قضايا وآراء

احتمالات انهيار السدود التركية بسبب الزلازل (1-2) / علاء اللامي

مجرد احتمالات قد تقع وقد لا تقع، بل أصبحت جزءا من الواقع الجغرافي والتاريخي القائم في عالم اليوم. لقد انهارت عدة سدود في السعودية والمغرب وسوريا، وإذا كانت هذه السدود من أحجام وخزانات مائية صغيرة أو متوسطة، فإنَّ سد الموصل، الذي كَثُرَ الكلام عن تأثّره بهزات أرضية ضعيفة ومتوسطة الشدة وقعت فعلا، واحتمال انهياره، كان يستوعب أكثر من 11 مليارا مكعبا من المياه وقد جرى خفضها إلى ثمانية مليارات بسبب هذه المخاوف لتخفيف الضغط على جسم السد.وتكرر انهيار السدود ووقوع الزلازل بسبب انشاء السدود كما تخبرنا دراسة علمية موثقة لفيزولوجي عربي هو د. طلال بن علي محمد مختار، أستاذ علوم الجيوفيزيا والزلازل في إحدى الجامعات السعودية، في الولايات المتحدة والصين والهند ومصر بعد إنشاء السد العالي.

وفي تركيا ذاتها، والدول المجاورة لها كالعراق، تتصاعد التحذيرات من انهيار السدود التركية. فهناك الواقعة الخطيرة التي اعترفت بها السلطات التركية ونقلها الإعلام هناك، حين امتلأت الخزانات والبحيرات الاصطناعية خلف السدود حتى أقصها في السنة الماضية 2011 ( جراء الأمطار الغزيرة الهاطلة، و وصل منسوب المياه في سد أتاتورك أكبر السدود في تركيا إلى 537.31 متراً، هو أعلى منسوب له خلال الـ19 سنة الماضية. أما في سد كيبان الذي يعد أيضا من أكبر السدود التركية، فقد وصل منسوب مياهه إلى 844.61 متراً، وكان على المسؤولين الأتراك اللجوء لفتح بوابات الطوارئ والفيضانات لو ارتفعت مناسيب المياه بمقدار 35 سنتمرا آخر). وهذا يعني، أنَّ خطرا محدقا كان ستتسبب به السلطات التركية لو انهار هذا السد أو فتحت بوابات الفيضان لتصريف المناسيب العالية ما سيغرق مساحات واسعة من سوريا وشمال العراق وقد تصل آثار الفيضان إلى بغداد وما دونها. وإذا ما قدر لكارثة مأساوية كهذه أن تحدث فسيكون من العدل تماما المطالبة بتقديم الزعماء والقيادات السيادية في الدولة، أو المنظمة المسلحة، التي تسببت بها الى المحكمة الجنائية الدولية. لأنها تقع ضمن مشمولات البند الثالث من بنود ميثاق هذه  المحكمة  والقائل ( إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية بقصد إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً). كما يمكن اعتبارها ضمن مشمولات البند العاشر من الأفعال التي يشملها مفهوم ومصطلح "الجرائم ضد الإنسانية" أيضا.

 

و في شهر تشرين الأول /أكتوبر من السنة الماضية 2011 أيضا، أصدرت هيئة  الأنواء الجوية العراقية تحذيرا خطيرا على لسان مديرها العام داود شاكر،  قال فيه،  إنَّ (الزلازل التي تحدث في جنوب شرق تركيا قد تؤدي إلى فيضانات وكوارث طبيعية، خاصة أنَّ تركيا تقوم حاليا ببناء سد على  نهر دجلة)، مبيناً أنَّ (حدوث زلزال قوي في هذه المنطقة مع امتلاء السد بالمياه، سوف تؤدي إلى فيضانات وكوارث طبيعية قد تغمر إقليم كردستان بالكامل).

وأضاف شاكر أنّ (مراصدنا الزلزالية ما زالت ترصد حدوث زلازل ارتدادية في الموصل ودهوك بسبب اصطدام الصفيحة "التكتونية" العربية بالصفيحة التركية)، مشيرا إلى أنَّ (الزلزال الأخير الذي حدث في مدينة وان التركية والذي بلغ قوته 7.3 سبعة وثلاثة بالعشرة على مقياس ريختر قد حدثت قبله هزات عديدة تراوحت بين ثلاثة إلى خمسة على مقياس ريختر). وأشار شاكر إلى أنَّ (الزلازل سوف تستمر في العراق وخاصة في منطقة شرق دجلة بسبب اصطدام "الصفائح التكتونية" العربية والإيرانية والتركية)، لافتا إلى أنَّ (الخارطة الزلزالية للعراق توضح حدوث زلازل، وخاصة في المناطق الشرقية منه، والتي تصل إلى ما بين أربعة إلى ستة على مقياس ريختر).

وفي ذات الشهر، كانت هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي في محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق أعلنت، أنَّ هزة أرضية بقوة 6.6 درجة على مقياس ريختر ضربت مركز المحافظة، من دون أن تتسبب في حدوث أضرار، في حين قال الباحث الجيولوجي في جامعة دهوك رمضان حمزة، إنَّ الهزة الأرضية ناجمة عن تأثر المحافظة بزلزال ضرب ولاية "وان" جنوب شرق تركيا وكان بقوة (7.3) على مقياس ريختر.

الرد الغريب والمحير على هذه التحذيرات، جاء من جهات رسمية كردية، حيث سفَّهت فيه هذه الأخبار والتحذيرات، ونفت احتمال وقوع أية كارثة. فقد قال مدير الأنواء الجوية في محافظة السليمانية دارا حسن إنَّ (التصريحات التي أدلى بها مدير الأنواء الجوية العراقية، حول غرق إقليم كوردستان بالكامل في حال استمرار الزلازل، وحدوث الزلزال الذي ضرب شمال شرق تركيا، وامتلاء السدود التركية بالمياه، مرفوضة جملة وتفصيلا؛ رغم أني لست خبيرا جيولوجيا، الزلازل لا يمكن التنبؤ بها"، معرباً عن أسفه عما بدر من السيد شاكر داود من تصريح بالقول انه ( لمن دواعي أسفي أنْ يصدر هذا الكلام من خبير بالجيولوجيا مثل الدكتور شاكر داود).  أما الأكثر غرابة فهو التهديد الذي أطلقة المدير غير المتخصص في الجيولوجيا دارا حسن، ضد المدير الاتحادي المتخصص بالجيولوجيا داود شاكر، قائلا  إنَّ دائرته تنوي رفع شكوى ضد هذا الأخير، ( لأنه لا يجوز له أنْ يزرع الهلع والخوف في نفوس المواطنين من خلال وسائل الاعلام). وأشار حسن إلى أنَّ ( من المحتمل أنْ يقصد مدير الانواء الجوية العراقي الطوفان الذي حدث في عهد النبي نوح!). مبينا ان كوردستان منطقة جبلية وليس بمقدور شيء أنْ يغرقها إلا الطوفان الذي حدث في عهد نوح، وهذا ما لا يعقل حدوثه. والواقع فإنَّ المسؤول الكردي يخلط بين أمرين لا علاقة لهما ببعض منطقياً، أي بين إمكانيات التنبؤ بحدوث الزلازل وهذا أمر لا يمكن - الآن على الأقل - القيام به عمليا، وبين احتمالات انهيار السدود التركية نتيجة وقوع زلازل وهزات أرضية في منطقة ناشطة زلزاليا. إنَّ أحدا لم يطالب السيد دارا حسن أو سواه أنْ يتنبأ بزمن حدوث الزلازل، ولكنَّ المطلوب منه، ومن جميع المسؤولين في الإقليم وفي العراق كله، أَخْذَ هذا الاحتمال الكارثي بنظر الاعتبار، والتحسب لوقوعه، وإعداد العدة للقيام بكل ما هو ضروري، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتقليل الخسائر إلى الحد الأدنى.

إن المسؤول الكردي، دارا حسن، الذي يريد تقديم زميله الذي حذر من وقوع كارثة محتملة إلى المحاكمة بتهمة إثارة الذعر والرعب، عليه أن يفكر إذا – لا سامح الله – وقعت الكارثة، وغرقت بعض المدن الكردية والعراقية عموما، فماذا سيقول حينها لشعبه؟ هل سيقول: لقد أنقذناكم من الذعر والرعب الذي سببه لكم شاكر داود فسامحونا على موتكم غرقا؟

أما قوله، بأن الفيضانات غير ممكنة لأنَّ الإقليم منطقة جبلية، فهو غير دقيق أيضا، فهناك عشرات المدن في مناطق سهلية وتلولية في إقليم كردستان العراق. أما المناطق الجبلية الشاهقة جدا في الإقليم، فهي لا تتعدى الشريط الحدودي المحاذي للحدود الإيرانية والتركية وهي عشرة جبال تبدأ بجبل سنجار وتنتهي بجبل كورك، ثم أنَّ السدود التركية ذاتها مقامة في مناطق جبلية قد تكون أكثر ارتفاعا.

بمراجعة كلام الخبراء والمتخصصين، نجد أن هناك الكثير من الأدلة والأسباب، التي تعطي لتحذيرات المسؤول العراق الاتحادي سندا علميا قويا، فقد ربط باحث عراقي آخر، متخصص في تغيرات المناخ وهايدروليكية المياه، وأستاذ جامعي في مدينة دهوك، هو رمضان حمزة، بين استمرار تركيا بإنشاء السدود وحجز مياه دجلة والفرات وروافدهما، وبين تعرضها للزلازل والهزات الأرضية. وقال حمزة في تصريحات للصحافة العراقية ( من المعروف ان حزام زاكروس طوروس يمر من تركيا، وهذه المنطقة هي جزء من منطقة تصادم الصفائح التكتونية الثلاث الصغيرة في المنطقة، والتي هي الصفائح العربية والتركية والأورانوسية ، وهذه  الصفائح الثلاث تلتقي في المنطقة، وبسبب التمدد في البحر الاحمر بحدود 2 سنتمتر لكل سنة، والتوسع في خليج عدن، فان ذلك يدفع بالصفيحة العربية إلى التصادم مع الصفيحة التركية وبالتالي دفع الصفيحة التكتونية باتجاه تركيا وايران، علما أنَّ نقطة الضعف الموجودة هي في حزام زاكروس طوروس).

وأوضح الباحث، بما أنّ ( تركيا تقوم  بإنشاء وتنفيذ مشاريع استثمارية وبناء سدود صغيرة وكبيرة، حيث لم تكتفي بالسدود على نهري دجلة والفرات، بل لجأت في الآونة الأخيرة إلى انشاء السدود الصغيرة على روافدهما مثل هيزل وخابور والزاب الاعلى)، مشيرا إلى أنَّ ( هذه المشاريع أدّت إلى تكوين بحيرات اصطناعية، والتي في حقيقتها تكوّن الهزات المجتثة، والأخيرة تساعد وتفعّل نقاط الضعف والتكسرات في الفوالق في المنطقة ...و لمّا كان فالق الأناضول الذي اتجاهه شرقي غربي يمر بالمنطقة، وكثرة الفوالق الثانوية بالمنطقة، مع وجود هذه المشاريع المائية وأعمال مشروع استخراج النفط التركي في منطقة "باطمان" القريبة من نفس المنطقة، كل هذه الأسباب تؤدي إلى زيادة فعاليات الفوالق والصدوع وبالتالي زيادة القوة " الضغط؟"  على هذه الصخور مما يتسبب في حدوث زلازل ويؤثر في المنطقة بشكل اقليمي).

ولخص حمزة رأيه بالقول إنَّ (حجز مياه دجلة والفرات وروافدهما من الجانب التركي له علاقة بزيادة الزلازل، وأحيانا تكون له علاقة مباشرة جدا"، واستدرك بالقول "لكن هذه المرة لم يكن حجز المياه سببا مباشرا، وإنما كان أحد الأسباب التي دفعت هذه المنطقة إلى أن تكون معرضة إلى هزة بهذه القوة).

أما الباحث صاحب الربيعي، فيعتقد بوجود (علاقة طردية بين النشاط الزلزالي وارتفاع السد في المناطق الزلزالية، كما تلعب شدة انحراف المجرى المائي بفعل الفوالق الأرضية العميقة دوراً كبيراً في زيادة النشاط الزلزالي. وتحديداً في منطقة سد الموصل هناك انحراف شديد لنهر دجلة). و لتقليل الخسائر المحتملة للفيضانات الناجمة عن انهيارات السدود بفعل الزلازل، يقترح الربيعي (تطوير مشروع نهر القادسية، الذي يبدأ من نهر العطشان وفرع القادسية وفرع النجف ليلتقيا جنوب غرب الرميثة، ثم يجري نحو محافظة السماوة، ومن ثم إلى منخفض الصلبيات، وطول هذا المنخفض  65 كم، وعرضه 47 كم ومساحته التخزينية 3 مليارات م3، لاستغلال منخفض بحر النجف بعد إجراء الدراسات الجيولوجية لطبقات الخزان لاستخدامه كخزان احتياطي استراتيجي لاستقبال فوائض المياه لتلافي الأضرار المحتملة لانهيار سد الموصل أو لحرب مياه قد تخوضها تركيا ضد العراق حيث يتم من خلالها لإطلاق كميات هائلة من خزين مياهها في مشروع الكاب والتي يمكنها تحويل نصف مساحة سوريا والعراق إلى مستنقعات).

إنَّ هذا المقترح جدير بالاهتمام والدراسة والتطوير فمنخفض بحر النجف، بالإضافة إلى منخفض الثرثار وغيرهما  يمكن أنْ يكون منقذا فعليا للعراق في حالة حدوث أي انهيار لسد تركي، كما يمكن الاستفادة منه، ليس في تصريف واستيعاب مياه الفيضانات المحتملة، بل و في تحلية مياه بحيرة الثرثار وإطلاق المياه الملوثة والمتملحة فيها إلى الجزء الجنوبي من الفرات وبهذا يكون العراق قد كسب خزانا مائيا استراتيجيا من المياه العذبة، يكون كفيلا بأن يخرجه من التهديد والارتهان التركي والإيراني المستمر.

 

*كاتب عراقي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2246 الثلاثاء 16 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم