تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

هل الكون المرئي مجرد معلومة حاسوبية؟ / جواد بشارة

" لا يمكن قراءة كتاب الطبيعة الكبير إلا من قبل الذين يعرفون اللغة التي كتب بها الكتاب وهذه اللغة هي الرياضيات mathématique " التجريدية، الزاخرة ببحر متلاطم من الأعداد والأرقام والرموز والمعادلات، هي التي تختزن سر التنظيم الدقيق والرائع للكون قبل ولادته في حدث الانفجار العظيم انطلاقاً من تلك الفرادة الكونية المسماة بنقطة الصفر.

المعرفة غير محدودة وتتكون من مجموعة من النظريات والفرضيات والطروحات والتفسيرات تبدو بعضها متناقضة مع البعض الآخر أو مكملة بعضها للبعض الآخر أو مواصلة لما تنتهي بعضها وتبتدئ أخرى لتكملة المشوار، المهم هو الابتعاد عن العقلية الخرافية والتأمل بعقلية حرة مستقلة عقلانية وعلمية، حيث علينا أن نعرف علمياً مما يتكون الكون ومتى تكون ولماذا وكيف، وعلينا أن نعرف أننا نتحدث عن كوننا المرئي الذي نعرفه وندرسه ونعيش فيه، وهو في حقيقة الأمر ليس سوى جسيم صغير هو أصغر من أصغر ذرة رمل من مجموع ذرات الرمل في كافة شواطيء وسواحل وصحاري الأرض، اي إنه كون من ضمن عدد لامتناهي من الجسيمات ـ الأكوان على صعيد أو في مستوى اللامتناهي في الكبر وهناك كذلك عدد من الأكوان ـ الذرات أو الجسيمات في المستوى ما دون الذري حيث تتجمع أو تتفاعل المكونات الأولية للجسيمات البدئية التي شكلت المادة وكل جسيم في مستوى مكان وزمان أو طول بلانك اللامتناهي في الصغر. إنه جسيم ـ كون هو عبارة عن معلومة حاسوبية تختزن ذاكرته كون كامل ومستعد للانفجار العظيم البيغ بانغ لتكوين كون جديد لامتناهي في الكبر والسعة الذي يشكل الكون المطلق الواعي والذكي والحي تجليه الأوضح رغم استحالة إدراكه أو تصوره واستيعابه وهذا الكيان اللامتناهي الذي أسميته بالكون ـ الإله الواعي والعاقل والحي، ليس له بداية ولا نهاية ولا حدود، وهو الذي يمكن أن نسميه الله اي الكون ـ الإله المطلق الوحيد وما عداه نسبي. أما كوننا المرئي فهو لاشيء، ونحن في الكون المرئي ليس لنا وجود وأهمية تذكر فأرضنا كوكب بسيط عادي مبتذل جاءت إليه اقوام فضائية متطورة جداً تتقدم علينا بحوالي 60 مليون سنة من بينهم الإلوهيم الذين اشار إليهم التوارة، وغيرت تلك الأقوام المتطورة كل شيء في كوكب الأرض ووفرت له غلاف جوي وبيئة صالحة للحياة لأنه يقع في المسافة القابلة للحياة بالنسبة لشمسه التي يتلقى منها الطاقة وخلقوا الكائنات الحية فيه على صورمتنوعة ومختلفة الأنواع والأشكال من أجل التوازن البيئي ثم قاموا بخطوة خطيرة عندما قرروا تطوير دماغ إحدى الكائنات من أعلى سلسلة من القرود التي انتصبت على قديمها بفعل قوانين الانتخاب الطبيعي ونظرية التطور الداروينية ولقحوه بجيناتهم لكي ينمو فيه وعي أعلى بكثير من وعي باقي الكائنات مما ساعده على النطق واختراع الكلام والكتابة والتفكير والتأمل والرقي التقني وصناعة الآلات وتدجين الطبيعة والحيوانات والسيطرة على الزراعة والطاقة والنار والماء واستمر الكائن البشري الهجين في التطور إلى أن وصل إلى عصرنا الالكتروني الحالي وغزو الفضاء وسيقوم بدوره بنفس الدور الذي قامت به تلك الأقوام الفضائية حيث سيكتتشف كواكب قاحلة لكنها قابلة للحياة وسيستعمرها وسوف تعتبره الأقوام البدائية هناك إذا عثر عليها في إحجاها، بأنه إله مثل ما أعتبرنا نحن مطورينا كآلهة لنا والأنبياء سوى مجرد مفكرين مصلحين أنيطت بهم مهمة إدارة مجتمعاتهم عبر سلسلة من القيم الاخلاقية والاجتماعية والمحرمات والممنوعات من أجل الردع والتخويف بعقاب إلهي رهيب  هذا باختصار شديد هو الواقع الحقيقي واللوحة التي رسمتها لنا الكائنات الفضائية الذكية التي فضلت مراقبتنا عن بعد حتى لا يدب فينا الرعب والخوف من المجهول والإبادة وهناك آلاف الكتب والمصادر التي تشير وتدل على ذلك لامجال لذكرها هنا. لنعد إلى مقاربتنا العلمية المتواضعة الحالية ونبدأ بالسؤال الوجودي التقليدي والفلسفي لماذا يوجد الكون؟ يصمت العلم عن الإجابة لأن المقاربة العلمية إزاء هذا التساؤل الوجودي عاجزة عن تقديم الإجابة القاطعة وبالتالي لابد من مقاربة تجريدية إن لم نقل ميتافيزيقية. هذا ما كان يعتقده العديد من الباحثين والعلماء في مجال الكوزمولوجيا أو علم الكون la cosmologie. بيد أنه ظهرت في السنوات الأخيرة مقاربة جديدة، تستند لأطروحة الفيلسوف وعالم الرياضيات الألماني لايبنز التي طرحها في القرن السابع عشر، والتي تأتي في نفس سياق التساؤلات الجوهرية الكبرى بشأن الكون والوجود، والتي تمس جوهر الأشياء ومعناها، بمعنى الجانب الخفي للوجود، بشقيه المادي واللامادي، وعلى رأسها هل هناك بداية ما لكل شيء؟.

 

هل الكون المرئي مجرد معلومة حاسوبية؟

كان الفيلسوف وعالم الرياضيات الألماني لايبنز Leibniz يمتلك عقلاً يسبق زمانه بقرون عديدة وصاحب مخيلة عقلانية وعلمانية مذهلة إلى درجة أن أفكاره وآرائه ونصوصه تستلهم إلى يومنا هذا من قبل فطاحل علماء الفيزياء والرياضيات المعاصرين الذين يعتبروه معلمهم الأول وعلى رأسهم آينشتين Einstein. وكان لايبنز أول من طرح فرضية الكون ـ المعلومة، الحاسوبية L’Univers Information كما صارت تعرف اليوم في علم المعلوماتية informatique، ولغة الكومبيوتر ذات الأرقام الثنائية أو المزدوجة nombres binaire، التي سنتحدث عنها بالتفصيل لاحقاً في سياق هذه الدراسة.

لقد بات بوسع العقل الإنساني، المتطور الحالي، الذي يتعامل مع تكنولوجيا الكومبيوتر والمعلوماتية والنانو تكنولوجيا والأقمار الصناعية والهاتف المحمول والكومبيوتر الكوانتي والحاسوب العملاق والانترنت والقنوات الفضائية ووسائل الاتصال الحديثة،أن يستوعب، ولكن ليس بالسهولة المتوقعة، مقاربة كونية بلغة حاسوبية والتي تقول أن الكون المرئي ولد من طوفان معلوماتي مشفر ومركز في مصدر واحد سمي بالنقطة صفر.

علينا أن نعترف أن العالم المحيط بنا بالغ الغموض والتعقيد ومغلف بالأسرار والخفايا والجوانب غير المرئية، خاصة إذا نظرنا إلى ما حولنا وتسائلنا لماذا توجد الأشياء بمظاهرها التي نراها؟ وهل هناك واقع آخر مخفي عن الأنظار لهذه الأشياء لا نعرفه ويستعصي على مداركنا؟ وما السبب الحقيقي وراء اتخاذها هذه الأشكال وليس غيرها؟ ولماذا وكيف صار الكون المرئي، بكل مكوناته، متوازناً ومضبوطاً بإحكام بقوانين جوهرية، في المكان والزمان، تسييره وتقوده نحو مستقبل مجهول؟ وماذا سيحصل لو أن خللاً ما حدث في إحدى تلك القوى الكونية الجوهرية الأربعة التي تنظم الوجود المادي؟. كلنا يعرف أن القوة الكونية الجوهرية هي التي تتحكم وتنظم عمل وسلوك الأشياء وتفاعلاتها، من اللامتناهي في الصغر، اي المكونات ما دون الذرية، إلى اللامتناهي في الكبر، اي الكواكب والنجوم والمجرات والسدم والكوازارات وما فوقها أو يتعداها.

لو افترضنا، لسبب مجهول، أن الثقالة أو الجاذبية gravitation اختفت فجأة أو تعطلت عن وظيفتها، فما هي التبعات المترتبة على ذلك؟ أول شيء سنلاحظه أن كل شيء على الأرض بدأ يطفو ويطير في الهواء من أصغر شيء إلى أكبر شيء، بما في ذلك نحن البشر، مع ما سيترتب على ذلك من فوضى وحوادث وهلع جماعي على سطح الكوكب. إلا أن الكارثة لا تتوقف أو تقتصر على ذلك فقط، بل هناك ما هو أخطر، فبعد بضعة ساعات قليلة ستصاب البشرية بالاختناق من جراء تلاشي الغلاف الجوي، بعد أن تفلت الأرض من جاذبية الشمس وتنطلق تائهة في أعماق الفضاء بلا ضوء شمس ولا تفاعلات كيمائية تقوم بتوليد الأوكسجين بالكميات الضرورية لدورة الحياة البيولوجية الطبيعية، ولو نفذ أو نجى البعض من هذه الكارثة فإنه سيموت متجمداً لأن درجة الحرارة على الأرض ستكون 273 تحت الصفر وهي درجة الحرارة في الفضاء الخارجي المظلم فلم تعد هناك شمس تدفئها بأشعتها وتغذيها بالطاقة. وبغياب الطاقة فإن المجرات نفسها، وليس فقط النجوم في داخلها، سوف تتبعثر بفوضى كونية لا يمكننا تخيلها، وتتصادم فيما بينها بلا هوادة. هذه هي اللوحة المأساوية التي ستحل بالكون المرئي في حالة حدوث عطل ما في إحدى القوة الجوهرية كالجاذبية . ونفس هذا السيناريو، بل وربما أسوء منه بكثير، سيحدث في حالة حدوث أي خلل في القوى الجوهرية الثلاثة الأخرى، أي الكهرومغناطيسية والنووية الضعيفة والنووية القوية أو الشديدة. وكلنا يعرف أن جميع الأشياء في حياتنا اليومية تعتمد على القوة الكهرومغناطيسية، فهي التي تعمل على محافظة الأشياء على اشكالها في المكان والزمان ومنع انصهارها. فبدونها كل شيء سيتفكك إلى ذرات غبار خلال ثواني معدودات . فالكائن البشري مكون بنسبة 70% من الماء أي من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسيجين، ولن تعيش هذه المعادلة الكيمائية ثانية واحدة بدون القوة الكهرومغناطيسية. أي سيضمحل 70% من جسم الإنسان ولن يبقى فيه سوى العناصر الثقيلة كالحديد والكالسيوم التي سرعان ما ستنهار هي الأخرى على الأرض على شكل غبار رمادي يشبه الرماد، هو كل ما يتبقى من الكائن البشري، ونفس الشيء سيحدث مع الحيوانات والنباتات، وستواجه نفس المصير المياه الموجودة في الأنهار والبحار والمحيطات، ليس فقط على الأرض، بل في جميع كواكب الكون المرئي التي تشبه الأرض، حيث ستختفي كافة مظاهر الحياة وأشكالها من على وجه الكون المرئي. ولو اختفت القوة النووية الضعيفة فلن تكون هناك عمليات اندماج نووي كالتي تحدث في الشمس وتولد الحرارة والضوء والطاقة، وكلنا يعرف ماذا يعني خمود الشمس بالنسبة للحياة في أي مجموعة شمسية في الكون المرئي. والحال ذاته مع اختفاء القوة النووية القوية أو الشديدة التي تعمل كمادة لاصقة ـ صمغ ـ أو كالاسمنت الذي يعمل على تماسك النوى الذرية للمواد وبقاء البروتونات والنيوترونات تدور في داخلها . فكل شيء في الكون سيتحول إلى بخار من الكواركات quarks التي تمثل أصغر مكونات البروتونات . ولنتساءل مماذا تتكون تلك القوى الكونية الجوهرية؟ للإجابة على ذلك يتعين علينا أولاً البحث ولو باختصار في موضوع الجسيمات الأولية particules élémentaires في الكون المرئي، وأن نتذكر أن النموذج المعياري modèle standard الذي قدمته فيزياء الجسيمات، يحدثنا عن عائلتين متميزتين من الجسيمات الأولية . العائلة الأولى منها هي" الجسيمات المادية particules matérielles" . والتي يمكننا تخيلها بمثابة ذرات رمل أو غبار لكنها غير مرئية لأنها غاية في الصغر كالالكترونات والنيوترونات وغيرها وتسمى في الفيزياء الفيرميونات fermions. وتتفاعل هذه الجسميات ما دون الذرية فيما بينها بواسطة قوى كونية جوهرية ذكرناها أعلاه. ولكن هل تلك القوى ليست سوى تجلي أو مظاهر manifestation لجسيمات ما دون ذرية أخرى خفية وغير مرئية بوسائلنا الرصدية أو الكشفية الحالية، والتي يمكن أن تشكل الأدوات الناقلة لتلك القوى. من هنا فكر العلماء بوجود عائلة ثانية من الجسيمات ما دون الذرية هي جسيمات المجال particules de champ وصنفوها تحت تسمية واحدة هي بوزونات السعة أو البوزونات المعيارية Bosons de jauge، وطبقوا عليها نفس ما طبقوه على القوى الجوهرية من أفكار في مجال الكهروديناميكية الكمومية أو الكوانتية électrodynamique quantique، التي أتاحت إمكانية تفسير التفاعلات الكهرومغناطيسية. بمعنى آخر أن الجسيمات المادية تتبادل فيما بينها خلال التفاعلات عدد من البوزونات المعيارية التي تلعب دور الرابط والمرسال أو حامل الرسائل وإن تلك التبادلات هي التي تخلق الواقع الملموس للمجالات. فهل بعد ذلك يمكننا معرفة ما يجري في العالم التحتي للجسيمات ما دون الذرية، وهل هناك قواعد أو شيفرة ما منطوية في نسيج الواقع؟ أجاب العالم الفيزيائي الشهير John Wheeler بمقارنة الكون المرئي بنظام معالجة معلوماتي système de traitement d’informations حيث ينبثق عنها وهم illusion بعالم مادي كما جاء في موضوع الفيلم البديع المصفوفة أو الماتريكس Matrix وإن هذه المعلومة الجوهرية يمكن أن تتواجد في الزمان المتخيل في اللحظة صفر التي سبقت الانفجار العظيم.

لايبنز Leibniz ولغز البداية والأصل

كثيراً ما تجنب الباحثون التعاطي مع الـ" لماذا" واكتفوا بـ " كيف" وبين الفينة والأخرى يتحرشون بـ " متى"، وكان لايبنز هو الأجرأ في القرن السابع عشر عندما تساءل :" لماذا هناك شيء ما بدلا من لاشيء؟" وهو السؤال الذي ردده المفكرون والعلماء والباحثون والفلاسفة وفئات واسعة من النخب والمثقفين، فالبحث فيه شائك وصعب ومعقد وحساس كونه الأهم في الوجود ولم يتمكن من صياغته رياضياتياً علماء الرياضيات، وحده لايبنز Leibniz، صاحب كتاب خطاب في الميتافيزيقيا Discours de métaphysique ومختلق حساب اللانهائي في الصغر و ناحت مصطلح علم الأشكال التوبولوجيا topologie، هو الذي جهد للإجابة على هذا السؤال الجوهري رياضياتياً mathématiquement، وكان الأب الروحي لكل علماء الرياضيات الفطاحل الذين أتوا من بعده. فهو أول من عارض مفهوم نيوتن Newton عن الزمن المطلق وأعتبره نسبياً قبل قرنين من آينشتين Einstein وكتب أيضاً :" أعتقد أن المكان هو وببساطة شيء نسبي كالزمان".ثم أضاف متقدماً على عصره بقرون :" لا أعتقد بوجود مكان ولا زمان بدون مادة " وهو صلب وجوهر نظرية النسبية وله تأثير كبير على مسألة الأصل والبداية في الزمان والمكان. كما تجدر الإشارة إلى أن لايبنز Leibniz هو مكتشف الحساب المزدوج والثنائي أو المركب calcul binaire وذكر ذلك في مفكرة لأكاديمية العلوم بتاريخ 1703 تحت عنوان تفسير علم الحساب المركب أو المزدوج arithmétique binaire الذي يستخدم الرقمين صفر وواحد وذلك قبل 250 سنة من ظهور المعلوماتية ولغة الرياضيات الحاسوبية المزدوجة أو المركبة. وكان هو الملهم لعلماء ومنظري فرضية الكون ـ المعلومة L’Univers information .

فلو تلقينا صورة عبر الانترنيت في الكومبيوتر الشخصي لا أحد يسأل نفسه كيف وصلت هذه الصورة للحاسوب الشخصي وبأي صيرورة وأية تقنية؟ في الحقيقة إن الشخص الذي أرسلها أدخلها أولا عبر السكانرscanner أو الماسح الضوئي وحولها إلى رموز بلغة الحاسوب فأصبحت مجرد سلسلة متتالية من الأصفار والواحد مثل 0110001000110110001110000011 الخ ... وعندما وصلت عبر البريد الالكتروني جاءت بهذه الرموز المركبة الثنائية أو المزدوجة وهي اللغة الوحيدة التي يقرأها الحاسوب ويعيد تركيبها كما كانت قبل ترميزها أو تشفيرها ليعيدها كصورة تشبه تماماً الصورة الأصلية التي أرسلت، أي نسخة مطابقة عنها وليست هي نفسها مادياً لأن الصورة الأصلية بقيت مع صاحبها أو مالكها الذي أرسلها. والذي ينطبق على صورة ينطبق على الواقع برمته بل وعلى الكون المرئي بمجمله حيث كان مضغوطاً في النقطة صفر على شكل معلومة حاسوبية تختزن ذاكرة الكون المرئي كله قبل خروجه لدنيا الواقع انطلاقاً من الانفجار العظيم إلى يوم الناس هذا. وهذا يعني أن كل واحد منا حسب منظري الفيزياء الرقمية physique numérique، في المستوى ما دون الذري، سوف يعثر على شيفراته المكونة من أصفار ورقم واحد مكررة إلى ما لا نهاية إذ أنه حتى أصغر الجسيمات المادية وتفاعلاتها تختزل بتشفيرتها الرقمية codage numérique.

بهذه المقاربة نضع اللبنة الأولى لنظرية فيزيائية جديدة تحققت بفضل الكومبيوترأو الحاسوب وتقنية الذكاء الاصطناعي intelligence artificielle حيث ستقوم هذه الفيزياء الجديدة بتغيير وجه العالم وهذه النظرية معروفة اليوم تحت عنوان " النظرية المعلوماتية théorie de l’information. كانت نقطة الانطلاق قد تمثلت بجملة العالم ويلير Wheeler الشهيرة it from bit التي ترمز لفكرة أن لكل عنصر في العالم الفيزيائي المادي أساس عميق متصل بمنبع أو مصدر لا مادي source immatérielle. فقد يكون الشكل الأكثر جوهرية للوجود موجود خارج المكان، وربما يكون مستنداً على عدة اشكال من المعلوماتية التي لا تتقبل بسهولة اي تفسير هندسي بسيط interprétation géométrique simple. كما يقول العالم الشاب لوبوس موتل Lubos Motl ولو صحت هذه المقاربة الثورية الجريئة فإن عمق وجوهر الواقع لن يكون مكوناً من الذرات والجسيمات الأولية بل من البايتات والكيوبايتات bits et qubits الحاسوبية. وهناك كوكبة من العلماء الشباب الطموحين لاحتلال الساحة التنظيرية في الفيزياء النظرية المعاصرة من أمثال سيث للويد Seth Lloyd و وستيفن وولفرام Stephen Wolfram و شارل بينيتCharles Bennett  و دافيد دويتش Davide Deutsch وبيتر شور Peter Shor وغيرهم كثيرون يقودون هذه الثورة الفيزيائية اليوم، وقد سبقهم لايبنز Leibniz بثلاث قرون عندما قال أن العمق الصلد للواقع وخامته الأولى لا تتكون من الجسيمات المادية بل من شيء آخر يمكننا أن نسميه المعلومة. أستاذ الفيزياء في جامعة أكسفورد دافيد دويتش Davide Deutsch، الحاصل على جائزة ديريك Dirak وأول من قدم الألغوريتم algorithme الكامل أي الحساب الخوارزمي للحساب الكمومي أو الكوانتي calcul quantique، والذي يستخدم كأساس للكومبيوتر الكمومي أو الكوانتي، انطلق بدوره من صيغة ويلير Wheeler الذي قال " it from bit" واستبدلها بصيغة it from qubit، فجوهر الواقع في نظره ليس مادياً بل غمامة من الأعداد المزدوجة أو الثنائية الحاسوبية من صفر وواحد التي تختزن كمية لا محدودة من المعلومات القابلة للرصد والموجودة في أي شيء مادي مهما كبر أو صغر، أي أن العالم مصنوع في أساسه من الكيوبايت Le monde est fait de qubits، ولكن على مستوى الظواهر الكمومية أو الكوانتية مادون الذرية في المستوى اللامتناهي في الصغر.

في نقطة الصفر المفترضة في النموذج المعياري modèle stakdard سواء الكوانتي أو الكمومي أو النسبوي الآينشتيني،هناك الفرادة التأسيسية الأولية singularité initiale المقترنة بالعالم فريدمان friedmann، تلك النقطة الفريدة من نوعها والغريبة التي لاحجم لها ولا أبعاد، ودمغت الزمان الخيالي أو المتخيل القح temps imaginaire pur، هي التي اعتبرت أصل كل ما هو موجود في الواقع المادي. وهي ذات صفات وخصائص propriétés مذهلة فبإمكانها تشفير encoder ،على شكل رياضياتي، مجموع المعلومات المتعلقة بكوننا المرئي المادي. والحال أن الكم المعلوماتي للكون المرئي ليس لا نهائياً أو غير محدود. ففي القرن السابع عشر حاول السير آرثر إيدنغتون Sir Arthur Eddington حساب بعض الأرقام أو القيم أو الأعداد الكبرى التي توسم واقعنا. وحسب التقدير الذي اقترحه أحد علماء الرياضيات في زمنه من المحيطين به، فإن عدد حبات الرمل في كل سواحل وشواطيء الأرض تساوي 1015 حبة رمل . وقدر بعده بعض العلماء عدد الجسيمات الأولية المادية في كوننا المرئي بـ 1080 ولكن بما أننا أثبتنا مؤخراً المكونات النهائية الأصغر للواقع بأنها ليست جسيمات مادية فماذا يوجد بديلاً عنها؟ إنها الوحدات الكمومية أو الكوانتية unités d’information أو بعبارة أخرى البايتات الحاسوبية des bits informatique وقدرت بـ 10120 من البايتات المعلوماتية أو الحاسوبية وهو رقم صغير جداً رغم كونه الرقم الأكبر الذي له معنى ويمكن تصوره بشرياً من وجهة نظر فيزيائية. لكنه ضئيل جداً وكأنه غير موجود بالمقارنة أو في مواجهة الأرقام التي عددها الرياضيون وهي أرقام تصيب المرء بالذهول وربما بالجنون. وأحدها هو عدد الغوغول googol ـ الذي سمي محرك البحث غوغل Google تيمناً به ـ واستنبط هذا العدد رياضياتياً سنة 1938 وهو يساوي تقريباً 10100 وهو أصغر من عدد البايتات التي حسبها العالم لويد Loyed لأنه التقدم التصاعدي الذي يبدأ من الغوغول googol ويسمى الغوغول المركب أو الغوغول بليكس googolplex حدد بأنه 10 أس غوغول googol 10، أي عشرة أس 10 أس 100 وهو عدد لايمكنكم تخيله فلو كتبناه بسرعة ثلاثة أرقام في الثانية الواحدة فسنحتاج إلى 100 مليار المليار المليار المليار المليار المليار سنة لتدوينه، أي مليارات المليارات المليارات مرة منذ بدء الزمان الذي نعرفه. ولو أردنا أن نخزن العدد داخل حاسوب أو كومبيوتر فإن ذلك سيتطلب كومبيوتر أو حاسوب بحجم الكون المرئي كله. هذه الأعداد هي في الحقيقة أكوان nombres univers، ولو اعتبرنا أن خامة الواقع ذات طبيعة رمزية ديجيتال  digitale أي رقمية وليست مادية فعلينا التوسل بكائنات رقمية entités numériques قادرة على استيعاب كل تعقيدات الكون المرئي la complexité de l’univers observable نظرياً على الأقل. وهي أعداد موجودة، رغم غرابة سماتها وخصائصها، لذلك أسماها علماء الرياضيات بالأعداد ـ الأكوان nombres univers وهي مكونة من أرقام حقيقية وواقعية يمكن عمل أي تسلسل رقمي منها بأطوال لا نهائية. إن أبسط هذه الأعداد هو عدد شومبرناونle nombre de Champernowne الذي ابتكره عالم الرياضيات والخبير الاقتصادي الانجليزي الشهير دافيد غوين شومبرناون david Gawen Champernowen الأستاذ في جامعة أكسفورد Oxford وكامبردج cambridge، لقد ابتكره وهو في عمر الواحد والعشرين عندما كان طالباً في كامبردج وعرف آنذاك بثابت شومبرناون constante de Champernowen . وهو عدد غاية في البساطة ويتكون من صفر وفارزة وبعد الفارزة سلسلة من الأرقام المتتالية من واحد إلى ما لا نهاية، أي 0.1234567891011 الخ.. وهذا العدد هو عدد ـ كون nombres univers، وفي الحقيقة إن هذا النوع من الأعداد يمكن أن أن تحتوي كل ما هو موجود في الفضاء الكوني المرصود. ولو حاولنا كتابة ثابت شومبرناون باللغة الرياضياتية الثنائية أو المزدوجة en binaire ستكون البداية على النحو التالي 0.1101110010111 الخ .. وبالتالي بإمكاننا من هذه البداية كتابة العدد الكبير الذي أشرنا إليه أي 10120 الذي يتناسب مع عدد البايتات المعلوماتية للكون المرئي، وهذا العدد موجود في مرحلة ما قبل الانفجار العظيم أو الكبير Big Bang وبالتحديد في النقطة ـ صفر من الزمكان l’espace-temps عندما كان الزمان ما يزال خيالياً محض أو متخيل temps imaginaire pur.

في المستوى اللامتناهي في الصغر l’infiniment petit، عندما يهمين ميكانيك الكم أو الكوانتا mécanique quantique فإنه في كل المظاهر الوجودية الوليدة، يتم استبدال البايتات les bits التي نعرفها في لغة الحاسوب المعلوماتية بالوحدات المعلوماتية الأصغر التي نسميها الكيوبايتات qubits، بعبارة أخرى، في ما يتعدى جدار بلانكle mur de planck قبل الانفجار الكبير أو العظيم، فإن ما يسبق الكون المادي المرئي pré-Univers، كما يعتقد دافيد دويتش Davide Deutsch، يكون مكوناً من كيوبايتات معلوماتية qubits وهذه الأخيرة هي التي تنظم تقلبات fluctuations الزمان الواقعي temps réel والزمان المتخيل أو الخيالي temps imaginaire، بينما يعتقد الشقيقان التوأمان إيغور وغريشكا بوغدانوف Igor et Grichka Bogdanov ، أن هناك ما هو دون أو تحت الكيوبايتات المعلوماتية ألا وهي الكينونات الرياضياتية des entités mathématiques، ومنها النقطة الرياضياتية point mathématique، فلو أمعنا النظر في النقطة ـ صفر للزمكان le point zéro de l’espace-temps فهي تقع في ما تحت مستوى بلانك au-dessous de l’échelle de Planck، والتي توقعها أو تكهن بها النموذج القياسي أو المعياري للبغ بانع أو الانفجار الكبير le modèle standard du Big Bang، وهي التي عرفت بإسم الفرادة الأساسية أو الأولية التأسيسية la singularité initiale. التي لا يمكن الوصول إليها فهي مجرد كائن رياضياتي ولايمكن اصطيادها إلا نظرياً وحسابياً باستخدام أدوات جبرية instruments algébriques، لأنها لا تحتوي على أي محتوى فيزيائي، فجوهرها تجريدي بحتabstraite . ويمكن مقارنتها بالمعلومة الحاسوبية، أو بنوع من الشفرة الكونية code cosmique، لهذا يعتقد خبراء النظرية المعلوماتية théorie de l’information، أي أولئك الذين يعتقدون أنه يمكن مقارنة الكون المرئي بحاسوب أو كومبيوتر عملاق بحجم الكون المرئي يسمونه البرنامج Le programme، أمثال وولفرام Wolfram أو للويد Lloyd، ويسميه الأخوة بوغدانوف آنستانتون فريدة بحجم صفر instanton singulier de taille 0، أنها ذات صفات وخصائص متميزة أهمها أنها ذات محتوى توبولجي لا متغير contenu topologique invariant، أي مجرد معلومة مشفرة تختزن كل ذاكرة الكون السابق للانفجار العظيم أو الكبير، في المتوالية الكونية .

 

الشفرة الأصلية التأسيسية أو الأساسية un code initial

بما أن النقطة صفر point zéro ليست شيء فيزيائي objet physique فهي لا تندرج ضمن الظواهر المحصورة بين المستوى صفر ومستوى بلانكéchelle zéro et échelle de Planck، ولا تخضع لمكرهات وضغوط كمومية أو كوانتية contraintes quantique، بمعنى آخر إن الفرادة، وبسبب جوهرها التوبولوجي essence، topologique، هي شيء كلاسيكي. فمن زاوية معلوماتية، تبدو الأمور بسيطة. ففي مستوى الصفر تقاس المعلومة بالبايتات ولكن باستخدام قانون مناسب أو ملائم يمكن للصفر أن يولد كافة الأعداد وكل الأشياء حتى تلك التي لا يمكن تصورها. فانطلاقاً من الصفر يمكننا أن نشهد ولادة انفجار كبير رقمي Big Bang numérique. وقد شرح العالم جون فون نيومان John von Neumann المراحل النظرية لذلك باستخدام نظريته بخصوص المجموع الفارغ l’ensemble Vide الذي لا يحتوي على شيء ويمثل الصفر، ويكون الانطلاق من هناك. وفي المرحلة الثانية نضع هذا الكل الفراغي داخل مجموع فراغي آخر عندها يولد الواحد من الصفر ومن بعده تولد كافة الأعداد الممكنة أي الأعداد التامة nombres entiers والأعداد النسبية nombres relatifs والأعداد الجبرية nombres algébriques والأعداد الاستعلائية أو الرياضيات العليا أو الفائقة nombres transcendants والأعداد الخيالية أو المتخيلة nombres    imaginaires الخ.. و بالإمكان تشكيل أماكن متعددة الأبعاد حسب تصور علماء الرياضيات، فلا توجد حدود في النظرية، وهو الأمر الذي أشار إليه العالم الرياضي العربي الخوارزمي واستخدمه الأخوة بوغدانوف في نظريتهم الكونية لوصف المعلومة الأصلية أو الأولية التأسيسية بأنها خوارزمية information algorithmique، اي قانون بسيط للتوليد وذو البنية أو الهيكيلية الرقمية أساساً . إن الفرادة الأولية الأساسية singularité initiale تمتلك شكلاً واحداً للمعلومة وهو "المعلومة الأولية أو التأسيسية l’information initiale" . ولعدم وجود الزمان الحقيقي أو الواقعي temps réel بعد، لا توجد هناك أية صيغة معقدة أو مركبة aucune complexité في اللحظة صفر l’instant zéro، وبالتالي فإن المعلومة النهائية information finale معدومة nulle، من هنا فإن الفرادة الأولية الأساسية singularité initiale ، أي النقطة صفر، تعتبر الشيء الأبسط في كوننا المرئي قبل ولادته وتطوره وتعقيده. بتعبير آخر إن  المعلومة الأولية أو التأسيسية l’information initiale تنوه بأن الأنثروبي entropie ـ أي اللانظام ـ في مرحلة ما قبل الكون pré-Univers يكون في المستوى صفر ويعتبر معدوم الوجود وبالتالي فإن اي نظام يتسم بانعدام الأنثروبي لا يمكن أن يوجد في الزمن الواقعي temps réel وهذا يدعم فكرة وجود النقطة صفر فقط في الزمان المتخيل أو الخيالي temps imaginaire، ويحق لنا أن نتصور النقطة صفر لانهائية infinie بالضرورة. إذ أنها تتعاطى مع عدد لا نهائي من البايتات أكثر بكثير جداً من 10120 بايت الضرورية التي أشرنا إليها أعلاه، لبناء أو تشكيل الكون المرئي. إنها تصل إلى مصاف ما أسماه العلماء في الفيزياء الرقمية االبرنامج un programme  الذكي الخالق مثل البرنامج الذي خلق المصفوفة في فيلم ماتريكس Matrixوالذي هو بمثابة الكود أو الشيفرة الأولية السابقة للوجود المادي الفيزيائي أي شيفرة الأصل code à l’origine التي يقترح التوأمان بوغدانوف وجودها كفرضية مقبولة لكنهم لم يتمكنوا لحد الآن من اكتشاف ماهيتها وطبيعتها. فهي لا تتعدى مجرد بنية رقمية افتراضية structure numérique.

 

إن مجرد الحديث عن مفاهيم البداية والنهاية سيجرنا حتماً، وعلى الرغم منا، إلى الحديث عن الزمان، إذ أن هذه المفاهيم هي مفاهيم زمانية بامتياز. فهل سيميط العلم يوما ما اللثام عن الحقيقة الحاضرة ـ الغائبة دوماً والمتعلقة بالبداية الحقيقية، وليس المفترضة، والنهاية المجهولة والمتوقعة، لكل ما هو موجود على أرض الوجود المادي الذي نعيه وندركه بحواسنا البشرية؟ لقد عجزت فيزياء القرن العشرين وما سبقها عن تقديم الإجابة الشافية الكافية على هذا السؤال فهل ستنجح فيزياء القرن الواحد والعشرين في ذلك؟

في القرون الوسطى كان التفكير الإنساني يتركز في معظمه حول موضوع الأزلية والأبدية والخلود، من وجهة النظر الثيولوجية الدينية بالطبع، أو كما تراها الكنيسة الكاثوليكية والمؤسسة الدينية الحاخامية اليهودية وبالطبع ما يقابلها في الإسلام الشيعي والسني من مرجعيات ومراتبية دينية، مما يعني أن الإنسان هو الذي اختلق آلهته من مخيلته أو أنه رأى ظواهر خارقة ومخلوقات كونية غريبة اتخذها آلهة له. ففي القرون الوسطى، على سبيل المثال، كان هناك رجل دين مسيحي متنفذ في الكنيسة الكاثوليكية ومستشاراً للملك سان لوي Le roi saint Louis وأسقف باريس يدعى غيوم الأوفريني Guillaume d’Auvergne ، والذي كان يتمتع بقوة شخصية مدهشة وانفتاح ذهني منقطع النظير وجرأة لا مثيل لها عند أقرانه وزملائه، وكان أول من تساءل في تلك الحقبة :" هل كان يوجد شيء ما في الوقت الذي سبق الزمان؟" وبعده بقرون تساءل الفيلسوف الفرنسي غويتون Guitton :" هل كان هناك زمان قبل الزمان، زمان أولي سبق زماننا هذا الذي نعيش فيه؟" لم تكن الإجابة سهل ناهيك عن أن تكون بديهية ولكن العلم ونظرياته الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة قدمت لنا اليوم بداية لإجابات خجولة ومعقدة نوعاً ما لأنها توسلت بمنهجيات رياضية ـ جبرية مركبة وصعبة تحدثت عن زمان بسيط temps simple وزمان مركب temps complexe وعن زمان واقعي temps réel وآخر متخيل أو خيالي temps imaginaire وهذه مفاهيم علمية وليست فنطازيا fantasmatique أو فذلكة كلامية ناجمة عن تصورات وهمية effet de l’imagination . وكان من أوائل من استحدثها واستخدمها علمياً عالم الرياضيات الفرنسي الفذ هنري بوانكاريه Henri Poincaré في أواخر القرن التاسع عشر. وفي سنة 1902 في كتابه الهام العلم والفرضية La Science et L’Hypothèse كتب بوانكاريه بجرأة :" بوسع شخص ما كرس وجوده كله أن يتمثل ربما البعد الرابع quatrième dimension " وهنا تكمن المعضلة أمام العلماء . كيف يمكن جعل البعد الرابع مرئياً هندسياً وفراغياً وعلى نحو سهل وبسيط؟ visualiser la quatrième dimension géométriquement  وكيف يمكن التمييز رياضياً وحسابياً mathématiquement بين الزمان والمكان، أو بعبارة أخرى كيف يمكن مظهرة أو إيجاد التمظهر الهندسي représentation géométrique لما سماه آينشتين Einstein فيما بعد سنة 1905 الزمكان L’espace-temps ذو الأبعاد الأربعة؟ في نهاية خمسينات القرن الماضي شاع بين بعض العلماء إمكانية اللجوء إلى شكل آخر من الزمان يختلف عن الزمان الواقعي الذي نعيش فيه وهو الزمان المتخيل أو الخيالي temps imaginaire وهو زمان افتراضي حاسوبي لا يقاس أو يحسب بالأرقام العادية المألوفة الموجودة على مينا الساعة اليدوية، بل بأرقام أو أعداد متخيلة أو خيالية nombres imaginaires وهي أعداد غريبة كما وصفها الفيلسوف والعالم ديكارت Descartes في القرن السابع عشر، والتي يكون جذرها التربيعي دائماً سالب négatif. وهي الوحيدة القادرة على التعاطي مع الزمن المتخيل الذي وصفه عالم الفيزياء والرياضيات الشهير ستيفن هاوكينغ Stephen Hawking بأنه الشكل الجوهري la forme fondamentale  للزمان الواقعي temps réel. حيث أن الزمن المتخيل هو زمن بلا مدة كأنه متجمد وكل لحظاته متوقفة ومتداخلة ومتراكمة فوق بعضها البعض أو منطوية على نفسها، ولكي نتمكن من تصورها يتوجب علينا أن نأخذ مثال كصورة تقريبية ليست دقيقة تتمثل ببكرة الشريط السينمائي التي تضم أحداث فيلم كامل وصوره ولقطاته ومشاهده وكلها ملفوفة على هذا الشريط وبداخله وهو بدوره ملفوف داخل بوبينة أو علبة معدنية . فالفيلم ليس في الزمن الواقعي ولا يجري في المدة طالماً كان حبيساً في العلبة، فهو يقبع في الزمن المتخيل إذا جاز لنا التعبير، ولا يخرج للزمان الواقعي إلا عندما نضع بكرة الفيلم على جهاز العرض ونعرضه على الشاشة عندها يدخل في الزمن الواقعي ويعرض أحداثه في سياق المدة الزمانية حيث يكون له بداية ونهاية وماضي ومستقبل. وفي طيات هذا الزمن المتخيل، الذي لا يتعدى كونه معلومة حاسوبية تختزن كل ذاكرة الكون الجمعية سواء التي سبقت الانفجار العظيم Big Bang أي في هيئته السابقة للنشأة الحالية أو تلك التي تتضمن كل مافي الكون المرئي من موجودات ومكونات وأحداث دارت أو ستدور في الزمن الواقعي في سياق المدة durée. بعبارة أخرى هيئة ذات مغزى ثيولوجي غيبي للكون المرئي كما كان قبل تجسده وهو ما يزال قابعاً في تفكير الله La pensée de Dieu، وكما ستكون صورته بعد ظهوره في تفكير البشر. وهاهي الجملة السحرية تظهر وتتحدى " ماذا كان يجري في فكر الله قبل خلق الكون؟"بالطبع بالنسبة لمن يعتقدون بأطروحة الخلق الإلهي المباشر والمستقل عن إرادة ما سواه.

في رواية صغيرة وطريفة كتبها الباحث والفنان وكاتب السيناريو الفرنسي الشهير جون كلود كاريير jean claude carrière من النوع الخيالي البحت عنوانها " من فضلك يا آينشتين Einstein s’il vous plait نشرها سنة 2007، ضمن مجموعة من الكتب المهمة جداً مثل " محادثة حول تعدد العوالم مع العالم تيبو دامور Entretien sur la multitude du monde avec Thibault Damour وغيره، أورد الكاتب قصة متخيلة ممتعة ومفعمة بالخيال ملخصها سعي فتاة لمقابلة العالم الفريد آينشتين ولكن بعد نصف قرن من وفاته حيث تجد نفسها في صالة الانتظار مع عدد كبير من الأشخاص بملابس وأزياء متنوعة تعود لحقب زمنية مختلفة ومن بينهم نيوتن. وعندما التقى بها آينشتين دارت بينهم حوارات هي محتوى الرواية وموضوعاتها علمية بحتة تتعلق بإنجازات ونظريات ومساهمات آينشتين العلمية ومواقف الآخرين منها تأييداً أو معارضة. وفي إحدى فقرات الرواية سألت الفتاة الشابة العالم العجوز : سيدي عماذا تبحث في معادلاتك؟ لم يرد عليها آينشتين على الفور بل تأمل قليلاً وتحرك ببطء نحو مكتبه وجلس قبالة الفتاة الشابة متأملاً باضطراب بادي للعيان جمال هذه الطالبة الشابة وبعد تنهيدة مسك بيدها وبصوت خافت كأنه يهمس بإذنها قال: أريد أن أعرف كيف خلق الله الكون، لا أهتم بهذه الظاهرة أو تلك، أو هذا العنصر أو ذاك، أريد أن أعرف تفكير الله je veux connaitre la pensée de Dieu". الأمر إذا ليس جديداً بل قديم جداً قدم التاريخ ولم يفوته أي عالم رصين. الكل يبحث عن تفكير الله . جملة آينشتين هذه حقيقية وليست مستمدة من هذه الرواية العلمية الخيالية المذكورة أعلاه، فلقد نطقها بالفعل ووردت في الفيلم الجميل الذي كرس لحياة آينشتين في المشهد الذي جمعه مع صديقته التي أصبحت فيما بعد زوجته الأولى عندما كانا طلاباً وزملاء حيث أصبحت هي أيضاً عالمة فيزياء كبيرة. وقد اثارت هذه الجملة عاصفة من ردود الأفعال وثورات في المختبرات العلمية وأحدثت العديد من السجالات والنقاشات العلمية على مدى عقود طويلة. وإلى يومنا هذا تخترق هذه الجملة المتخمة بالنوايا عقول علماء أفذاذ من نوع ستيفن هوكينغ Stephen Hawking الذي تساءل قبل أكثر من ثلاث عقود في كتابه الشهير" تاريخ مختصر للزمن Une brève histoire du temps" لماذا يوجد الكون؟ وفي خاتمة كتابه في آخر سطوره قال:" لو وجدنا الإجابة على هذا السؤال فسوف يشكل ذلك انتصاراً نهائياً للعقل البشري إذ أننا عندها سوف سنعرف تفكير الله nous connaitrons la pensée de Dieu". يعتقد البعض أن هذه العبارة ستكون مفتاح فيزياء القرن الواحد والعشرين ومحور الأبحاث العلمية في هذا القرن الجديد الذي انقضى عقده الأول ودخلنا في السنوات الثلاثة الأولى من عقده الثاني كما أكد ذلك العالم والمنظر الأمريكي ذائع الصيت فريما ديسون Freeman Dyson حينما صرح قائلاً :" التحدي الحقيقي هو أن نقرأ تفكير الله لكي نعرف لماذا يوجد الكون وبأي معجزة انبثق فجأة من العدم أو اللاشيء قبل حوالي 14 مليار سنة؟". وأضاف مردداً قول آينشتين وهوكينغ وغيرهم كثيرون:" لماذا يجود شيء ما بدلا من لاشيء، ولماذا أوجد هذا الشيء ما الحياة والوعي والعقل والذكاء والتفكير؟ كل محاولات العلماء للإجابة على هذه الأسئلة باءت بالفشل لكنهم تقبلوا ثلاث فرضيات . أسهلها وأقلها علمية، هي الفرضية الأولى التي تتلخص بالدفاع عن فكرة مؤداها أن الكون والوعي والحياة كلها ظهرت نتيجة " لمصادفة كونية مذهلة وليس شيء آخر. أي في هذه الفرضية إن الحياة ظهرت بمحض الصدفة وإن وجودنا ليس سوى حالة عشوائية كما قال بذلك الفيلسوف الوجودي الفرنسي الشهير جون بول سارتر jean Paul Sartre وعبر عنه بعبارة" العلم عبارة عن عبث ليس إلا" أو أن العالم عبثياً في جوهره le monde est absurde. الفرضية الثانية هي تلك التي تتحدث عن الأكوان المتوازية des univers parallèles وحسب رأي المدافعين عن هذه الفرضية فإن كوننا المرئي الذي نعيش فيه ليس سوى النسخة الرابحة من بين عدد لانهائي من الأكوان العقيمة infinité d’univers stériles حيث أن وجود كون منظم يحتوينا في أحضانه ليس أمراً ملفتاً ومتميزاً وذا قيمة remarquable لأنه سيكون ضائعاً ضمن عدد لا نهائي من الأكوان الفوضوية univers chaotiques وهذه الفرضية، رغم شهرتها وانتشارها وهيمنتها هذه الأيام على المسرح العلمي، لأنها باتت على الموضة كما يقولون، إلا أنها ليست علمية محضة كما يدعي مروجوها فهي لم تزل مجرد فرضية تحتاج إلى اليقين العلمي والبرهان والتجربة المختبرية اليقينية فهي لحد الآن غير قابلة للإخضاع التجريبي المختبري الحقيقي n’est pas véritable expérimentalement ولأنه في جميع الأكوان الممكنة والمحتملة فإن الرياضيات والقوانين الرياضية تبقى هي نفسها المعمول بها والسارية في كوننا المرئي، وبما أن الواقع الفيزيائي يتحدد ويسير بفعل الرياضيات les mathématiques فمن المتوقع حتماً أننا سنقع على نفس الكون الذي يضمنا ويحتوينا أي كوننا المرئي. وهنا تأتي الفرضية الثالثة التي يعتقد البعض أنها الأقرب للمنطق العلمي، حسب أنصارها، والتي تقول بكون واحد ووحيد تحدده وتنظمه قوانين الفيزياء وفي هذه الحالة فإن التطور الكوني أو الكوزمولوجي évolution cosmologique لا يترك شيئاً للصدفة وإن الحياة تظهر كنتيجة حتمية لا يمكن تفاديها conséquence inévitable لسيناريو محكم ومفروض يملى على الوجود من خارج الكون، وفي غاية الدقة والتنظيم، من قبل قوانين فيزيائية طبيعية محكمة وصفها البعض بأنها هي الإله الخالق. وفي هذه الحالة فإن لهذا الكون الفريد من نوعه، هو عبارة عن شفرة خفية غامضة code sous-jacent تحتية ذات جوهر أو طبيعة رياضياتية essence mathématique يمكن مقارنتها بالشفرة الجينية code génétique للكائن الحي، وهي التي نشرح وتفسر كل القوانين الفيزيائية وتنظم وتحدد بدقة لا متناهية ومذهلة جداً قيم valeures جميع الثوابت الجوهريةconstantes fondamentaux للكون المرئي والعلاقات فيما بينها لكي تنجب كوناً منظماً univers ordonné وقابلاً للتطور نحو الحياة والوعي la vie et la conscience. وفي الحقيقة هناك الكثير من الفيزيائيين ممن لاحظوا أن القوانين الجوهرية للطبيعة تبدو في غاية الدقة والتوازن والضبط العياري بغية السماح بتشكل المجرات والنجوم والكواكب وللسماح للحياة بالانبثاق من المادة. كانت مهمة العلماء حتى وقت قريب تتركز بالأساس على اكتشاف طبيعة القوانين الفيزيائية وتبعات تطبيقاتها، لكنهم امتنعوا عن طرح تساؤلات بشأن أسباب وجود تلك القوانين . ولكن مع تقدم العلم والتكنولوجيا العصرية بات من الصعب الاكتفاء بالقول أن هذه القوانين بدأت فعلها التنظيمي مع حدوث الانفجار العظيم Big Bang من أجل تنظيم وهيكلة المادة والكون المرئي بلا أي سبب ظاهر وجلي وبات من حق العلماء البحث في كلمة" لماذا" المتعلقة بتلك القوانين وهل هناك سبب لوجودها.

 

هل كان لدى الله الخيار في خلق الكون؟

في صيف سنة 1951 وفي المكتب المتواضع الذي يشغله آينشتين في معهد الدراسات المتقدمة l’Institute des études avancées، كان هذا العالم المهيب منكباً على معادلاته المعقدة في النسبية التي كتبها وأعاد كتابتها مراراً وتكراراً وهو مهموم وغارق في تفكيره بصمت، وفجأة توقف عن العمل والتفت لمساعده العالم الفيزيائي الشاب آنذاك إرنست شتراوس Ernst tStraus موجهاً أنظاره نحو اللامرئي البعيد وسأل مساعده بصوت منخفض :" هل كان لدى الله اختيار في خلق الكون؟" كان السؤال عميقاً ومثيراً للحيرة ويعيدنا إلى ما قبل ربع قرن من ذلك التاريخ عندما أعلن آينشتين : " على أية حال أنا مقتنع بأن الله لا يرعب النرد" . وهذا يعني أن آينشتين كان مقتنعاً تماماً، وليس لديه أدنى شك بأن الكون المرئي الذي يدرسه لم يلد بمحض الصدفة، وحتى لو أفلت الكون من الصدفة فهل كان بإمكانه أن يكون على خلاف ما هو عليه؟ أي تحكمه قوانين مختلفة عن القوانين التي نعرفها؟ آينشتين واثق من أن القوانين في الكون المرئي هي نفسها ولا يمكن أن تكون مختلفة في لحظة ولادته، بعبارة أخرى لو كان الله هو الخالق للكون فإنه لم يكن يمتلك خياراً آخر في عملية الخلق. وبعد مضي أربعة عقود على ذلك التصريح الآينشتيني طرح العالم الانجليزي المعروف روجر بينروس Roger Penrose في جامعة أكسفورد وشريك ستيفن هوكينغ في الأبحاث الكونية، نفس السؤال الآينشتيني متخيلاً لوحة هائلة بحجم الكون مليئة بمليارت المليارات من النقاط التي تشير كل واحدة منها إلى كون ممكن الوجود وتساءل بينروس عما إذا كان لدى الخالق الحرية في وضع قلمه أو سهمه على أية نقطة على اللاتعيين من تلك النقاط ـ الأكوان في لحظة الانفجار العظيم لكي يخلق كونناً شبيهاً نوعاً ما بكوننا المرئي. وجاء جوابه المطعم بمئات المعادلات والحسابات الرياضية المتينة والصعبة جداً، وكان هو نفس جواب آينشتين، ألا وهو أن الخالق لم يكن يمتلك أي خيار آخر، أي لم يكن حراً في خياراته. فلم تكن هناك على تلك اللوحة سوى نقطة ـ كون point-univers واحدة كان على الخالق أن يضع قلمه عليها أو يؤشر عليها بسهمه من بين مليارات المليارات المليارات المليارات من الإمكانيات المتاحة. ولتوضيح هذه الحالة القسرية في لحظة الولادة ـ الأصل، أظهر بينروس بواسطة الرياضيات المتقدمة الحديثة والتجريبية أن فرصة أن يقع الخالق على النقطة الصحيحة هي بنسبة واحد من 10 أس 10 مضروب بـ 10 أس 123 10123 x  1010 وهو رقم يستحيل تخيله لذلك ومن باب التندر صرح آينشتين في يوم ما :" أن الصدفة هي الله  عندما كان يتجول متخفياً" ولو تركنا الواقع العلمي الرصين والبارد في منهجيته وصرامته ودخلنا عالم التكهنات والافتراضات لن يبقى في ايدينا سوى لعبة الفرضيات jeu d’hypothèses من أجل الحصول على أجوبة جديدة ولو تقريبية أو تقديرية أو افتراضية، حيث يكمن الحل في فرضية وجود نمطين من الزمان كانا متواجدين في لحظة الانفجار العظيم وكان أحدهما سابق للآخر قبل الانفجار العظيم. هناك أولاً الزمان الذي نعرفه في كوننا المرئي والذي بدأ في مرحلة ما بعد الانفجار العظيم وهو يجري في مسار أو اتجاه ثابت لحظة بعد أخرى مما يجعل الأمور تسير في سياقها الطبيعي كالأنهار وشروق وغروب الشمس وهو مرتبط عضوياً وجوهرياً بالطاقة وهو الذي نسميه الزمان الواقعي temps réel، وهناك ثانياً الزمن المتخيل أو الخيالي temps imaginaire حيث لا توجد حركة في هذا الزمن وكأنه متجمد حيث لا يسير هذا الزمان بأي اتجاه ولا يمر أو يسري كالزمان الواقعي، ويمكن تشبيهه بقرص كومبيوتر DVD مركون أو موجود خارج جهاز قراءة الأقراص والقصة أو التاريخ المسجل عليه في حالة تجمد ولا يوجد مكان لشيء إسمه الطاقة ولذا ما هو البديل لذلك؟ هو ما يسميه العلماء بالمعلومة الحاسوبية l’information informatique وهي نظير الطاقة في الزمان الواقعي لكنها معلومة تتواجد فقط في الزمان التخيلي أو الخيالي. لذلك سنستبدل جميع الوحدات الفيزيائية الواقعية les unités physiques réelles وبدون أي استثناء، بوحدات بديلة تسمى بايتات المعلومة les Bits d’information المتداولة بلغة المعلوماتية informatique وعالم الحاسوب أو الكومبيوتر حيث يمكن وصف جميع الأشياء والأجسام بلغة ورموز المعلوماتية ـ الحاسوبية، ولو على الصعيد النظري، اي بصيغة البايتات ـ المعلومة les Bits d’information فكل شيء يحتوي على كمية من هذه البايتات المعلوماتية . ولو استعنا بذلك وعدنا للكون البدئي الأولي Univers primordial فأين سنعثر على هذا الزمان الخيالي أو المتخيل؟ الجواب هو في الموضع الذي يتوقف فيه الزمان الواقعي عن الوجود أي في اللحظة أو النقطة صفر L’instant ou point zéro وهذه اللحظة يقابلها في النموذج القياسي أو المعياري modèle standard ما يمكن أن نسميه الفرادة التأسيسية الأساسية singularité initiale أو الأولية التي توسم الصفر المطلق zéro absolu للزمان والمكان، اي الأصل الحقيقي للكون المرئي. ينبغي التنويه هنا إلى أن ما نتحدث عنه ليس سوى طرح نظري بحت وهذه النقطة هي نقطة رياضياتية قح point mathématique pur لا يمكن الولوج إليها بالحساب الفيزيائي التقليدي. وعلى خلاف كل ما هو موجود في الكون المرئي المادي الملموس، فإن جوهرها العميق تجريدي بحت كلياً totalement abstraite. وعندها لاتوجد مادة و لا طاقة ولا يوجد زمان ولا مكان، يضاف إلى ذلك أنه عند نقطة الصفر الافتراضية هذه فإن أنثروبيا الكون l’entropie de l’univers، أي حالة اللاانتظام فيه، هي معدومة تماماً nulle.وهذه نتيجة طبيعية لمبدأ الترموديناميك ـ الديناميك الحراري principe de la thermodynamique الذي استفاض العلماء والباحثون في شرحه وتوضيحه في بدايات القرن المنصرم 1900 وخاصة على يد العالم العبقري لودفيغ بولتزمان Ludwig Boltzmann . والحال، وبما أن المعلومة الحاسوبية هي النقيض للأنثروبي entropie فإن هذا يعني أن نقطة الصفر المعلوماتية، حيت تتواجد المعلومة الحاسوبية الرياضياتية، تعتبر في قيمتها القصوى، مما يعني أنه في اللحظة صفر لا يوجد غير المعلومة l’information فقط لا غير وهي ليست سوى واقع رقمي réalité numérique يمكنه أن يشفر encoder، على نحو رياضياتي sous forme mathématique مجموع الصفات والخصائص propriétés التي سوف تعمل، بعد الانفجار العظيم، على إيجاد وتطور الكون الفيزيائي المادي. وكما أشار الفيلسوف المتنور لايبنز Leibniz ومن معه في مدرسة غوتنغن école de Gôttingen في الماضي، إلى إمكانية وجود عدد nombre أوسع من الكون. ففي الزمان الخيالي أو المتخيل temps imaginaire حيث تستمد الهارمونية، المقررة سلفاً، مصدرها، أي عدد ـ كون nombre-Univers ذو نقاوة عالية وخارج الزمكان l’espace-temps حيث يمكنه احتواء أقصى أنواع التعقيد الذي يمكن للنفس البشرية أن تتخيله، ويمكن لفكر الله أن يصوغه.

 

مع تحيات جواد بشارة من باريس 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2193 الخميس 26/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم