قضايا وآراء

العلاقة الفلسفية بين الوعي والوجود المادي / عبد الجبار العبيدي

ويعني ذلك ان المعرفة الحقيقية(غير الوهمية) ليست مجرد صور ذهنية ،بل تقابلها اشياء في الواقع،لان وجود الاشياء خارج الوعي هو عين حقيقتها،لذا فنحن نرفض قول الفلاسفة المثاليين :ان المعرفة ما هي الا أستعادة أفكار موجودة مسبقا .وقد أكد القرآن الكريم هذا المنطلق بقوله : (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة لعلكم تشكرون،النحل78).

انطلاقا من هذه الآية الكريمة نقول :ان المعرفة تأتي من خارج الذات الأنسانية فأننا ندعوالى فلسفة اسلامية معاصرة،تعتمدالمعرفة العقلية التي تنطلق من المحسوسات عن طريق الحواس كالسمع والبصر،لتبلغ المعرفة النظرية المجردة في ضوء المنجزات العلمية التي توصلت اليها الانسانية المتحررة اليوم،وندعو الى رفض الأعتراف بالمعرفة الأشراقية الألهامية الخاصة بأهل العرفان وحدهم.

كل الكون مادي والعقل الانساني قادر على أدراكه ومعرفته،ولا توجد حدود يتوقف العقل عندها،وتتصف المعرفة الانسانية بالتواصل،وترتبط بدرجة التطور التي بلغتها العلوم في العصور المختلفة.وكل ما في الكون مادي. وما يدعوه ان هناك فراغا كونياً هو فراغ مادي اي ان الفراغ شكل من أشكال المادة ،ولا يعترف العلم بوجودعالم غير مادي يعجز العقل عن أدراكه.

لقد بدأت المعرفة الانسانية بالتفكير المشخص المحدد بحاستي السمع والبصر،ثم أرتقت ببلوغها الى التفكير المجرد العام.لذا فأن عالم الشهادة يعني العالم المادي الذي تعرف عليه الانسان بحواسه،ثم توسع ليشمل ما أدركه بعقله لا بحواسه،لذا فان العالمين الشهادة والغيب ماديان. وان تاريخ تقدم المعارف الانسانية والعلوم هو توسع مستمر في عالم الشهادة وتقلص مستمر لما يدخل عالم الغيب.أي كلما تقدم الانسان بعقلة تقلصت العلوم الغيبية عنده،لذا فأن عالم الغيب هو مادي ايضاً لكنه غاب عن أدراكنا حتى الآن ،لأن درجة تطور العلوم لم تبلغ مرحلة تُمكن من معرفته.

هذا التصور الفلسفي عند العلماء اثبت انه لا تناقض بين القرآن والفلسفة التي هي أم العلوم،والعلماء هم روادها.ان مهمة تآويل القرآن يجب ان تنحصر بالعلماء لا بالفقهاء لأثبات البرهان العلمي في النص. وان كل ماجاء في تفسير الفقهاء للقرآن يشوبه النقص لمخالفته شروط التأويل العلمي،لذا لابد من الغاء التفسيرات الحالية واستبدالها بتأويلات علمية ثابتة.

اذا كان الاسلام يتماشى مع العصر الحديث وهو صالح لكل زمان ومكان،يجب علينا الأنطلاق من فرضية ان القرآن وكانه نزل اليوم علىينا لنفهم توجهاته مع عصرنة القرن الواحد والعشرين لأمكانية تفاعل الاجيال معه. وان نلغي من رؤوسنا الفقه الموروث الذي خلق لنا كل هذه الاشكاليات المذهبية التي لا تستند على اساس يتماشى مع التطور التاريخي الحديث.لذا اقول ان كل تفاسير القرآن تعكس الأرضية المعرفية للمرحلة التاريخية التي كتب فيها التفسير. تلك المرحلة التي رافقتها القدسية في التفسير.علما ان القدسية هي للنص فقط دون التفسير.ليعلم اصحاب التفاسير المتزمتة والماسكين بالقديم ومخربين عقول الناشئة ان كل ما جاء في القرآن قابل للفهم بالضرورة،ويجب ان يفهم على نحوٍ يقتضيه العقل ،لكونه جاء بصيغة قابلة للفهم الأنساني وهي باللسان العربي المبين. وبما انه لا يوجد أنفصام بين اللغة والفكر الانساني ،لذا نحن نرفض القول بأنه توجد آيات في الكتاب غير قابلة للفهم وحروف بداية السور لا تفسير لها ،لكننا نرى ان هذا الفهم هو تاريخي مرحلي يفهم حسب تطور العقلية للانسان بتطور التاريخ.

من هنا فلا يوجد تناقض بين الوحي المنزل على الانبياء والعقل. ولا تناقض بين الوحي والحقيقة الموضوعية ابداً.فالقرآن ما جاء ليُجهل الناس بل جاء ليعطي الناس الحقيقة الكاملة دون نقص ليأكد لنا ( صدق الخبر ومعقولية التشريع).

لذا نحن نقول لرجال الدين والمرجعيات الدينية وكتب التفسير القديمة البالية التي هي بحاجة الى تبديل،ان الله احترم العقل الانساني وفتح باب الرأي والرأي الأخر لذا عليكم ان تحترموا عقل القارىء والمواطن الذي غلفتموه بالغيبيات والحدس والتخمين وأدخلتموه في نفق التقديس ليستطع ان يخرج من سجن افكاركم الميت الذي مضى عليه الزمن ولم يعد صالحا في التطبيق.

من هذا التوجه يجب ان يفهم القرآن على أنه قراءة معاصرة للذكر،وليس كتابا في الفقه.ويجب ان يفهم على ان الهدف من القرآن ليس البرهان على وجود الله أو عدم وجوده،لأن ذلك يترك لعقل الانسان نفسه،ونعتبر ان قضية الأيمان بالله أو الألحاد هي مسلمة يختارها كل أنسان بنفسه نتيجة معاناة فكرية او قناعة وراثية معتمدين على قول الحق :( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر أنا اعتدنا للظالمين نارا،الكهف 29) ،ولم يقل للكافرين نارا لأان الظلم عام يشمل المسلم والكافر معا.

من هذا التوجه القرآني العظيم ان الفكر الأسلامي يحمل الطابع العالمي وموجه الى كل انسان ،لأن الله أله الناس وليس أله المسلمين (،مؤمن أو ملحد أنظر سورة الناس )والى كافة الأتجاهات العقائدية ،لأن كل من يقرأ القرآن يجد له فيه حاجة غائبة عنه. كل اصحاب الديانات القديمة والحديثة تقدمت الا نحن لا زلنا ندور في فلك المتخلفين الذين فرضوا علينا الخطأ ليحولوه بقوة السيف الى حقيقة دون دليل.

علينا كمسلمين ان نتجاوز كل أنواع التعصب الديني والمذهبي والطائفي البغيض الذي فرض علينا من اصحاب المصالح الخاصة الذين يؤمنون بالاسلام ايمانا سطحيا ومصلحيا وليس ايمانا فكريا عقائديا،لأن المذهبية والطائفية تتناقض مع الأسلام تناقضا كليا. وها تراهم اليوم هم بالمال والسلطة يرفلون والناس في محنة القدر نائمون . نحن نطالب الجماهير المؤمنة الى رفض هذا التوجه بالقول والعلن دون خوف او وجل فأنتم على الحق وهم الباطلون.

ان رائدنا في هذا المقال هو البحث عن الحقيقة الموضوعية التي ضيعتها التوجهات الدينية المتزمتة الجاهلة ،لذا علينا المطالبة بما جاء به القرآن في سورة آل عمران ( وما يعلم تأويله الا الله والرسخون في العلم 7 ) وهي آية حدية ملزمة التنفيذ.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2184 الثلاثاء 17/ 07 / 2012)

 

في المثقف اليوم