قضايا وآراء

الاستقرار الاجتماعي في العراق .. قراءة أولية (2) / رحيم الساعدي

- على المستوى السياسي، ربما يعد تبادر الأدوار ووحدة الهدف العراقي أمرا لا شك انه يعطي اطمئنانا حيويا لبلد متوتر مثل العراق، ولا يعني ذلك ان تتنازل فئة عن حقها السياسي بل تتجه كل الأطراف إلى الممارسة السياسية وبحسب استحقاقها. وأتصور ان الخوف المتبادل بين كل الأطراف ينتج من تصرفات دافعها الأساس هيمنة احدهما على الآخر، وهذا الأمر يولد، في حين ان المسالة نسبية اذ ان الأطراف المتنازعة سياسيا في العراق تملك حضورا سياسيا ثابتا يتفاوت من جهة إلى أخرى، وخراب تلك النسب أو الاستحواذ على بعضها البعض يعني فاعلية مفهوم الاستحواذ (من الزاوية السياسية أو الاجتماعية) ولهذا يجب ان يصار إلى قانون ثابت لتولي السلطة يؤكد سقفا لكل السلطات لا يتعدى الفترتين وهو أمر يطمئن الأطراف ويقطع أمل الطامحين . بل انه سوف يقطع الخلاف الاجتماعي الذي يعمل أصحاب السلطة على إعلانه والتلاعب به بين فترة وأخرى، ويلزم هنا التأكيد على ان مسالة تولي السلطة لا تؤدي في العراق إلى محو هوية طرف على حساب الآخر لان المسالة –وهذه ربما مزية عراقية – تتعلق بوجود قوى تستبسل في الدفاع عن وجودها لأسباب شتى، ولأنها تتمتع بخصوبة عقائدية –على الأقل من وجهة نظر أصحابها -  ولذا فهي قوية مهما جالت عليها الأحداث . ومن عناصر تحقيق السلم الأهلي من الزاوية السياسية ان نخفف من تجارة السياسة وان نعمل على تقوية الجوانب الثقافية والفكرية الأخرى بالإضافة إلى كبح المساجلات الإعلامية، كما ان علينا إرضاء العامة من الناس وان نلغي الامتيازات الخاصة للبرلمانين و السياسيين وغيرهم ، فلا اعتقد بان الهدوء هي سمة المجتمع العراقي إذا كانت نسبة رواتب النخبة عالية في حين ان الراتب التقاعدي للموظف المسكين يصل إلى حد البؤس بالمقارنة مع المسؤولين ...ان كل تناقض يؤدي إلى خلخلة في الشارع العراقي وبالتالي فان الحديث عن التناقضات يجر إلى بلبلة فكرية ونفسية واجتماعية تؤدي إلى سوء ظن الناس حتى يبعضها البعض .وهذا الأمر ينطبق على الفساد الإداري الذي يعني عدم الثقة بالمسؤول، ولعل كلمة الإمام علي حول الفساد الإداري هي الأفضل على مستوى التحليل فالمسؤول السارق إنما يسرق لأنه يفهم قصر مدة حكمه وبالتالي عليه جمع العدد الكافي لتامين القادم من الأيام وهذا كله كما يشير الإمام علي (ع) إنما يأتي لضعف ثقته بالله .

 بالتأكيد نحن لسنا ضد السياسة ولكن التخصص أمر مهم، أي إن السياسة هي شان السياسيين، ولا افهم لماذا تدخل السياسة أو الثقافة السياسة الغرائزية إلى كل البيوت والى النوادي وحديث الناس في وسائل النقل، هذا يمثل خللا في الاهتمام بالفعاليات الحيوية الإنسانية الأخرى، وهذه العملية بكل بساطة مواجهة بين فئات مختلفة على الساحة العراقية يقوم بتشجيع تلك الفئات مشجعون متعصبون في كثير من الأحيان، لديهم هم كبير يرتبط بتشجيعهم – سواء أكان مبدئيا يحمل رسالة أم لا – لجهاتهم ويحاولون بكل الوسائل الفوز والانتصار لآرائهم، وكل هذا يمكن ان يعد أمرا طبيعيا إذا لم يؤدي إلى صراع مميت أو محطم للسلم الاجتماعي، من هذه النقطة يمكن لنا ان نفهم خطورة التناول المفرط لكل  التفاصيل السياسية كما انه يتوجب علينا ان نقدم للناس الحقوق الطبيعية ( التعليم – الخدمات – الأمن ) لكي نضمن عدم الانتقاد للدولة وبالتالي عدم انتشار الأقاويل والرفض وتسقيط الآخرين، إلا إذا كانت هذه الهزات المجتمعية تعود بالنفع لجهة أو أخرى لتحقيق مكاسب مادية أو انتخابية .

- المستوى الفكري الثقافي: ربما ذكرت في كتابات سابقة ان الثقافة يمكن تنميتها لتكون التجارة الرائجة في بلد لا توجد فيه صنعة ناجحة أفضل من السياسة  فالثقافة تجمع أكثر من السياسة ومن الجانب العقائدي المتشابك . ولكن الثقافة في العراق – بأسف شديد – هي ثقافة النخبة، أي انها مجموعة مؤسسات تهتم بتجمع ذوي الثقافة والفكر أكثر من اهتمامها بالوصول إلى شرائح المجتمع، أو تبني منهج تنمية الأطراف، ولست ادري لم تصر الأطراف المختلفة على عدم إشراك الناس بالثقافة والوعي، وتنزوي معتمدة على مفهوم النخبة، تلك الصورة التي تخلق فهما انتلجنسيا هو اقرب إلى المرض النفسي منه إلى صناعة ثقافة أو فكر .

وعلى هذا فان الحديث عن عدم تبني الدولة لمشاريع المراكز الثقافية أو الشبابية باعتبارها الحق الطبيعي للفرد والشاب العراقي، إنما هي قضية تدعو إلى العجب، وحتى منظمات المجتمع المدني فإنها دخلت سوقا تجاريا يلوح للكثير منها بشراء الذمة من هذه الجهة أو تلك .

يضاف إلى كل هذا ان الأحزاب العراقية لو أقامت المراكز الثقافية فإنها ستكون مسومة بسمة الانتماء، وهو ما لا يؤدي إلى مشاركة جماعية فاعلة . لهذا على الدولة بناء المراكز الثقافية ودعمها وتنمية الثقافة والفكر والفن بطريقة منتجة هادفة ولكن هل تحقق الثقافة الأهداف التي تعجز عن تحقيقها الكثير من المؤسسات، يقول المفكر وليم اوكبرن (1886-1959م) ان هناك أربع حقائق لمصطلح التغيير الثقافي  هي : التراكم –الانتشار – الاستمرارية – المعوقات ([1] ). وهي عناصر لابد من زرعها في المجتمع لكي نضفي عليه صبغة تنموية ثابتة يمكن من خلالها تغيير وبناء الكثير من المفاهيم التي لا تقوم بتبديل فكر ومبادئ الناس أو معتقداتهم، بقدر ما تسعى إلى الحد من النزاع والجدل والخلاف الموجه إلى صلب تقابل وتبادل الناس للثقافة والفكر.

 



[1] - د.معن خليل عمر،انشطار المصطلح الاجتماعي،ص69م .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2217 السبت 01/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم