قضايا وآراء

وقفةُ عزٍّ من 1922 : سُنة العراق مع شيعته ضد الإجرام التكفيري الوهابي! (1-3)

alaa allamiإنّ الظرف الاجتماعي والسياسي العصيب الذي يحياه العراق وشعبه يجعل المواطن العراقي، وخصوصا من جيل الشباب، الذي ولد وترعرع في أجواء و مناخات الحروب والحصار وحملات القتل والإبادة الجماعية التي نافت على النصف قرن، أحوج ما يكون إلى تدبر عبر ودروس تاريخ هذه البلاد الصعبة ذات الخصائص والخصوصيات الاستثنائية واستعادة الدروس الغنية والمفيدة  المنتمية إلى خندق الحياة والسلام والمناوئة للموت والحروب والعنف وآخر نسخه البشعة ممثلة بالإجرام التكفيري والقتل الأعمى، وخصوصا تلك الدروس والمناسبات والأحداث غير الذائعة الصيت والنادرة أو المهملة عن قصد أو عن دونه. لقد حاول المجرمون التكفيريون في تنظيم القاعدة وحلفائه وفي المليشيات الطائفية الحليفة لإيران عشرات وربما مئات المرات إغراق العراق بالدماء  في محاولة منهم للزج بالعراقيين في مذبحة طائفية وحزبية يقتل فيها العراقي مواطنه العراقي على خلفية هويته المجتمعية الفرعية "الطائفية أو القومية" غير أن الغالبية العظمى من شعب العراق أثبتت - حتى الآن - أنها أكبر من كلّ المؤامرات السوداء والمخططات المشؤومة وأكثر نضجا حتى من بعض القيادات التي قفزت في غفلة من الدهر والناس إلى المناصب العليا في الدولة، ولهذا حافظ المواطن عموما وفي الغالب الأعم على رباطة الجأش والتماسك وعدم الاندفاع في ردود أفعال مرتجلة ودموية وذات نزعة انتقامية وثأرية عمياء.

  وبهدف قطع الطريق على غربان الشؤم، دعاة الطائفية البغيضة، الذين حاولوا ويحاولون  اللعب على وتر العلاقات والخلافات العقائدية والفقهية الطائفية بين العراقيين من سنة و شيعة، سنتوقف في هذه المقالة عند وقفة عزّ وتضامن عراقية قام بها العراقيون من الطائفة السُنية ضد القوات السعودية وخصوصا المقاتلين في مليشيات "حركة أخوان التوحيد" الوهابية،  تضامنا مع مواطنيهم من المسلمين الشيعة الذين كانوا يتعرضون إلى المذابح على أيدي عناصر ومقاتلي تلك الحركة في عدد من مدن الجنوب والفرات الأوسط.

ومعروف أن حركة "أخوان التوحيد" التي قامت على أسس الأفكار المتطرفة والتكفيرية  للشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي، حليف أمير الدرعية ومؤسس الدولة السعودية الأولى محمد بن سعود في سنة 1744،  و التي دعمت مؤسس الدولة السعودية الثالثة عبد العزيز بن سعود** بل كانت هي سيفه الضارب في حروبه الداخلية والخارجية حتى إسقاطه حكم الأشراف الهاشميين وتأسيس الدولة السعودية الحالية، معروف أن تلك الحركة قد ارتكبت عدة مجازر بحق المسلمين الشيعة العراقيين لأنها كانت تعتبرهم من المشركين. و لعل أقدم تلك المجازر التي سجلها المؤرخون هي مجزرة "عيد الغدير"  سنة 1216 هـ / نيسان 1802 ففي هذا الشهر الذي ينشغل فيه العراقيون في الجنوب والفرات بحصاد الحبوب،وفي مثل هذا اليوم و هو من الأعياد الدينية للمسلمين  الشيعة (دخل الوهابيون مدينة كربلاء وهم شاهرون سيوفهم يذبحون كل من يلقونه في طريقهم ولم يستثنوا منهم الشيوخ والنساء والأطفال .. واختلف المؤرخون في عدد القتلى فقدره بعضهم بثمانية آلاف .. ص 190 ج1 / لمحات اجتماعية / علي الوردي) وبعد مجزرة كربلاء شنَّ الوهابيون هجوماً مشابهاً على مدينة النجف، ولكن سكان النجف وكانوا في أغلبيتهم الساحقة  ينتمون إلى قبائل وعشائر عربية، بخلاف كربلاء التي يكثر فيها تواجد الأعاجم من فرس و أذريين وغيرهم، تصدوا للمهاجمين الوهابيين فصدوهم وطردوهم شر طرد بعد أن ألحقوا بهم خسائر معتبرة. (وبعد انسحاب الوهابيين بادر النجفيون إلى نقل خزانة المرقد الحيدري الثمينة إلى الكاظمية مخافة أن يعود الوهابيون  فينهبوها كما نهبوا خزانة المرقد الحسيني في كربلاء / ص19  اللمحات  م س)  كما قام الوهابيون، أسلاف ابن لادن المباشرون، بمجزرة أخرى في كربلاء  بعد بضعة أعوام وقتلوا أكثر من مائة وخمسين شخصا كما يسجل الشيخ جواد العاملي اللبناني والذي يبدو أنه كان قد شهدها في كتابة "منهج الكرامة".

أما المجزرة الأحدث ضد المدنيين العراقيين العزل، والتي ارتكبتها القوات السعودية ومليشياتها الضاربة في حركة "إخوان التوحيد"، والتي هزت المجتمع العراقي هزاً عنيفا، فقد وقعت في لواء المنتفك بتاريخ 11 من آذار / مارس 1922. ففي هذا اليوم، وفي عملية غدر يغلب عليها طابع الثأر لهزيمة التحالف السعودي الكويتي في الشهر ذاته من سنة 1910 في معركة "جريبيعات"، والتي كاد العراقيون أن يبيدوا فيها  القوات المهزومة المستسلمة لولا أن فروسية وشهامة جيش المنتفك آنذاك تغلبتا على الغضب ومشاعر الثأر والحقد على الغزاة المعتدين فأطلقوهم من الأسر بعد أن جردوهم من أسلحتهم وعدتهم؛ في مثل هذا اليوم تسللت قوات سعودية  مسلحة جيدا بالسيوف والبنادق والمسدسات إلى داخل مراعي لواء المنتفك، وعلى مسافة ثلاثين كيلومترا جنوبي موقع مدينة الناصرية اليوم، وربما كان الهدف الرئيسي هو مركز لواء المنتفك السابق، أي  مدينة سوق الشيوخ. وقد حاصر الوهابيون مجاميع الرعاة والسكان العزل في مناطق محددة - ويحتمل أنهم اخترقوا المدينة نفسها - فقتلوهم مع أطفالهم ونسائهم ونهبوا قطعان حيواناتهم في غياب تام للقوات المنتفكية العشائرية التي لم يتم استدعاؤها لسببين مهمين :

الأول أن العراقيين عموما والجنوبيين في إقليم المنتفك خصوصا يكونون منشغلين بموسم حصاد الحبوب في هذا الشهر والذي يسمونه "شهر الحصاد"، والذي يمتد عادة إلى شهر نيسان الذي يصل الحصاد فيه إلى الذروة ومن هذا الشهر اشتق العراقيون فعل "يَتَنَيسن" أي ينشغل بموسم الحصاد، وقد أشرنا إلى هذا الانشغال في موضوع معركة جريبيعات وهو أمر يعرفه المغيرون السعوديون ويضعونه في حسبانهم دائما.

والثاني هو عدم وجود حالة إنذار أو إعلان حالة حرب كما جرت التقاليد الحربية آنذاك و التي لم يكن يتقيد بها قطاع الطرق والنهابون فقط وهم محط ازدراء عام.

 

*كاتب عراقي

.............................

**هامش: من الضروري التمييز  بين الملك السعودي عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود الذي نقصده في دراستنا هذه  وبين سلفه الملك عبد العزيز بن محمد بن سعود والذي قتله فدائي عراقي مغامر تنكر بدور درويش اسمه عثمان. بعض المصادر السعودية تقول أنه من مدينة العمارة، وأخرى تنسبه إلى مدينة النجف، وحدث ذلك في  سنة 1803 طعنا بخنجر في عاصمته الدرعية و وسط حراسه، وأصاب ولي عهده بجرح بالغ قبل أن يقتله الحرس ..وتذكر المصادر أن عملية الاغتيال هذه جاءت ردا على غارات قام بها السعوديون هدموا خلالها أضرحة أئمة الشيعة في النجف وكربلاء .. يتبع

  

في المثقف اليوم