قضايا وآراء

الاستقرار الاجتماعي في العراق .. قراءة أولية (1) / رحيم الساعدي

ولهذا فان الإنسان سيما إذا ركن فكره ألارتيابي إلى بيئته ينحو إلى منهج الغلبة التي تمثل الجزء الأكثر يبسا في طبيعته،وقد نجد ان من الصراع الذي يتمثل بالغلبة ما هو غرائزي أو عقائدي أو اجتماعي أو نفسي أو سياسي وربما بنحو ما هو صراع فكري ثقافي .

وإذا أردنا أن نتقدم في بناء مجتمع ما فنحن نعمد من دون شك إلى تقوية أكثر الأواصر خلافا واقدرها على تلافي الأزمات التي تعصف بمجتمع مظلوم، وقصدت بذلك الثقافة والفكر والفن .

ومع هذا فان إهمال أي من العناصر الأخرى لا يساهم في حلحلة الأزمات، ولذا فان الجانب السياسي يحتاج إلى توافق ومشاركة عادلة ليطمئن كل الذين تنتابهم أوهام أو مخاوف صحيحة أم غير صحيحة، وهذه المشاركة تضمن - على الرغم من قصورها أحيانا – عدم تسلط فئة على أخرى، والتاريخ يحدثنا ان لا فئة سبقت أخرى وما الصراع إلا نافلة سيئة، نعم ربما تبلورت الظروف التي تصنع الصراع بطرق شتى، فيرد البعض مدافعا عن نفسه  ولكن النتائج كانت سيئة لكل الأطراف، وهذه العملية تمثل صراعا للغرائز ومحاولة الغلبة وإقصاء الآخر،ويمكن تلخيص فهم وطبيعة أصحاب تلك النزعة بانهم سلطويون يشعرون بقدرتهم ولياقتهم لإدارة دفة الأمور وقيادتها ويختصرها الفكر القرآني بالقول (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، وإذا كانت نماذج هذه الصورة تتضح في الجنبة العقائدية سيما بين العقائد الكبيرة او بين الأحزاب الساعية الى السلطة، فان لها مصداقا آخر تمثل بالعشيرة سواء عند تقدم البعض للزعامة او عند حدوث الصراع وتبادل  الأدوار الغرائزية التي تركن العقل جانبا لتستعرض ملكات لم توضع في مكانها الصحيح، واقل ما يقال عنها انها عملية استعراض لسد نقص معين،ولكنها في العشير تمثل استعراض قوة بعض الأفراد  بينما الصراع العقائدي في مجتمع متوتر فانه استعراض لقوة عقائدية على حساب الأخرى، وهو يعني أكثر من حقيقة منها محاولة لتعويض خسارة أو ظلم أو تعويض زمن سرق أو حقوق وامتيازات مشروعة ....الخ .

كل هذا لا باس به ولكن تخوف جهة من أخرى يعني انتفاء الثقة والأمان مما يعني قلق مستمر يجر إلى تأويل وأوهام وتصورات تؤثر بالنهاية على الشخصية العامة لكل جماعة في بلد تحكمه الفئات  .

وربما تتضح الصورة عند الحديث عن الفكر الاجتماعي وتحليلاته فقد وضع المفكر باريتو معادلة رمزية توضح السلوك الاجتماعي للفرد تتمثل ب :

1-العاطفة والوجدان 2- السلوك غير المنطقي  3- العقلانية

وقال ان الناس تتصور تصورات مختلفة تدفعهم للتصرف السلوكي لكن واقع الحال ان نقطة (1) هي التي تحدد سلوكهم غير المنطقي  المتمثل بنقطة (2) وتفكيرهم العقلاني المتمثل ب(3)([1])

و يحرك العاطفة اليوم وباتجاه سالب الكثير من المسائل التي تتصل بشكل مباشر بالسياسة، فالأخيرة تبرز اليوم بمثابة الوصي أو الأخ الأكبر على الساحة السياسية، وهي تتحرك بأكثر من مسار من ذلك ([2]).

1-انها تبتكر الأزمات الاجتماعية لتمرر أغراض أحزابها .

2- انها تلهي أو توتر المجتمع من خلال منهج الخبر العاجل والصراع الذي لا ينتهي .

3- هي تعمد إلى إثارة مذهبية، سياسية، اجتماعية،إعلامية ...الخ  لكي تتقدم بعض الخطوات في سلم النجاح الانتخابي .

4- تحاول السياسة طرح نفسها على انها الثقافة الوحيدة  في الساحة، الأمر الذي يؤدي إلى نفاذيتها في المجتمع العراقي وبكافة الشرائح لأنها ببساطة تتعامل مع الغلبة والغريزة وإثارة الصراع مما يعني تناغما وميول الإنسان الذي يسعى إلى التقدم والتنافس، إلا انه تنافس صاخب لا يشابه تنافس الشركات العالمية المنتجة، وهو يعتمد على مجموعة ملكات اللسان والعاطفة والغريزة ، وكان من المفترض ان يعتمد على مجموعة ملكات اليد والخيال والعقل لإنتاج الأشياء وتصميمها وتشكيلها .

 ان الحديث بطريقة مباشرة  يشير الى هناك عناصر عديدة تتعلق بالسلم الأهلي من بينها ما هو مهم للشعب العراقي يتعلق ببناء المجتمع المدني وتقديم الحقوق والواجبات وتطبيق القانون وغير ذلك  نعم ربما كان البعض منها يشكل منطق قوة للحفاظ على السلم الأهلي ولكنها أحيانا تستثمر بشكل سيء فيما لو لم يتوفر التبادل السلمي الواقعي والمتنوع للسلطة .

ومن جانب آخر لا تخفى أهمية الاقتصاد الذي يشير التهاون فيه الى عدم احترام حقوق المواطن الاقتصادية، وانتشار الفقر والبطالة، وغياب الحماية الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، والاستئثار بالثروة من قبل فئة ضيقة من الناس، مما يهدد وبشكل كبير السلم الأهلي والاستقرار، والذي بدوره يخلق بيئة يغيب عنها الإنعاش في الاستثمار والنمو الاقتصادي، مما يقوض أركان المجتمع ويسمح بتنامي مظاهر العنف والأمراض الاجتماعية المختلفة ([3]).

 



[1] - د.معن خليل عمر،انشطار المصطلح الاجتماعي،الموصل ،1990م،ص30 .

[2] - ربما يكون الترميز إلى السياسة هنا بنحو ما إشارة الى الأحزاب الحاكمة .

[3] - صلاح عبدالعاطي، ورقة عمل  بعنوان: (السلم الأهلي ونبذ العنف في القانون الأساسي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان)، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، منشورة على الموقع الإلكتروني. home.birzeit.edu

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2215 الخميس 30/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم