قضايا وآراء

الإسلام وإشكالاته المعاصرة.. وفهم الغرب لها

اكتشفت أن صاحبه يكتب عن الدين الإسلامي بطريقة قلما تحضر عند الكثير من المثقفين والمفكرين الغربيين المعاصرين، الذين صعد نجمهم فجأة في ميدان الدراسات الغربية التي تهتم بالإسلام؛ عقيدة وتاريخا وثقافة وأتباعا وغير ذلك، فعنت لي فكرة أن أحبر هذه الورقة عن هذا المثقف المغمور عربيا وإسلاميا، وعن نظرته إلى الإسلام، وهي في واقع الأمر نظرة تتراوح بين الموضوعية ولو النسبية والنقد العلمي المنفتح، بعيدا عن خطاب التنقيص والإساءة الذي استفحل في الآونة الأخيرة لدى الكثير من المهتمين الغربيين بالإسلام، من مفكرين وباحثين وإعلاميين وسياسيين وفنانين... ترى من هو هذا المفكر، وما هي أهم جوانب سيرته العلمية والفكرية؟

إنه جيمس أ. بيفيرلي المدير المساعد في المعهد الأمريكي لدراسة الدين في سانتا باربارا بكاليفورنيا، وأستاذ في مؤسسة تايندال في تورنتو بكندا، ويساهم في تحرير مجلة المسيحية اليوم، كما يشارك باستمرار في مجلات مختلفة، كالإيمان اليوم، والهيبة وغيرهما. وتتعدد مجالات اهتمامه، كالأديان الجديدة في العالم، والأخلاق المسيحية، ولاهوت الكاثوليكية الرومانية، وعلم الدفاع عن المسيحية وغير ذلك. مما يجعله يرتبط بمختلف المؤسسات الأكاديمية والدينية، كالأكاديمية الأمريكية للدين، والجمعية اللاهوتية الإنجيليكية، والجمعية الكندية لدراسة الدين، والجمعية العلمية لدراسة الدين، والجمعية الفلسفية الإنجيليكية. لذلك فهو عادة ما يحضر ويحاضر في الاجتماعات السنوية التي تعقدها الجمعية اللاهوتية الإنجيليكية والأكاديمية الأمريكية للدين. كما أنه يعتبر خبيرا في القضايا المدنية والجنائية المتعلقة بالحركات الدينية المعاصرة. وقد عمل أستاذا في مختلف أنحاء العالم، كأوروبا والهند وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية. وقد ألف مجموعة من الكتب، أهمها: السيد المسيح والإسلام، الإسلام في أمريكا، وموسوعة الأديان، وغير ذلك (2).

ويحاول جيمس أ. بيفيرلي من خلال هذا الدليل الموجز والمركز (3) الذي يعقده حول الإسلام، الإجابة عن سؤالين محوريين كما يشير في مقدمة الكتاب، وهما كالآتي:

    من هم المسلمون؟ وما هي طبيعة العقيدة التي يؤمنون بها؟

    ما علاقة المسلمين بما أصبح يعرف بالإرهاب العالمي؟

 

ويظهر أثناء قراءة هذا الدليل أن الكاتب ينطلق في تفسير هذه الأسئلة ذات الطابع الإشكالي في التصور الغربي المعاصر، من دراسة شبه موضوعية ومعمقة للإسلام، حيث يعتمد مختلف المصادر والطروح المستقاة من التراث الفكري والديني الإسلامي نفسه، لا مما تتناقله وسائل الإعلام الغربية، من كتابات صحافية ومقالات غير علمية، كما نعهد عند الكثير من الكتاب والمثقفين الغربيين المعاصرين، لذلك انطوى تناوله على اطلاع جيد وواسع عن الإسلام؛ دينا وتاريخا وتيارات وعادات وتقاليد، فضلا عن ذلك، فهو يحاول من خلال هذا التناول تقديم صورة تقريبية حول الإسلام لغير المسلمين، حتى يتمكنوا من استيعاب الكثير من الجوانب المشكلة في الدين والثقافة الإسلاميين، وهي جوانب يستعصى فهمها مباشرة من قبل المواطن الغربي العادي، وذلك بسبب نوعية التفكير الذي جبل عليه، لا سيما بخصوص ما هو إسلامي.

إن الباعث الذي يدعو الكاتب إلى نهج هذا الأسلوب في تناول الدين الإسلامي، ينشأ من استشعاره بأن ثمة حاجة ماسة من قبل الغرب إلى معرفة الإسلام، يقول: "يبدو أن ثمة اليوم أكثر من ذي قبل حاجة ماسة وطلب كبير إلى المعلومات حول الإسلام وحقيقته، حول رسوله (صلى الله عليه وسلم)، حول كتابه المقدس (القرآن). الناس يريدون معرفة ماذا يعلم الإسلام في الواقع المعاصر حول دور المرأة، حول الجهاد والإرهاب، حول القضية الفلسطينية ومواقفها من إسرائيل". ص 5 وسوف يعمل الكاتب على معالجة جل القضايا المشار إليها في قوله هذا، بداية من حقيقة الإسلام، ووصولا إلى القضية الفلسطينية. وقد أكد بأنه سوف يتناولها بدقة وموضوعية وصدق، يقول: "المقصد من هذا الكتاب هو إعطاء معلومات دقيقة وموضوعية وصادقة حول كل هذه القضايا. إن هذا الدليل حول الإسلام يهدف أساسا إلى تقديم أهم الأحداث الأساسية ووجهات النظر". ص 6 فهل سوف يف الكاتب بهذا الوعد الذي حمله على نفسه في مقدمة هذا الكتاب؟

 

لمحة عامة ومركزة حول أهم قضايا الدين الإسلامي

قام الكاتب جيمس أ. بيفيرلي في دليله حول الإسلام بمعالجة أهم القضايا التي ترتبط بهذا الدين، التي من شأنها أن تشكل أهم المفاتيح التي تمكن الإنسان غير المسلم، خصوصا الغربي، من فهم ما استغلق عليه واستشكل من هذا الدين وثقافته وتاريخه وعباداته، ثم إن الاطلاع الجاد والمحايد على هذه القضايا المدروسة بإمكانه أن يشكل لدى الرأي العام الغربي، صورة موضوعية تقربه من حقيقة الإسلام، الذي تجهله الأغلبية الساحقة من الغربيين، بما في ذلك حتى من تسنى لهم التعرف عليه، لأنه غالبا ما يتم ذلك التعرف من خلال بعض المصادر غير الموثوق فيها، مما يجعلهم ينسجون صورة مشوهة حول الإسلام والمسلمين.

وتتحدد أهم القضايا التي تناولها الكاتب في: حقيقة الإسلام، الرسول صلى الله عليه وسلم، القرآن الكريم، المسلمون، المرأة، الجهاد والتطرف، فلسطين. سوف نتريث في هذا الشق من هذه القراءة عند القضايا الثلاث الأولى (الإسلام، الرسول، القرآن)، التي تعامل معها الكاتب تعاملا وصفيا سكونيا ينبني على شرح القضية، ونقل المعلومة إلى من لا يعلمها، في حين سوف نخصص الشق الموالي للقضايا الأربع المتبقية (المسلمون، المرأة، الجهاد، فلسطين)، التي تناولها الكاتب باعتبارها إشكالات تطرح نفسها بقوة في العالم المعاصر، لذلك كان يعمل فيها رأيه أكثر مما ينقل كما سوف نرى في القضايا الثلاث الأولى. 

 

أ‌- الإسلام وحقيقته

أشار الكاتب بدءا إلى أن كل واحد من ستة من ساكنة الكرة الأرضية يعتبر مسلما، أي من أتباع الإسلام، الذي يعد الديانة الثانية الأكبر عالميا بعد المسيحية، حيث إنه انطلاقا من القرن السادس بعد المسيح صار يشكل الإسلام قوة دينية وثقافية وسياسية. أما في العصر الحالي فيؤدي الإسلام دور الهيمنة في الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من أفريقيا وأسيا. ص 8 هكذا بعد هذا التمهيد المقتضب، سوف ينطلق الكاتب ليعرف بحقيقة الإسلام تعريفا علميا مركزا، نفتقده حتى لدى الكثير من المثقفين والكتاب المسلمين المعاصرين. وقد توقف في ذلك عند ثلاثة جوانب أساسية وهي:

1-   تطرق في الجانب الأول إلى أهم مرتكزات الإسلام وهي حسب تقديره أربعة:

1- الإيمان المطلق بالله تعالى والخضوع له بالعبادة، 2- الاعتقاد المطلق بأن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وأنه معصوم، 3- الإيمان بأن القرآن كلام الله تعالى وأنه المصدر الأول لكل المسلمين، 4- النظر إلى الإسلام باعتباره دين القانون، وهذا القانون هو الشريعة الإسلامية.

2-   تعرض في الجانب الثاني بالشرح إلى أركان الإسلام الخمسة، وهي: الشهادتان، الصلاة، الصوم، الزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلا.

3-   أما في الجانب الثالث فقد اجتهد الكاتب في تناول سبعة أمور، رأى أنها من الأهمية بمكان في الإسلام، وهذه الأمور هي:

    الاعتقاد بأن الإسلام كان قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه ظهر عندما خلق الله تعالى أبانا آدم عليه السلام، الذي كان مسلما، كما أن مؤمني اليهود والمسيحية كانوا كذلك على دين الإسلام.

    عدم اعتقاد المسلمين بما يطلق عليه الكاتب (إرث الخطيئة)، حيث أن الناس كما هو في الدين المسيحي ولدوا للتكفير عن خطيئة آدم عليه السلام، فهذا غير وارد في الإسلام.

    الإيمان المطلق بوحدانية الله تعالى ومشيئته.

    الاعتقاد بأن الكون ليس خاصا بالإنسان وحده، وإنما هو كذلك موطن لباقي المخلوقات من ملائكة وجن وشياطين وغيرها.

    الإيمان باليوم الآخر حيث سوف يحاسب الإنسان على ما فعل في دنياه، فيجازى بالحياة الأبدية إما في الجنة وإما في النار.

    الإيمان بأن الحياة الخالدة للمؤمنين تتحقق في الجنة، وهي حياة رغيدة يعيش فيها الإنسان في هناء ونعيم.

    احترام المسلمين لعيسى عليه السلام واعتباره كذلك نبي الإسلام.

في حقيقة الأمر، إن ما يؤاخذ على الكاتب في الجانب الأخير، أنه عوض ما يتناول أركان الإيمان الستة، التي هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فإنه اجتهد في تجميع سبعة أمور أساسية في الإسلام، وهي كلها، كما يتضح للعيان، مستوحاة من أركان الإيمان؛ فحديثه عن أن الأرض كذلك موطن للملائكة وغيرها من المخلوقات، يحيل على الركن الثاني من أركان الإيمان الذي هو الإيمان بالملائكة، وحديثه عن عيسى عليه السلام، يحيل على الإيمان بالرسل، وغير ذلك.

 

ب‌-  محمد (صلى الله عليه وسلم)

يعقد الكاتب هذا الفصل للحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن مختلف جوانب حياته الشخصية والعامة المتعلقة بالدعوة الإسلامية، وهو يدرك بعمق عظمة هذا الشخص وتأثيره العميق في مسار التاريخ الإنساني، وما يسترعي النظر في هذا الفصل، هو العنصر الأخير الذي خصصه لأهم المواقف تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يرى بأن ثمة نوعا من الانقسام في المواقف من هذا الشخص، وهذا لا يشكل في نظره أي مفاجأة، لا سيما وأن حياة الرسول، حسب رأيه، تتضمن الكثير من الجوانب التي من شأنها أن تخلق اختلافا في المواقف، مثل بعض الأمور الخارقة وغير العادية، والحروب الكثيرة التي تمت من أجل نشر الإسلام، ليس ضد الأجانب فحسب، وإنما كذلك فيما بين المسلمين أنفسهم. ص 25 وتتخذ هذه المواقف ثلاثة اتجاهات:

?   موقف المسلمين الصادقين من محمد صلى الله عليه وسلم: وهو موقف إيجابي، جعل الكاتب يقارن الاحترام الذي يكنه المسلمون لرسولهم صلى الله عليه وسلم، باحترام المسيحيين لعيسى عليه السلام، وحب الهنود لكريشنا، وتبجيل السيخ لخورو ناناك، والبوذيين لبوذا. ص 26، وهي في الحقيقة مقارنة لا يقبلها أي مسلم صادق، ولو أنها ذات طبيعة مجازية، لأنه ليس من المعقول أن يوضع كل من الرسول صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام في المرتبة نفسها التي يوضع فيها كريشنا وناناك وبوذا، وليس من المنطقي أن يماثل الإسلام والمسيحية بالهندوسية والبوذية! ثم إن الكاتب يخلص إلى أن هذا التبجيل الشديد من المسلمين لنبيهم عليه الصلاة والسلام، من شأنه أن يجعلهم يسخطون بشدة على كل من يسيء إليه، وقد مثل لذلك بموقف الشيخ أحمد ديدات من الكاتب سلمان رشدي في آياته الشيطانية، حيث أصدر ضده منشورا يحمل عنوان: كيف يوقع رشدي الغرب في الحماقة! ص 26

?   موقف غير المسلمين الذين يعترفون بأهمية الإسلام: وهو كذلك موقف إيجابي لصالح الإسلام، وقد أورد الكاتب آراء لبعض المفكرين الغربيين المشهورين، مثل الفونس دو لا مارتين وهانس كونغ. لقد تريث الفونس دو لا مارتين في وصفه لتاريخ الأتراك عند شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، معتبرا إياه عبقريا بكل المقاييس الإنسانية، إذ إن أغلب المشاهير صنعوا السلاح وسنوا القوانين وشكلوا الإمبراطوريات، ومع أنهم تمكنوا من تحقيق شيء ما، فإن ذلك لا يتعدى الهيمنة أو القوة المادية، في حين أنه هذا الشخص لم يقتصر على تكوين الجيش، وتنظيم الدولة والشعب بالقوانين، وإنما قاد ملايين الناس، وأكثر من ذلك، نحى الطواغيت، وهدم الأوثان والعقائد؛ أثر بعمق في الأفكار، والاعتقادات، وكذا في نفوس الناس. ص 28 أما هانس كونغ فقد تعرض إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابه (المسيحية والأديان العالمية)، حيث استشهد بنص من وثيقة لجمعية أساقفة الفاتيكان، جاء فيه أن الكنيسة الكاثوليكية تنظر باحترام كبير إلى المسلمين الذين يؤمنون بالإله الحق الذي خاطب الناس، وقد علق على هذا النص، "بأنه ينبغي لهذه الكنيسة وغيرها من الكنائس المسيحية أن تنظر كذلك باحترام كبير إلى هذا الشخص، الذي ألغي اسمه بخجل من هذه الوثيقة، ذلك بأنه تمكن من توحيد وتوجيه المسلمين إلى عبادة الإله الأوحد، الذي بواسطته تكلم: محمد، الرسول". ص 29 

?   موقف معاد من قبل غير المسلمين: وهو موقف سلبي ينعت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مصدر الشر، ويذهب الكاتب إلى أن هذا الموقف التنقيصي بدأ أثناء الحروب الصليبية وبعدها، وبالتحديد أثناء اصطدام الجيوش الإسلامية في مناطق وبلدان كانت تحت النفوذ الروماني الموجه من قبل الكنيسة الكاثوليكية، وما دام أن الإسلام كان يشكل تهديدا لامتداد إمبراطوريتهم، فإنهم كانوا يرون في رسوله معاديا للمسيحية، وخير من مثل ذلك التيار التنقيصي المعادي للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، حسب جيمس أ بيفيرلي، هو صاحب ملحمة الكوميديا الإلهية الشهيرة، دانتي ألجييري الذي ولد في مدينة فلورنس بإيطاليا سنة 1265م. إذ وضع رسول الإسلام في أسفل درك من الجحيم، وقد استوحى منه هذه الفكرة ويليام إ فيبس، في كتابه (محمد والمسيح)، فزعم أن قدر محمد هو أنه يتلقى عقوبات عظيمة وخالدة في النار! ص 29 ثم إن فيبس لا يقف عند هذا الحد، وإنما يتبنى أفكار لوثر المعادية للرسول صلى الله عليه وسلم، ويردد بلسان سليط: "هل سوف يعقل أن يدعى رسولا، من كان أبلها يستشيط غضبا وحمارا؟ لما تملكت أشباح الكذب من نفسية محمد، وأمات الشيطان بقرآنه نفوس الناس، وخرب إيمان المسيحيين، تأتى له أن يستمر والسيف بيده ليقتل أجسامهم كذلك". ص 30 أما المثقفين العلمانيين فيرى الكاتب أن عداءهم للرسول صلى الله عليه وسلم كان أقل حدة، غير أنهم كانوا ينعتونه بالجهل والهمجية واللاعقلانية والنفاق واستعمال السيف وحب النساء... وبعد حادث 11 سبتمبر مباشرة راح الكثير من الكتاب والإعلاميين والمثقفين يركزون على ما يعتقدونه الجوانب المظلمة من حياة محمد! مبررين أن تلك الأعمال الإرهابية التي تمارس على الغرب، إنما تنبع من دراسة سيرة حياته. وقبل إنهاء هذا العنصر، تجدر الإشارة إلى أنه ينبغي للمسلمين أن يتنبهوا لمثل هذه المواقف التاريخية المعادية للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، لا سيما من قبل أشخاص يعتبرون في الثقافة العربية والإسلامية المعاصرة من عظماء الغرب (مثل نموذجي دانتي ومارتن لوثر المشار إليهما أعلاه)، الذين يدرسون في مدارسنا وجامعاتنا، وينظر إليهم بنوع من التقدير والإجلال، في حين أنهم أساءوا بشدة إلى ديننا وثقافتنا ورموزنا!

 

ت‌-  القرآن الكريم       

قام الكاتب في بداية هذا الفصل بوصف القرآن الكريم، فأشار إلى أنه يتضمن حوالي 6000 آية، وأن الكثير من المسلمين يحفظونه على ظهر قلب، مما يثبت مدى أهميته في العالم الإسلامي، وقيمته لدى كل مسلم. ثم تحدث عن أصله وكيف تلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تناول بنية هذا الكتاب، وأهم التيمات التي يحتوي عليها، وهي حسب تقديره ثمانية، تتحدد في: الله، محمد، المعلومات المستوحاة من العهدين القديم والجديد، عيسى، المؤمنون، المشركون، الجنة والنار ويوم الحساب. ويبدو أن أغلب ما أورده الكاتب أثناء تناوله من أفكار ومعلومات لا تخرج على ما هو سائد في الأدبيات الإسلامية، لذلك ارتأينا أن نمر عليها مرور الكرام، تفاديا للتكرار والإسهاب غير المحمود.

 

نحو فهم بعض الإشكالات الإسلامية المعاصرة

أ‌-    بين تعاليم الدين ومتطلبات الواقع

يشير الكاتب في الصفحة 48 من الكتاب إلى "أن تقييم الإسلام مرهون بمدى معرفته بأهم العوامل التي توجه الحياة اليومية للمسلم في المنزل، في العمل، أو في المجتمع". وهو بقوله هذا يكرر ما سبق وأن قاله غير ما مرة، وهو أن ثمة حاجة ماسة إلى مزيد من المعرفة، التي لا تتعلق فقط بما سبق وأورده من معلومات ومعطيات تاريخية وثقافية حول الإسلام، وإنما ثمة جوانب أهم من ذلك، كالسلوك اليومي، والوضعية النفسية والاجتماعية للمسلم.

وقبل أن ينزل الكاتب إلى واقع المسلمين، يحاول التمهيد لذلك بمزيد من التعريف بتاريخ الإسلام وأهم مراحله، بل وأهم العوامل المؤثرة فيه، ثم يقوم بعد ذلك بإطلالة على أهم التيارات الإسلامية، من سنة وشيعة وغيرهما. ليصل إلى بيت القصيد وهو المسلمون في السياق العالمي الحالي، إذ يثبت من جديد بأن كل واحد من ستة من سكان الكرة الأرضية يعتبر مسلما، وأن الإسلام يعد أحد أكبر ديانات العالم، حيث يصل أتباعه إلى حوالي مليار شخص. ثم إن المسلمين يوجدون في كل دول العالم، فكتاب الوقائع الذي تصدره المخابرات الأمريكية CIA، والذي يستمد منه الكاتب معلوماته، يثبت أن من بين مجموع دول العالم الذي يصل إلى 234 دولة، ثمة 48 دولة توجد فيها أغلبية مسلمة، و26 دولة توجد فيها أقلية مهمة، وهذا إن عبر عن شيء فإنه يعبر عن أن الإسلام يحضر بقوة في حوالي ثلث دول المعمور". ص 57

أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، فيصل فيها عدد المسلمين حوالي ستة ملايين مسلم، وفي غضون 15 سنة سوف يناهز عددهم عدد اليهود، فيصبح الإسلام ثاني أكبر ديانة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد المسيحية، وقد وفد المسلمون لأول مرة على العالم الجديد كرقيق في نهاية القرن الثامن عشر، أما عن طريق الهجرة فتم ذلك في أواخر القرن التاسع عشر، ثم بعد الحرب العالمية الثانية، وسوف تفد موجات جديدة من المهاجرين المسلمين على أمريكا في أواخر ستينيات القرن الماضي، وذلك في عهد الرئيس جونسون.

بعد استعراضه لأهم حيثيات التاريخ الإسلامي، قديما وحديثا لا سيما فيما يتعلق بالحالة الأمريكية، سوف يحاول الاقتراب من الواقع اليومي للمسلمين، ليقدم رؤية واقعية، يتعرض فيها إلى أهم محددات حياة المسلم الدينية والأخلاقية والتعاملية، إذ نستخلص من تناوله العناصر الآتية:

    المسلم له التزامات وواجبات لا بد من أدائها، كالصلاة في وقتها، والصيام، والعقود المكتوبة.

    المسلم معروف بالكرم، لكن لا تنتظر الكحول ولحم الخنزير على مائدته.

    المسلم يعترض بشدة على بعض القضايا الأخلاقية، مثل الإجهاض والانتحار والشذوذ الجنسي.

    المسلم يفي بالوعود، لا سيما عندما تكون ثمة عهود موثقة ومكتوبة، ولا يتعامل بالربا.

    المسلم أينما كان يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي العالمي، لذلك يسود الشعور نفسه عند كل المسلمين بخصوص القضية الفلسطينية، ويرون أن الغرب لا يتعامل معها بحزم وعدل.

 تابع القسم الثاني من الدارسة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1232 الاربعاء 18/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم