يكون للعربة سائقان، ويؤكد علم النفس اختلال عواطف الأبناء واضطراب نفوسهم عند تنازع الأبوين على السيادة (4).

كما أن الأطفال الذين ينشأون في ظل هذه الصراعات، وفي ظل بيئة يغيب الأب والأم عنها، فإن مجموعة من الدراسات أثبتت أن الوالد (يقوم بدور) حاسم في نمو الطفل، وأن الأطفال الذين يتغيب آباؤهم عن البيت أو يهملونهم، فإنهم مزعزعو الإحساس بالذات تنتابهم صراعات حادة. إن هؤلاء الأطفال التعساء الذين يفرض عليهم الاستيقاظ مبكرين، ومغادرة بيوتهم من أجل قضاء معظم نهارهم في دور الحضانة، وليلهم في غرفهم وحيدين، حيث يتعودون منذ ولادتهم أن يكتموا صراخهم وتوسلاتهم، ويكتموا مشاعرهم، هم مهيؤون للإصابة بالعصاب النفسي لإحساسهم المستمر بالحرمان (5).

وقد حذر النبي ص  النساء والرجال في التشبه ببعضهم بعضا، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله ، قال حجاج: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" (6).

ومن المؤسف أن يلتمس الرجال والنساء الخير في غير دينهم، وهم يعرفون نتيجة ذلك التخلي عن المحجة البيضاء، الخسران المبين في الدنيا والآخرة، والصراعات والنزاعات والأمراض النفسية التي تصيب الأطفال وهم بين نارين بين استضعاف الأب واستكبار الأم، وهذا الأمر أصبح يشكو منه علماء النفس والاجتماع والعواقب الوخيمة الناجمة عنه، آخرها الأمراض النفسية والعصبية إضافة إلى التفكك الأسري وانهيار صرح البيت والمجتمع.

يقول الأستاذ محمود حسن المتخصص في علم الاجتماع: ومن المظاهر المألوفة في بعض الأسر ما نلاحظه من انعكاس الأدوار بين الجنسين، فتقوم المرأة بالسيطرة واتخاذ القرارات ويقف الأب موقف التابع المسكين حتى يتجنب الجدال أو الشجار. كما تقوم الأم بدفع الأب وحثه على القيام بكثير من الواجبات التي تعتبر من صميم واجباتها، ويميل المجتمع الحديث إلى الخلط بين وظائف الأبوين لا من ناحية التماثل الجنسي وكذلك في جوانب حياتهما الاجتماعية والمهنية. وحتى ينطبق على المرأة مفهوم الأمومة ينبغي أن تتجه نحو إدراك واقعي عن طبيعتها كما ينبغي ألا تأخذ صورة مشوهة عن اختلاف تكوينها الجسمي عن تكوين الرجل. وهي لن تستطيع إنكار هذه الاختلافات. فإذا استطاعت المرأة أن تتخلى عن نسيج الأوهام الذي تتمسك به حول طبيعة تكوينها فسوف يتحقق لهما مركز أفضل لتحسين وظيفتها النوعية، والقيام بمسؤلياتها كأم بالإضافة إلى تكاملها الكلي في المجتمع الشامل.

إن تغير المركز الاجتماعي للمرأة وإن كان موضوعا مرغوبا فيه إلا أنه يجب ألا يتدخل لتمزيق الصورة الطبيعية للتكوين الجسمي للمرأة، ومن المسلم به أن المرأة ينبغي أن تدافع عن المواقع التي وصلت إليها وتكافح من أجل المزايا الجديدة التي حصلت عليها ولكنها في الوقت ذاته لا يمكنها أن تتغاضى عن تكوينها الجسمي المتميز دون إحداث نتائج خطيرة (7).

ويضيف قائلا: والأسرة الجيدة هي التي توفر الاتزان الانفعالي السليم، وحيث يعيش الأبوان في سلام ووئام، وتكون لديهم الرغبة والقدرة على تحقيق التوافق المتبادل بينهما وكذلك مع الطفل. وحيث يدرك كل عضو من أعضاء الأسرة علاقاته المشروعة بكل عضو آخر ويعترف بهذه العلاقة ويقدرها حق قدرها. فالأسرة كوحدة قوية من العلاقات الاجتماعية تحتل مركزا مرموقا في المجتمع (8).

وأخلص في النهاية إلى أن وجود رئيسين أو قائدين للعمل الواحد يؤدي إلى الانهيار والإفساد، وترك العمل فوضى بلا قائد، وصدق ربنا عز وجل القائل في كتابه العزيز: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ( (9.

فإذا كان هذا حال الآلهة المتوهمة، فكيف بإسقاطه بين البشر؟ والأشد والأنكى أن يكون ذلك بين الزوجين؟!.

فعلى المرأة أن تختار لنفسها المكانة الرفيعة التي وضعت فيها، أم الخسارة والحرمان، قال تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (10).

 

الدكتور رشيد كهوس أبو اليسر

وجدة-المغرب الأقصى

 

................

هوامش

(1) الزمر : 29.

(2) الشراكة الزوجية بين العقل والعلم والشرع، رشيد كهوس، ص :10.

(3)المرأة في ظلال القرآن، عكاشة عبد المنان الطيبي، تقديم: محمد عبد الله السمان، ص:156.

(4)  أصول علم النفس.د, أحمد عزت رابح، ص : 513.

(5)  المرأة والوضع الأسري، ص ص: 66- 67.

(6)  مسند الإمام أحمد: مسند ابن عباس، باب الأدب والخلق والاجتماع، ص : 56، ح: 3151.

(7) الأسرة ومشكلاتها،  ص : 97- 98.

(8)الأسرة ومشكلاتها،  ص: 270.

(9) الأنبياء: 22.

(10)  طه: 124- 126.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1202 الاثنين 19/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم