آراء

هشام بن الشاوي: قانون الحيازة والإمساك

هشام بن الشاويمساهمة مرة أخرى في هذا النقاش المثار حول الترسانة القانونية، المتعلقة بتقنين إمساك الحسون وحيازته، التي تمت بموجب اتفاقية التجارة الدولية المتعلقة بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض (CITES)، وقد بدأ العمل بها في 1975م، ونشرت في الجريدة الرسمية بالمغرب في سنة 1976م، وهي تهدف إلى وضع قواعد دولية للتصدي لظاهرة الاتجار في بعض الحيوانات البرية. وفي 2011 م، تم اعتماد قانون 29.05، الذي يمنع قنص وأسر وحيازة وتهريب الحسون، حماية له من الانقراض وحفاظا على التوازن الإيكولوجي. هذا النقاش قديم، ويتجدد دوما، لكن من يتأمل بعض بنود قانون 29.05، الذي صادقت عليه حكومة عباس الفاسي في 2 يوليوز 2011م، لاسيما باب العقوبات، سيتخيل أن الأمر يتعلق بجرائم الاتجار في البشر أو الخيانة العظمى أو اختلاس المال العام، مع أن الأمر بسيط جدا، يحتاج إلى حملات توعية، ودعوة إلى حب الطبيعة، على غرار الإشهار، الذي يحفز على محبة الغابة، لأنها نعمة.. الأمر بسيط جدا، ولا يحتاج إلى كل التهويل.

 كشخص يحب هذا التراب الغالي، معذرة، على استخدام هذا التعبير الأدبي، لأنني لا أحب لغة الخشب. كشخص حالم، رومانسي، يحب الطبيعة، يحب كل ما هو جميل وأصيل، أرى أن الدولة ممثلة في المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، مطالبة بإيقاف هذا النزيف، بمعاقبة مافيات التهريب، والمتاجرة في الحسون، وهناك فاعل جمعوي، أبدى استعداده للادلاء بمعلومات خطيرة، حول زعماء هذه المافيات في بعض المدن المغربية، الذين يغرقون الأسواق بالحسون، لكن هذا دور السلطات المحلية؛ هي التي تستطيع تتبع هذا الخيط، وحتما، تعرف أن هناك بعض المربين المغاربة، المقيمين في الخارج، سبق أن قاموا بتهريب بعض الطيور، بطرق خاصة، وأغلب الصيادين يقومون ببيعه عن طريق واتساب أو فيسبوك، ويتم إرسال الطيور في وسائل النقل العمومية، كسيارات الأجرة والحافلات، دون أن يتم تفتيشها. هذا هو الدور الأهم الذي ينبغي أن تقوم به كل السلطات المعنية بالأمر، وربما، تعرف، كما يعرف الكثيرون أنه يتم المتاجرة في البيض والأعشاش، من طرف أصحاب التلقين، وهذا يتم غالبا لأغراض تجارية، وليس من أجل "الولاعة".

المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر مطالبة - أولا وقبل كل شيء- بتجفيف الأسواق المغربية من الحسون، والانتباه إلى أن هناك طيور أخرى على وشك الانقراض، مثل العندليب (الحسنية)، البلبل، التفاحي، ودرسة الشعير أو طائر البوح، الذي يتعرض لإبادة حقيقية، بسبب أكلة طائر "الأورتولان" الفرنسية، المحرمة دوليا؛ أكلة يتباهى بها الأغنياء !

يجب أن نوقف مسلسل تهريب الحسون أولا. القانون يجب أن يكون حازما في هذه النقطة. أيضا، يجب أن نساهم جميعا في عملية تكاثره. هذا هو التحدي الحقيقي، ولأن القانون يصعب تطبيقه حالياً، بسبب وجود بعض الثغرات، التي تسمح لبعض أعداء الطبيعة بممارسة جرائمهم البيئية، تحت مظلة القانون.

لن أعلق على مسطرة الحيازة والإمساك، التي أثارت الكثير من الجدل، منذ استصدارها في 2015م، بل سوف أقترح أن تفكر الدولة في صيغة توافقية، لكسب المربين، الغيورين على هذه الهواية، الذين يحلمون برؤية الحسون يحلق - مجددا- في سماوات المدن، وليس في الأماكن البعيدة عن العمران، وكل تلك الأماكن يعرفها أعداء الطبيعة.

يجب أن تفرق المصالح المعنية بالأمر بين المربي، والمهرب والصياد، بدل أن تضع الجميع في سلة واحدة، ولأن هناك طيور في حوزة المربين، يجب صياغة اقتراح قانوني، يسمح لهم بحيازتها. نعم، مصلحة المياه والغابات مطالبة بالتخلي عن لغة الوعيد والتلويح بعصا العقوبات، كما لو كانوا يتاجرون في البشر أو في المخدرات.. يجب ألا يشعر بعض المربين الغيورين على هذه الولاعة بالخوف من الدولة، بدل أن يشعروا بأنهم جزء من هذا الكيان، وأنهم مطالبون بحماية هذا الطائر، والحرص على تكاثره في الطبيعة، لأن أغلب تجارب التكاثر في الأسر باءت بالفشل. فقط أفرزت سلوكيات لا أخلاقية/لاإنسانية: أساليب غش وخداع، حيث يتم تحجيل فراخ مسروقة من الطبيعة، ويتم بيعها بثمن باهظ، بدعوى أنها من إنتاج القفص، ومن السهل أن تتكاثر في الأسر. لهذا يجب إغلاق باب التكاثر في وجه السماسرة، الذين يسيئون إلى هذه الهواية النبيلة.

الدولة في حاجة إلى التقرب من المربين المغاربة، الذين يعارضون الاتجار غير القانوني في الحسون. أتحدث عن المربين الحقيقيين، لا أولئك الذين يلقنون الطيور من أجل بيعها، بثمن خرافي. "المواليع" الذين يحبون هذا الطائر الجميل، من يتوقون إلى رؤيته، وهو يحلق في سماوات كل القرى، كما كان الأمر في الثمانينات وما قبلها. ينبغي أن نتسلح جميعاً بحب هذا الطائر، ونملك ثقافة الحرص عليه، وأن يبقى في هذا الميدان من يستطيع أن يحرص على طائره ويحافظ على حياته سنوات، وليس كل من هب ودب، وبالتالي ينعشون تجارة السماسرة والصيادين، وهم يعرفون أماكن تواجد أسراب الحسون في كل أنحاء هذا البلد الأمين.

يجب أن تكون هناك محاولة جادة وحقيقية، من طرف كل الجمعيات والكيانات المسكونة بحب هذا الطائر، للبحث عن صيغة قانونية لترخيص امتلاك الحسون، أو ما يعرف بالحيازة لأغراض شخصية، بدل شرط الانضمام إلى إحدى الجمعيات، وللأسف الشديد، هناك من استغل هذه الثغرة القانونية، ومنح أعداء الطبيعة بطاقات انخراط، مقابل مبالغ معينة. لماذا لا تفكر المصالح المعنية بأن تصدر بطاقات خاصة بالصيد، عن طريق وزارة الداخلية مثل بطاقات القناصة، صحيح أنه لا يتم استخدام السلاح، لكن هذا الاقتراح، سيربك كل مخططات الصيادين والسماسرة ومافيات التهريب، لاسيما وأن هناك من سيحاول استخراج العديد من البطاقات، تحت أسماء أقاربه ومعارفه... هذا مجرد اقتراح مستقبلي، لأن الاقتراح الحالي والأهم هو إلغاء حق الحيازة والإمساك، والتوقف عن الصيد لمدة عامين كاملين !! وما دمنا نتحدث عن طائر مهدد بالانقراض، فما معنى أن يسمح هذا القانون بإمساك 40 طائر حسون، كعدد أقصى، ويرخص بحيازة 30 طائرا، لكل عضو؟!

نحن على أبواب موسم الإنتاج أو تكاثر الطيور البرية، فلنتركه يتكاثر في سلام، ما دمنا نعلم جميعا أن هناك طيور كثيرة، غير قانونية في حوزة المنخرطين في الجمعيات. المهم، أن يتم منع المتاجرة في هذه الطيور. إغلاق باب المتاجرة في الحسون حاليا، بعد السماح بحيازة هذه الطيور، الموجودة في الأقفاص أو "السلاكات"... هذا هو النقاش الأهم، الذي يجب أن نثيره، وليس التفاوض حول عدد الطيور التي يسمح بحيازتها. يجب أن يتسلح الجميع بالتعبير عن حبهم لهذا الطائر، بالبرهنة أنهم مع هذا القانون الدولي قلبا وقالبا، بالاستغناء عن حق الإمساك أو الحيازة.. نريده أن يتكاثر أولا، هل يمكن أن نتخيل الكارثة الحقيقية، التي ستحدث، عند السماح لكل المنخرطين في هذه التكتلات؟ بعملية حسابية بسيطة جدا، سنعرف ذلك؛ لو افترضنا أن هناك ألف منخرط، وسمحنا لهم جميعا، بحيازة 10طيور لكل شخص، فقط... سنضرب عرض الحائط كل هذه القوانين الدولية، سينقرض بالفعل!

مرة أخرى، أشير إلى أنه يجب أن يتكاثر الحسون في الطبيعة، يجب أن يتوقف الاتجار غير القانوني، يجب محاربة الصيد الجائر. يجب أن يكون لدى الشباب في العالم القروي وعي بأهمية بقاء هذا الطائر الجميل، بدل أن يتورط حتى الأطفال في هذه الجريمة البيئية، نظير حصولهم على مبلغ مالي مقابل كل طائر، وللأسف، أغلب الطيور تموت عاجلا أو آجلا، بعد صيدها، و"المواليع" الحقيقيون يعرفون هذا، لهذا لا يشترون "الجدر الخلوي"، لأنه – ببساطة- يتعرض لصدمة نفسية، فيصعب تثبيته في القفص.. يتعرض للتسييف، والنهاية موته. ربما، الأمر أسهل مع "القورع"، مع العلم أن أغلب الصيادين، لا يحترمون موسم التزاوج، بل يصطادون كل شيء.. طيلة السنة. يجب أن تجند الدولة الشباب العاطل في البوادي لحماية هذه الثروة، والتبليغ عن كل من يحاول التسلل إلى أماكن تواجد الحسون، حتى لو كان بهدف تصوير صيد الحسون بالشبكة، ثم إطلاق سراحه.. مثل هذه المهازل، الموجودة على يوتيوب، يجب أن تنتهي أيضا. يجب أن يتم تنبيه الفلاحين إلى أن استخدام المبيدات الكيماوية يتسبب في موت الحسون أيضا، وهذا مشكل مطروح في أغلب البلدان، وليس في المغرب فقط. أيضا، يجب أن يتوقف المزارعون عن تشذيب الأشجار في الأماكن، التي يتكاثر فيها الحسون، في موسم التزاوج.. وهنا، الدولة مطالبة بالقيام بتضحيات كبيرة من أجل حماية هذا الطائر، مطالبة بالقيام بجولات ميدانية، يمكن الاستعانة فيها بالشباب العاطل، الذين يرددون أن الدول الأوربية تعوض عن البطالة، وبالتالي، يمارسون صيد الحسون. ذلك الحسون الذي لا يتكاثر في الأماكن، التي لا يشعر فيها بالأمان، وبالتالي، ينفر البيض أو العش. هذه حقيقة يعرفها "المواليع". هكذا نضرب عصفورين بحجر واحد : تشغيل الشباب وحماية الحسون.

يجب أن تعرف الدولة أن المربي الحقيقي لا يشكل أي خطورة، بل يمكنه أن يمارس هوايته بشكل قانوني، في حالة تقديم وعود حقيقية، بعيداً عن لغة التهديد والوعيد، التي لجأت إليها المصالح المعنية، يجب أن يكون هناك وعي ببقاء هذا الطائر والحرص عليه، بدل التفكير في تطبيق القانون، لأن المصادرة، وإطلاق سىراح طيور المربين، والتي عاشت سنوات في الأقفاص ليس حلا مثاليًا، لأنها ستضاعف محنة هذه الطيور، سوف تعاني رحلة التشرد، في ظل اغتيال أغلب المساحات الخضراء في مدننا. يجب أن ندرك أننا فقط، سوف نعرض هذه الطيور للخطر لا غير.. دعونا نحارب الجرائم البيئية أولا، ثم نحارب كل من يريد أن يبقى هذا الملف الشائك عالقا. فمن السهل جدا أن ننخرط في جمعية مثلا، ولكن من الصعب أن نحب هذا الطائر.. أن نحلم بأن يطير، مجددا، في سماوات كل مدن البلد الأمين، أن نحلم برؤيته يغرد بالقرب من عصافير الدوري.. هل هذا ممكن؟!

هذا هو التحدي الحقيقي.

 

هشام بن الشاوي

 

في المثقف اليوم