قضايا وآراء

أزمة المنهج في الصحافة العراقية (2)

التي أثرت بنسب متفاوتة على الفكر، وهددت المجتمع في الصميم.

وقد اتسعت استعارة (المصطلحات) بشكل كبير بحيث أسرت صحافتنا وثقافتنا وأدبنا، فلا تكاد تقرأ مقالاً أو دراسة إلا وتجد مؤلفها يسعى لاقتباس (المصطلحات الدخيلة)، التي لا تمت لفكرنا بصلة، ولا تترجم خصوصيتنا، وسلوكنا الملتزم.

وهنا حقاً المشكلة... حيث يعد ذلك إحدى معالم (غربتنا الثقافية)، فلو نظرنا للموضوع بصورة جادة نرى أننا لا نعيش (أزمة مصطلحات) بالمعنى الحقيقي، لأن المصطلحات الإسلامية والعربية والمحلية بكل اطيافها متناثرة بين طيات ثقافتنا، والتأكيد عليها ذو أهمية كبيرة لـ(تهذيب وتشذيب) شخصية الفرد، وبناء المجتمع على أسس فكرية صحيحة تؤهله للنهوض الحضاري، الذي يجعل التثقيف مقترناً بذات الإنسان ، وبذات المجتمع، ومتشابكاً بتفاعل خلاّق مع تراث حي يمتّ لنا بـ(نسب ومصاهرة).

لهذا فإن الاهتمام بالمصطلحات الاصيلة التي تترجم سلوكنا ومنهجنا وطريقة حياتنا شيء إيجابي وبنّاء، بلحاظ أن ( المناهج الغربية ) عمدت إلى تأليف (دوائر معارف) عديدة، لبرمجة (مصطلحاتها السياسية، والقانونية، والفكرية، والفلسفية) لشعورها بأهمية هذا العمل وحيويته، وتأثيره على (الفكر والعاطفة) أو لنقل بتعبير أصح على (العقل والقلب) معاً.

ولا يعني هذا بأننا ندعو لأن نسجن أنفسنا في (قفص من زجاج)، ونغلق باب الاستفادة من إيجابيات وفكر الحضارات الأخرى، على العكس، نحن نريد الانفتاح على الخارج، ولكن بشروط ومواصفات معينة، لكي نضمن عدم ضياع هويتنا الفكرية.

 والدعوة مفتوحة ضمن هذا الإطار لكي تتسع المدارك العقلية لرؤية الأشياء من زواياها المتعددة، لا من زاوية واحدة حرجة وضيّقة.

من وحي ما أسلفنا نستطيع القول بأن استعمال (مصطلحات) لا تمتّ لواقعنا بصلة، يؤدي إلى تناقضات فكرية عديدة، كما حدث سابقاً عند استعارة مصطلح (المنطق الجدلي) أو (مادية التأريخ) من (مناهج اشتراكية ماركسية).

 وقد ذهب بعض مفكرينا إلى استعارة (مصطلحات وألفاظ) دون إدراك واع لمضامينها، كما في مصطلح (البولتيك)، وهو كلمة أوروبية تعني السياسة، ومصطلح (العلمانية) المأخوذ من كلمة (لاييك) الفرنسية، التي تعني (لا ديني)، معبرة عن الاتجاه السياسي الذي قضى على سلطة الكنيسة غير المتفهمة لمنطق العقل والعلم في العصور الاوروبية المظلمة .

 

الدكتور قاسم خضير عباس

باحث قانوني وكاتب

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1226 الخميس 12/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم