قضايا وآراء

الإسلام وإشكالاته المعاصرة.. وفهم الغرب لها (2)

والمرأة في القرآن، والختان، واختلاف العلماء والمثقفين، والمرأة في العالم الإسلامي المعاصر، وما إلى ذلك. لكن أهم عنصر يسترعي الانتباه في تناول الكاتب، هو معالجته لبعض المواقف السائدة داخل الثقافة الإسلامية من قضية المرأة. يقول: "من جهة أولى يعتقد المسلمون المتشددون أن المرأة منحت الحرية الحقيقية في الإسلام، وأن الرسول حرر النساء، وأن ثمة مساواة بين الرجل والمرأة، وأن غير المسلمين أخطأوا في فهم هذا الموضوع، ومن جهة أخرى يقف منتقدو الإسلام الذين يرون أن المرأة اضطهدت في الثقافة الإسلامية، وأن الرسول احتقر المرأة، وأن القرآن يتضمن مواقف تسيء إلى المرأة، لذلك فالكثير من غير المسلمين يعتقدون أن في الشريعة والتقاليد الإسلامية تعامل المرأة كمواطن من الدرجة الثانية، حيث تتعرض لسوء المعاملة في أغلب الدول الإسلامية". ص 67

وقد عزز موقف الفريق الأول بجملة من المبررات، لا يتسع المجال لذكرها كلها، وأهمها هي: تحرير الإسلام للبنات من الوأد، المساواة بين الرجل والمرأة غير أن لها دورا آخر، حق التعليم للمرأة، قدسية العلاقة الزوجية، تلبية الرغبة الجنسية للمرأة وحسن المعاشرة، حق المرأة في الإرث، وغير ذلك.

كما عضد موقف الفريق الثاني كذلك بمجموعة من الذرائع، وأهمها هي: الكثير من النسوة سوف يدخلن النار، زواج الرسول من عائشة وهي في سن السادسة، النساء ضعيفات عقل، صلاة الرجل باطلة إذا مر أمامه قرد أو كلب أو امرأة...

وقد راح الكاتب يعرض كل قضية بأسلوب تقريبي، استنادا إلى ما اطلع عليه من أدلة في مختلف المصادر والكتب، غير أن ما يؤاخذ عليه هو أنه قدم تقسيما مجحفا لمواقف المسلمين من المرأة في الثقافة الإسلامية، فهو لا يعكس حقيقة تلك المواقف كما هي، ما دام أنه اقتصر على موقفين؛ المتشدد والمنتقد، وهو بذلك يرتدي نظارة لا يلمح بواسطتها من الثقافة الإسلامية إلا اللونين الأبيض والأسود، فأين هي ألوان الطيف الأخرى؛ أين موقف المعتدلين، أين موقف المثقفين المستقلين، أين موقف المفكرين والباحثين والأدباء والفنانين...

 

ت‌-  من الجهاد إلى الإرهاب

يرى الكاتب أن مصطلح الجهاد تغير معناه، إذ إن "11 سبتمبر 2001 غيرت بالمطلق مؤدى كلمة الجهاد، ومع أن الكثير من المسلمين يؤكدون أن هذه الكلمة عادة ما تعني الكفاح والمجاهدة النفسية، غير أن المناضلين الإسلاميين يقدمون رؤية أكثر سوداوية حول هذه الكلمة، التي تعني لديهم: الحرب المقدسة". ص 81 ثم إن "مأساة 11 سبتمبر خلقت مواجهة طويلة ومريرة طفت على السطح، وذلك حول دلالة كلمة الجهاد، والطبيعة الحقيقية للإسلام" ص 82، وقد حاول استخلاص بعض الحقائق المتعلقة في الإسلام بمفهوم الجهاد، التي كثيرا ما كانت مثار النقاش، وهي كالآتي:

    القرآن يستعمل مصطلح الجهاد عندما يتعلق الأمر بمجاهدة النفس وكفاحها من قبل الشخص.

    القرآن يوظف مصطلح الجهاد عندما يتعلق الأمر بالحرب المقدسة أو أي مواجهة مسلحة.

    الرسول كثيرا ما كان يحضر ويشارك في المواجهة المسلحة.

    الرسول يقول أن الإسلام ينبغي أن ينشر في العالم قاطبة.

    الشريعة الإسلامية تبرر الدفاع عن النفس وبعض الأعمال الحربية.

    المسلمون لم يفتحوا البلدان والشعوب غير العربية عن طريق الحرب.

    المسلمون يقسمون العالم إلى قسمين: المسلم وغير المسلم.

    الكثير من المسلمين يرون أن كل الدول ينبغي أن تخضع للشريعة الإسلامية.

    الكثير من المسلمين متسلطون وغير ديمقراطيين ويرفضون معارضة المنشقين.

انطلاقا من هذه الحقائق، يخلص الكاتب إلى أنه ثمة نوعين من الإسلام، الأول تمثله الأغلبية الساحقة من المسلمين، التي ترى أن أيا من العناصر المذكورة تبرر ممارسة الإرهاب، وأن ما ورد في القرآن الكريم عن الحرب، لا ينطبق على أحداث 11 سبتمبر. أما الثاني فيمثله المتطرفون الذين يرون في العمليات التي يقومون بها، على أنها الجهاد الحقيقي، وعلى أنها الحرب المقدسة ضد المشركين وأعداء الإسلام. هكذا فإن 11 سبتمبر أظهرت أن ثمة إسلاما آخر؛ إسلام المسلمين المستعدين للموت في سبيل الله.

بغض النظر عن ارتباط الإسلام بموضوع الإرهاب، بسبب توظيفه من قبل جهات معينة، لأغراض دينية أو أيديولوجية أو دفاعية، فإن الحقائق التي أوردها الكاتب، يمكن أن تسري على كل دين، فإذا ما حذفنا كلمة الإسلام وعوضناها بالمسيحية أو اليهودية أو حتى الهندوسية، نجد أن كل واحدة من هذه الديانات، تدعو إلى مجاهدة النفس، وإلى محاربة الأعداء، وتسعى إلى الانتشار عن طريق التبشير أو الحروب، وأنها تنظر إلى العالم نظرة ثنائية، وما إلى ذلك.

لا يقف الكاتب عند حد توصيف إشكالية الإرهاب في الإسلام المعاصر، وإنما يحاول البحث في الأسباب المؤدية إليه، حتى يتمكن من استيعاب هذه الظاهرة الطارئة وفهم ملابساتها الخفية والمعلنة، وقد حدد ست طرائق مختلفة يمكن أن نتعاطى بها لظاهرة الإرهاب عامة، وأحداث 11 سبتمبر خاصة، وهي طرائق استمدها من مختلف التفسيرات والطروح، وهي كالآتي:

1.   الإرهابيون مرضى نفسيا، لا يمكن تصور ما قاموا به، فهو خارج المنطق، ولا معقول!

2.   الإرهابيون مجسدون للشر، ولا يمكن تفسير سلوكهم إلا بأنه بغض شيطاني.

3.   إيديولوجيا الإرهاب، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية عدوة الله والإسلام، فهي تستحق أن تخرب!

4.   هذه العملية الإرهابية أظهرت أن الإسلام دين السيف، وأن الإسلام سبب الشر.

5.   ذنب أمريكا، التي تتسلط على العالم الإسلامي، وتساعد إسرائيل على اضطهاد الفلسطينيين.

6.   عداء أمريكا آت من حسد المسلمين لها على رفاهيتها وحريتها التي يفتقدونها في بلدانهم.

إن التفسيرات الذي أثبتها الكاتب، تنطوي على جانب معين من المصداقية، غير أنها كلها لا تقدم المصداقية الكافية لحل إشكالية الإرهاب المستشري في سائر أطراف الكرة الأرضية، حيثما وجدت المصالح الغربية عامة، والأمريكية خاصة، لماذا لم يتساءل الكاتب ولو للحظة؛ لماذا لا يستهدف الإرهاب إلا المصالح الأمريكية ومصالح كل من يدور في فلك السياسة الأمريكية؟ لماذا لم يستهدف الإرهاب المصالح الصينية مثلا، علما بأن الصين أصبحت تمثل اليوم أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وثقافية؟! إن الإرهاب ليس مرضا نفسيا، ولا تجسيدا للشر، ولا إيديولوجيا عشوائية، ولا نشرا للإسلام بالسيف، ولا حسدا لأمريكا، ولا غير ذلك. وإنما رد فعل على إرهاب أكبر منه، إرهاب يتأسس على ثقافة الظلم والاحتقار والاستعلاء والاستعمار، حيث أنه لو بقيت أمريكا في حدودها، منشغلة بقضاياها الداخلية، لما وصلت الأمور إلى هذه الدرجة؛ إن الإرهاب الحقيقي هو الذي بدأته أمريكا، التي باركت المشروع الصهيوني، والبادئ أظلم! فكان من الطبيعي أن ينشأ رد فعل أعنف منه، وهو ما يطلق عليه في الأدبيات الغربية بالإرهاب الإسلامي، غير أنه في الحقيقة ما هو إلا شكل من أشكال المقاومة، التي تمارسها كل المخلوقات عندما تكون مهددة من أي عدو خارجي، فما بالك والإنسان! لذلك فالكاتب جيمس أ. بيفيرلي يؤاخذ عليه أنه يتعامل مع المكون الإسرائيلي تعاملا عاديا، كأنه بريء براءة الذئب من قميص ابن يعقوب! وهو يدرك الأخطاء التاريخية القاتلة التي ارتكبتها الصهيونية في حق الفلسطينيين والعرب. لذلك فحل ما يدعونه الإرهاب الإسلامي لا يوجد في يد المسلمين، بقدر ما هو موجود في يد الجانب الصهيوني، وهو يدرك ذلك غير أنه يتمادى في غيه، مهووسا بقوته وجبروته!

    

ث‌-  فلسطين

وقد خصص الكاتب فصلا كاملا عنونه بـ (فلسطين)، غير أنه سلط فيه الضوء أكثر على إسرائيل، فكان من الأفضل لو أنه أطلق عليه (إسرائيل)، كما أنه حاول تقريب بعض الجوانب التاريخية والواقعية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، غير أنه يدرك من تناوله أنه يميل إلى الكفة الإسرائيلية، ليس بتبرير ما تمارسه من خروق واعتداءات، فهو يدين كلا الطرفين، وإنما بتبرير حقها في الوجود على أرض فلسطين، وهذا ما نستوعبه من خلال الملاحظات الآتية:

    يربط الحديث على الوجود الفلسطيني بمجيء أول موجة من المهاجرين اليهود إليها سنة 1882. ولم يول أهمية كافية لتاريخ فلسطين الممتد، فهو بذلك يحرق ماضي الشعب الفلسطيني الذي يتجذر في تلك الأرض كما تتجذر أشجار الزيتون!

    يتناول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما لو أن الفلسطينيين هم الذين تسببوا فيه تاريخيا، ويصعدونه واقعيا، ويغض الطرف عن تواطؤ الغرب الرأسمالي والاستعماري، عندما قدم فلسطين على طبق من ذهب للحركة الصهيونية.

    يرى أنه طوال حوالي 120 سنة ضيعت الكثير من فرص السلام ووضع حد لذلك الصراع، سواء من قبل اليهود أم من لدن العرب، لأن الجميع كانوا يسمعون إلى أصوات مغلوطة. لكن كيف للضحية أن تعقد السلام مع الجلاد، الذي سرق أرضها على مرأى من العالم.

      يظهر نوعا من الشفقة في معالجة قضية فلسطين، غير أنه يتحدث عن إسرائيل كما أنها هي صاحبة الحق! وأن الصواب معها! وأن من حقها أن تدافع عن وجودها وترابها وثقافتها.

    يشير إلى إرهاب الحركات الإسلامية الذي يستهدف إسرائيل، غير أنه لم يكترث بالإرهاب الإسرائيلي الغاشم، الذي يعتبره نوعا من الدفاع عن النفس ومواجهة الأعداء.

ثم لفهم أبعاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أكثر، يتطرق إلى أهم المواقف التي تحضر بقوة داخل هذا الصراع، وهي حسب تقديره أربعة مواقف:

1.   موقف اليهود المتشددين: وهو أن تأسيس دولة إسرائيل حقيقة تاريخية ومعنوية، فبعد أن تشرد اليهود طوال قرون في العالم، وعانوا الويلات حيث تعرضوا للتهميش والإقصاء والمحارق، آن الأوان لأن يعودوا إلى أرضهم، ولهم كل الحق في ذلك. فكانت النتيجة أن أسسوا دولة إسرائيل في 15 مايو 1948، ليرجعوا أول مرة منذ 2000 سنة إلى وطنهم الأصل.

2.   موقف اليهود المعتدلين: الذين يرون أن قيام دولة إسرائيل مصدر للبهجة والسرور، وأنها معجزة إلهية، غير أنه لم تراع حقوق الفلسطينيين والعرب الذين كانوا يستقرون في هذه الأرض عندما عدنا إليها، وإنما هجرناهم من مساكنهم وقراهم، وخربنا بيوتهم، وقام جنودنا بتعذيبهم؛ إننا نحن أنفسنا نشكل أمة إرهابية في عيون الفلسطينيين.

3.   موقف الفلسطينيين المتشددين: الذين يعتقدون أن فلسطين وطن أصلي للفلسطينيين والعرب منذ قرون طويلة، وقد استولت عليه الصهيونية بالقوة والسلب، إذ أنه عندما خرج المستعمر البريطاني من فلسطين سلمها للصهاينة، لذلك فمن الواجب علينا أن الجهاد من أجل استرداد أرضنا، وتنقيتها من وسخ اليهود، ولن نتوقف عن ذلك حتى ينسحب كل اليهود منها.

4.   موقف الفلسطينيين المعتدلين: الذين يرون أنه عندما هاجر اليهود إلى فلسطين، كنا نستقر هناك، لذلك فلنا الحق في إقامة دولتنا، وهو الطريق الأنجع للاعتراف بإسرائيل، وعدم كراهية اليهود ومعاداتهم، والتنازل عن فكرة تنحية إسرائيل من الخريطة. 

لعل القاريء سوف يتساءل؛ لماذا الحديث عن القضية الفلسطينية، ونحن بصدد دراسة صورة الإسلام في الفكر الغربي المعاصر؟ في الحقيقة، رغم أن فلسطين توجد خارج رقعة الغرب، غير أنها تحضر بكثافة في فكر وإعلام وسياسة وواقع الغرب، فالقضية الفلسطينية، كما نعتقد، هي الموجه الأساس لعلاقة الغرب بالإسلام، وهذا ما غاب عن المفكر المسيحي جيمس أ. بيفيرلي الذي تناول مجموعة من القضايا الإسلامية، مفصولة عن بعضها البعض، في حين أن ثمة تداخلا عميقا فيما بينها، وقد تنبه المفكر هانس كونغ، لأهمية القضية الفلسطينية في السياق العالمي الجديد، عندما استنكر صمت الغرب، وهو يردد: أنه لا يمكن السكوت عما تفعله إسرائيل في القضية الفلسطينية. ص 108

 

خلاصة القول...

إن هذه القراءة التي تندرج في نطاق الاقتراب من الصورة، التي ينسجها الفكر الغربي المعاصر حول الإسلام، انفتحت على صوت غير معروف، بما فيه الكفاية، في العالم الإسلامي، وهو المفكر الأمريكي جيمس أ. بيفيرلي، من خلال كتابه (دليل حول الإسلام)، الذي أسهم في حياكة رؤية عامة بشأن حقيقة الإسلام وأهم مكوناته، وهي رؤية ذات مقصدين؛ أولهما تقديم صورة مركزة وموضوعية حول الإسلام للغرب غير المسلم، الذي يجهل حقيقة هذا الدين التاريخية والواقعية، وهذا ما وعد به منذ البداية في مقدمة الكتاب، وثانيهما محاولة استيعاب مختلف الإشكالات التي يطرحها الإسلام في العالم المعاصر، فهل تمكن الكاتب من تحقيق هذين المقصدين؟ لعله من جهة أولى ساهم في التعريف بحقيقة الإسلام للغرب، وهو تعريف من شأنه أن يحفز الكثيرين على الاقتراب أكثر من هذا الدين، والثقافة التي يحملها المتدينون به، غير أنه من جهة أخرى كشف عن أن الكاتب لم يستطع التخلي عن أحكام القيمة التي تترسب في لا وعيه، حيث يضع المسلمين في سلة واحدة، فلا فرق بين المتشدد والمعتدل، ويتناول ظاهرة الإرهاب بالطريقة نفسها التي تطرحها المخابرات الأمريكية، ويتعامل مع إسرائيل كما أنها الضحية..!

 

 

بقلم/التجاني بولعوالي

باحث مغربي مقيم بهولندا

www.tijaniboulaouali.nl

...................

الهوامش:   

1-   Wegwijzer over islam, James A Beverley, vertaler, Harold ten Cate, Elia stichting, 1e druk, september 2002/دليل حول الإسلام، جيمس أ بيفيرلي، ترجمة، هارولد تن كات، جمعية إليا، ط1/سبتمبر 2002

2-   وللاطلاع أكثر على سيرة المفكر جيمس أ. بيفيرلي، يمكن زيارة موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية، وهو:

 http://www.jimbeverley.com

3-   يتضمن الكتاب حوالي 130 صفحة من القطع الصغير، وهو يشبه كتاب الجيب، وقد صدر في سلسلة تحمل عنوان: سلسلة أدلة مصغرة حول الأديان.

    

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1232 الاربعاء 18/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم