قضايا وآراء

الخلاف القانوني بشان القانون الجنائي الدولي

كانتهاك المعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بحفظ السلم أو الأمن، أو إبادة الشعوب والجماعات، أو خطف الطائرات وغيرها. ويرى الدكتور(علي القهوجي) بأنَّ هذا القانون : حديث النشأة ولذا يرتبط فنياً بالقانون الجنائي الوطني (يستمد منه الأسس القانونية – بعد تطويعها – لبناء مبادئه وأحكامه لكي ينمو إلى أن يستقر به المقام نحو الاستقلال بأحكامه الخاصة) .

واتفق مع الدكتور (القهوجي) في ذلك، لكني أرى أنَّ القانون الجنائي الدولي يختلف اختلافاً أساسياً مع القانون الجنائي الوطني، لأنه يتصف بالصفة الدولية، وأكثر أحكامه تستمد من المعاهدات والاتفاقيات، التي حددت نوع وطبيعة الجرائم الدولية كما في قواعد المحكمة الجنائية الدولية واختصاصها .

ومن المفيد ذكره أنَّ بعض فقهاء القانون الدولي- كالدكتور (حميد السعدي)- يوردون فروقاً بين القانون الجنائي الدولي، والقانون الدولي الجنائي، فالأول يعد نسبياً فرعاً للقانون العام الداخلي، والثاني يعد فرعاً من القانون الدولي العام، وبهذا الوصف بالتحديد يختلف القانون الجنائي الدولي عن القانون الدولي الجنائي، لأنه يختص بالتشريعات الجنائية المتعلقة بالجرائم المرتكبة بين مواطن وأجنبي، أو بين أجانب، وقد لا تقع الجرائم على إقليم الوطن وإنما في خارجه وعندئذ، في هذه الأحوال الأخيرة، تثور مشكلة تنازع القوانين الجنائية، وهي تثور عندما يبرز في الواقعة المحرمة عنصر أجنبي ـ أي عندما يكون مرتكب الجريمة أو مكان الجريمة أو المجني عليه تابعاً لدولة أخرى الأمر الذي يجعل لقانونها صفة يحتج بها بغية المنازعة لتطبيق أحكامها من أجل حسم الواقعة . فالمشكلة الجنائية بهذه الصورة هي قريبة الشبه بالمشكلة المدنية التي تماثلها من حيث توافر العنصر الأجنبي والتي يعالجها القانون الدولي الخاص . وترتبط المشكلة الجنائية موضوع البحث، من جهة أخرى برابطة وثيقة مع القانون الدولي العام على أساس أنَّ النزاع القائم فيها يمس، في الواقع، سيادة أكثر من دولة واحدة ذات صفة مباشرة فيه .

ولذا فإنَّ هذا الترابط بين القانون الجنائي الدولي (الخاص) والقانون الدولي الجنائي (العام) وبين القانون الدولي العام، يقتضي معرفة طبيعة كل قانون وخصائصه، وتحديد أغراضه ومقاصده العامة، والقيم والحقوق والمصالح التي يشملها بحمايته، وطبيعة قواعده ونطاق تطبيقها، بما يرفع اللبس والغموض بالنسبة لأحكام كل قانون حتى لا تختلط بموضوعات الفروع القانونية الأخرى .

 ورأى بعض الباحثين، ومن بينهم الدكتورة (منى محمود)، أنَّ إنشاء محكمة نورمبرغ - بناء على معاهدة لندن في 8 آب عام 1945 م - وإنشاء محكمة طوكيو- بناء على تصريح القيادة العليا لقوات الحلفاء الصادر في 19 كانون الثاني عام 1946 م - قد كانا سبباً للاعتراف بوجود فرع جديد للقانون الدولي العام ألا وهو القانون الدولي الجنائي .

ويذهب الدكتور (حميد السعدي) إلى أنَّ مشكلة تنازع القوانين الجنائية من حيث المكان تقتضي وجود عنصر أجني، والأجنبي إذا كان ظهوره في مجال العلاقات الدولية الفردية، عندئذ تحكمه قواعد القانون الجنائي الدولي، أما إذا كان ظهور العنصر الأجنبي في مجال العلاقات الدولية فإنَّ القواعد القانونية التي تحكمه تكون القانون الدولي الجنائي.

واتفق مع الدكتور (السعدي) بوجود هذا العنصر الأجنبي، إلا أني أرى    أنَّ هذا التقسيم ووفق هذه التصورات هو خلل لا بد من الالتفات إليه، لأنَّ تقليص اختصاص القواعد الجنائية الدولية على الصلات الدولية فقط فيه شي من المغالطة، خصوصاً وأنَّ تطور القانون الجنائي الدولي العام قد استوعب جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجرائم التطهير العرقي، سواء كان مرتكبها دولة أم فرداً أم مجموعة عرقية معينة ضد أخرى .

ومن الملاحظ أنَّ القانون الدولي العام قد اهتم بالفرد بوصفه أساس المجتمع الدولي، لحمايته من الظلم والعدوان على حقوقه المشروعة، وقد شكلت الأمم المتحدة لجنة حقوق الإنسان لتدوين هذه الحقوق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الأمم المتحدة سنة 1948 . وأولت الأمم المتحدة كذلك عنايتها بالمرأة لتهيئة فرص التعليم لها، وحماية حقوقها السياسية . كما أولت الهيئة الدولية أيضاً عنايتها بالطفولة، حيث ناقشت لجنة حقوق الإنسان مشروع إعلان حقوق الطفل، الذي طُلب من دول الأمم المتحدة تقديم مقترحاتهم بشأنه تمهيداً لعرضه على الجمعية العامة . أما بشأن حق اللجوء فقد قامت لجنة حقوق الإنسان بإجراءات لحماية الفرد من دكتاتورية الدول وإقرار حق اللجوء السياسي والإنساني له.

وتزامناً مع ذلك أصدرت الجمعية العامة في دورتها سنة 1946 قراراً بتكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي لبحث ومناقشة مشروع اتفاقية مكافحة إبادة الجنس البشري، الذي أقرته الجمعية العامة سنة 1948. كما أقرت الجمعية العامة اتفاقية دولية للقضاء على التمييز العنصري سنة 1965 ونفذت سنة 1969 بعد التصديق عليها من دول الأمم المتحدة .

 

الدكتور قاسم خضير عباس

كاتب وخبير قانوني

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1293 الخميس 21/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم