قضايا وآراء

قراءة وتأويل لمجموعة شعرية .. ثنائية الأضداد في (خارج السواد)

ان ما يلفت النظر في المجموعة احتوائها على مجموعة من المضامين الطريفة التي تعبر عن تجربة شفيفة ذات ضربة شعرية مكثفة تحمل بين طياتها محاولة لتفكيك بنية قائمة على متحقق واقعي لأنتاج بنية مفارقة تخرج المعنى الى افق مشحون بدلالات مستندة الى نوع من التأمل الانساني لا الفلسفي، وبهذا يكون النص غير منفصل عن جذوره لكنه منبت لثمر جديد .يحيلنا النصيص الى أسبقية اختراق ما بعدية توحي من دلالة العنوان وايماءاته بأن الشاعر يدور في سورة السواد بيد ان منتج هذا الدوران يتحقق خارج هذه المنطقة، اذ انه يبحث في تقنية الذات الغارقة بالسواد والذي هو ليس من مكوناتها الاساسية، اي انه متأت مما ليس من مكوناتها الاساسية، بعنا انه مسحوب نتيجة تأثير ما هو موضوعي / خارجي، فهو اي الشاعر متواجد فيه، في عمقه لكنه في الوقت نفسه خارج اطاره، هو ومن يتعارض معه في النزوع، وهو ايضا داخل البياض الذي يكوّن عالم ما بعد السواد، او من حواليه، فأناهحاضرة، أو بالاصح مُحضَرة في داخل السواد، في ملكوته، شعبه وطرقاته لكنها متشظية، نازعة للهروب الى حيث البياض، تقرأ أفقه، وتحقق رؤاها، احلامها بعيون الشاعر الذي يصوغ العالم من ثقب أسود لكن برؤى بيض مثل اشرعة متجهة صوب شاطىء

أعترف الآن لكم ..

المرآة تمنحني

الضوء في العتمة

 

هكذا يتحقق الخروج، خروج مقترن بالواهب العام / المرأة / خارج كينونته، فهي التبي تمنحه متعة الاكتشاف بواسطة الاشراق الداخلي الذي تولده فيه، انه – هنا – يكتشف جزءا من ذاته بواسطة المرأة التي يتعامل معها كونها الخلاص الذي يحقق للروح سطوعها المنشود خارج سواد نزوعاتها ولذائذها الفائضة، انه يبحث في لذائذ بيض، نقية طاهرة تتشكل داخل البياض العام وخارج السواد الخاص

اتبعيني

خارج السورات

تنبعث

لذائذ فاضلة

ان التشكيلات  الحاصلة في مملكته خارج المألوف لأن التنازع الحاصل منذ نقيضين في المولينبثق من مكان معتم والثاني يحاول زحزحة الاول بواسطة كينونته، هذا التشابك جعل من اللغة محتدمة مع مفرداتها 

الرقاص يكدس خسائره

فوق الرفوف

ومليكة الغيوم لا تخلع خرائدها

على شجر خائر الظلال

 

لاحظ عزيزي المتلقي كيف ان الشاعريحاول بذكاء الخروج من عباءة الزمن وهو واقف بداخله، ينظر من خرم الحدث المطرز بلون يستحيل منه النظر الى الاشياء غير انه لا يقدم طواعية تنازلاته، فهو يخرق هذا السديم اللوني، فيحقق فعله خارج حدوده، بمعنى انه يمزق شرنقة اللون مرة وهو بداخله ومرة وهو في نزوعه الحالم

انا الخاسر ترفي

عالية اقدامي وراسخة

أو

باسقة يدي

بغيابها تنتفخ العتمة

وتسفح الغربان سوادها

على مدينة البجع

 

يتخلص الشاعر مما يعلق به من الغرض العارض، انه ينفلت الى عالم الحداثة الشعرية بواسطة زحزحة المعنى عن مكانه / أنا الخاسر ترفي /، لكن الخسارة المتحققة تضفي علوا على الاقدام التي ترتفع في ملكوت الرفعة الانسانية، انه – اي الشاعر – يؤمم ذاته ليحولها الى هوية، قضية ليست عابرة، وبهذا يحقق حداثوية من خلال دمج الخاص بالعام اذ ان رؤيته ورؤاه لم يقفا عند حدود مملكته، انها تسربت الى خارجها لتقيم مملكة جديدة وان كانترة النزوع المشروع. اذن هذه الذات متشظية، فاعلة، تحاول تدمير كينونتها من اجل ان تشكل عالما آخر. ان هذا التشكل لا يتكون بهدى،او خطى عابثة بل رافضةلأن تهتدي بأشارات موسومة على قارعة الطريق . اذن خروج الشاعر عن سواده (عالم خاص) الى عالم (عام / خاص) لم يسلبه رؤيته الشعرية للعالمين على الرغم من ان فعل النظر متحقق من داخل السواد، لكن هذا السواد الروحي لا اللوني لم يسلبه، او لم يجعله مستلبا من قبل عالمه الخاص النازع الى غير ما هو فيه، اذ ها هو يحطم شرنقته السوداوية بأتجاه تكوين مساقط حياتية اكثر اشراقا في ضوء المتصور وبذلك يدخل في مناطق متداخلة بين العالمين

ما هو خارج السواد

داخل مملكتي

 

هكذا يتشكل المعطى لحظة الكشف الحقيقية عن دواخل الشاعر، فهو في خضم  البحث عن حلول البياض يتخيل السواد ما زال ماكثا، رابضا فوق كل شيء، هذه الاشارة الازاحية بنحو خفي تجعل من التناظر غير بعيد فيما بين المكانين بدليل القرينة المتحققة

احتفلنا بالهروب

خارج الدائرة

 

اللغة – هنا – خارج المدى الجغرافي الذي يرسمه السواد المهيمن، والغلق المتحصل في دائرتهوان كان محكوما – في الاصل – بالخوف الذي خلفه السواد الا ان الشاعر يبحث في الخلاص الفوقي الذي ترنو اليه النفس بواسطة (الكفاءة الوصفية) لا (الكفاءة التفسيرية)، بمعنى ان الكفاءة الاولى هي التي تحقق ذلك النزوع وهي من معطيات الشاعر لا المتلقي، فمعطيات المتلقي هي (الكفاءة التفسيرية) وبهذا يحقق الشاعر اسبقيته النصية

ايتها النجمة بللي دربنا

حلمنا رمشة البروق

وعلى اقدامنا يتكسر الفرح

 

ان الثنائية القائمة على المابعدية والماقبلية لنقيضين يتمثلان في ادوات ثانوية تخلق غرضها الرئيس من خلالها، فعلى الرغم من تحصل البروق بواسطة الحلم الا ان مناداة النجمة ما هو الانداء لمعاودة الاشعاع / الخروج، فألاحلام فيما يخص مقصدها الزمني لا تستطيع ان تنور ظلمة السواد القائم في مملكة الشاعر، بينما المنتج الزمني للنجمة اطول، اضافة الى ان منتج / النجمة / جديدفي معطاه كونه/ الحلم / الذي هو جزء من موجودات الشاعر الروحية بينما النجمة جزء خارج هذا المعطى، لا يتحكم الشاعر به لهذا يتوسل به واليه، وبهذا تتحقق البدائل المتناوبة والسريعة لكي تستمر عملية اضاءة الطريق بعد الخروج من السواد .وعلى الرغم من هذا الخروجمن بؤرة السواد الا انه لم يحقق المبتغى لأن الفرح ما زال منكسر الاقدام التي تسعى من دون ان تحرز قصبا في السبق الى المشتهى . ان الشاعر في كل القصائد يحاول ان يقول لنا ان الكلمات هي التي تجعله مرئيا سواءا اكان في السواد ام في خارجة وهذه هي لغبة الشعر الجيد

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1271 الثلاثاء 29/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم