قضايا وآراء

الزمان والمستقبل .. نظرة الى الفلسفة الاسلامية / رحيم الساعدي

بقيت مطبوعة بوسمة الفكر التجريدي العام لا العملي (الذي كان عليه أن يناقش أحداثا مفترضة وعلاجات ممكنة في المستقبل) والحديث عن طبيعة الزمن المستقبلي عند الفلاسفة لا يعني الحديث عن رسم الخطط لبناء التصورات والأحداث والتغير، بقدر ما يعني العناية بالأبعاد الميتافيزيقية المرتبطة بالخلق في الأزمنة الثلاث أو لمناقشة ومعرفة الانات المتغيرة في الزمن الحاضر وهو مرتبط بالعلم الكلامي لعلماء المسلمين بالإضافة الى الفلاسفة أما الزمن المستقبلي فربما توزع على محاور خلود النفس والبعث والحساب والزمن الخاص بالاشراقيين والمتصوفة والعرفانيين وغيرهم .

لقد أدرك مفكرو الإسلام في وقت مبكر نسبيا أن قولنا (الله أزلي أبدي) ليس تعبيرا ايجابيا عن زمان لا نهائي في اتجاهي الماضي والمستقبل يتحقق بالفعل لأن مفهوم الأزلية –الأبدية ليس منطبقا في الحقيقة على الله الا لمساعدة أفكارنا على معرفة الخالق ([1]) .

وهي كما أفهم من المسائل التي تعطي زخما من التفكير الجدي والواقعي في المستقبل إذ إن الامتداد الغيبي واللامحدودية الثابتة للخالق تعطي آفاقا مهمة للتبحر بالأزمنة والمابعد منها بشكل خاص، الا اننا نلاحظ حالة من النقل الفكري عند الفلاسفة تعلقت بأغلب الأفكار اليونانية . فالزمان عند الفيلسوف الكندي هو الكمية المتصلة أي ان له فصلا مشتركا للماضي منه وللآتي، فالماضي انتهى والمستقبل لا ينتهى منه الا ما يقع بالفعل أما ما لم يقع فلا يزال بالقوة وبهذا الاعتبار فالزمان الآتي (الذي لم يقع بعد) يعد لا متناه،فما يسري على الماضي منه يسري على المستقبل من حيث التناهي والزيادة والنقصان،والزمان ليس شيئا قائما بذاته انما هو مدة وجود الجرم ([2]).

ان هذه الفكرة كان يمكن لها أن تقودنا الى أكثر من مجرد فهم الكندي لحيثية الزمان والتنظير في خريطته الفكرية، الا اننا لم نلمس تحريكا أو تحويل الفكرة الى ما يخرجها من قالبها المعتاد، وكان يمكن للكندي وغيره من الفلاسفة الذين تشابهوا في التفسير الخاص بالزمان التأكيد على مفردة الزمان الذي لا ينتهى منه وهو المستقبل وتوسيع وتنظير هذه الجملة والفكرة بإطار آخر أكثر جودة وخيالا .

الا أن الفلاسفة المسلمين دأبوا أحيانا على تكرار الأفكار وربما تشابه حال الكندي مع ابن سينا والفارابي وسواهم من الفلاسفة مثل ابن عربي . فالدهر بالنسبة لابن عربي يقرن بالله وهو كالزمان بالنسبة الى الإنسان، كما ان الوقت عنده عبارة عن الحالة في زمان الحال لا تعلق له بالماضي ولا بالمستقبل، ويفسر الجرجاني الدهر على أنه الان الدائم الذي هو امتداد الحضرة الإلهية وهو باطن الزمن وبه يتحد الأزل والأبد، وهو تعريف يشير إلى ان لا حاضر ولا مستقبل بالنسبة الى الله وانما هو آن دائم يتحدد فيه الأزل بالأبد، والابد هو الدهر وهو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب المستقبل ([3]) .

ويحدد الفارابي التفكير المستقبلي من وجة نظر نفسية فلسفية بالاعتماد على مصدري الحس والعقل رابطا إياهما بالزمان بقوله الحس تصرفه من عالم الخلق والعقل من عالم الأمر وما فوقهما محتجب عن الحس والعقل ثم يضع الفارابي تصورا لعلاقة الإنسان بعالم الأمر اللازماني فيقول إن الروح الذي لك من عالم الأمر يجعلك تدرك المعدوم والذي فات والمنتظر الذي هو آت وتسبح في عالم الملكوت وتنتقش من خاتم الجبروت . ان تفسير الفارابي هو لكيفية إدراك أقسام الماضي والمستقبل المرتبط بتصوره للآن المحض (الآن اللازماني،الحضور السرمدي) فإذا امتزجت روح الإنسان بجسده نتجت قدرة إدراكه لما فات وما هو آت ([4]) .



[1] - د.علاء الدين عبد المتعال،تصور بن سينا للزمان واصوله اليونانية،دار الوفاء،مصر،بلا تاريخ . ص253 .

[2] - د.محمد عبد الرحمن مرحبا، الكندي فلسفته –منتخبات،ط1،بيروت –باريس،1985، ص88.

[3] - د.علاء الدين عبد المتعال،تصور بن سينا للزمان واصوله اليونانية، ص 77-86 .

[4] -- د.علاء الدين عبد المتعال،تصور بن سينا للزمان واصوله اليونانية، ص120.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2180 الجمعة 13/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم