قضايا وآراء

ردا على افتراءات جمال جمعة ضد لينين وعرفات

alaa allamiنشر الأستاذ علي وجيه مساء أمس على صفحته في فيسبوك مادة نقلا عن صفحة أخرى، يراد بها نقد الشاعر سعدي يوسف، لأنه كما قيل انتقد "زوار المقابر الشيعة"، وقدم لها علي بالعبارة التالية (ما ضاعت تفصيلة وبينكم جمال جمعة.. حديث قدسي) ولأني أحترم هذا الشاعر الشاب وصاحب الموهبة الحقيقية في الكتابة الشعرية، فقد عدت إلى الصفحة التي نقل عنها بطريقة المشاركة المادة فوجدت أنها تعود لجمال جمعة وقد نشر عليها البوستات التالية وسأنقلها كما هي قبل التعليق على محتواها:

جمال جمعة: القصيدة التي كتبها سعدي يوسف عن جثة لينين المحشوة بالتبن حين كان من "زوار القبور" كما ينعت فقراء الشيعة الآن:

الضريح

لم تكن نائماً حينَ زرتُكْ

لم تكن مغمَضَ المقلتَينْ

لم تكن في القميصِ الـمُنَشّى

كنتَ مبتسماً واقفا

لامعَ المقلتَينْ

دامعَ المقلتَينْ

في دخانِ المتاريسِ

 

[الطريف أن آخر البحوث الطبية كشفت عن أن الرفيق مات بالسفلس]

يعلق محمد الأخرس على هذا البوست وكأننا  بإزاء لعبة "الرفع والكبس" في الكرة الطائرة بقوله: قبل أيام قرأت له في "الكرمل" عام ١٩٨٢ قصيدة مديح موجهة لياسر عرفات!

فيرد عليه جمعة: نعم، لي وردة بيديك، هاي حصل عليها راتب مدى الحياة من منظمة التحرير وما زال يستلم. الطريف أن هناك معطيات قوية عن وفاة عرفات بفيروس الإيدز، فقد كان معروفا بميوله المثلية، لذا لم يتزوج إلا في ختام حياته لتغطية الموضوع.

 

انتهى ما كتبه جمعة وصديقاه، ولأنني بينت رأيي يوم أمس في مقالة خاصة بما كتبه سعدي يوسف فلن أعود لهذا الموضوع، ولكني سأركز اليوم في مضمون التعقيبات التي أدلى بها جمال جمعة.. لقد كان رد جمعة على سعدي يوسف بنشر قصيدته التي قالها عند ضريح لينين ردا محقا وذكيا، وكان يمكن لمن يطلع عليه أن يتفهم موجباته، ولكن صاحب الرد حرف الموضوع عن سياقه بأن لطش لينين ذاته بتشنيعة من العيار الثقيل، حين أخبر قارئه بما وصفها "الطرفة" التالية وهي (أن هذا الرفيق مات بالسفلس) كما قالت آخر البحوث الطبية. أما قوله تعليقا على ما أورده صديقه محمد الأخرس بأن سعدي يوسف كتب قصيدة يمتدح فيها عرفات وأنه لا يزال يستلم راتبا مقابل ذلك حتى الآن فلا تعليق لي عليه فهو تفصيل صغير يمكن أن يرد عليه الشاعر نفسه خصوصا وأن المديح – الذي أمقته أشد المقت إن كان بالباطل أو للمجاملة وليس تسجيلا لرأي – يشكل ركنا مهما في السردية الشعرية العربية ويعتبر غرضا قائما بذاته!

معروف أن أسلوب التشنيع وتشويه السمعة بواسطة الشائعات الجنسية وخصوصا في المجتمعات المحافظة قديم ومؤثر وفعال، ولكن لا ينبغي خلط أمرين لا علاقة لهما ببعضهما وهما التشنيع وتشويه السمعة والبحث عن الحقيقة. أعني، أن رفض التشنيع والافتراءات وخصوصا ضد رموز تاريخية يحترمها ملايين الناس لا ينبغي أن يترتب عليه منع الناس من البحث عن الحقيقة وتقديمها للرأي العام لأننا سنكون قد مارسنا فعلا قمعيا ضد الباحثين عن الحقائق التاريخية، ولكن هل يتعلق الأمر بخصوص لينين وعرفات تحديدا بالبحث عن الحقيقة أم بالتشنيع الرخيص والافتراء الأسود؟ هذا ما سنحاول مقاربته الآن ولنبدأ بلينين:

كان المعروف والموثق تاريخيا أن مؤسس الاتحاد السوفيتي والشيوعية الروسية فلاديمير لينين قد تعرض لمحاولة اغتيال في نهاية آب 1918 قامت بها الاشتراكية الثورية الروسية فانيا كابلان بعد أن اتهمته هي ورفاقها بالخيانة حين عقد اتفاقية سلام اعتبرت مذلة لروسيا مع ألمانيا، وأطلقت عليه ثلاث رصاصات من مسافة قريبة استقرت واحدة في رئته وأخرى في كتفه في بعض المصادر أو في عنقه بحسب مصادر أخرى، وربما تكون رصاصة الكتف قد بلغت عنقه، وربما يتعلق الأمر بالرصاصة الثالثة. وقد اعتقلت كابلان ونفذ فيها حكم الإعدام، وقد تمكن الأطباء من إنقاذ لينين من الموت بأعجوبة، واستخرجوا الرصاصات من جسده ولكن أثر الرصاصة التي في العنق كان قاتلا فقد ظل لينين يعاني منها، وبعد ثلاثة أعوام تعرض لأول جلطة دماغية أصيب على أثرها بالشلل النصفي "الفالج"، وبعد أقل من عام دهمته جلطة ثانية أفقدته القدرة على النطق. وبلغ عدد الجلطات أربع كانت الأخيرة هي القاضية سنة 1924. وهناك روايات تحدثت عن موت لينين انتحارا بالسم الذي طلبه من رفاقه بعد أن يئس من تحسن صحته وتوالي الجلطات وهذه الرواية تتمتع بالكثير من المصداقية بحسب بعض المؤرخين الذين تولوا كتابة سيرته ومنهم مؤرخون محترفون يمينيون معادون للشيوعية ولكنهم يحترمون مهنتهم وضمائرهم.

وفي أشهر الموسوعات التاريخية المفتوحة، وهي ليست روسية أو سوفيتية، يجري ربط وفاة الرجل بإصابته برصاصة العنق فتكرر موسوعة ويكيبيديا ما ورد في الموسوعات الأخرى وتقول حرفيا (كان للرصاصة التي أصابت عنق لينين أكبر الأثر في انهيار صحته. وقد أزالها الأطباء من عنقه عام 1922، ولكنهم لم يستطيعوا إلغاء آثارها القاتلة، إذ تسببت في تعرض لينين لعدة نوبات دماغية، كانت آخرها 21 كانون الثاني 1924 القاضية. حنط جسد لينين ودفن في الساحة الحمراء في موسكو).

هذا إضافة إلى أن لينين عاش حياة زوجية وعائلية عادية وطبيعية مع زوجته ناديا كروبسكايا التي بقيت وفية له بعد موته، ووقفت ضد الدكتاتور ستالين مدافعة عن تراث وأفكار زوجها وكانت ضد تحنيطه فاتهمها ستالين بالتضامن مع عدوه تروتسكي الذي نجح في طرده من قيادة الحزب والبلاد ثم اغتاله في المكسيك بعد عدة سنوات، وهدد ستالين كروبسكايا صراحة بأنه سيستصدر قرارا من المكتب السياسي للحزب يجردها بموجبه من صفتها كأرملة لينين.

ومن الجدير بالإشارة – نقول هذا عرضا – إن عددا من القادة الشيوعيين والاشتراكيين عارضوا فكرة تحنيط لينين، وقد رفض زعيم الحزب الاشتراكي اللبناني الراحل كمال جنبلاط زيارة ضريح لينين حين زار موسكو في الستينات من القرن الماضي، وقال كلمته الشهيرة ردا على من دعاه لفعل ذلك (الذي أعرفه أنّ لينين جاء لتحطيم الأصنام وانتم تريدون تحويله إلى صنم جديد) استقرت هذه المعطيات لأكثر من سبعين عاما، ولكن، بعد تدمير الاتحاد السوفيتي وفي عهد بوريس يلتسن شُنت حملة شعواء معادية للشيوعية وللينين وغيره من قادة الاتحاد، وكان من ضمنها هذه الفرية التي ينقلها لنا جمال جمعة عن الصحافي الأردني المثير للجدل نصر المجالي وكان هذا الأخير قد نشرها قبل عشرة أعوام تقريبا وتلقفتها منه صحيفة إلكترونية عراقية يبدو من اسمها أنها من صحف المصفقين للاحتلال الأميركي تدعى "العراق الجديد". فمن هو نصر المجالي؟ لا نريد أن نشنع على الرجل بل سنكتفي بإيراد ما قاله عنه زميله وشريكه في صحيفة "آرام" فادي عاكوم، لتأكيد أنه ليس مصدرا ثقة يصح النقل عنه. ومن ذلك أن المجالي كان سيء السيرة والسلوك طرد من أكثر من منبر صحفي عمل فيه في لندن بسبب تحرشاته الجنسية بزميلاته وكان مدمنا على الكحول وقد خضع للعلاج في مصحة بريطانية وخرج منها مثلما دخلها دون شفاء، ثم استقر به المقام كعضو في الفريق الاستشاري الإعلامي الذي يقدم المشورة لملك البحرين. وفي الرابط التالي رواية عاكوم كاملة.

http://fadiakum.blogspot.ch/2008/07/blog-post.html

ولكن ماذا قال المجالي؟ لقد نشر مقالة قبل عشرة أعوام تقريبا والحملة ضد الشيوعية والاتحاد السوفيتي على أشدها تحت عنوان يفوح بالدلالات ( لينين مات بمرض السيفليس الجنسي) مفاده أن المجالي اطلع على تقرير أعده أطباء أوروبيون وبينهم أطباء إسرائيليون – لنلاحظ عرضا أن الأطباء والخبراء والمتخصصين الإسرائيليين حاضرون دائما في هكذا تقارير مريبة وسيتكرر حضورهم في تشويه الراحل عرفات – وقد أفاد هذا التقرير بعد فحص عينات أخذت من جثمان لينين أنه (كان مصابا بالسيفليس الجنسي من النوع القوي).

هذه هي الفرية التي جعل منها جمال جمعة اكتشافا نشره على صفحته ويكفي أن نضع هذه العبارة قليلة الكلمات في بوتقة التحليل لنرى أنها تفوح برائحة الوشاية والافتراء ففيها ثلاث كلمات هي سيفليس والجنسي وقوي، وكأن قائلها يريد إرغام سامعه على تصديقه بأي ثمن، إذْ ما الداعي لتعريف السفلس وهو معروف كمرض جنسي بكلمة الجنسي، ولماذا التأكيد على أنه من النوع القوي؟ وأين نضع الحقائق والوقائع الثابتة عن سيرة لينين والمناقضة على طول الخط لهذه الفرية؟ وهل كان أعداء الشيوعية في أنحاء العام يسكتون على هذه الاكتشاف الذي أطلقه المجالي ومن معه لو كان صحيحا أو شبه صحيح أم أنهم سينشرونه ويطبلون له لسنوات طويلة حتى يبلغ القاصي والداني فلماذا لم يسمع به غير متسقطي الفضائح والشائعات؟

إذا ما انتقلنا إلى الجزء الخاص بالفرية الموجهة للراحل عرفات فلن تختلف الأمور كثيرا فالراحل عرفات تزوج ثلاث مرات في حياته وليس مرة واحدة بعد أن تقدم به السن كما يقول جمعة، وكان أحد الكتاب والسياسيين العراقيين المعروفين والمقربين للراحل – لم أذكر اسمه بناء على رغبته في عدم الدخول في مهاترات – كان شاهدا على أحد هذه الزيجات، ولكن الراحل لم يكن يحب التركيز في تفاصيل حياته الشخصية وهذا ما يجهله جمال جمعة. وثانيا، فقضية وفاة عرفات أصبحت قضية رأي عام عربي وعالمي وقضية سياسية وجنائية من الدرجة الأولى حيث تأكد فريق طبي فرنسي من وجود مواد مشعة سامة في ملابسه وأغراضه، وحضر فريق طبي دولي إلى رام الله واستخرجوا جثته وأخذوا منها عينات حللت في المختبرات السويسرية والفرنسية وأكدت تورط جهاز الموساد الإسرائيلي في اغتيال عرفات بمادة سمية متطورة من الصعب اكتشافها. ويرجح كثيرون أن هذه الفرية الهادفة لاغتيال عرفات معنويا وأدبيا أطلقها الموساد بالاتفاق مع العميل المعروف محمد دحلان ولكنها لم تنتشر على نطاق واسع حتى في إسرائيل ذاتها بل نشرت في صحف غير معروفة وضيقة الانتشار وتصدى لها كتاب إسرائيليون تقدميون شرفاء يستحقون الاحترام أكثر من بعض المثقفين العراقيين والعرب كالمناضل التروتسكي ميشيل فارشوفسكي الذي سجن لعدة سنوات وكادوا يتهمونه بالخيانة العظمى لأنه لا يؤمن أساسا بقيام ووجود إسرائيل والكاتبة المتخصصة بشؤون العربية عميرة هاس صديقة الشعب الفلسطيني وهي ممن يدعونها في إسرائيل الأسر المنكوبة أي التي أعدم الهتلريون النازيون الألمان عددا من أفرادها بأفران الغاز واليساري الإسرائيلي من أصل عراقي لطيف دوري وهو على علاقة طيبة بالقيادات الفلسطينية وصديق شخصي وقديم للراحل عرفات ومن المؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني وفضحوا هذه الفرية واعتبروها عملا غير أخلاقي ووضيعا.

 

* كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم