قضايا وآراء

التجاوزات العدوانية الإيرانية على أنهار العراق .. توثيق أولي / علاء اللامي*

أو على الأقل فهم يقللون من شأن هذا الدور، إنْ اعترفوا بوجوده على مضض، ويصطنعون له التبريرات شأنهم في ذلك شأن زملائهم من الموالين لتركيا الذين يفعلون الأمر ذاته في ما يخص الدور التركي. البعض من سياسي وكتّاب النوع الأول عبَّر عن رأي مفاده أنَّ محاولة الزج بإيران في هذا الموضوع هدفها خلق موازنة طائفية زائفة بين إيران وتركيا لتفادي إثارة  غضب الطرف المقابل، وهذا رأي سطحي لا يصمد أمام لغة الأرقام والوقائع الموثقة.

صحيح أنّ خطورة المشاريع المائية الإيرانية من حيث الكميات المحجوزة والمصادرة من مياه روافد دجلة وشط العرب والتي تشكل ما نسبته 11.8% من مجموع الوارد المائي السنوي للعراق، لا ترقى لمستوى خطورة ما تلحقه المشاريع والسدود التركية العملاقة من أضرار فادحة بالعراق وأنهاره، ولكن الحقائق ينبغي أن تقال، بغض النظر عن الفروق في أرقام الكميات، فالحقيقة هي إنَّ إيران تمارس تجاوزات ترقى إلى درجة العدوان  على العراق وأنهاره وبيئته. لهؤلاء المشككين والمقللين من مستوى الضرر الإيراني ولغيرهم نسرد الحقائق الموثقة التالية والتي وردت في مقالات ودراسات في صحف ومجلات ووسائل إعلام عراقية وغير عراقية. لقد أقدمت إيران ومنذ عدة عقود على التجاوزات العدوانية التالية :

-      تجفيف مياه نهر "ألون" بعد أن أقدمت على تغيير مجراه لتبقى مياهه محصورة في عمق الأراضي الإيرانية. وفي عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق ومؤسس الجمهورية العراقية عبد الكريم قاسم، عمدت إيران إلى منع تدفق مياه هذا النهر باتجاه العراق، فأمر قاسم على الفور بشق فرع من نهر "سيروان" المجاور بطول 41 كيلو مترا وبعمق 5 أمتار وتوجيه مياهه نحو بلدة خانقين، ولم يستغرق المشروع الذي أنقذ البلدة وأهلها من الجفاف والقحط سوى ستة أشهر.

-      أقامت إيران سدا ضخما على نهر قارون، الذي يسميه الجغرافيون العرب القدماء نهر "المسرقان"، وحجبت مياهه تماما عن شط العرب.

والواقع فإن القول بأن نهر قارون نهر إيراني صحيح نسبيا، فهو ينبع من أراض إيرانية ويجري فيها حتى مصبه في شط العرب، ولكن شط العرب ذاته نهر عراقي، يتشكل عند التقاء الرافدين العظيمين في "القرنة" ويصب في الجزء العراقي من "الخليج العربي الإيراني"، أما تنازل صدام حسين لشاهنشاه إيران عن ضفته الشرقية بموجب اتفاقية الجزائر سنة 1975، مقابل رأس حركة التمرد الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني، فهو مجرد صفقة سياسية انتهازية بين دكتاتورين معاديين لشعبيهما، ومن المعيب أن يتشبث بها من يصفون أنفسهم بالثوار الإسلاميين والجمهوريين والديموقراطيين الذي ثاروا ضد بهلوي وصدام. وعلى ذلك، ينبغي  ألا تترتب على هذه الصفقة السياسية المجحفة بحقوق العراق أية حقائق جغرافية جديدة وإذا أصرت إيران على اعتبار نهر قارون إيرانيا فسيكون من حق العراقيين إلغاء اتفاقية الجزائر واعتبار شط العرب نهرا عراقيا مائة بالمائة كما كان منذ قديم الزمان وكما هو في واقعه وحقيقته الجغرافية، وخصوصا بعد أن انخفضت مساهمة إيران في تغذيته بالمياه من نسبة 30% إلى صفر بعد قطع مياه قارون نهائيا عنه.

-      تنفذ إيران حاليا مشروعا كبيرا وخطيرا يتمثل في تغيير مجرى نهر "سيروان" الذي يمر من بين وديان عميقة داخل الأراضي الإيرانية، بهدف تحويل المياه باتجاه المناطق الواقعة خلف مدينة جوانرو الكردية لتنتهي إلى مصبات داخل الأراضي الإيرانية. وفي حال استكمال هذا المشروع الخطير، فإن نهر سيروان سيغدو هو الآخر أثراً بعد عين. أما السلطات العراقية وحكومة إقليم كردستان فلم يصدر عنهما أي رد فعل أو موقف رسمي حيال ذلك.

أما بالنسبة لتوثيق مواقف وتصريحات المسؤولين العراقيين التي تؤكد حدوث هذه التجاوزات الإيرانية فنذكر بالتالي:

-      تصريح  لعون ذياب مدير إدارة الموارد المائية في العراق قال فيه إنّ (السلطات الإيرانية بدأت منذ عام 2002، بإقامة سدود على نهر قارون، ما أدى إلى تراجع كمية المياه، ثم ما لبثت ان أغلقت النهر في شكل كامل العام الحالي" التصريح مؤرخ في 4/ 9/2009 "، وتحويل مجراه إلى نهر "بهمن شير". وتابع، ( إنَّ إيران استخدمت شط العرب حالياً مكباً لنفايات المصافي ومياه الصرف الصحي ما أسفر عن تلوث كبير وارتفاع نسبة الملوحة)، وحذر المتحدث  من "كارثة بيئية" في شط العرب ومحيطه.

-      تصريح لنعمة غضبان منصور، رئيس بلدية منطقة السيبة في البصرة قال فيه ( كانت فضلات مصفاة عبادان الإيرانية التي تلقى في شط العرب لا تؤثر في المياه والبيئة في السابق لأن مياه نهر قارون تدفع بها إلى الخليج، لكن تحويل مجرى هذا النهر أسفر عن تراجع نسبة المياه وتراكم النفايات).

لقد سكتت حكومات العراقية المتعاقبة، و معها الأطراف السياسية المتحالفة معها في البرلمان وفي جميع الهيئات الرسمية والشعبية على هذا العدوان الإيراني الواضح والثابت والمتمادي والذي لا يختلف من حيث الجوهر والأضرار عن مثيله التركي في استهانته بدماء وأرواح العراقيين.

لقد بلغ هذا السلوك الغريب والمرفوض من حكومة المحاصصة  ذروته قبل فترة في محاولة لعلاج النتائج وليس الأسباب. فقد أعلن محافظ البصرة السابق شلتاغ عبود أن رئيس الحكومة  خصص مبلغ مليار دولار للقيام بمشاريع عاجلة وأخرى بعيدة المدى لمعالجة زيادة الملوحة والتلوث الخطير اللذين تتسبب بهما إيران في شط العرب. أما الكلام الطويل عن التعاون والتنسيق بين الحكومتين العراقية والإيرانية فهو لا يعدو كونه كلاما فارغا لا قيمة أو مصداقية له قال عنه باحث عراقي (أما فيما يتعلق بالجانب الإيراني فان التعاون محصور في تبادل الزيارات ولم يلمس العراق تحولا عن سياستها الهادفة إلى منع المياه عن نهر ديالي الذي اصابه الجفاف).

إنها لفضيحة سياسية للحكومة العراقية حين تسكت دهرا على العدوان الإيراني ثم تأمر بالرد على العدوان الإيراني الذي تمثل بقطع مياه الأنهر الصابة في العراق وبإغراق شط العرب بالنفايات الكيمياوية الإيرانية، تأمر بمعالجة تلك النفايات بأموال الشعب العراقي.

مقالة أخرى أكثر تفصيلا وموثوقية للكاتب العراقي صاحب الربيعي بعنوان "حرب المياه بين العراق وإيران.. الدوافع والأسباب" نخصه بوقفة استعراضية وتحليلية لأهميته ودقة المعطيات الواردة فيه معلقين على الاستنتاجات السياسية في مقالته.

يجمل الربيعي الممارسات الإيرانية في تحويل مجاري الأنهار منذ الستينيات من القرن الماضي في تغيير مسارات عدد منها خاصة في المنطقتين الوسطى والجنوبية من العراق وأن  هناك 18 نهراً أساسياً تصريفها المائي يبلغ 7 مليارات م3 تنبع من غرب إيران لتصب في الأراضي العراقية وباشرت بتحويل بعض الروافد الأخرى في المنطقة الشمالية من العراق ومن تلك الأنهار يذكر الكاتب صحيح أن هذه الكمية صغيرة مقارنة بالكمية الواردة لنهري دجلة والفرات من روافدهما من تركيا ولكنها مع ذلك تبقى شديدة الأهمية لمناطق الشمال الشرقي من العراق نزولا حتى محافظة واسط جنوب العاصمة بغداد:

ويضيف الربيعي أنَّ الحكومة العراقية احتجت (على الإجراءات الإيرانية بمذكرتين بتاريخ 28/ 9 / 1953 و 12/ 4/ 1954 ورغم ذلك استمرت إيران في مساعيها لتحويل مياه نهر الوند، وبتاريخ 28/ 2 / 1959 احتج العراق للمرة الثالثة بتوجيه مذكرة إلى السفارة الإيرانية في بغداد التي جاء فيها: إنَّ الحكومة العراقية لا يمكنها الدخول في أية مفاوضات تتعلق برسم الحدود مع إيران دون التفاوض على توزيع حصص المياه في الأنهار المشتركة. وفي حال إصرار الحكومة الإيرانية على تنفيذ مشروع تحويل مجرى نهر الوند سيضطر العراق لاستخدام الطرق القانونية الدولية لضمان حقوقه). ويبدو أن التهديد الحكومي العراقي " باستخدام الطرق القانوني الدولية" ظل حبرا على ورق ولم يجد تجسيده على أرض الواقع فضيع العراق فرصة تسجيل (سابقة قانونية ضد الإجراءات الإيرانية المنافية للقوانين الدولية، وحل النزاع المائي عبر التحكيم الدولي في حينه).

وعن  نهر "كنجان جم"، يُعْلِمنا الكاتب أنه ينبع من مرتفعات  "بشتكوه" الإيرانية، ويجري باتجاه الجنوب الغربي نحو الأراضي العراقية على امتداد 20 كم، أي من علامة الحدود المرقمة (22 ـ 31) وعبر خط الحدود في منتصف النهر، ثم يصبح بعد هذه العلامة نهراً عراقياً يجري باتجاه قضاء بدرة وتستمد ناحية زرباطية ومزارعها المياه من جداول تتفرع من ضفة النهر اليمنى، بينما تستمد القرى والمزارع الإيرانية مياهها من جداول تتفرع من ضفة النهر اليسرى، يشكل منتصف النهر خط الحدود الفاصل بين البلدين وتحديداً في المنطقة الواقعة شرقي  قضاء بدرة. وتتفرع من الجانب الغربي من النهر عدة قنوات وترع لري بساتين ومزارع ناحية "زرباطية". وللاستيلاء على مياه هذا النهر،  شرعت الحكومة الإيرانية في العام 1932 بشق قناة من نهر "كنجان جم" لري أراضي مهران. بالإضافة إلى ذلك، أنشأت سداً ترابياً في منتصف النهر وتم استغلال كامل مياه النهر، ومع الزمن أدت هذه الإجراءات الإيرانية إلى جفاف النهر بالكامل. علما بأن هذا النهر هو نهر دولي بكل معنى الكلمة، وبحسب التعريف القانوني السائد للنهر الدولي، لأنه يشكل فعلا حدودا طبيعية بين بلدين. وهنا نتساءل عما قامت به السلطات العراقية في هذا الصدد وما هي الإجراءات أو ردود الأفعال التي صدرت عنها دفاعاً عن نهر دولي تم تجفيفه بالكامل؟

 

*كاتب عراقي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2214 الاربعاء 29/ 08 / 2012)


في المثقف اليوم