قضايا وآراء

قراءة وتأويل لــ قصيدة (النور يرقص في سريري) .. مزامير موفق محمد تغتال الحزن لأول مرة

المكان الذي حصل فيه فعل الرقص ألا وهو / السرير /، والسرير اداة نقل فكرية مرجها الاستقرار . اذن الفرح الذي اصاب النور فرح مستقر الا انه خارج كينونة النور، وسببه، اي سبب الاستقرار، متولد من هذا الركون الى صاحب السرير. تبدأ القصيدة بمفتتح زماني متكون من / جار ومجرور / (في منتصف الليل). هذه البداية تححق المغزى القابع في / نصيص / القصيدة، اذ ان هذه الفضلة مرتبطة بزمن الفضلة نفسها، ومكونها الرئيس / منتصف الليل / . فالمنتصف واقع بين فترة سابقة / الليل /، وفترة لاحقة / بداية النهار / . وعملية / السكر / الحاصلة لليل غير منفكة عن ذات السارد، اذ انهوليله الخاص لا العام غير منفكين عن بعضهما بدليل القرينة المتمثلة بـ /اء المتكلم / . ثم ان عملية السكر الحاصلة للسارد متحققة في ذلك الوقت / وقن النشوة /، كون قمة هذا الفعل تحمل دلالة ضمنية على ولع الشاعر به، لذلك يتعزز المعنى من خلال الفعل المضارع / يغمز / الذي لا يخلو مننية (هززة العقلنة )، وان كان هذا يستحيا واقعيا الا انه لا يستحيا شعريا . فعملية / الغمز / المرتبطة بـ / الليل / بها حاجة الى اداة للغمزالحواجب / وهنا تتحقق المخالفة والمفارقة المقصودة،ويتحقق – ايضا – خرق الحقائق ثانية،بيد ان هذه لعبة الشعر الجيد التي تستوجب اضفاء ما هو ميتافيزيقي على ما هو واقعي، او في اقل تقدير سحب ذلك الواقعي الى منطقة ما هو ميتافيزيقي . ويأتي تعاقب حروف العطف ليحقق – هو الآخر – قاعدة تعزيز المعنى، وهذا ما ساعد على الانفتاح على افق جديد تتكشف من خلاله وبه ما يحيط بالسارد من نشوة ممزوجة بأسى داخلي دفعته خارج ذاته احداث جديدة طربت نفسه اليها، وآية ذلك ان كل جسد السارد مقرون بالمرأة المشتهاة التي تستحيل الى هيأة كأس، اما الربط الحاصل بين المرأة والكأس فربط جميل، اذ انها – اي المرأة – شفافة، قابلة للتصدع من اقل لمسة او كلام جارح . كما ويحمل المفتتح انفا منتجات كثيرة من اهمها :

1 . ان معظم الافعال اللارادية تبدأ من هذا الوقت .

2 . ان معظم الاحلام تتوالد من هذه الفترة .

3 . ان كل القلق أو معظمه والهواجس تبدأ من هذه اللحظة .

 

والسارد – هنا – لم يترك لهذا الليل ستره وهيبته المعهودة، اذ انه يغلف كل شيء، في حين ان لا شيء يغلفه الا هذا ,,السكر،، المتعمد والمعمد لتلك الذات . وهنا يتداخل صوتان، صوت الشاعر / السارد /، وصوت الليل الذي يحاول الشاعر اختلاقه، او استنطاقه، غير ان السطر الثالث من القصيدة والذي يبدأ بالجملة الفعلية / يغمز لي / يضفي صفات خارجية على السارد بواسطة سحب وتداخل الرؤى . هذا السحب والتداخل مقصود من اجل الا يمسك المتلقي عنق القصيدة منذ الوهلة الاولى ويفقد بريق الدهشة . فـ / الظلمة / زمن الليل الليل المسكر بدليل القرينة المتولدة من عبارة / لا يصحو من ظلمته /، اما دخول / المرأة / التي هي الزاوية الاهم في مثلث اللعبة الليلية فيحمل شيئا من الحلمية، اذ نلاحظ في السطور الاولى ان السمات المميزة للمرأة لا تخرج عن كنهها المعهود وهو / البكاء /، غير ان الخط الواصل بين بكاء المرأة وجهاز التلقي ينحرف عن سيرورته من الأذن الى القلب :

 

يتوسد رأسي وينام بعيدا عني يسمع

قلبي صوت امرأة تبكي بين يدي

هي ذي كأسك

فكأسي امرأة تبكي في منتصف الليل

 

 

هنا نلاحظ ان الشاعر قد قلب لنا بنحو سريع ما ينبغي للمرأة قوله في مثل هكذا ساعة / انها تقدم الكأس طواعية /، اذن الانتقال من صوت المتكلم الى صوت السارد في اللحظة نفسها يعطي الخطاب سمة التداخل الموضوعي ويوسع من دائلرة تتابع الاحداث وتداخلاتها. ان  / الكأس المشبهة / بـ / امرأة / على حد قول الشاعر ( كأسي امرأة ) لا يعني ان / الكأس / هي المعادل الموضوعي للمرأة، بل ان المرأة مكتنفة للكأس، وفعل النشوة متحقق بها لا بالكأس، اذ انها / المرأة / التي تبقي الفعل الوعيوي على حاله من دون ان تحجب فعل الرؤيا من ان يأخذ مداه بدليل القرينة :

 

كأسي امرأة تبكي في منتصف الليل

ربما من جمرة  في شفتي

ربما من نزق في لغتي

فلي لغة اخرى والخمر

 

هنا اللغة النزقة تحقق ازاحة، لكن هذه الازاحة تحمل اعتباطية بواسطة لا وجوج لارتباك مباشلر بين الصوت والشكل، كل ذلك متحقق في عملية البكاء، فلا يعقل ان يحصل البكاء من دون سبب، اذ انه يحمل دلالته معه، وهكذا استوفت صورة المرأة اطارها العام والخاص، غير ان التداخل حاصل بنحو مستمر بين / المرأة / و / الكأس /، او بين / الكأس والمرأة / . هذا التعارض السياقي خلق مفارقة عميقة في بنية المغزى، اذ تمتزج اللذة بلألم، واليقظة بالحلم

1 نمت وما ادري

2 هل قلت لها تصبحين على خير

3 سيدتي

4 كانت تتمايس بالخمر المتشظي

5فيها

6 وتلبس فستانا ابيض عاري الكتفين

7 وتمشي فوق رموشي سابحة بالنور

 

يحاول الشاعر منذ السطر رقم ( 1 ) التمهيد لخلق مناخ نفسي لا يخرج عن الثيمة الاساسية / السكر /، فالسطور التسعة تحيل الى سمة خيالية / حلمية / من دون كبح جماح ذلك الخيال، او الحلم حتى يضفي صفة اللاواقعية على ما هو مرئي من هجل خلخلة عملية التلقي، وبهذا ينجح الشاعر في توليد ( طيات دلالية ) تخفي بينها التوجه العام الذي يحس به المتلقي لحظة القراءة . ان تبادل الواقع بين الكأس والمرأة من عنديات خيال الشاعر الذي يحاول وضع الاشياء وفق منظوره لحظة حدوث الفعل وليس لحظة كتابة القصيدة،لذلك يسحب الاشياء بأتجاه لحظة النشوة وفقدان الذاكرة،اذن اللون الممتد بين / الخمر المتشظي فيها / ولون  / الفستان / الذي ترتديه له سمة مشتركة هي / البياض /، هذه السنة تتجاوز الاثنين لتصل الى النور السابح فوق الرموش لتكون دالة لونية ) لكل ما يحيط به . كما ويتخذ فعل الرسم مساحة مهمة في القصيدة، فالفراغ يمثله ذلك البعد بين الرأس وبين الليل الذي تتوسطه الكأس التي تقلب الاشياء بأتجاه استلهام ملء ذلك الفراغ بفعل الكأس، اذ تتحقق الاشارة اليها عبر رموز تخييتية / نجم الخصر / عنقود يهذي عسلا / قلبي مزنة من الريح / .... ان مفردات اللوحة هي : الكأس والرأس والزمن المتمثل بالليل، هذا الليل ومن خلال لونه يؤدي الى تضييق فراغ اللوحة المتحقق بواسطة الشمس الضاحكة في وجه غزال . اما المقطع الاخير /  اذا جاز لنا هذا التقطيع /  فيبقى، او يعود الى فعل السرد الاخباري الذي يتحول زمنه من الليل المرتبط بالكأس الى الكأس التي تصبح نهارا

 

                                          فواعجبي

                                          كيف تصير الكأس

                                       في الصبح هذه الشمس 

 

هذا التحول  من المجرد الى المادي والتبادل الحاصل فيهما على نحو (تكافلي) منشؤه التحول الحاصل في الذات والمتزامن مع استجابة الظرف له في حيز زماني متمثل في فعل النوم وما ينتج عنه وحيز مكاني هو رد فعل على ذلك التحول حتى ان / المكان / بدلالاته يحتضن الزمن بكل تفريعاته اللامكانية فيحقق له المستوى الخارجي تطامنا روحيا يقترن فيه الزمان بالمكان

 

واذوب لفرط الوجد بحضن حبيبتي

ويذوب حبيبي

ونقوم معا

سنبلة ترقص فوق الماء

 

ان هذا التمازج الزمكاني له قيمة فنية، فعملية الذوبان ثم القيام تحملان بعدا ذا حس عاطفي بيد انه محكوم بقوة خلقة تمتلك طرفي معادلة الوجود : السنبلة + الماء. ان المفردتين تشيان بأمتداد الفضاء الزماني / قيام السنبلة /، والفضاء المكاني / اللاقص فوق الماء /، وتعلنان عن انتهاء الحلم وهيمنة فعل السلام والخير والتكاثر من خلال / السنبلة / التي لا تنفك عن قرينة الماء، وبهذا تحقق القصيدة على مستوى الاداء فكلرة الترادف الزمكاني بوساطة الكلمتين آنفا مما يحقق تعالقا يتداخل فيه الوجود والزمكاني معا .

                

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1255 الاحد 13/12/2009)

             

 

في المثقف اليوم