قضايا وآراء

التراجع الحضاري في العراق بعد التغيير في 2003 وهل من علاج؟

abduljabar alobaydiيقصد بالتراجع الحضاري، هو فقدان الدولة لحضارتها وقيمها اذا أنكسرت وغلبت على أمرها وخضعت لغيرها نتيجة الاحتلال والفوضى بين زعمائها وطوائفها، واصبحت تحت ميدان الصراع السياسي والحضاري، مما يؤدي الى تفكك المؤسسات الحكومية والاهلية وتحويلها الى مؤسسات نفعية فردية في غالبيتها خاصة بمسئولي الدولة، كما حصل في دول الاسلام، الدولة الاموية حين اسقطها العباسيون، والدولة العباسية حين اسقطها المغول، والدولة الفاطمية في مصر، حين اسقطها الأيوبيون على عهد صلاح الدين وحرق تراثها وحتى مكتباتها بحجة انها شيعية وبعد ان كانت هي ساقطة من الداخل. وفي الحالات الثلاث دمرت حاضرةالعرب والمسلمين، فاضطرت الدولة الى التراجع في نظمها وتنظيماتها الأدارية، فظهرعليها وعلى شعوبها علامات التخلف، فتوحشوا في بعضهم واصبحوا لا يعرفون الملك والسياسية فعادت اصولهم البدوية تتحكم فيهم من جديد بعد ان سقطت دولتهم في النهاية على أيدي المغول عام 656 للهجرة.

والاخطر من كل هذا هو تدمير اخلاقية الانسان العربي المسلم، فغدا لا يحرم على نفسه كل مُحرم ورد في القرآن الكريم والسُنة النبوية الشريفة.، حتى اصبح الانسان عندنا بلا قيم اخلاقية ولا وطنية ولاحتى معتقد ديني رصين.ومع الاسف لا زالت جامعتنا العربية تدرس حتى اليوم مفاهيم الحضارة العربية الاسلامية بأسلوب التقليديين، بينما المفروض ان تقوم مناهجنا الدراسية على العقل والعلم والحرية وتقديس القانون.

وحين اسقط الاحتلال بغداد في عام 2003، وهو السقوط الرابع في تاريخها، دمرت حضارتها، ونهبت أموالها، وقتل رجالها من العلماء والمفكرين والاطباء، وحرقت مكتباتها وتراثها وسرق متحفها وبكل مقتناياته، ودمرت مراكزها العلمية، ومدارسها وجامعاتها ومراكزها البحثية والوثائقية، وهجرَ أبنائها وكفاءاتها العلمية، وكأنها جاءت حربا مغولية أنتقامية أخرى على العراقيين لا تغييرمن واقع فاسد قديم تطلع اليه العراقيون بفارغ الصبر الطويل، وزادوا أيغالا بها حين لم يبقوا لها من أثر في عالم القانون والانسان وقيم التقاليد العربية الموروثة، حتى أصبحنا همجاً من الناحية المعنوية .

 ونظرا لحل الجيش العراقي- جريمة العصر الحديث -، فقدت السيطرة على القانون حتى اصبح من المستحيل حماية حدود الوطن من الاختراقات الخارجية التي ولدت لديهم كل تدخلات المجاورين، وسببت لهم كل المتاعب وقتل المواطنين دون حساب او تقييم .، مما اضطرالدولة للخضوع لجماعات التدمير والقتل دون محاسبة فعالة اوتقييم. لا بل راحت السلطة تعمل بالأفراج عن بعض القتلة والمجرمين من جماعات الأرهاب مستغلة الصلاحيات الممنوحة لها على حساب الثوابت الوطنية بحجة التقرب من دولهما المنتمين اليها لضعف فيهم، وهذا تجاوز كبير على القانون وحقوق الوطن والمواطنين .

وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم حين استولت قوات الاحتلال على الوطن العراقي وعبثت بكل مقومات حياته تساعده الجماعات المرافقة له ودول الجوارالحاقدة التي رأت في سقوط العراق فرصة للظهور وللأنتقام من الثأر القديم دون ان تحسب حساباً للمستقبل الاسود الرهيب . ولوكانت لدينا حكومة قوية ووزارة خارجية لحاسبوا كل دولة أدخلت جنديا واحدا من حدودها لغزو العراقيين، كما فعلت الكويت اليوم حين حاسبت العراق حتى على بساطيل الجنود العراقيين المييتين باعتبارهم غزاة ساهموا بقتل الكويتيين.

ورغم ان الحالة العراقية اليوم تختلف قليلا عن الاحتلال القديم، لكن تدخل الحاكم العسكري الأجنبي وتعيين مجلس الحكم ومن غير المؤهلين في قيادة دولة حديثة ووفق قواعد المحاصصة والطائفية بقصد شق الوحدة الوطنية واحلال الفرقة المحلية وقبول القادة العراقيين الخانعين لأوامره الذين كان همهم المال والسلطة قبل الوطن والتي افرزت كل هذه الهلمة من مخالفات القانون .

والتاريخ يحدثنا في مثل هذه الحالة فيقول المؤرخون:

عندما تنحل وحدة الجماعة، ويحصل التراجع الحضاري عندها، فأنها تسرع في خطى التفكك من كل نوع :كأنقسام الصفوة القائدة واتساع مداه وتحوله الى منازعات ومخاصمات واتهامات قد تكون قد اخذت على بعضها ايام الفوضى، فيصبح الاتهام جاهزا لتصفيتها وابعادها عن السلطة، وقد يؤدي هذا التدهور الى الحروب الاهلية وضياع الولاء للدولة والوطن، وقد يصل الأمر الى الخيانة والاستنجاد بأعداء الجماعة القائدة وتشجيعهم على المساندة والقضاء على الاخرين.لكن هذا التصرف الفردي والارتجالي يؤدي احيانا الى فقدان الاحترام لهم من الناس وفقدانهم احترامهم لأنفسهم، فأذا بلغ الحال هذا المدى لم تعد للجماعة قيادة فتزداد عوامل الانحلال الاخرى سرعة.

وهذه الحالة حدثت في عراق العراقيين بعد كل احتلال كما في تاريخ احتلال البويهيين والسلاجقة والمغول والعثمانيين .لكن رغم الانتخابات الصورية اليوم وتشكيل الحكومات المحاصصية والفردية التي لا تخضع للقانون الا ما يوافق هواها، فقد سيطرت عليها حكومات الاقليم، كما في حكومة الشمال المتما سكة، لدرجة ان الحكومة المركزية اصبحت لا تستطيع تشكيل الوزارة الا باستشارة حكومة الشمال وتوقيع الاتفاقيات السياسية تحت سمعها وبصرها وفي عاصمتها الاقليمية وهذا هو الخسران الكبير، حينما بدأ الشمال يتحكم بالمركز واخذ من الامتيازات المالية والسياسية ما يفوق الحقوق المخصصة له واصبح غالبية رجال الدولة يهرولون اليه حماية لهم من كل عارض جديد، وهذا عار عليهم وعيب كبير، في وقت ترك الوزير والنائب مكان مساهمته والتجأ اليهم وراح هناك يصبح تاجرا او منافقا ما دامت الدولة عاجزة عن المسائلة والتحقيق.وأصبح مجلس النواب المعين بالقائمة المغلقة والقاسم الانتخابي والتعويض لا يتجاسر على اقرار القوانين الا برضاهم، وها هي قضية كركوك وقانون الانتخاب الجديد مثالا.هنا انحسر دور المركز كما في عهد العباسيين منذ عهد المتوكل وانتقال العاصمة الى سامراء حتى اصبحت الدولة تديرها مرتزقة الخليفة وجواريه وكل المتملقين الذين لاهم لهم الا مصالحهم المالية والسلطوية ولا غير كما في الوزراء والنواب والمستشارين.وما دروا ان المعارضة ما هي الا نمورا من ورق يجب ان لا تخيف اللاعبين.

ان المشكلة الكبرى التي اصبحت تعاني منها الحكومة العراقية المركزية ومجلس النواب اليوم هي فقدانها لهيبتها امام جمهور الدولة لأنحسارها في المنطقة الخضراء المسيجة بسور الصين، فتجرأوا عليها وعلى النظام الذي تفرضه، نتيجة اسفافها في الخطابات دون تطبيق القوانين التي اصبحت مزدوجة على المواطنين كما في قوانين التقاعد والتعيين والطائفية ومساواة المواطنين.

من هنا كثرت الاعتصامات والمظاهرات وهيجان المدن وحروب المنشقين، حتى في بعض الاحيان تحول ولاء الاقاليم الى رؤساء العسكر والمحافظين حين اصبحوا سادة حروب يحسب لهم حسابهم في اي قانون؟ ألم نرَ ان بعضهم اصبح لا يتقيد بأوامر الحكومة كما قال السيد رئيس الوزراء في احدى خطبه، انه لا يستطيع ان يحرك او يسائل او يقيل وزيرا؟ حتى اصبحوا هم وكل الطبقات الموالية لهم لصوصا وحرامية وقطاع طرق، فأصبحت الدولة تحت رحمتهم والموت لكل المواطنين من الذين يعارضونهم دون حماية من قانون.وهاهي اليوم عصاباتهم تجوب الطرق وتهاجم البيوت وتكبس الناس فيها وتعتدي على الاموال والاعراض وتقيم التفجيرات اليومية والحكومة في صمت رهيب. حتى اصبح الألتجاء الى التصرفات اللاقانونية من قبل المسئولين شائعا دون رقيب؟

 وبمرور الزمن ستتحول الخلافات الطائفية بين جمهور المدن الى حروب وصراعات مستمرة وفي صمت وغياب القانون ومرجعيات الدين، كما هي اليوم بين الحكومة والقاعدة ومن يناصرها من المدن.هذه الحالة حدثت في عهد العثمانيين بين الشيعة والحنابلة فأدت الى صراعات دموية خربت معظم احياء بغداد والمدن المجاورة كما يحصل اليوم من التدمير اليومي وقتل المواطنين حتى اصبحت المرملات من النساء والاطفال الايتام حالة خرجت عن السيطرة وتنذر بكارثة من وراء حجب الليل البهيم.لكن الذي يغطي على الحكومة اليوم وجود المال العام بأيديها تستخدمة لترضية المناوئين.

 ان الذي يخفينا اليوم اكثر هي الجماعات الخارجية المعادية للدولة، من الرابضين خلف الحدود والاسوار والتي بدأت تفرض سلطانها على النواحي والاطراف كما في ديالى وغرب العراق، مما جعل الحكومة تنحو الى التقرب منها والتفاهم معها لتؤدي اليها الاتاوات في غالب الاحيان، لابل تقربت من بعض زعمائها املا في تأييد سلطانها المتهاوي فتدخل بعضهم في الجيش كما حدث في الصفوات وتعينها على غير هدى ولا معرفة ولا تقييم بعد ان أصبحت دولتنا دولة القبائل والعشائرين، وحين استخدمت الازدواجية في اتهامات المتهمين كما في رافع العيساوي والاخرين وحين شعرت بالخطر عادت فأبعدتها، ثم عادت اليها ثانية وثالثة، تخبط منها لا يتقيد بمعرفة او قانون.الم تكن مثل هذه الحكومة بحاجة الى تعديل، وتعيين وزراء للداخلية والدفاع من العراقيين المخلصين من ذوي الكفاءة والمقدرة في التنفيذ ؟ .

 

هنا كما قلنا في الرسالة الخامسة:

 ان الطبقة الحاكمة او الصفوة او الأقلية القائدة، تضطر في عصر الانحلال الى قبول التعايش في سلام مع أعدائها القدامى وهذا ما يسمى باسم نظرية (ضياع الآمان). ويبدأ التنازل من الطبقة الحاكمة الضعيفة والمتهمة بالتقصير الوطني الكلي لتلك الاقلية عن كبريائها وتهبط على مستوى من كانت تعتبرهم همجا ولصوصا وبدوا وقطاع طرق وشطارا وزعارا وأهل حرابة، ويكون هذا الانحدارخطوة حاسمة نحو الانحلال النهائي لحضارتهم بدليل.

وبالتالي تنحدر القيادة - التي هي اصلا منحدرة - نحو الانحدار والانحلال الفكري والخلقي الكلي، فلم تعد يهمها ما يقال فيها مادامت هي القائدة وبيدها المال والسلطة، هنا تصبح مصطلحات اللغة التي لم تكن معروفة او انها تعتبر من معايب المجتمع مستساغة عندهم فيصبحون من اللامبالين.وهذا المصطلح ظهر في الدولة العثمانية بأسم (الترسية او السرسرية)، لدرجة ان بعض مسئولينا ونوابنا اليوم يعترفون بتصريحاتهم العلنية على انهم منهم .

وبمرور الزمن وسط هذه الفوضى الخلاقة التي تركتها لنا (كونداليزا رايس) تشعر الجماعة القائدة بضياع الولاء لها من الناس التي كانت هذه الاقلية القائدة تشعر به نحو الجماعة التي تقودها حتى اصبحت خائفة من نفسها تحرسها المئات من المدججين بالسلاح والسيارات المصفحة والجدران الكونكريتية التي تطاول جذوع النخيل وتدعي انها منتخبة من الشعب، وتنزوي في مدينة خيبرية محصنة لا يخترقها الرصاص، وهذا هو مصير من يبتعد عن شعبه ويتخلى عن الامانة والقسم ومثلهم كثير.يقول الامام علي (ع) ان من يريد ان يحكم الناس عليه ان يكون بينهم اويتخلى عن حكمهم (انظر نهج البلاغة، خطب الأمام)...

هنا يبدأ التفكير بمرحلة جديدة هي مرحلة الأرتماء بأحضان الأخرين والاستنجاد بالاعداء وتشجيعهم بالقضاء علىيها املا بالتغلب على الخصوم والمنافسين، كما في التعاون مع قادة البعثيين، وما تدري هذه الجماعة المرتعشة من المصير انها تغوص في الخطأ حتى الأذنين، فالأفعى الصفراء تنتظر فرصة دفء الصيف لتلدغ النائمين.هذه الحالة حصلت عند مستشاري الخليفة المستععصم اخر خلفاء العباسيين حين اتفق المقربون منه مع الاحباش والمغول في اسقاط الدولة املا بالحضية من القادة القادمين كما في ابي رغال خائن مكة مع آبرهة عام الفيل، وابن العلقمي خائن العباسيين مع الهولاكيين، لكن النهاية السوداء كانت كما سجلها لنا التاريخ .

وسيبقى السؤال بلا جواب من المسئولين وهو:

لماذا استطاع العهد السابق ضبط الامن في الداخل والخارج للعراقيين وبكل دقة، ولماذا لم يستطع احد كائن من يكن في عهده التجاسر على ارض ومياه ونفط العراقيين الا بعد تخبطه وفشله وجهله وعناده في غزو الكويت، بينما لم تستطع حكومتنا الحالية ضبط الامن ولا حتى الوقوف بوجه كل من تعدى على حقوق العراقيين رغم جحافل المليشيات وصحوات الصحوويين والمليارات التي تصرف هباءً من أموال المواطنين؟

 .والجواب هو : ان الحكم السابق كان يملك حكومة مركزية واحدة لا تسمح بالتسيب من قبل الاخرين، ووزراء يحترمونه وينفذون كل ما يطلب منهم، ومؤسسات حكومية تنفذ كل ما يريد، وكان لديه اعلاما قويا وموحدا لا احد يتجاسر عليه، وجيش وطني قوي وموحد يأتمر بأمر قيادته المركزية لا مليشيات مشتتة تأتمر بأمر الكتلويين.

 اليوم نحن في دولة مؤسسة اعلامية تنقصها تجربة الأعلاميين، وفوضى تصريحات الصحفيين ومن هب ودب، وحكومة المركز خائفة مرتجفة ليس لديها الا توزيع الاموال لارضاء الاعداء المجاورين والخطب الرنانه بلا طعم ولا مذاق جميل،، ولاهم لها الا الاستمرار في الحكم خوفا من المحاسبة في التقصير، واليوم يطالبون بولاية ثالثة بعد ان ضمنوا القضاء، وكأن الشعب ما شبع من استهتار المرافقين.ان الاستمرار في حكم الدولة يحتاج الى العدالة وتطبيق صرامة القانون؟ وليس الى حماية المؤيدين.

لم تكن للحكم السابق قوانين مزدوجة في التقاعد والتعيين رغم دكتاتوريته البشعة والتحكم بمصير وارزاق المواطنين، وعزلهم واحالتهم الى التقاعد دون سبب وبلا اعتراض من المتضررين كما حصل لنا في جامعة بغداد عام 79 .لكن مجلس الخدمة في عهده كان ذو شأن عظيم، بينما كل القوانين اليوم مزدوجة التطبيق في التقاعد والتعيين بعد ان اصبح ملكا للمقربين . وياليت من يتعينون بموجبها من المؤهلين، في غالبتهم (من الجهلة ) التي جمعت من (الدرابين) .هنا هو موت الحكومته المتهرئة واعلامها المشتت، والمليارات والملايين تسرق عينك عينك بلا قوانين، ومن يسرق يستقيل ويتقاعد ويهرب دون حسيب او رقيب. بهذا التوجه يريد الحاكم تكوين دولة عصرية تخدم المواطنين؟ انظر الى التعليم والبعثات العلمية وما حل بهما من خراب وتدمير جراء الانحيازية والطائفية والابتعاد عن المساواة في القانون.

ان هذا الأنحلال المستمر بأجهزة الدولة كم يؤثر على المستويات العلمية والتربوية للأجيال، وعلى مستوى التعليم في كل مرحلة، واذا ما تدهور المستوى هذا فلا قائمة تقوم للمجتمع وتقدمه، والدليل اليوم ان كل البعثات الخارجية التي ترسل للخارج دون معايير علمية واضحة تهرب بعد أكمال دراساتها في الخارج وتلجأ للدول الاخرى ما دامت تحت التسيب ولا رقيب او حسيب عليها.أذن كيف سنبني الأجيال؟. ومدارسنا وجامعاتنا في فوضى المناهج دون تطوير لدرجة ان المدرسة الابتدائية اصبحت تدرس منهج الدين بمنهجين سني وشيعي فكيف سيكون مصير القادمين؟

نتمنى ان تعطينا وزارات التعليم كم عدد الطلاب الذين عادوا بعد اكمال دراساتهم للوطن؟سيأتيك الجواب منهم غامضا بلا تأكيد. ونتمنى ان تنفي وزارة التربية تدريس منهج الدين بمنهجين لتطمئن قلوبنا على ازهارنا القادمين.

لكن الجواب لربما يكون واضحا للعارفين وهو ان النظام السابق كان حازما مع كل من يخالف القانون بتصوره الشخصي، حتى لو كان من اقرب المقربين كما حصل مع المنشقين واقرب القياديين البعثيين، بينما حكومتنا الحالية أكتفت بالأنزواء في المنطقة الخضراء مكتفية بألقاب الأمنيين ومتقربة من كل من تشعربه أوفيه تخويفا لها وللمسئولين. والا هل من المعقول ان يغض الطرف عن القتلة والمجرمين وحرامية الملايين، مهددا بكشف ملفاتهم يوم الدين؟ وعند كل مشكلة يتعرض لها يتجه الرئيس نحو الشماليين ليتراضى معهم متنازلا لهم في أربيل؟ حتى اصبحت الحكومة المركزية بنظر الداخل والخارج تابعة للشماليين ؟ والدليل لم يستطع كل السادة المسئولين من تشكيل الحكومة الا بمواقتهم حتى سموا تشكيلها باسم ميثاق أربيل .

 ان السلطات الثلاث ما ينبغي ان تكون مستثناة من القانون في كل ما يخص الدولة وشئون المواطنين. لقد فشل التغيير في بناء الانسان العراقي حضاريا لا بل سلب منه كل تحضر واخلاقية المواطنين، وفشل في المحافظة على المال العام بعد ان سمح لكل السراق والمتجاورين بنهب المال العام والهروب من القانون. وفشل في المحافظة على الثوابت الوطنية بعد ان سمح لوزارة الخارجية من بيع الثوابت الوطنية للاخرين دون رقيب او حسيب بعد اطلاق يدها في التفاوض دون خبرة المتفاوضين.وليعلم السيد رئيس الوزراء ان كل خطأ اوتجاوز في الثوابت الوطنية تحسب عليه غداً امام القانون، لذا فلا مجاملة في الثوابت ابدا مع أقرب المقربين..

والعلاج دوما يبدا بالاصلاح الكلي:

بأن ينبري احد المسئولين الكبار المؤيدين من قبل الأكثرية والذي تسانده القوى الشعبية لازالة هذا الورم الخبيث وقيادة الدولة نحو الصلاح والكمال، فأذا نجح نجح ولربما يغفر الله له والشعب من ذنبه ما تقدم، واذا فشل تعود الدولة للحالة الأسوء كما حصل في عهد محمد علي باشا الكبير ضد مماليك مصر الخائنيين؟ لكن للنجاح شروط هو:

 التخلي عن كل الممثلين والمخرجين الفاشلين من المقربين، والاعتماد على الأنقياء المخلصين من شرفاء القوم من اصحاب الكفاءة والمقدرة وحب الوطن– لو خليت قلبت -.وأدخال كل الطوائف في قيادات مجلس الوزراء وعدم اقتصارها على طائفة معينة’، لقد ثبت بعد انتهاء العهد السابق ان رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء كان فيه56 %من غير السُنة في أداراته لكن الجميع تحت مراقبة القانون. وجعل الاعلام والجيش موحدا، والتخلص من فوضى التصريحات العشوائية، والغاء المكاتب الاعلامية للوزراء والنواب والمسئولين وتوحيدها تحت دائرة واحدة باسم (اعلام الدولة) ومسيطرا عليها بسيطرة مُحكمة دون الاخرين، وتوحيد القوانين في التقاعد والتعيين، وعدم السماح للنواب بالخروج الا في اوقات الاجازات وقطع مرتبات وامتيازات كل من يخرج على القانون، وتنظيم الايفادات التي اصبحت موردا للتافهين، وتحديد السفر للمسئولين بقانون.وعلى كل موفد ان يقدم تقريرا مفصلا عن ايفاده بعد عودته للمسئولين، فالدولة لا تعيش فوضى لا سراة لها، وانما يجب ان تكون المسائلة هي اساس المهمة في القانون.

ان الدولة واجهزتها المختلفة بحاجة الى برنامج واضح في التطبيق مستثنياً كل تفرقة وطائفية ومحاصصية في التطبيق، والا ستبقى الدولة مكانك راوح الى أمد بعيد.

ان السيد رئيس الوزراء مسئول عن كل العراق، مسئولية قانونية وأخلاقية، ووجود المحافظات الاتحادية لا يعني الاستقلال والغاء سيطرة المركزبما فيها أقليم الشمال ذو الوضع الخاص الذي لا زال الشعب يجهل وضعه القانوني في الاتحاد، وانما يجب ان تكون اجهزة المحافظات كلها تحت رقابة القانون ومعرفة المركز بكل ما يدور.هذه هي الفدرالية الاتحادية كما في امريكا وكيف ان واشنطن العاصمة المركز، رغم استقلالية الولايات لها الكلمة النافذة في كل اساسيات القانون. من هنا كان النجاح والتقدم وخدمة شئون المواطنين .فالدولة والمحافظة هي ملك الشعب كله بالقانون. والرئيس هو الاساس يُزار ولا يزور.

 فهل من منقذ اليوم لتخليص الوطن العراقي من مستقبل غامض اسود رهيب، ويقدر له ان ينجو من الضياع، ويقوم مجتمعه على اسس جديدة تنطلق منها حركة التغيير في كل ناحية من نواحي المجتمع الجديد .أعتقد ان هذا المسئول موجود اليوم بين العراقيين، لو اقدم واخترق الصعاب وقام بالتغيير لحلت مشكلة الوطن الكظيم، ونأمل ان يقوم هذا التطور الواسع على قاعدتين هما:

 الفكر العلمي، واستقرار فكرة التقدم في الاذهان بأحترام الدستور والقانون طواعية والخلاص مما فقدته السنين، كما حصل للاوربيين؟ ساعتها ستتبين زرقته للناس بعد زوال الضباب الكثيف .

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم