قضايا وآراء

هل ان فساد الطبقة الحاكمة يعني فساد الامة؟

abduljabar alobaydiهذه الرسالة الثانية التي أكتبها للحاكم والمواطن في وطننا العراق الهظيم، لعلنا نصل الى غايتنا بعد ان تستيقظ الضمائر وتصحى القلوب، قبل ان تنهار السِداد وتُغرق المياه الاخضر واليابس وساعتها لا حاكم ولا مواطن يبقى في الوجود.هذه الحالة حدثت للدولة المصرية القديمة حين تجبر الفرعون ورفض حتى نصائح الانبياء، والمحاورة التي جرت بين الفرعون والنبي موسى خيربرهان ودليل، حين يقول الفرعون لموسى اثناء الحوار: اني لأظنك يا موسى مسحورا، فيرد عليه القرآن على لسان موسى واني لأظنك يا فرعون مثبورا، سورة الاسراء 101-102.حدثت الحادثة فاغرق الله الفرعون ومن معه بعد ان انشق عليهم نهر النيل.

والحادثة التاريخية الثانية حين تجبر الخليفة العباسي المستعصم على الناس فجاءته المغول لتحوله والدولة الى هشيم تذروه الرياح، فُيقتل الشعب ويُسجن الخليفة في بغداد، وحين شعرالخليفة بالجوع طلب من المحتل الطعام، فقدم له المغول طعاما على صحن من الجواهر التي لا تؤكل وحين اعترض الخليفة قال له الغازي: كُل مما جمعت وسرقت يداك وحرمت شعبك منه، وبقي على حاله حتى مات غير مأسوف عليه.وهكذا يحدثنا التاريخ كيف ان الظلم اذا تجاوز الحد يُسخر الله للظالمين من يدمرهم من حيث لا يحتسبون. وفي هذه الحالة تكون الاسباب من دواعي تحطيم المعتدين. وفي القرآن الكريم من القصص الكثير...؟

ان فترة المتاعب والمصاعب غير مقصورة على الحاكم وقصر نظره في التطبيق، بل تكون البيئة البشرية المحيطة بالدولة ايضا من عوامل التحطيم خاصة اذا احاطت بالدولية شعوب عفية طامحة بادية او متحضرة تريد انتهاز الفرص للايقاع بدولة المتحضرين، وهذا بالضبط ما حصل بين العراق وايران وبين العراق والكويت في القرن الماضي حين استغلت فرصة التجاوز خارج الحدود مما احدث الربك والانهيار، اوقل على الاقل توقف التحضر والقانون. نعم لقد اخطأ الزعيم عبد الكريم حين فتح ملف الكويت ليرثه صدام ويتخذ منه سلماً للوصول، فكان موت العراق والى اليوم.

في تلك الظروف التي احاطت بالامة وفي تلك المرحلة من تدهورها بعد ان غلب عليها سلطان القوة لا سلطان الضمير والقانون.من هنا بدأت القوة الابداعية تضعف وربما تتلاشى في ايجاد الحلول، حتى تحولت الامة الى مرحلة الاستسلام للمصير عاجزة امام المشاكل والتحديات، ويبدو وكأن قوتها الفكرية قد توقفت، رغم عدم خلوها من الفكر والمفكرين.لكن معناه ان السلطة الحاكمة احتكرت التفكير وحرمته على الاخرين، ولم يحدثنا التاريخ عن اية امة في هذا الطور الا اذا كان حكامها من اعداء الفكر والمفكرين، لان الفكر في ذاته قوة، فاذا كان حكام العراق اليوم هذا موقفهم من الفكر والمفكرين فأن الافكار تتحجم وتختفي خوفا من المصير، فالحكام الظلمة من المستبدين لا تهم ارواح المفكرين والعلماء قد اهتمامهم بالمصير.

فهل من يفقدون مقومات الشرف يؤمنون بميثاقه من اجل الوطن والمواطنين؟

ان ظاهرة الالتزام بالشرف ظاهرة مرت علينا في دولة الاسلام حين ركز القرآن الكريم عليها في سوررة التوبة آية 43، وركز عليها محمد (ص) بعد معركة اُحد بين المسلمين والمشركين، وركز عليها الامام علي (ع) في رسالته لمالك الاشتر واليهِ على مصر. لكن الدولة العباسية قضت عليها وعلى ثورة الفكر، حين حاربت المعتزلة على عهد المتوكل العباسي، وخلال العصر الفاطمي في مصر والشام، وخلافة قرطبة ودخول الاندلس في دور النزاع الطويل.

ان الايمان بمواثيق الشرف تلقائية لا تحتاج الى تواقيع الا عند الناقضين لها من المشككين.والا لماذا كان العهد والقسم عند التعيين ؟؟؟ أهم أقسموا على هُبل ام بالقرآن الكريم.

لقد انبرى الكتاب والعلماء للدفاع عن الفكر والمفكرين وشرف الامة، لكنهم كانوا وكأنما يصرخون في صحراء لا يعمرها أنيس، حتى اهين ابن رشد وأستذلت كرامته،  وابن العربي دفع حياته ثمنا للدفاع عن فكر الامة والمفكرين.ودمرنا صدام وثلة الاكاديميين حين اراد منا التخلي عن شرف القسم واليمين، ,حصدنا منه كل العذابات والتهجير .

واليوم تعاد سلسلة مهزلة مقاومة العلماء والمفكرين، والا من قتل العلماء والاطباء والمفكرين ؟هم يعلمون من قتلهم لتبقى نظرية السلطة الحاكمة في عصر التمزق تحتكر الفكر لنفسها وهي عاجزة عن الفكر والتفكير، لانها في الغالب- كما نراهم اليوم في وطننا- تتكون من طغمة من اهل الظلم والاستبداد لا يتسع ذهن افرادها لاكثر من الدفاع عن وجودهم لا حقوق المواطنين.

هنا وحين تفسد الطبقة الحاكمة وتتدهور الامور في ايديها تدهورا خطيرا ومستمرا، بعد ان قضت على الصفوة القائدة المخلصة تبدأ تتلمس الليل البهيم لأنقاذ نفسها من الغرق الاكيد، وما تشبثات الحكومة العراقية اليوم في توثيق صحيفة الشرف الا محاولة يا ئسة وكاذبة ومخجلة بعد ان تخلى المرافقون عن شرف الامة وباعوه للاخرين .هنا تشبهوا بتوقيع صحيفة قريش في حلف لعقة الدم قبل الاسلام للحفاظ على السلطة القبلية المنهارة من يدها، لكن في كلا الحالتين كان الموت الاكيد. والقرآن الكريم يقول: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانٍ خيرُ أم من أسس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فأنهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين، التوبة109).

 هم اليوم حيارى تعذبهم ضمائرهم الميتة في الصدور.فهل ينفعهم ميثاق الشرف الهزيل ...؟

ان النظرية الحضارية للتاريخ تقول:ان فساد الطبقة الحاكمة لا يعني فساد الامة –لان الامة جماهير الناس- لاتفسد وانما يشتد عليها الظلم فيقل نشاطها نتيجة حجب الحرية عنها، لكن الظروف تتغير بموت اوقتل الحاكم فتستعيد الامة نشاطها .لتكشف ان قاتليها قد استغلوا المال والحال ليبنوا لهم امبراطوريات المال بعيدا عنها، لكنهم ما لبثوا ان وقعوا فريسة للاخرين .وهكذا كان ملوك الاندلس وقرطبة والفاطميين.وهكذا حكامنا اليوم وما سرقوه من اموال المواطنين محصية اموالهم من قبل صانعيهم لابل يحصون عليهم حتى الشهيق والزفير وشهقات السرير من حيث لا يعلمون، لأنهم اغبياء في نفوسهم قاصرين. وها هو مصير الخارجين على القانون في سوريا العزيزة بعد ان انقطع بهم حبل البئر الاجنبي فماتوا معلقين بين الحياة والموت كمن يعتمد على الاخرين.الأوطان والاعراض والشرف لا تباع يا مجتمعين كل يوم تأتوننا بفتلكة المتفيهيقين؟

تبقى مسألة اخرى ان فساد الطغمة الحاكمة لا يعني الفساد بمفهومنا المتعارف عليه اليوم، بل يعني الانصراف لنفسها وحاشيتها دون الجماهيرحتى لو افسدوا القضاء والقضاة والدستوريين، وهذا ماحصل بالضبط في عهد يزيد الاول الاموي، والمتوكل العباسي حين حول العاصمة الى سامراء وضرب كل من يدعي الفكر والعلم بين الناس ليصبح هذا الغبي شيخ الجميع كما هيأت له جماعات الحقد والتخلف والتكفير.

ويمر الفساد في عصر التصدع ووقوع الفتن والحزازات والحروب العبثية بين افراد الطبقة الحاكمة كما هو اليوم في عراق العراقيين حين تحولت سلطة القانون الى الاستبداد العسكري والفوضى الخلاقة كما رسمها لهم بريمر اللعين الذين أنحنى اصحاب العمائم على رأسه وفمه الثمل يقبلونه حين وَلاهم مقاليد السلطة والامور، وبذلك قضوا على كل تطلع وطني صحيح.

لكن مجلس الحكم كان قي غالبيته أغبياء حين اغرتهم السلطة والمال فافسدت اخلاقهم ولم يستفيدوا من فرصة التاريخ، فولوا هاربين يجرون معهم اذيال العار الى ابد الآبدين؟ فعل يحق للياوروغيره لبس العكال بعد امام الاخرين.فالعكال شرف الصامدين، وهم ليسوا منهم...؟

هنا دخلت الدولةعصر التفكك من جديد، وهذا ما حدث للدولة الرومانية بعد عصر اغسطس الكبيروهروب المساعدين.فهل بالحكم المستبد واللاقانون والاستعانة بالجهلة من المؤيدين من مليشيات العسكريين ومن النواب الأمعات من غير المنتخبين تضمن الدولة الطموح؟ امرلا يعتقد به الا اغبياء السلطة في العصر الحديث.

انظروا مادار في برلمان البريطانيين ...؟

والاحتمال الثاني:

 هو الفوضى وتقسيم الدولة الى كيانات يحكم كل منها مستبد – ودعنا من أكذوبة الانتخابات والمنتخبين - فهي وسيلتهم في الاستحواذ والتدمير. وحين تحصل الحروب والمنازعات بين هؤلاء – وهاهي علاماتها اليوم بينهم بادية للعيان - يضيع امر الناس وتتبدد ثرواتهم، بقوانين ارتجالية غير نافعة كما في امتيازات الرئيس الغائب الحاضر، والرئيس الأمبراطور الجديد، والوزراء والنواب والمقربين من الجهلة الساكنين فنادق 7 نجوم، والايفادات الكاذبة للمتخلفين، والترهات وتقاعد لمن لا يستحق، فيُهجر الاكفاء عن الوطن، وشيئا فشيئا تضيع القوانين والجماعة كلها جملة واحدة من اجل عيون لا تشبع، وقلوب قاسية ماتت فيها رحمة الأيمان،

وهذا بالضبط ما حدث في دول ما قبل الربيع العربي وكيف كانت عواقب المصير ...؟.

 واليوم تتكرر في دولة العراقيين مآساة السابقين فهل ينتظر وطننا العراق ومواطننا العراقي هذا المصير؟ اذن لماذا جاء التغييروالقسم واليمين في مؤتمر لندن عام 2002 بين الموقعين، فقط من أجل الذين كانوا يتسكعون في حوانيت الخمارين والوراقين من الكذابين والمنافقين من باعة الاوطان والشرف في واشنطن ولندن واستكهولم وباريس...؟ واليوم غالبيتهم من الهاربين في عمان ودبي وبيروت واربيل يقودهم منظرهم صاحب كتاب اسوار الطين؟ والا اين عرابي السلطة اليوم من المفكرين والمهرجين ؟ تجدهم هناك في خمارات بيروت يسكنون. اذن لماذا قُتل ابناء عمومتنا من اجل حزب الدعوة ايام النضال، اي من اجل ان يحكم الجهلة من المعممين والمرافقين ؟ اين انت يا سماحة السيد محمد باقر الصدر الأمين، تبا للناكثين لعهد الله والمواطنين.

حاسب يا غيورالعراق وأبتعد عنهم، وانتزع العراق من الناكثين، كما انتزع محمد علي باشا الكبير مصرمن المماليك للمصريين ...؟ وألا

 كلا الحالين :الاستبداد العسكري والفوضى، يؤديان الى نفس النتيجة: التفكك .

الى الرسالة الثالثة قريبا ....؟

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم